الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: تابع:أسماء الله الحسنى2-- الأحد أبريل 14, 2013 7:52 pm | |
| تابع:أسماء الله الحسنى2-- ------------------------------
( السلام ) : مصدر نعت به للمبالغة أي : ذو السلامة عن عروض الآفات مطلقا ذاتا وصفة وفعلا ، فهو الذي سلم ذاته عن العيب والحدوث ، وصفاته عن النقص ، وأفعاله عن الشر المحض ، فهو من أسماء التنزيه ، وقيل : معناه مالك تسليم العابد من المخاوف والمهالك ، فيرجع إلى القدرة وهي من صفات الذات ، وقيل : ذو السلام على المؤمنين في الجنان ، كما قال تعالى : سلام قولا من رب رحيم فيكون مرجعه إلى الكلام القديم ، قيل : الفرق بينه وبين القدوس أن القدوس يدل على براءة الشيء من نقص يقتضيه ذاته ويقوم به ، فإن القدوس طهارة الشيء عن نفسه ، ولذلك جاء الفعل منه على فعل بالضم ، والسلام يدل على نزاهته عن نقص يعتريه لعروض آفة ، أو صدور فعل ، ويقرب منه ما قيل : القدوس فيما لم يزل ، والسلام فيما لا يزال ، ووظيفة العارف أن يتحقق به بحيث يسلم قلبه من الحقد والحسد والخيانة وإرادة الشر من غير قصد الخير في ضمنه وجوارحه عن ارتكاب المحظورات والآثام ، ويكون مسلما لأهل الإسلام ، ومسلما على كل من يراه عرفه أو لم يعرفه ، وعن بعض العارفين : السليم من العباد من سلم عن المخالفات سرا وعلنا ، وبرئ من العيوب ظاهرا وباطنا .
وقال القشيري : ومن آداب من تخلق بهذا الاسم أن يعود إلى مولاه بقلب سليم ، وقال بعضهم : لما كان السلام من السلامة كان العارف بهذا الاسم طالبا للسلامة ، ومتلبسا بالاستسلام ، ليجمع له كمال التنزيه في كل الأحوال ، والتخلق به أن يسلم المسلمون من لسانه ويده ، بل يكون بزيادة الشفقة عليهم ، فإذا رأى من هو أكبر منه سنا قال : هو خير مني ؛ لأنه أكثر مني طاعة وأسبق مني إيمانا ومعرفة ، وإن رأى أصغر منه ، قال : إنه خير مني ؛ لأنه أقل مني معصية ، وإذا ظهر من أخيه معصية طلب له سبعين معذرة ، فإن اتضح له عذره وإلا عاد على نفسه باللوم ، ويقول : بئس الرجل أنت حيث لم تقبل سبعين عذرا من أخيك .
( المؤمن ) : أي : من أمن خلقه بإفادة آلات دفع المضار ، أو أمن الأبرار من الفزع الأكبر يوم العرض ، أو أمن عباده من الظلم ، بل ما يفعل بهم إما فضل وإما عدل ، فهو من الأمان ومرجعه إلى أسماء الأفعال ، أو صدق أنبياءه بالمعجزات ، فيرجع إلى الكلام . قال القشيري : اعلم أن الموافقة في الأسماء لا تقتضي المشابهة في الذوات ، فيصبح أن يكون الحق سبحانه مؤمنا ، ولا تقضي المشابهة مشابهة العبد الرب اهـ . ولا تقتضي المشابهة في الصفات فإن بين الإيمانين بونا بينا ، قيل : ووظيفة العارف منه أن يصدق الحق ويسعى في تقريره ، ويكف عن الإضرار والحيف ، ويكون بحيث يأمن الناس بوائقه ، ويعتضدون به في دفع المخاوف ودفع المفاسد في أمور الدين والدنيا . وقال بعضهم : من عرف أنه الصادق في وعده المصدق لمن يشاء من عباده لم يسكن في تصديقه لغيره ، وعطف على السلام لمزيد معنى التأمين على السلام ، لما فيه من القبول والإقبال والله أعلم .
( المهيمن ) : أي : الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ ، ومنه هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فراخه صيانة له ، فهو من أسماء الأفعال ، وقيل : الشاهد أي : العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة ، فيرجع إلى العلم ، وقيل : الذي يشهد على كل نفس بما كسبت فيرجع إلى القول ، ومنه قوله تعالى : ( ومهيمنا عليه أي : شاهدا ، وقيل : القائم بأمور الخلق من أعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وأخلاقهم ، فيرجع إلى القدرة ، وقيل : أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة ، فهو مفيعل من الأمانة بمعنى الأمين الصادق الوعد ، فهو من الكلام . وقيل : هو من أسمائه تعالى في الكتب القديمة .
قال الغزالي - رحمه الله - : المهيمن اسم لمن استجمع ثلاث صفات : العلم مجال الشيء ، والقدرة العامة على مراعاة مصالحه ، والقيام عليها ، وحظ العارف منه أن يراقب قلبه ، ويقوم أحواله ، ويحفظ القوى [ ص: 1566 ] والجوارح عن الاشتغال بما يشغل قلبه عن جناب القدس ، ويحول بينه وبين الحق ، وما أحسن قول من قال : من عرف أنه المهيمن خضع تحت جلاله في كل أحواله .
( العزيز ) : ومنه قوله تعالى : والله غالب على أمره وقيل : عديم المثال فمرجعه إلى التنزيه ، وقيل : هو الذي تتعذر الإحاطة بوصفه ، وحظ العارف منه أن يعز نفسه ، ولا يستهينها بالمطالب الدنية ، ولا يدنسها بالسؤال من الناس ، والافتقار إليهم ، ويجعلها بحيث يشتد إليها احتياج العباد في الإرفاق والإرشاد ، قال أبو العباس المرسي : والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن المخلوقين ، وقيل : إنما يعرف الله عزيزا من أعز أمره وطاعته ، فأما من استهان بأوامره ، فمن المحال أن يكون متحققا بعزته . قال تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
( الجبار ) : بناء مبالغة من الجبر ، وهو إصلاح الشيء بضرب من القهر ، ويطلق على الإصلاح المجرد نحو ما نقل عن علي : يا جابر كل كسير ، وعلى القهر المجرد نحو ما ورد : لا جبر ولا تفويض ، ثم تجوز به للعلو المسبب عن القهر فقيل لمكة جبارة فقيل الجبار هو المصلح لأمور العباد يغني المؤمن من فقره ، ويصلح عظمه من كسره فهو من أسماء الأفعال ، وقيل : المتعالي عن أن يلحقه كيد الكائدين ، وأن يناله قصد القاصدين ، فمرجعه إلى التنزيه ، وقيل معناه حامل العباد على ما أراد قهرا من أمر أو نهي ، أو على ما أراد صدوره عنهم على سبيل الإجبار ، فصاروا حيث أراد طوعا أو كرها من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال ، فهو من صفات الذات . قيل : وحظ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النفس فيجبر نقائصها باستكمال الفضائل ، ويحملها على ملازمة التقوى من الرذائل ، ويكسر فيها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات ، ويرتفع عما سوى الحق غير ملتفت إلى الخلق فيتخلق بالسكينة والوقار بحيث لا يزلزله تعاور الحوادث ، ولا يؤثر فيه تعاقب النوازل ، بل يقوى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح .
قال القشيري : الاسم إذا احتمل معاني مما يصح في وصفه تعالى ، فمن دعاه بهذا الاسم ، فقد أثنى عليه بتلك المعاني فهو الجبار على معنى أنه عزيز متكبر محسن إلى عباده ، لا يجري في سلطانه شيء بخلاف مراده ، من آداب من عرف أنه لا تناله الأيدي لعلو قدرته أن يتحقق بأنه لا سبيل إليه ، فلا يصيب العبد منه إلا لطفه وإحسانه اليوم عرفانه وغدا غفرانه ، وإذا علم أنه يجبر الخلق على مراده ، وعلم أنه لا يجري في سلطانه ما يأباه ويكرهه ترك ما يهواه وانقاد لما يحكم به مولاه ، فيستريح عن كد الفكر وتعب التدبير ، وفي بعض الكتب : عبدي تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد ، فإن رضيت بما أريد كفيتك فيما تريد ، وإن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد اهـ .
ولذا قيل لأبي يزيد : ما تريد ؟ قال : أريد ألا أريد . قال عبد الله الأنصاري : هذه إرادة أيضا ، وقال الغزالي ، ما حاصله : الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع ، ونال درجة الاستتباع ، وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق هيئته وصورته على الاقتداء به ، ومتابعته في سمته وسيرته ، فيفيد الخلق ولا يستفيد ، ويؤثر ولا يتأثر ، ولم يكمل هذا المقام إلا لنبينا - عليه الصلاة والسلام - حيث قال : " لو أن موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر " .
( المتكبر ) : أي ذو الكبرياء وهو الرب الملك ، أو هو المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : هو عبارة عن كمال الذات فلا يوصف به غيره ، وقيل : هو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إلى ذاته ، فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده وهو عند الإطلاق لا يتصور إلا له تعالى ، فإنه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم .
قال الطيبي : فإن قيل . هذا اللفظ من باب التفعل ، ووضعه للتكلف في إظهار ما لا يكون ، فينبغي أن لا يطلق على الله تعالى . قلت : لما تضمن التكلف بالفعل مبالغة فيه أطلق اللفظ ، وأريد به مجرد المبالغة ، ونظير ذلك شائع في كلامهم ، مع أن التفعل جاء لغير التكلف كثيرا كالتعمم والتقمص .
[ ص: 1567 ] قال القشيري : من عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع ، وسلك سبيل التذلل ، وقد قيل : هتك ستره من جاوز قدره ، وقد قيل : الفقير في خلقه أحسن منه في جديد غيره ، ولا شيء أحسن على الخدم من التواضع بحضرة السادة ، وقيل : كل من أخلص في وده وصدق في حبه كان استلذاذه بمنعه أكثر من استلذاذه بعطائه . وقال الطيبي : وحظك منه أنك إذا شاهدت كبرياءه تعالى تكبرت على الركون إلى الشهوات والسكون إلى المألوفات ، فإن البهائم تساهمك فيها ، بل عن كل ما يشغل سرك عن الحق ، واستحقرت كل شيء سوى الوصول إلى جناب القدس من مستلذات الدنيا والآخرة ، وزالت عنك جميع دعاوى الكبر ومهاويه ، لصفاء نفسك وانطباعها للحق ، حتى سكن وهجها ، وانمحت رسومها ، فلم يبق لها اختيار ، ولا مع غير الله قرار .
( الخالق ) : من الخلق ، وأصله التقدير المستقيم ، ومنه قوله تعالى : فتبارك الله أحسن الخالقين أي المقدرين . وتخلقون إفكا أي تقدرون كذبا ، ويستعمل بمعنى الإبداع ، وإيجاد شيء من غير أصل ، كقوله تعالى : خلق السماوات والأرض فالله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل ، أو من غير أصل .
( البارئ ) : بالهمز في آخره ، أي : الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت .
( المصور ) : بكسر الواو المشددة أي : مبدع صور المخترعات ومزينها ومرتبها ، وقيل : هو الذي يصور الشيء على هيئة يتم بها خواصه وأفعاله . قال الطيبي : فالله سبحانه خالق كل شيء . بمعنى أنه مقدره ، أو موجده من أصل أو من غيره ، وبارئه بحسب ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال ، ومصوره بصورة يترتب عليه خواصه ، ويتم به كماله ، وثلاثتها من أسماء الأفعال اهـ . وبه يندفع قول من قال : إن هذه الثلاثة مترادفة وحظ العارف منها أن لا يرى شيئا ، ولا يتصور أمرا إلا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع ، وليترقى من المخلوق إلى الخالق ، وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى الصانع ، حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده .
وقال القشيري : وإذا علم العبد أنه لم يكن شيئا ولا عينا ، فحوله الله شيئا وجعله عينا ، فبالحري أن لا يعجب بحاله ، ولا يدل بأفعاله ، وقد أشكل عليه حكم مآله ، وكيف لا يتواضع من يعلم أنه في الابتداء نطفة ، وفي الانتهاء جيفة ، وفي الحال صريع جوعه وأسير شبعه ، ففيه من النقائص ما إن تأمله عرف به جلال ربه ، ثم اعلم أن الأسماء المتقدمة ثلاثة عشر ، سوى الجلالة ، وكلها دائرة على معانيها مع إفادة كل منها زيادة على معنى ما قبلها .
وقد جاء كذلك في خاتمة سورة الحشر ، مع زيادة عالم الغيب والعزيز الحكيم ، وقد قالوا : آخر سورة الحشر مشتمل على اسم الله الأعظم ، والله أعلم .
( الغفار ) : أي الذي يستر العيوب والذنوب في الدنيا بإسبال الستر عليها ، وفي العقبى بترك المعاتبة لها ، وهو لزيادة بنائه أبلغ من الغفور ، وقيل : المبالغة في الغفار باعتبار الكمية ، وفي الغفور باعتبار الكيفية ، وأصل الغفر الستر فهو من أسماء الأفعال ، وحظك منه أن تعرف أنه لا يغفر الذنوب إلا هو ، وأن تستر على عباده ، وتعفو عنهم ، وتلازم على الاستغفار خصوصا في الأسحار .
قال القشيري في قوله تعالى : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ثم " تقتضي التراخي كأنه قال : من رخى عمره في الزلات ، وأفنى حياته في المخالفات ، وأبلى شبابه في البطالات ، ثم ندم قبل الموت ، وجد من الله العفو من السيئات ، و " من يعمل سوءا " إخبار عن الفعل ، و " يستغفر الله " إخبار عن القول كأنه قيل : الذين زلاتهم حالة ، وتوبتهم قالة ، ولقد سهل عليك الأمر من رضي عنك بقالة ، وقد عملت ما عملت ، فالاستغفار يستدعي مجرد الغفران ، فقوبل بقوله : " يجد الله " نظرا إلى حال المذنب كيف طلب المغفرة فوجد الله .
[ ص: 1568 ] ( القهار ) : أي : الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته مسخر لقضائه ، وقدره قال تعالى : وهو القاهر فوق عباده ومرجعه إلى القدرة ، وقيل : هو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك نحوه ، فهو من أسماء الأفعال ، وما أحسن قول من قال : هو من اضمحلت عند صولته صولة كل متمرد أو جبار ، وبادت عند سطوته قوى الملوك وأرباب التفاخر والاستكبار ، لاسيما عند قوله تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأين الجبابرة الأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب ؟ وأين الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون في هذا العتاب ؟ وأين أهل الضلال والإلحاد والتوحيد والإرشاد ؟ وأين آدم وذريته وإبليس وشيعته ، وكأنهم بادوا وانقرضوا ، وكأنهم لم يغنوا ، زهقت النفوس ، وبلغت الأرواح ، وتبددت الأجسام والأشباح ، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال ، وما عداه بادوا عن آخرهم ، وتفرقت منهم الأعضاء والأوصال ، واعلم أن الله تعالى قهر نفوس العابدين بحقوق عبوديته ، وقلوب العارفين بسطوة قربته ، وأرواح الواجدين بكشف حقيقته ، فالعابد بلا نفس لاستيلاء سلطان أفعاله عليه ، والعارف بلا قلب ، لاستيلاء سلطان إقباله عليه ، والواحد بلا روح لاستيلاء كشف جماله وجلاله ، فمتى أراد العابد خروجه عن قيد مجاهدته ، قهرته سطوة العتاب فردته إلى بذل المهجة ، ومتى أراد العارف خروجه عن مطلبات القربة ، قهرته بوادي الهيبة فردته إلى توديع المهجة ، فشتان بين عبد مقهور أفعاله ، وعبد هو مقهور جلاله وجماله .
( الوهاب ) : أي : كثير النعمة دائم العطية : قال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها والهبة الحقيقية ، هي الخالية عن غرض الأعراض والأغراض ، فإن المعطي لغرض مستعيض ، وليس بواهب فهو من أسماء الأفعال .
تنبيه : الفتاح متأخر عن الرزاق .
( الفتاح ) : أي : الحاكم بين الخلائق ، من الفتح ، بمعنى الحكم ، ومنه قوله تعالى : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين لأن الحكم يفتح الأمر المغلق بين الخصمين ، والله سبحانه بين الحق وأوضحه ، وبين الباطل وأدحضه ببعث الرسل وإنزال الكتب ونصب الحجج النقلية والعقلية ومرجعه إلى العلم . وقيل : الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية ، ومنه قوله عز وجل : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وقوله تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وقيل المفتاح من الفتح وهو الإفراج من الضيق الحسي والمعنوي ، كالذي يفرج تضايق الخصمين في الحق بحكمه ، وعن بعض الصالحين : الفتاح هو الذي لا يغلق وجوه النعمة بالعصيان ، ولا يترك إيصال الرحمة إليهم بالنسيان ، وقيل : هو الذي يفتح قلوب المؤمنين بمعرفته ، وفتح على العاصين أبواب مغفرته . وقيل : هو الذي فتح على النفوس باب توفيقه ، وعلى الأسرار باب تحقيقه ، وحظك منه أن تسعى في الفصل بين الناس ، وأن تنصر المظلومين ، وأن تهتم بتيسير ما تعسر على الخلق من أمور الدنيا والدين ، حتى يكون لك حظ من هذا الاسم .
قال القشيري : من علم أنه الفتاح للأبواب ، الميسر للأسباب ، الكافي للحضور ، المصلح للأمور ، فإنه لا يتعلق بغيره قلبه ، ولا يشتغل بدونه فكره لا يزيد بلاء إلا ويزيد بربه ثقة ورجاء ، واعلم أنه تعالى يفتح للنفوس بركات التوفيق ، وللقلوب درجات التحقيق ، فبتوفيقه تزين النفوس بالمجاهدات ، وبتحقيقه تزين القلوب بالمشاهدات ، ومن آداب من علم أنه الفتاح أن يكون حسن الانتظار لنيل كرمه ، مستديم التطلع لوجود لطفه ، ساكنا تحت جريان حكمه ، عالما بأنه لا مقدم لما أخر ، ولا مؤخر لما قدم ، قال رجل وهو مؤذن على الجارية لعلي - كرم الله وجهه - : إني أحبك ، فذكرته لعلي ، فقال ، قولي له : وأنا أيضا أحبك فما بعد ذلك ؟ فقالت له ذلك . فقالت ذلك . فقال : إذا نصبر حتى يحكم الله بيننا ، فذكرت ذلك لعلي ، فدعاه فسأله عن القصة فأخبره بالصدق ، فقال : خذها فهي لك قد حكم الله بينكما ، فهو من أسماء الأفعال ، وقيل : مبدع الفتح والنصرة ، ومنه قوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا [ ص: 1569 ] ( الرزاق ) : أي : خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها . والرزق هو المنتفع به ، سواء كان مباحا أو محظورا ، وقالت المعتزلة : الرزق هو الملك وفساده ظاهر طردا وعكسا ، أما الأول : فلأن كل ما سوى الله ملكه ، وليس رزقا له وأما الثاني : فلأن يدر على البهائم رزقها لقوله تعالى : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وليس ملكا لها ، وهو نوعان : ظاهر للأبدان كالأقوات والأمتعة ، وباطن للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم ، ولذلك قال بعض المحققين : الرزاق من رزق الأشباح فوائد لطفه ، والأرواح عوائد كشفه ، وقال الآخر : الرزاق من غذى نفوس الأبرار بتوفيقه ، وجلا قلوب الأخيار بتصديقه ، وحظ العارف منه أن يتحقق معناه ليتيقن أنه لا يستحقه إلا الله ، فلا ينظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه ، فيكل أمره إليه ، ولا يتوكل فيه إلا عليه ، ويجعل يده خزانة ربه ، ولسانه وصلة بين الله وخلقه في وصول الأرزاق الروحانية والجسمانية إليهم بالإرفاد والتعليم ، وصرف المال ودعاء الخير ، وغير ذلك لينال حظا وافرا من هذه الصفة .
قال القشيري : من عرف أن الله هو الرزاق أفرده بالقصد إليه وتقرب إليه بدوام التوكل عليه ، وقيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ فقال : منذ عرفت خالقي ما شككت في رزقي ، وقيل لعارف : إيش القوت ؟ فقال : ذكر الحي الذي لا يموت ، وقد يقع لبعض العارفين أن يسأل الحقير من الحقير ليعطيه الخطير . قال تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا كما وقع للشبلي أنه أرسل لغني أن ابعث إلينا شيئا من دنياك ، فكتب إليه : سل دنياك من مولاك ؟ فأجابه : بأن الدنيا حقيرة وأنت حقير ، وإنما أسأل الحقير من الحقير ، ولا أطلب من مولاي غير مولاي ، ولا ينافي هذا ما ورد : يا موسى سلني حتى ملح عجينك ، لأن سؤال الخلق فيما أجرى على أيديهم لا ينافي سؤاله تعالى في تيسير أسباب وصول ذلك .
( العليم ) : أي : العالم البالغ في العلم المحيط علمه ، السابق بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها ، دقيقها وجليلها ، كلياتها وجزئياتها ، وهو من صفات الذات ، فهو تعالى يعلم ذاته وصفاته وأسماءه ، ويعلم ما كان وما لا يكون من الجائزات وأنه لو كان كيف يكون ، ويعلم المستحيل من حيث استحالته وانتفاء كونه ، وما يترتب عليه لو كان ، من ثمة قال عز قائلا : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) وبالجملة فهو تعالى لا يخفى عليه شيء ولذا قيل ما من عام إلا وخص كقوله تعالى : وهو على كل شيء قدير وأمثاله قيل : هذا أيضا عام ثم خص لعموم قوله تعالى : وهو بكل شيء عليم وما أحسن ما قيل : من عرف أنه تعالى عليم بحالته صبر على بليته وشكر على عطيته واستغفر من خطيئته .
وقال القشيري : من علم أنه تعالى عليم بالخفيات خبير بما في الضمائر من الخطرات ، لا يخفى عليه شيء من الحوادث في جميع الحالات ، فبالحري أن يستحيي من مواضع اطلاعه ، ويرعوي عن الاغترار بجميل ستره ، وفي بعض الكتب إن لم تعلموا أني أراكم ، فالخلل في إيمانكم ، وإن علمتم أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ .
( القابض ، الباسط ) : أي : مضيق الرزق وغيره على من شاء ما شاء كيف شاء وموسعه . وقيل : قابض الأرواح عن الأجساد عند الموت ، وناشرها فيها عند الحياة ، وهما من صفات الأفعال . قال بعض العارفين : معناهما أنه يقبض القلوب ، ويبسطها تارة بالضلالة والهدى ، وأخرى بالخوف والرجاء ، وقيل : القابض الذي يكاشفك بجلاله فيفنيك ، ويكاشفك بجماله فيغنيك . قال تعالى : والله يقبض ويبسط أي : في كل شيء من الأخلاق والأرزاق والأشباح والأرواح ، إذا قبض فلا طاقة ، وإذا بسط فلا فاقة ، وإنما يحسن إطلاقهما معا ليدلا على كمال القدرة وإتقان الحكمة ، وحظك منهما أن تراقب الحالين ، فلا تعيب أحدا من الخلق ولا تسكن إليه فيه إقبال ولا إدبار ، ولا تيأس منه في بلاء ، ولا تأمن على عطاء وترى القبض عدلا منه فتصبر ، والبسط فضلا فتشكر ، فتكون راضيا بقضائه حالا ومآلا .
[ ص: 1570 ] قال القشيري : هما صفتان يتعاقبان على قلوب أهل العرفان ، فإذا غلب الخوف انقبض ، وإذا غلب الرجاء انبسط . ويحكى عن الجنيد أنه قال : الخوف يقبضني ، والرجاء يبسطني ، والحق يجمعني ، والحقيقة تفرقني ، وهو في ذلك كله موحشني غير مؤنسني ، ثم قال : والقبض يوجب إيحاشه والبسط يوجب إيناسه اهـ . وينبغي للعبد أن يجتنب الضجر حال قبضه ، ويترك الانبساط وترك الأدب وقت بسطه ، ومن هذا خشي الأكابر .
" الخافض ، الرافع " : أي : يخفض القسط ويرفعه ، أو يخفض الكفار بالخزي والصغار ، ويرفع المؤمنين بالنصرة والاعتبار ، أو يخفض أعداءه بالإبعاد ، ويرفع أولياءه بالإسعاد ، وحظك منهما أن لا تثق بحال من أحوالك ، ولا تعتمد على شيء من علومك وأعمالك ، والتخلق بهما أن تخفض ما أمرك الله بخفضه كالنفس والهوى ، وترفع ما أمرك الله برفعه كالقلب والروح ، رؤي رجل في الهواء فقيل له : بم هذا ؟ فقال : جعلت هواي تحت قدمي فسخر الله لي الهواء .
( المعز ، المذل ) : الإعزاز جعل الشيء ذا كمال يصير بسببه مرغوبا إليه قليل المثال ، والإذلال ضده ، والإعزاز الحقيقي تخليص المرء عن ذل الحاجة ، واتباع الشهوة ، وجعله غالبا على مراده قاهرا لنفسه . قال بعض العارفين : المعز الذي أعز أولياءه بعصمته ، ثم غفر لهم برحمته ، ثم نقلهم إلى دار كرامته ، ثم أكرمهم برؤيته ومشاهدته ، والمذل الذي أذل أعداءه بحرمان معرفته ، وارتكاب مخالفته ، ثم نقلهم إلى دار عقوبته ، وأهانهم بطرده ولعنته ، وحظك منهما أنك لم تتعزز بغيره ، ولم تتذلل لسواه ، وأن تعز الحق وأهله ، وتذل الباطل وحزبه ، وتسأل الله التوفيق لموجبات عزه ، وتستعيذ به من قطيعة ذله .
وقال المشايخ : ما أعز الله عبدا بمثل ما يرشده إلى ذل نفسه ، وما أذل الله عبدا بمثل ما يرد إلى توهم عز . قيل ، في قوله تعالى : وتعز من تشاء وتذل من تشاء تعز كل قوم من الزهاد ، والعباد ، والمريدين ، والعارفين ، والمحبين ، والموحدين ، بما يليق بمقامهم ، فالله يعز الزاهد بعزوف نفسه عن الدنيا ، ويعز العابد بخدمة المولى وترك الهوى ، ويعز المريدين بزهادتهم عن صحبة الورى ، ويعز العارف بتأهيله لمقام النجوى ، ويعز المحب بالكشف واللقاء وبالغنى عن كل ما سوى ، ويعز الموحد بشهود جلالة من له البقاء والعظمة والبهاء . | |
|