الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: تابع:أسماء الله الحسنى-4- الأحد أبريل 14, 2013 7:43 pm | |
| تابع:أسماء الله الحسنى-4-
( القيوم ) : أي : القائم بنفسه المقيم لغيره ، فهو على العموم والإطلاق لا يصح إلا لله تعالى ، فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره ، وقوام كل شيء به إذ لا يتصور للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده تعالى ، وللعبد فيه مدخل بقدر استغنائه عما سوى الله وإمداده للناس ، وكان مفهومه مركبا من نعوت الجلال وصفات الأفعال .
قال القشيري : من عرف أنه القيوم استراح عن كد التدبير وتعب الأشغال ، وعاش براحة التفويض ، فلم يضن بشيء بتكريمه ، ولم يجعل في قلبه للدنيا كثرة قيمة ، وهو ( فيعول ) للمبالغة كالديوم . قال السهروردي : قيوم لا يعتريه الزيادة والنقصان والتغير فالزيادة لقصور عن الغاية ، والنقصان لتخلف عن النهاية ، وهو خالق الغايات والنهايات .
( الواجد ) : بالجيم أي : الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء ، وقيل : معناه الغني مأخوذ من الوجد . قال تعالي : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم كما ذكره الطيبي ، وظاهره أن المعنى الثاني أعم من الأول ، وأما قول ابن حجر : وهذا مرادف للمعنى الأول لا مغاير له خلافا لما يوهمه كلام الشارح - فوهم منه وسهو عنه . قال القشيري : الوجد عند القوم ما يصادفونه من الأحوال من غير تكلف ولا تطلب . قال الثوري : الوجد لهيب ينشأ في الأسرار وينسلخ عن الشوق فتضطرب الجوارح طربا أو حزنا عند ذلك الوارد ، وقيل : الوجد وجود نسيم الحبيب كقوله تعالى : إني لأجد ريح يوسف قلت : وكما هو المشهور على ألسنة الصوفية ، وإن لم أره في الكتب الحديثية ، وإني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ، والله أعلم .
[ ص: 1583 ] ( الماجد ) : من المجد وهو سعة الكرم ونهاية الشرف ، قال ابن حجر : هو بمعنى المجيد إلا أن في المجيد مبالغة ليست في هذا من المجد . اهـ . وفيه من الإيهام ما لا يخفى ، والتحقيق أن صفاته في غاية من الكمال ، سواء تكون بصيغة المبالغة كمجيد وعليم أو لا ، كماجد وعالم . نعم ما ذكر إنما هو باعتبار المبنى لا من حيثية أصل المعنى ، بقي أن ظاهره التكرار ، والمحققون لا يرضون بذلك ، والذي خطر ببالي أن نكتة إعادته أنه مقابل للاسم الذي قبله ، ولذا ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل متشبثا بأستار الكعبة قائلا : " يا واجد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بها علي " .
( الواحد ) : وفي نسخة بزيادة الأحد بعده . قال الطيبي في جامع الأصول : لفظ الأحد بعد الواحد ، ولم يوجد في جامع الترمذي ، والدعوات للبيهقي ، ولا في شرح السنة ، ومعنى الواحد أنه لا يتجزأ في ذاته ولا نظير له في صفاته ، وليس له شريك في فعاله . اهـ . وقال بعض شراح المصابيح : الواحد المتفرد بالذات لا شريك له ، والأحد المتفرد بالصفات لا يشاركه أحد في صفاته ، وقيل : الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام ، ويكثر إطلاق الواحد بهذا المعنى ، وقد يطلق بإزاء التعدد والكثرة ، ويكثر إطلاق الأحد بهذا المعنى ، والله سبحانه وتعالى من حيث إنه متعال عن أن يكون له مثل فيتطرق إلى ذاته التعدد والاشتراك أحد ، ومن حيث إنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد ، وهذا القول أظهر والله أعلم .
قال الطيبي : الواحد الأحد مأخوذ من الوحدة ، فإن أصل أحد واحد بفتحتين فأبدلت الواو همزة والفرق بينهما من حيث اللفظ من وجوه ، الأول : أن أحدا لا يستعمل في الإثبات على غير الله ، فيقال : الله أحد ، ولا يقال : زيد أحد ، كما يقال : زيد واحد ، وكأنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والثاني : أن نفيه يعم ، ونفي الواحد قد لا يعم ، ولذا صح أن يقال : ليس في الدار واحد بل فيها اثنان ، ولا يصح ذلك في أحد . والثالث : أن الواحد يفتح به العدد فيقال : واحد اثنان الخ . ولا كذلك أحد ، فلا يقال أحد اثنين . والرابع : أن الواحد يلحقه التاء بخلاف الأحد .
والفرق بينهما من حيث المعنى أيضا من وجوه ، الأول : أن أحدا من حيث البناء أبلغ من واحد ، لأنه من الصفات المشبهة التي بنيت بمعنى الثبات . الثاني : أن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة تارة ويراد بها عدم التثني والنظير أخرى ، كوحدة الشمس ، والواحد يكثر إطلاقه بالمعنى الأول ، والأحد يغلب استعماله في المعنى الثاني ، ولذا يجمع أحد .
قال الأزهري : سئل أحمد بن يحيى عن الآحاد أنه جمع أحد ؟ فقال : معاذ الله ليس للأحد جمع ، ولا يبعد أن يقال : أنه جمع واحد كالأشهاد في جمع شاهد ، ولا يفتح به العدد ، وإليه أشار من قال : الواحد للوصل ، والأحد للفصل ، فمن الواحد وصل إلى عباده ما وصل من النعم ، ومن الأحد فصل عنهم ما فصل من النقم . قلت : ولعل هذا وجه الاكتفاء به في هذا المقام ، لأن فصل النقم يندرج في وصل النعم . والثالث : ما ذكره بعض المتكلمين ، وهو أن الواحد باعتبار الذات ، والأحد باعتبار الصفات ، يعني باعتبار أنه لا نظير له ، ولا شبيه في صفاته ، ويمكن أن يكون هذا سبب عدم ذكره ، لأنه بظاهره ينافي تعدد الأسماء ، وغلب عليه الواحد باعتبار المعنى للاكتفاء ، وحظ العبد أن يغوص لجة التوحيد ، ويستغرق في بحر التفريد ، حتى لا يرى من الأزل إلى الأبد غير الواحد الأحد .
قال القشيري : التوحيد ثلاثة : توحيد الحق تعالى نفسه ، وهو علمه بأنه واحد وكذا إخباره . قلت : كقوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو وتوحيد الحق للعبد ، وهو إعطاؤه التوحيد له والتوفيق به ، قلت : وإليه الإشارة بقوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله وتوحيد العبد للحق ، وهو أن لا يشرك به شيئا . قلت : وإليه الإشارة بقوله تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو .
[ ص: 1584 ] وقال الجنيدي : التوحيد إفراد القدم من الحدث ، وقيل : التوحيد إسقاط الإضافات بنور الخلق لظهور الحق ، وحظك منه أن تفرد قلبك له لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله وتر يحب الوتر " . قيل : الوتر هنا القلب المنفرد له تعالى ، قال الشاعر :
إذا كان من تهواه في الحسن واحدا فكن واحدا في الحب إن كنت تهواه
.
( الصمد ) : أي : السيد الذي انتهى إليه السؤدد ، وقيل : الذي لا جوف له ، فهو الذي يطعم ولا يطعم ، وقيل : هو المنزه عن أن يعرض له حاجة أو يعتريه آفة ، وقيل : الباقي الذي لا يزول ، وقيل : الدائم ، وقيل غير ذلك ، وقيل الذي يصمد إليه في الرغائب ويقصد إليه في النوائب ، وهو المعتمد . ومن كان يقصده الناس فيما يعن لهم من مهام دينهم ودنياهم ، فله حظ من الوصف ، ومن رسخ في التوحيد وصار متصلبا في الدين لا يتزلزل بتقادم الشبهات وتعاقب البليات ، فقد حظي منه .
قال القشيري رحمه الله : من حق من عرفه بهذا الوصف أن يعرف نفسه بالفناء والزوال وشد الارتحال ويلاحظ الكون بعين الفناء والانتقال فيزهد في حطامها ، ولا يرغب في حلالها ، فضلا عن حرامها . ومن حق من يعرف أنه يطعم ولا يطعم أن يوجه رغباته عند مآربه إليه ، ويصدق توكله في جميع حالاته . فلا يهتم في رزقه ، وكما أنه لم يستعن بأحد من خلقه كذلك لا يشاركه في رزقه ، وإذا عرف أنه يصمد إليه في الحوائج شكا إليه حاجته وفاقته ورفع إليه ، وتعلق بجميل تصرفه وتقرب بصنوف توسله .
( القادر ، المقتدر ) : معناهما ذو القدرة ، إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب ، فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة ، لكنه يفيد المعنى مبالغة ، فمن قال باستواء الاسمين في المعنى المراد حق ، لأن المراد بها البالغ في القدرة . وأما قول ابن حجر : زعم استواء الاسمين في المعنى المراد بعيد ، فبعيد لأن الكلام في المعنى ، والاختلاف في المبنى ، مع أنه ذكر بنفسه أن معنى التكلفة والاكتساب مستحيل في حقه تعالى ، فبين كلاميه مناقضة ظاهرة ، وقيل : المراد من وصفه تعالى بهما : نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد ، ومحال أن يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى وإن أطلق عليه لفظا . قال الطيبي : ومن حقهما أن لا يوصف بهما مطلقا غير الله ، فإنه القادر بالذات ، والمقتدر على جميع الممكنات ، وما عداه فإنما يقدر بإقداره على بعض الأشياء في بعض الأحوال فحقيق به أن لا يقال له أنه قادر إلا مقيدا ، أو على قصد التقييد .
( المقدم ، المؤخر ) : معناهما هو الذي يقرب ويبعد ، ومن قربه فقد قدمه ، ومن أبعده فقد أخره ، وقيل : هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض ، إما بالذات كتقدم البسائط على المركبات ، وإما بالوجود كتقديم الأسباب على المسببات ، أو بالشرف والقربة كتقدم الأنبياء والصالحين على من عداهم ، أو بالمكان كتقدم الأجسام العلوية على السفلية ، أو بالزمان كتقدم الأطوار والقرون بعضها على بعض . ومن كلام بعض العارفين : المقدم من قدم الأبرار بفنون المبار ، والمؤخر من أخر الفجرة وشغلهم بالأغيار ، وحظ العبد منه أن يهم بأمره فيقدم الأهم فالأهم ، وأن يكون بين الخوف والرجاء .
( الأول ) : أي : الذي لا بداية لأوليته . ( الآخر ) : أي : الباقي بعد فناء خليقته ، ولا نهاية لآخريته ، فمنه الأمر بدأ وإليه يعود ، وهو المقصود في مراتب الوجود .
( الظاهر ، الباطن ) : أي : الذي ظهر ظاهر وجوده بالآيات الباهرة ، واحتجب كنه ذاته عن العقول الماهرة ، وقيل : الظاهر الذي ظهرت شواهد وجوده بخلق السماوات والأرض وما بينهما ، وقيل : هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه ، وقيل : هو الذي عرف بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر من آثار أفعاله وأوصافه . والباطن : هو المحتجب عن بصر الخلق ونظر العقل بحجب كبريائه ، فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وقيل : هو العالم بما بطن يقال : بطنت الأمر : إذا عرفت باطنه ، وقيل : الظاهر بنعمته الباطن برحمته ، وقيل : الظاهر لقوم فلذلك وحدوه ، والباطن عن قوم فلذلك جحدوه ، وقيل : الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، والظاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة وقيل الأول بلا مطلع والآخر بلا مقطع والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب ، ولعل الإتيان بها في الآية بالواو العاطفة إشارة إلى المرتبة الجمعية ، وإشعار برفع وهم التناقضية ، ولذا قال بعضهم : إنما خفي تعالى مع ظهوره لشدة ظهوره ، فظهوره سبب لبطونه ، ونوره حجاب نوره ، وكل ما جاوز عن حده انعكس على ضده ، وفي الحكم أظهر وجود كل شيء لأنه الباطن ، وطوى وجود كل شيء إلا أنه الظاهر .
[ ص: 1585 ] ( الوالي ) : أي الذي تولى الأمور وحكمها بالأحزان والسرور .
( المتعالي ) : بمعنى العلي بنوع من المبالغة ، وقيل : البالغ في العلو ، والمرتفع عن النقائص .
( البر ) : أي المحسن البالغ في البر والإحسان . قال القشيري ، رحمه الله : من كان الله تعالى بارا به عصم عن المخالفة نفسه ، وأدام بفنون اللطائف أنسه ، وطيب فؤاده ، وحصل مراده وجعل التقوى زاده ، وأغناه عن إشكاله بإفضاله ، وحماه عن مخالفته بيمن إقباله ، فهو ملك لا يستظهر بجيش وعدد ، وغني لا يتمول بمال وعدد ، وفي الحكم : متى أعطاك أشهدك بره ، ومتى منعك أشهدك قهره ، فهو في كل ذلك يتعرف إليك ، ويقبل بوجود لطفه عليك .
( التواب ) : أي : الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب رجع إلى التزام الطاعة ، بقبول توبته من التوب وهو الرجوع . وقيل : هو الذي ييسر للمذنبين أساس التوبة ، ويوفقهم لها ، فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له . وقيل : الذي يقبل توبة عباده مرة بعد أخرى ، ومن حظ العبد منه أن يكون واثقا بقبول التوبة ، غير آيس من زوال الرحمة ، ويصفح عن المجرمين ، ويقبل عذر المتعذرين . قال القشيري : توبة الله على العبد توفيقه للتوبة ، فإذن ابتداء التوبة وأصلها من الله ، وكذلك إتمامها على الله تعالى ، ونظامها بالله نظامها في الحال ، وتمامها في المآل . ولولا أن الله يتوب على العبد متى كان للعبد توبة . قال تعالى : ثم تاب عليهم ليتوبوا .
( المنتقم ) : أي : المعاقب للعصاة على مكروهات أفعالهم ، افتعال من نقم الشيء : إذا كرهه غاية الكراهة وهو لا يحمد من العبد إلا إذا كان انتقامه لله ، ومن أعداء الله ، وأحق أعداء بالانتقام نفسه ، فينتقم منها مهما قارفت معصية أو تركت طاعة ، بأن يكلفها خلاف ما حملها عليه .
( العفو ) : فعول من العفو ، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي ، وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر ، والعفو ينبئ ، عن المحو ، وأصل العفو القصد لتناول الشيء ، سمي به المحو لأنه قصد لإزالة الممحو . قال القشيري : من عرف أنه تعالى عفو طلب عفوه ، ومن طلب عفوه تجاوز عن خلقه ، فإن الله تعالى بذلك أدبهم وإليه ندبهم بقوله : وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم .
( الرءوف ) : أي : ذو الرأفة ، وهي شدة الرحمة ، وهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ، ومن الراحم بمرتبتين ، كذا ذكره الطيبي . وصحف ابن حجر الراحم بالرحمن ، واعترض عليه بقوله : وهو عجيب من الشارح ، لأنه إنما يأتي على أن الرحيم أبلغ من الرحمن ، وهو قول ليس بمشهور . حكي أن إنسانا تجنب عن الصلاة على جار له مات لكونه كان شريرا ، فرئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي وقال : قل لفلان : ( لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ) .
( مالك الملك ) : هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه ، ويجري الأمور فيه على ما يشاء إيجادا وإعداما وإبقاء وفناء ، لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه . قال الشاذلي : قف بباب واحد ليفتح لك الأبواب ، واخضع لملك واحد ليخضع لك الرقاب ، قال تعالى : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه .
( ذو الجلال والإكرام ) : قيل : هو الذي لا شرف ولا كمال إلا وهو له ، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه ، فالجلال في ذاته ، والإكرام منه فائض على مخلوقاته . وفي الحديث : " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " . قيل : لأنه الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب .
( المقسط ) : يقال : قسط : إذا جار ، ومنه قوله تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأقسط : إذا عدل وأزال الجور ، فهو الذي ينتصف للمظلومين من الظالمين ، ويدفع بأس الظلمة عن المستضعفين ، ومنه قوله تعالى : إن الله يحب المقسطين وأما قوله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط أي : بالعدل ، فهو اسم مصدر لأقسط لا مصدر لقسط لتضاد معنيهما .
[ ص: 1586 ] ( الجامع ) : أي : الذي جمع بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متجاورة ومتمازجة في الأنفس والآفاق . وقيل : الجامع لأوصاف الحمد والثناء ، وأقول : هو كما قال : جامع الناس ليوم لا ريب فيه فمن جمع بين العلم والعمل ، ووافق الكمالات النفسانية بالآداب الجسمانية فله حظ من ذلك . وقال القشيري : وقد يجمع اليوم قلوب أوليائه إلى شهود تقديره ، حتى يتخلص من أسباب التفرقة فيطيب عيشه ، إذ لا راحة للمؤمن دون لقاء الله ، فلا يرى الوسائط ، ولا ينظر إلى الحادثات بعين التقدير فإن كان نعم علم أن الله هو المعطي لها ومنيحها ، وإن كان شدة علم أن الله هو الكاشف لها ومزيحها .
( الغني ) : أي : المستغني بذاته وصفاته عن كل شيء في كل شيء قال تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد .
( المغني ) : أي الذي يغني من يشاء من عباده بما شاء ، وقيل : هو الذي أغنى خواص عباده عما سواه ، بأن لم يبق لهم حاجة إلا إليه . قال القشيري : إن الله يغني عباده بعضهم عن بعض على الحقيقة ، لأن الحوائج لا تكون إلا إلى الله ، فمن أشار إلى الله ثم رجع عند حوائجه إلى غير الله ابتلاه الله الحاجة إلى الخلق ، ثم ينزع الرحمة من قلوبهم ، ومن شهد محل افتقاره إلى الله ، فرجع إليه بحسن العرفان ، أغناه الله من حيث لا يحتسب ، وأعطاه من حيث لا يرتقب ، وإغناء الله العباد على قسمين : فمنهم من يغنيه بتنمية أمواله ، ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله ، وهذا هو الغنى الحقيقي .
( المانع ) : أي الدافع لأسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان ، وقيل : هو من المنعة أي يحوط أولياءه وينصر أصفياءه ، وقيل : من المنع أي : يمنع من يستحق المنع ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع " . وقال ابن عطاء : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك . قال ابن حجر : وفي رواية : المعطي المانع ، قال القشيري : المانع في وصفه تعالى يكون بمعنى منع البلاء عن أوليائه ، ويكون بمعنى منع العطاء عمن شاء من أوليائه وأعدائه ، وقد يمنع المني والشهوات عن نفوس العوام ، ويمنع الإرادات والاختيارات عن قلوب الخواص ، وهو من أجل النعم التي يخص بها عباده المقربين ، ويكرم به أولياءه العارفين .
( الضار ، النافع ) : هما بمنزلة وصف واحد ، وهو القدرة الشاملة للضر والنفع ، أو خالق الضر والنفع ، أو الذي يصدر عنه النفع والضر إما بواسط أو بغير واسط . قال القشيري : وفي معنى الوصفين إشارة إلى التوحيد ، وهو أنه لا يحدث شيء في ملكه إلا بإيجاده وحكمته وقضائه وإرادته ومشيئته ، فمن استسلم لحكمه فهو عائش في الراحة ، ومن آثر اختيار نفسه وقع في كل آفة ، وقد ورد عن الحق تعالى أنه قال : ( أنا الله لا إله إلا أنا ، من استسلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر على نعمائي كان عبدي حقا ، ومن لم يستسلم لقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي فليطلب ربا سواي ) .
( النور ) : أي : الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، وقيل : هو الذي يبصر بنوره ذو العماية . قال القشيري في قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض ينور الآفاق بالنجوم ، والقلوب بفنون المعارف وصنوف العلوم ، والأبدان بآثار الطاعات ، لأن العبادة زينة النفوس ، والأشباح والمعارف زينة القلوب ، والأرواح والتأييد بالموافقات نور الظواهر ، والتوحيد بالمواصلات نور السرائر ، وأن الله تعالى يزيد قلب العبد نورا على نور . قوله : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) أي : يهدي الله القلوب إلى محاسن الأخلاق بنور الحق ويصطفيه ، ويترك الباطل ويدع ما يستدعيه .
( الهادي ) : هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى خاصة خلقه إلى معرفة ذاته فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته ، فيكون أول معرفتهم بالله ، ثم يعرفون غيره به ، وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته ، فاستشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته ، فيكون أول معرفتهم بالأفعال ثم يرتفعون بها إلى الفاعل ، فالثاني مريد ، والأول مراد ، والله رءوف بالعباد ، وإلى المرتبة الأولى الإشارة بقوله تعالى : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد خطابا منه - عليه الصلاة والسلام - وهو معرفة الأقوياء من خواص عباده الأصفياء ، وإليها الإيماء بقوله : عرفت ربي بربي ، ولولا ربي ما عرفت ربي ، ولولا الله ما اهتدينا . وإلى الثانية الإشارة بقوله تعالى : سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وبقوله عز وجل : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء قال القشيري في قوله تعالى : يهديهم ربهم يكرم أقواما . مما يلهمهم من جميل [ ص: 1587 ] الأخلاق ، ويصرف قلوبهم إلى ابتغاء ما فيه رضا الخلاق ، ويدلهم على استصغار قدر الدنيا حتى لا يسترقهم ذل الطمع من الوقوف على غير باب المولى ، والهداية إلى حسن الخلق ثاني الهداية إلى اعتقاد الحق ، لأن الدين صدق مع الحق وخلق مع الخلق .
( البديع ) : أي : المبدع الذي أتى بما لم يسبق إليه ، فعيل بمعنى مفعل ، أو الذي أبدع الأشياء أي أوجدها من العدم ، أو هو الذي لم يعهد مثله ، فالله هو البديع مطلقا ، لأنه لا مثل له في ذاته ، ولا نظير له في صفاته . قيل : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة ، وقال القشيري : أصل مذهبنا ثلاثة . الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأخلاق والأفعال والأكل من الحلال ، وصدق المقال ، وإخلاص النية في جميع الأعمال . وقال أيضا : من داهن مبتدعا سلب الله حلاوة السنن من عمله ، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه .
( الباقي ) : أي : الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء . قال القشيري : حقيقة الباقي من له البقاء ولا يجوز أن يكون الباقي باقيا ببقاء غيره ، ومما يجب أن تشتد به العناية أن يتحقق العبد أن المخلوق لا يجوز أن يكون متصفا بصفات ذات الحق تعالى ، فلا يجوز أن يكون العبد عالما بعلم الحق ، ولا قادرا بقدرته ، ولا سميعا بسمعه ، ولا بصيرا ببصره ، ولا باقيا ببقائه ، لأن الصفة القديمة لا يجوز قيامها بالذات الحادثة ، كما لا يجوز قيام الصفة الحادثة بالذات القديمة ، وحفظ هذا الباب أصل التوحيد ، وإن كثيرا ممن لا تحصيل له ولا تحقيق زعموا أن العبد يصير باقيا ببقاء الحق ، سميعا بسمعه ، وبصيرا ببصره ، وهذا خروج عن الدين ، وانسلاخ عن الإسلام بالكلية ، وربما تعلقوا في نصرة هذه المقالة الشنيعة بما روي في الخبر : فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ، بي يسمع وبي يبصر ، ولا احتجاج لهم في ظاهره ، إذ ليس فيه أنه يسمع بسمعي ويبصر ببصري ، بل قال : بي يسمع وبي يبصر . قال النصر آباذي : الله تعالى باق ببقائه والعبد باق بإبقائه ، ولقد حقق رحمه الله وحصل وأخذ عن كمية المسألة وفصل .
( الوارث ) : الباقي بعد فناء العباد وخراب البلاد حين يقول : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار قال تعالى : إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ومنه قوله : رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك ، وهذا بالنظر العامي ، وأما الحقيقة فهو الملك المالك على الإطلاق كما قيل : الوارث الذي يرث بلا توريث أحد والباقي الذي ليس لملكه أمد .
( الرشيد ) : أي الذي تنساق تدابيره إلى غايتها على سنن السداد بلا استشارة وإرشاد ، فهو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي : هداهم إليها ، ودلهم عليها فعيل بمعنى مفعل بمعنى الهادي ، فيكون إرشاد الله لعبده هداية نفسه إلى طاعته وقلبه إلى معرفته وروحه إلى محبته وسره إلى قربته ، وأمارة من أرشده الحق لإصلاح نفسه أن يلهمه التوكل عليه والتفويض في سائر أموره إليه .
جاع ابن أدهم يوما فأمر رجلا برهن شيء معه على ما يأكله ، فخرج فإذا بإنسان معه بغلة عليها أربعون ألف دينار فسأله عن إبراهيم وقال : هذا ميراثه عن أبيه ، وأنا غلامه فأتي به إليه فقال : إن كنت صادقا فأنت حر لوجه الله وما معك وهبته لك ، فانصرف عني ، فلما خرج قال : يا رب كلمتك في رغيف فصببت علي الدنيا ، فوحقك لئن أمتني جوعا لم أتعرض لطلب شيء .
( الصبور ) : أي : الذي لا يعجل في مؤاخذة العصاة ، وهذا قريب من معنى الحليم ، والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم ، وقيل : هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة في الفعل قبل أوانه ، والفرق بينه وبين الحليم أن الصبور يشعر بأنه يعاقب في الآخرة ، بخلاف الحليم . وأصل الصبر حبس النفس عن المراد ، فاستعير لمطلق التأني في الفعل لأنه غايته . ( رواه الترمذي ، والبيهقي في الدعوات الكبير ) : ورواه ابن ماجه ، والحاكم في مستدركه ، وابن حبان في صحيحه . قال ابن حجر : وروى عدد تلك التسعة والتسعين ابن ماجه أيضا ، لكن بين الروايتين تقديم وتأخير ، وتبديل وتغيير ، واختلف الحفاظ في أن سردها هل هو موقوف على الراوي ، أو مرفوع ورجح الأول بأن تعدادها إنما هو مدرج من كلام الراوي ، لكن الموقوف الذي ليس من قبل الرأي في حكم المرفوع . ( وقال الترمذي : هذا حديث غريب ) : قيل : ما من اسم من الأسماء التي في هذا الباب إلا وقد ورد به الكتاب والسنة الصحيحة غير لفظ الصبور ، فإنه ما وجد إلا في هذا الحديث ، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله " .
| |
|