[center]50-
تفصيل بعض الحقوق والآداب في العشرة بين الأزواج
الاحاديث النبوية في الحقوق بين الزوجين :
=============================
زيارة المرأة لأبويها وذويها. المفتى : فضيلة الشيخ محمد بخيت. ربيع الأول 1322 هجرية.
سئل : شخص تزوج بامرأة. وكلما أرادت أن تزور أبويها يمنعها زوجها ويدعى أن ذلك لا يجوز شرعا. فما الحكم.
أجاب : صرحوا بأنه لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين فى كل جمعة إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره فى الاختيار. ولا يمنعهما من الدخول عليها فى كل جمعة. كذا فى التنوير وشرحه. وهو ما اختاره فى فتح القدير حيث قال وعن أبى يوسف فى النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدرا على إتيانها فإن قدرا لا تذهب وهو حسن. وصرح بأن الأخذ يقول أبى يوسف هو الحق إذا كان الأبوان بالصفة التى ذكرت، وإلا ينبغى أن يأذن لها فى زيارتهما فى الحين بعد الحين على قدر متعارف. أما فى كل جمعة فبعيد. فإن فى كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذوى الهيئات بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر. وهذا ترجيح منه لخلاف ما ذكر فى البحر أنه الصحيح المفتى به من أنها تخرج للوالدين فى كل جمعة بإذنه وبدون إذنه، وللمحارم فى كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه كذا فى رد المحتار وصرح فى البحر بأن الخروج للأهل زائدا على ذلك يكون لها بإذنه. وعلى ذلك يجوز لهذه المرأة أن تخرج إلى أبويها فى كل جمعة أذنها الزوج أو لم يأذن، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن ويدونه. أما خروجها زائدا على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه. واللّه أعلم.
51-
زيارة أقارب المرأة. المفتى : فضيلة الشيخ بكرى الصدفى. ربيع الأول 1325 هجرية.
سئل : فى رجل له زوجة يحضر إليها أقاربها ويكلمونها كلاما مفاده معاشرتى بالسوء وذلك لرفضة السكنى معهم فى محل سكنهم، وطلب من والد زوجته وخالها عدم دخول بعض الأشخاص منزله، فما كان من خالها إلا أن تهور وشتم وأخذ ابنة أخته (الزوجة) وخرج، وطلب هل من حق الأقارب زيارتها أم لا، وهل لخالها الحق فى أخذها من منزل الزوجية أم لا، وما هى الأوقات الواجب زيارة كل فرد من أقاربها فيه وهل لخالها الحق فى أخذ شىء من الأشياء المملوكة لها أم لا.
أجاب : صرح العلماء بأنه ليس للزوج منع محارم زوجته غير الأبوين من زيارتها فى كل سنة مرة، إلا أن يخاف عليها الفساد فله منعهم من ذلك، كما أن له منعهم من القرار والمكث وطول الكلام معها خشية الفتنة، كذا فى الدر وحواشيه. هذا وليس للخال المذكور أن يخرج الزوجة المذكورة من منزل زوجها، ولا أن يأخذ شيئا من الأشياء المملوكة لها بدون وجه شرعى واللّه تعالى أعلم.
52-
نفقة زوجية. المفتى : فضيلة الشيخ أحمد هريدى. التاريخ 4 يوليه سنة 1964 م
سئل : من س. بالطلب المتضمن أن السائل تزوج بفتاة وقد زفت إليه ووجدها مريضة بمرض منفر ومعد وقد امتنع بسببه من معاشرتها وطلقها بعد مضى سنة من الزفاف لعدم شفائها. وطلب بيان الحكم الشرعى هل تستحق الزوجة المذكورة عليه نفقة فى المدة السابقة على الطلاق أولا مع العلم بأنه لم يقربها وكانت فى تلك المدة بمنزل والدها.
أجاب : نفقة الزوجة تجب بالعقد الصحيح. وإذا مرضت وزفت إلى بيت الزوج وهى مريضة فلا تسقط نفقتها ولو كان المرض شديدا لثبوت الاستمتاع بأغلب ثمرات الزوجية لتحقق شرط وجوب النفقة بالتسليم ولأن وجودها فى بيت الزوج فيه نفع له على كل حال ثم إذا نقلت إلى بيت أبيها مريضة أو ذهبت إليه لبعض الشئون ولم تخرج من بيت الزوج ناشزة فلا تسقط نفقتها إلا إذا دعاها الزوج إلى منزله فامتنعت بغير حق وبدون عذر لأنها تكون حينئذ ناشزة. أما إذا كان الامتناع بحق أو بعذر فلا تسقط نفقتها لأنها لا تعد ناشزة بذلك. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
53
من آداب الحياة الزوجية. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : نقرأ فى الكتب والصحف عن تجارب المفكرين فى وسائل محافظة الزوجة على قلب زوجها أشياء كثيرة قد تكون صدى لإحساس خاص ، أو نَضْحًا لبيئة بعرفها المناسب لها، فهل فى الإسلام شىء من هذه الوسائل التى تستعين بها الزوجة على سعادة زوجها والأسرة ؟.
أجاب : الإسلام وهو الدين الذى أكمله اللّه وأتم به النعمة فيه تبيان كل شىء يحقق السعادة للفرد والمجتمع فى الدنيا والآخرة، وكل تشريعاته العامة والخاصة لها صلة كبيرة بإسعاد الحياة الزوجية ، ومع ما عرفناه مأثور العرب فى وصايا بناتهم عند الزواج نورد بعضا من هذه الآداب : 1- أن تكون الزوجة صورة حسنة فى عين زوجها تجذب قلبه إليها، وذلك بالعناية بجمالها ، وقد مر الحديث عنه وموقف الإسلام منه. 2 -تنسيق البيت بشكل يدخل السرور على قلب الزوج ، وتجديد هذا التنسيق حتى يتجدد شعوره بالسرور، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة. 3-توفير الجو الهادى له ليستريح من عناء عمله ، وبخاصة فى أيام الراحة ، التى لا ينبغى أن تشغلها بما يصرفها عنه ، ولا تترك الأولاد يعكرون صفو هذا الجو. 4 -مشاركته فى فرحه وفى حزنه ، ومحاولة التسرية عنه بكلام طيب أو عمل سار، كما كانت السيدة خديجة رضى الله عنها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم أن جاء من الغار يرجف فؤاده ، فطمأنته بأن اللّه لا يخزيه أبدا. 5 -معرفة مواعيد أكله ونومه وعمل الحساب لكل منها ، وذلك بإعداد طعامه الذى يشتهيه والهدوء التام عند نومه الذى يحب أن يهدأ الجو من حوله ليشعر بالراحة. 6-عدم إظهار الاشمئزاز منه لعيب وجد فيه كمرض وفقر وكبر سن ، ومحاولة تخفيف هذه الآلام عنه بالقول أو الفعل ، فهذا ضرب من الوفاء له. 7 - الأدب معه فى الحديث ، واختيار الألفاظ المحببة إلى قلبه ، وعدم مراجعته بصورة تثير غضبه ، أو تجرح شعوره ، فقد يكون من وراء ذلك هدم الأسرة. 8 - عدم المن والتطاول عليه بغناها أو حسبها أو منصبها مثلا، وعدم ذكره بالسوء والشكاية منه إلا فى أضيق الحدود ، لدفع شر يتوقع مثلا، جاء فى إحياء علوم الدين للغزالى أن الأصمعى قال : دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها ، وزوجها من أقبح الناس وجها فقلت لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكونى زوجة له ؟ فقالت : اسكت يا هذا ، فقد أسأت فى قولك ، لعله أحسن فيما بينه وبين اللّه فجعلنى ثوابه. أو لعلنى أسأت فيما بينى وبين ربى فجعله عقوبتى ، أفلا أرضى بما رضى الله لى ؟. تلك وأمثالها آداب يقرها الإسلام ويدعو إليها ، وأولى أن نتبعها بدل أن نتبع التقاليد الأخرى التى لا تناسبنا ، فلكلٍّ شرعة ومنهاج.
54-
غياب الزوج عن زوجته. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : يسافر بعض الأزواج إلى بلد آخر لطلب العلم أو كسب العيش ويترك زوجته وأولاده ، فما موقف الدين من ذلك ؟.
أجاب : معلوم أن الزواج شركة يتعاون فيها الزوجان على توفير الأمن والراحة والسكن لكل منهما ولمن يأتى من ذريتهما ، وحتى يكون هذا التعاون نابعا من الأعماق قوى الرسوخ فى النفس ربط الله بينهما برباط وثيق هو الشهوة والعاطفة ، وبخاصة حين يحسان أن ثمرة اللقاء ستكون مولودا يشبعان به عاطفة الأبوة والأمومة، ويقدمان له أعز ما عندهما ويستعذبان فى سبيل توفير الراحة والسعادة له كل صعب وشاق. وحين يبتعد أحد الزوجين عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران أحدهما يحتاجه الجسد والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أحدث مرضا أو أمراضا ، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين ، وحصانة من أخلاق. جاء فى المأثور أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال الرعية ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بعد زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين ، ولولا تمسكها بدينها ووفاؤها لزوجها لانحرفت ، فرقَ عمر لحالها ، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله. وبالرغم من ترك الغائب لأهله النفقة اللازمة ، فإن عليه حقوقا لزوجته وأولاده غير ذلك ، والناس مختلفون فى الشعور بأداء هذا الحق ، ولئن كان عمر جعل أمد البعد أربعة أشهر فى بعض الروايات فلعل ذلك كان مناسبا للبيئة والظروف التى ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة ، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار، ويختلف من زوجة فيها دين وخلق قوى إلى من ليس عندها ذلك ، والزوج هو الذى يعرف ذلك ويقدره. وإذا كنت أنصح بتحمل بعض الآلام لمصلحة الأسرة ماديا فإني أنصح الزوج أيضا بألا يتمادى فى البعد ، فالسعادة النفسية باللقاء على فترات متقاربة لها أثرها فى سعادة الأسرة. ويراجع فى الجز الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام توضيح حق إعفاف الزوج لزوجته.
55-
الطلاق. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام ؟
أجاب : الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية ، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل ، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل ، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير. وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله ، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال ، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين ، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ". ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق : 1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج ، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى. أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين ، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل ، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق. 2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام ، فيكون العلاج بالطلاق. 3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح ، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق. وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه ، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع ، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة ، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه ، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين ، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم ، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف ، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع. من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق ، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله ، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية ، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة ، يجئ أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا، فيقول له : ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، قال فيدنيه ، أو قال : فيلتزم ويقول : نعم أنت " رواه مسلم. وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال : "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن. وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر : 1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله ، قال تعالى{وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء : 21. 2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين ، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها ، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره ، قال تعالى{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة : 229 ، 230. 3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها ، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء : 19 ، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم. 4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته ، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34. 5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا} النساء : 35. 6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل. ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود. 7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة ، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه. وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون. 8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به ، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم. 9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده ، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم. 10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل ، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه. وفى دليله مقال. 11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح ، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق ، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى ، وفيها نصوص وخلاف للعلماء. هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق ، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح ،. وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها ، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون. ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية ، قد تزيد المشكلة تفاقما ، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق ، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها. وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا ، مع الإخلاص المتبادل ، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات ، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها ، والواقع يشهد بذلك ، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم } آل عمران : 101. هذا ، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا ، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له ، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله. فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه ، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه. وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م )وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية ، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى. وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى : 1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج. 2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى. 3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره ) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية. 4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس.
56-
خضراء الدمن. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : هل هن الحديث ما يقال "إياكم وخضراء الدمن "قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"؟.
أجاب : هذا الحديث رواه الدارقطنى ، وذكره الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء " ورواه العسكرى فى كتابه "الأمثال " من طريق أبى سعيد الخدرى ، وقد تفرد به الواقدى. وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء : إنه حديث ضعيف. والدمن جمع دِمْنَة وهى-كما قال ابن الأثير فى النهاية - ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ، أى تلبده فى مرابطها ، وربما نبت فيها النبات الحسن النضير. والمراد من الحديث النهى عن تزوج المرأة لمجرد الإعجاب بحسنها وجمالها دون النظر إلى دينها وخلقها، فهى تشبه النبتة الرائعة فى مظهرها ولكنها تعيش فى وسط قذر، أو تستمد جياتها من منبع غير كريم ، ومثل هذه المرأة لا تؤمن الحياة الزوجية معها. وقد جاء فى حديث البخارى ومسلم "تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وهو دعاء عليه بالفقر والتصاق يده بالتراب إن لم يفعل ذلك.
57-
قائمة الجهاز. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : ما حكم الدين فى تحرير ما يسمى بقائمة أثاث وأجهزة منزل الزوجية عند الزواج ؟.
أجاب : لا مانع من تحرير قائمة الأثاث عند الزواج ضمانا لحق الزوجة ، والمؤمنون عند شروطهـم ، فقد يكون الأثاث هو مقدم المهر وهو ملك لها ، وقد يكون من مالها أو مال أبيها أو غيره فهو ملك لها أيضا. وأرجو ألا يكون هناك شطط أو مغالاة فى التقدير، وأن يكون الاتفاق على ذلك عند بدء الخطبة حتى تترك الفرصة للخاطب أن يفكر فى ذلك فلعله لا يوافق. أما أن يكون الكلام عن القائمة عند العقد فغير لائق ، فقد يفشل الموضوع وتكون التعليقات اللاذعة. وهناك تقليد فى بعض الأرياف يأبى أن يأخذ ولى الزوجة قائمة بعفشها ، مرددا هذا القول الجميل : أؤمنك على عرضى ولا أؤمنك على عفش ؟. يعنى أن ولى الزوجة جعلها أمانة عند زوجها يرعاها ويصونها ويكرمها ولا يعمل ما يؤذيها ولا يؤذى أهلها ماديا أو أدبيا ، وهذا شىء كبير وحمل ثقيل لا ينبغى أن ينظر بعده إلى متاع مهما كـانت قيمته ، فهو أمانة صغيرة جدا بالنسبة إلى الأمانة الكبيرة على الزوجة ماديا وأدبيا. فهل تعود هذه القيم الرفيعة مرة ثانية ؟ ذلك شىء يحتاج إلى تربية دينية صحيحة ، وحفاظ على التقاليد الأصيلة المشروعة.
58-
زيارة الزوجة لأهلها. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : هل يحق للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أهلها ؟.
أجاب : من المتفق عليه أن الزوجة يجب عليها أن تطيع الزوج فى أمرين أساسيين ، هما المتعة وملازمة البيت ، فلو عصته فى أحدهما كانت ناشزا، تسقط نفقتها ويتخذ معها إجراء بينة القرآن فى قوله تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن } النساء : 34 ، وصحت الأحاديث بالنهى عن عصيانها فيما يجب عليها نحوه. وفى ملازمة البيت روى حديث بسند ضعيف أن رجلا كان فى سفر وعهد إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل ، أى من الطابق الأعلى إلى الطابق الذى تحته ، وكان أبوها فيه ، فمرض ، فاستأذنت الرسول فى زيارته فأمرها أن تطيع زوجها ، فمات أبوها ودفن ولم تنزل ، فأخبرها الرسول بأن اللَّه غفر لأبيها بسبب طاعتها لزوجها. بعد هذا أقول : كما أن للزوج على زوجته حقوقا مؤكدة يعرِّض التفريط فيها إلى عقوبات دنيوية وأخروية -كذلك لوالديها حقوق من البر والإِحسان ، منها ما هو واجب يعرِّض لعقوبة اللَّه : ومنها ما هو مندوب لا عقوبة عليه ، لكن حق الزوج مقدم على حق الوالدين ، فقد روى الحاكم وصححه والبزار بإسناد حسن أن عائشة رضى اللّه عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم : أى الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال " زوجها " قالت : فأى الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال " أمه ". ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة مشكلات أو تعرَّض لعقوبات ، ومن العشرة بالمعروف التى أمر اللّه الزوج بها مع زوجته.أن يمكنها من بر والديها وصلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هى الوسيلة الوحيدة للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلا، أو بزيارة أهلها لها فى بيت زوجها ، وكل ذلك فى نطاق المصلحة الزوجية ، فإذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تضر الحياة الزوجية كان له منعها ، ولو خرجت بدون إذنه كانت ناشزا وحكم النشوز معروف ، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصية حتى نبيح لها أن تخالفه ، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، فالبر كما قلنا-يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع فى مصلحتها هي أيضا، فلا يجوز لها أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها ، فذلك عناد يجر إلى عناد أكبر قد تندم على نتيجته. وبحسن التفاهم يمكن الخروج من هذه الأزمة ، والوسائل لذلك كثيرة ، وعلى الوالدين أن يساعدا ابنتهما على استقرار حياتها الزوجية بعدم إثارة الزوابع التى تعصف بسعادة كل من تعرض لها أو تسبب فيها. هذا، وقد نشر كلام حدث منذ أكثر من مائة سنة جاء فيه - حول هذا الموضوع - أن الأبوين إذا كانا قادرين على زيارة ابنتهما فلا تخرج هى لزيارتهما إلا بإذن الزوج ، وكلام يبيح لها أن تخرج للزيارة كل أسبوع بإذن وبغير إذن ، وقيَّد بعضهم ذلك بعدم قدرتهما على زيارتها ( الشيخ محمد عبده ذكر كل ذلك بتاريخ 27 من ربيع الأول سنة 1322 انتهى. واختار أن تخرج إلى أبويها فى كل جمعة ، أذنها الزوج أو لم يأذن ، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه ، كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن وبدونه ، أما خروجها زائدًا على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه. وكان اختياره لذلك بعد عرض أقوال الفقهاء الأحناف من كتبهم ، دون أن يكون لأقوالهم أو لاختياره هو أى دليل من قرآن أو سنة " الفتاوى الإِسلامية مجلد 4 ص 1355 " وكل ذلك اجتهاد نظر فيه إلى العرف الجارى فى زمانهم ، لكن الأصل الذى يجب أن يعلم هو أن الزيارة فى حد ذاتها ليست ممنوعة، فقد أذن الرسول والصحابة لنسائهم بذلك ، والمدار هو على تحقيق المصلحة وعدم المفسدة، مع مراعاة تقدم حق الزوج على الأبوين ، والواجب يقدم على المندوب ، وللتحديد بمدة يرجع فيه إلى العرف ، ومخالفته لا ترقى إلى درجة التحريم وكلامهم هو فى الأولى والأفضل. ولعل ما ذكرته يكون أقرب إلى الصواب ).
59-
أخذ الزوجة من مال زوجها. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : هل يجوز للمرأة أن تتصرف فى مال زوجها بدون إذنه ؟.
أجاب : جاء فى صحيح البخارى قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره "وجاء مثل ذلك فى صحيح مسلم ، وروى أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذى قوله " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها " وروى الترمذى من خطبة الوداع " لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها " وروى البخارى ومسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا " وروى مسلم أن أسماء قالت للنبى صلى الله عليه وسلم : مالى مال إلا ما أدخله عليَّ الزبير ، أفأتصدق ؟ قال " تصدقى، ولا توعى فيوعى عليك ". الواجب على الزوجة أن تحافظ على مال زوجها ، فلا تتصرف فيه بما يضر ، والتصرف فيه إما أن يكون لمصلحة الأسرة ، أى الزوجين والأولاد ، وإما أن يكون لغير ذلك ، فما كان لمصلحة الأسرة سيقوم به الزوج لأنه هو المسئول عنه ، ولا تضطر الزوجة أن تأخذ بدون إذنه أكثر من كفايتها ، فإن قصر عن الكفاية أخذت بقدرها بدون إذنه فذلك حقها ، ودليله حديث هند لما شكت للنبى صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان بأنه شحيح مسِّيك ، فهل تأخذ من ماله بغير إذنه ؟ فقال " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " رواه مسلم. وإن كان التصرف فى ماله لغير مصلحة الأسرة ، فإن كان بإذنه جاز وإن كان صدقة فإن للزوج ثواب الصدقة من ماله ، ولها مثل هذا الثواب لأنها ساعدت بالعمل ، أما إن كان بغير إذنه استحقت نصف الأجر ، وذلك فى الشىء اليسير الذى تسمح به نفس الزوج ، أما إن كان كثيرا فيحرم عليها أن تتصرف أو تتصدق إلا بإذنه. وبهذا يمكن التوفيق بين الأحاديث التى أجازت لها التصرف ، والتى نهت عن التصرف ، والتى أعطت للزوجة مثل ثواب الصدقة أو نصف الثواب ، يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 7 ص 111 " : لابد من إذن الزوج ، وإلا فلا أجر لها وعليها الوزر ، والإذن إما صريح أو مفهوم من العرف والعادة ، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه ، وعلم رضاء الزوج والمالك به ، فإذنه فى ذلك حاصل وإن لم يتكلم. وهذا إذا عُلم رضاه لاطراد العرف ، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس فى السماحة بذلك والرضا به ، فإن اضطرب العرف وشك فى رضاه ، أو كان شخصا يشح بذلك ، وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه. ثم قال النووى " ص 113 " : واعلم أن هذا كله مفروض فى قدر يسير ، يعلم رضا المالك به فى العادة ، فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة "ثم قال : ونَبَّه بالطعام أيضا على ذلك ، لأنه يسمح به فى العادة ، بخلاف الدراهم والدنانير فى حق أكثر الناس وفى كثير من الأحوال. انتهى. يعلم من هذا أن الأموال الخاصة بالزوج - غير الطعام - لا يجوز للزوجة أن تتصرف فى شىء منها إلا بإذنه حتى لو كان للصدقة ، وإلا كان عليها الوزر وله الأجر ، أما إذا كان لحاجة الأسرة فلا يجوز أبدا إلا بإذنه ، لأنه هو المكلف بالإنفاق عليها ، اللهم إلا إذا كان بخيلا مقصرا فلها أخذ ما يكفى بالمعروف ، دون إسراف ودون إنفاق فى الكماليات الأخرى ، كما يعلم أيضا أن التصرف بغير الصدقة ونفقة الزوجية لا يجوز مطلقا من مال الزوج فى تقديم هدايا أو عمل ،ولائم ونحوها إلا بإذنه. أما مالها الخاص فلها أن تتصرف فيه بغير إذن زوجها ما دام فى شىء مشروع ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم لما حث النساء على التصدق ألقين بالخواتم والحلى فى حجر بلال ، ولم يسألهن النبى : هل استأذن أزواجهن فى ذلك أو لا " شرح صحيح مسلم ج 6 ص 173 ". وكانت زينب أم المؤمنين صناع اليدين ، تدبغ وتحرز وتتصدق بما تكسبه كله على المساكين " الزرقانى على المواهب ج 3 ص 247، 248". وأخبر عنها النبى صلى الله عليه وسلم بأنها أطول زوجاته يدا ، من أجل كثرة تصدقها ومن الخير أن تطلع الزوجة زوجها على حالتها وتصرفاتها المالية حتى لا يدخل الشك قلبه ، فكثيرا ما تدخل الشكوك والريب قلوب الأزواج من هذه الناحية. وإذا قلنا : إن للزوجة أن تنصرف فى مالها الخاص فى الأمور المشروعة بدون إذن الزوج ، فإن ذلك محله إذا لم يكن بينهما اتفاق ، أما إذا كان هناك اتفاق مشروط أو معروف عرفا على أن مال الزوجة يكون كله أو قدر معين منه فى مصاريف الأسرة فلا بد من تنفيذ الاتفاق ، والمؤمنون عند شروطهم.
60-
الشروط فى عقد الزواج. المفتى : فضيلة الشيخ عطية صقر. مايو 1997 المبدأ : القرآن والسنة.
سئل : بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع. فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك ؟
أجاب : إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة 254 من المجلد الرابع ، وفى صفحة 260 من المجلد الأول ، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع. والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات – إلى جانب ذلك أقول : 1 -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء ، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى. ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ. إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما ، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها ، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه ، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع. 3 -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة. ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل ، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها ، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها ، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها ، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه. وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله. وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة ، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل : "على نفسها جنت براقش " وصدق اللّه إذ يقول :{ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه } الطلاق : 1 ، ويقول : {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه } الفتح : 10 ، ويقول :{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } الشورى : 35. 4 -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الذاريات : 49. 5 -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما ، ومن هنا أبطل الإسلام ، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين. والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة. وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة. 6 -بعد هذا أقول : إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ". وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها. إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم ، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد. ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة ، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين ، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا ، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق ، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات ، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ". يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره ، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم : "كل شرط ليس فى كتاب اللّه فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه ، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث. يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج 7 ص 448 - 451 " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة. هناك ثلاثة أنواع من الشروط : الأول : ما يلزم الوفاء به ، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه ، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها ، فإن لم يف لها فلها الفسخ ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط ، وقيل :هو شرط لازم ، لأنه لا ينافى العقد ، ولها فيه فائدة. والثانى : ما يبطل الشرط ويصح العقد ، كأن يشترط أن لا مهر لها ، أو لا ينفق عليها ، أو تشترط هى ألا يطأها ، أو أن يكون لها النهار دون الليل ، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح. والثالث : ما يبطل النكاح من أصله ، كما لو اشترط تأقيت النكاح ، أو أن يطلقها لوقت بعينه ، أو أن يعلق النكاح على شرط ، كأن يقول : إن رضيت أمها. ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى اللّه عنه قال : إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها ، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى ، فقال له : لها شرطها، فقال الرجل : هلك الرجال ، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت ، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم. وعن على رضى اللّه عنه أنه سئل عن ذلك فقال : شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذى أيضا. وابن حجر فى "فتح البارى ج 9 ص 124 " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى : قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط ، وذكر قول الخطابى : إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر اللّه به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. وذكر ابن حجر أن أحمد يقول : بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها ، فمرة قال : المرأة مع زوجها ومرة قال :لها شرطها. هذا بعض ما فى كتب الفقه ، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل ، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها : فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف ، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى. وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر