الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: تابع ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا الأحد مارس 31, 2013 1:43 pm | |
| رابعا. تحريم فوائد البنوك إجماعا: [48] أعمال البنوك الربوية قسمان: خدمات واستثمار، وأعمال الاستثمار مقصورة بحسب أنظمة البنوك وقوانين إنشائها على التعامل في القروض، وليس الاستثمار المشروع أو غير المشروع، وهذه هي الوظيفة الرئيسة للبنوك، وتبلغ نسبة القروض 81. 78% ونسبة الاستثمار 9. 37% من جملة الاستخدامات، ومعظم الاستثمار في الحرام؛ لأن السندات قروض ربوية، والأسهم في الشركات تتعامل باستمرار بالربا أخذا وعطاء.
هذه البنوك مجرد وسيط بين المقرض بفائدة، فتعطي المقرض مثلا فائدة بنسبة 4%، وتأخذ من المقترض فائدة بنسبة 7%، والفرق يكون حقا لها، فعملها واضح بأنها تأخذ أو تضم فائدة على القروض، وهو من ربا النسيئة المحرم شرعا، وإذا لم يسدد المقترض الفائدة المستحقة، يلجأ البنك إلى فرض فوائد مركبة[49] مع مرور الزمن، وهو مطابق تماما لربا أهل الجاهلية الذي حرمه القرآن الكريم، بل هو أسوأ منه؛ لأنه ضم فائدة أخرى تتم آليا دون رضا المقترض قرضا ربويا، وفوائد القروض حرام شرعا، وفوائد البنوك من الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع.
وأما شبهة القائلين بحل الفائدة المصرفية وفتواهم الشاذة بأن ذلك من كون الإيداع في المصارف الربوية، والذي يعتمد على أساس شركة المضاربة - تقديم المال من جانب والعمل من جانب آخر - فهو خطأ محض؛ لأن مال المضاربة مجرد أمانة بيد المضارب، والبنك في الواقع لا يستثمر، ولا يحق له الاستثمار في مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية أو غيرها، وإذا استثمر فنسبة الاستثمار ضئيلة جدا، فلا توجد شركة مضاربة، وإنما هذا العقد يعد قرضا محضا بفائدة، والفائدة حرام شرعا أخذا وعطاء، وهو عين ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية من إقراض المال وضم زيادة معينة عليه؛ بسبب الأجل، ولو فرض أن العقد مضاربة فيحرم شرعا تحديد نسبة معينة ثابتة سلفا؛ حيث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فيما يشبه شركة المضاربة، وهو عقد المزارعة[50] والمساقاة [51]. وقد نص المحدثون والفقهاء على فساد عقد المزارعة إذا شرط أحد العاقدين لنفسه التبن أو بقعة معينة ونحوه. قال رافع بن خديج قال: «حدثني عماي أنهم كانوا يكرون[52] الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء [53]، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك» [54]. قال الشوكاني: نهى عنه؛ وذلك لما فيه من الغرر[55] المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل. وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة، ويوجب المشاجرة [56]. وكذلك الحكم في المضاربة التي هي شركة أيضا إذا التزم العامل المضارب مبلغا معينا أو ربحا معينا، فسد العقد ولم يصح، وإنما الصحيح اشتراط جزء مشاع من الربح، نسبة عشرية أو سهم من الربح، إن حدث الربح، وأما الخسارة فهي كلها على رب المال وحده، ويكفي المضارب أنه خسر جهده وعمله. واتفاق الفقهاء على هذا ليس من عند أنفسهم، وإنما مستنده الشرع والنص، وكل من المزارعة والمضاربة شركة، فالحكم فيهما واحد [57]. ربا الاستهلاك وربا الإنتاج أو الاستثمار:
أول من ميز بين ربا الاستهلاك وربا الإنتاج أو الاسثمار: هم اليهود، فحرموا الأول وأباحوا الثاني، وجاء بعض المسلمين فأخذ في بعض المؤتمرات الغربية في فرنسا وغيرها بهذه التفرقة، وظن أنه مجدد، وأراد الترويج لهذه الفكرة في الإسلام، سواء كان ذلك بحسن نية واجتهاد، أو بسوء نية وإفساد، وتبنى بعض الواعظين هذه التفرقة، زاعما: "أن الربا الذي حرمه الله ورسوله: هو ما يعرف بربا الاستهلاك، وهو خاص بالإنسان الذي يستدين لحاجته الشخصية؛ ليأكل ويشرب ويلبس؛ وذلك لما في هذا الربا من استغلال حاجة المحتاج، وفقر الفقير الذي دفعته الحاجة إلى الاقتراض، فرفض من يسمى بالمرابي الجشع أن يقرضه إلا بالربا؛ بأن يرد له المئة مئة وعشرين مثلا".
وهذا محض الافتراء والخطأ، فإن النصوص الشرعية عامة تشمل كل أنواع الربا الإنتاجي والاستهلاكي، ولم يكن ربا الاستهلاك هو السائد في الجاهلية، وإنما كان الشائع هو "ربا التجارة" [58]، ولو افترضنا العكس، لما كان في ذلك حجة؛ لأن الإسلام نقض كل قواعد الربا، ولعن آكل الربا، وموكله على الإطلاق، ويكون الموجود في الجاهلية إنما هو شيء واقع لا يتقيد النص الشرعي العام بمدلوله، ولا يقتصر تحريم الربا على القروض الاستهلاكية؛ لأن الربا كما تقدم هو كل زيادة مشروطة أو متعارف عليها على رأس المال، سواء كان استهلاكيا أم إنتاجيا.
ثم إن هذه التفرقة تجافي المنطق السليم والعدل، فكيف يلعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط مرابي الاستهلاك لمجرد إشباع نفسه وأهله، ولا يلعن مرابي الإنتاج وتحسين التجارة والصناعة والزراعة وتنميتها وتوسيع نشاطها؟ إن ذلك محض الظلم والجور الذي لا يتقبله تشريع عادل، ولا عقل منصف؛ لأنه قتل للضعيف وعمل على استمرار ضعفه، وتقوية للقوي وعمل على تمجيد قوته وبغيه وتعزيز سلطانه.
إن محاولة تمييع الأحكام الشرعية بحجة تيسيرها للناس ومسايرة مزاعم التنمية - بسذاجة وغباء - مرفوضة قولا وعملا؛ لأن مجال التيسير إنما هو فيما يسرته الشريعة وحددته، لا في تخطي الحرام القطعي، أو الصريح المنصوص عليه في القرآن والسنة، فذلك هدم للشريعة، وتجاوز للنصوص تحت ستار أو غرور القول بالتجديد، ومسايرة الشريعة لأهواء الناس وشهواتهم، ولو درس هؤلاء حقيقة الاقتصاد وخطورة الربا فيه، لبادروا إلى تغيير آرائهم، وحينئذ يقولون: لقد خدعنا وأوقعنا الغوغائيون في الخطأ.
جاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في المؤتمر الإسلامي الثاني عام 1358هـ - 1965م.
الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
خامسا. المقاصد الشرعية من تحريم الربا:
اعتمد الإسلام في تحريمه الربا على دعائم ثلاث:
1. الدعامة الأخلاقية:
فهو من الناحية الخلقية جشع وشره، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان استغلالا تأباه الأخلاق الكريمة، والفطر السليمة، وقواعد السلوك المستقيم، فالمرابي يستغل في الفقير المحتاج حاجته إلى المال، فيفرض عليه ما يشاء من أرباح، والإسلام لا يرضى أن تقوم علاقات الناس في هذه الحياة على أساس من المادية التي تتنكر لقواعد الأخلاق الفاضلة وآداب السلوك، وإنما يريد أن تقوم علاقتهم على أساس من الروحانية والإنسانية.
ولعلك تعجب إذا علمت أن الإسلام ينظر إلى القرض الحسن[59] وهو الذي لا فائدة عليه كما ينظر إلى الصدقة، ففي الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة»[60] [61]. والمراد أصل المضاعفة، وإلا فالله - عز وجل - يضاعف ثواب كل منهما أضعافا مضاعفة.
2. الدعامة الاجتماعية:
فهو يزرع الأحقاد والحزازات في النفوس بين أفراد المجتمع، ويقطع ما بينهم من أواصر الأخوة والمحبة والتعاون على الخير، والمال شقيق النفس، وليس آلم لنفس الإنسان من أن يرى ماله قد أكل أو أخذ منه بدون وجه حق، ولا يمكن لمحتاج مهما بلغ من السماحة أن يعتبر الفوائد الربوية مأخوذة بوجه شرعي، ولئن تظاهر بالرضا بهذه الفوائد فهو تظاهر المضطر الذي ألجأته الضرورة إلى هذا النوع من المعاملة، وحسبنا شاهدا على هذا أن المرابي - مهما كانت الفائدة التي يقرض بها - مغضوب عليه من الناس، حتى في البيئات التي لا تحرم الربا، ومن أنكر ذلك فقد أنكر المحسوس والمشاهد، وأيضا كم خرب الاقتراض بالربا كثيرا من بيوت المسلمين وقعد فيها أهلوها ملومين محسورين، وأصبحوا ممن يتكففون الناس بعد أن كانوا من أهل العزة والثراء، وكم عقارات وضياع استولى عليها الأجانب بسبب التعامل بالربا، حتى انتقل الكثير من ثروات المسلمين والعرب إلى أيدي اليهود المحتالين وغيرهم من المرابين.
وغير خفي علينا ما نال مصر بسبب الديون التي اقترضها الخديوي إسماعيل وغيره من الأجانب وفوائدها الربوية، وقد بقيت عبئا ثقيلا يرزح تحته الشعب المصري ما يقرب من قرن.
وأقرب مثل لذلك ما حدث في فلسطين المنكوبة، فقد استولى اليهود على كثير من أراضي العرب بسبب الإقراض بالربا لهم قبل النكبة، مما سهل لهم ما قاموا به من حرب وغدر وتنكيل، ودعاوى باطلة في هذه البلاد المغتصبة.
وكم أذل الإقراض بالربا شعوبا ودولا وأوقعها في ذل الدين ونير[62] الاستعمار.
3. الدعامة الاقتصادية:
فهو تعطيل للمال أن يستغل في طرقه المشروعة من تجارة، أو صناعة، أو زراعة، وهو استحلال لأموال الناس بالباطل، وإلا فبأي وجه حق يأخذ المقرض حق الزيادة عن رأس المال الذي أقرضه؟! فإن قال قائل: إن المقرض إنما استحق هذه الزيادة نظير رأس المال الذي أخذه المقترض، وانتفع به في تحصيل الأرباح الكثيرة، وغالبا يكون ما أخذه المقترض بالربا أقل بكثير مما استفاده من المال، وعلى هذا فقد استفاد كل من المقرض المرابي والمقترض.
وهذا كلام قد يتراءى للبعض أنه في ظاهره حق، ولكنه في الحقيقة باطل: ذلك أن ربح المقترض غير مضمون لا محالة، فجائز أن يخسر، فهل من الحق والعدل أن يأخذ المقرض في الربح ولا يتحمل في الخسارة؟ وأيضا فقد جعل الشارع مندوحة عن هذا النوع من المعاملة الربوية وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بـ "المضاربة"، وهي: أن يكون عند بعض الأشخاص مال ولا يحسن الانتفاع به، وليس عند الآخر مال ولكن عنده خبرة للعمل، فيتفقان على أن يكون المال من جانب، والعمل من الجانب الآخر نظير جزء غير محدود من الربح، الربع أو النصف مثلا إن ربح المال وإلا فالغرم عليهما. فأيهما أحسن: هذه المعاملة العادلة الحلال، أم تلك المعاملة الربوية الجائرة الحرام؟! ومما ينبغي أن يعلم أن النقدين - الذهب والفضة - إنما وضعا وجعلا أساسا ليكونا للتمول، وميزانا لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، ولم يجعلا سلعا يتجر فيها، وإلا لصرف الناس عن وجوه الاكتساب بهما عن طريق البيع والشراء، والتجارات والصناعات، والشركات والمزارعات، واكتفوا باستغلالهما عن طريق المراباة، ولا يخفي ما يجره هذا من كساد التجارة والصناعة وغيرهما، فيضطرب الاقتصاد، وتقف عجلته، فيعم الفقر والخراب للعباد والبلاد، وأيضا إذا صار النقد مقصورا للاستغلال فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس، وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربو عنده، ويخزن في الصناديق والبيوت المالية المعروفة بالبنوك، ويبخس العاملون قيم أعمالهم؛ لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه، ويهلك الفقراء، ولو وقف الناس عند حد الضرورة في استغلال أموالهم لما كان فيه مثل هذه المضرات، ولكن أهواء الناس ليس لها حد تقف عنده بنفسها فلا بد من الوازع الذي يوقفها بالإقناع أو الإلزام؛ لذلك حرم الله الربا وهو - عز وجل - لا يشرع للناس الأحكام بحسب أهوائهم وشهواتهم؛ كأصحاب القوانين، ولكن بحسب المصلحة الحقيقية العامة الشاملة، وأما واضعو القوانين الوضعية فإنهم غير منزهين عن الأهواء والشهوات، هذا إلى قصور علمهم، وقصر نظرهم فإنهم إن أدركوا ما في أمسهم فلن يدركوا ما في يومهم، وإن أدركوا ما في يومهم فلن يدركوا ما في غدهم، فمن ثم فإنهم يضعون للناس الأحكام بحسب حالهم الحاضرة التي يرونها موافقة لما يسمونه الرأي العام من غير نظر في عواقبها، ولا في آثارها الضارة المترتبة عليها، وكذلك لا يهمهم في سن قوانينهم الجانب الأخلاقي بقدر ما يهمهم الجانب النفعي المادي، فلذا فشلت هذه القوانين في تكوين مجتمع فاضل يقدس الفضيلة، وينبذ الرذيلة، وهذا بعض ما بين الشريعة الإسلامية الخالدة والقوانين الوضعية من فروق نكتفي به في هذا المقام [63].
سادسا. أية محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله أو تبرير ارتكابه إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين:
والذي نلفت النظر إليه هو أن الإنسان، مهما جنح في سلوكه عن أوامر الشارع ونهيه، وكان موقنا بجنوحه، يأمل رحمة ربه ويرجوه الصفح عن تقصيره، فإن المظنون بفضل الله أن يشمله، والمأمول - بناء على ما عرف الله به ذاته العلية - أن تسبق رحمته غضبه فيتجاوز عنه بالصفح.
ولكن الذي يقترف الوزر، ثم يأبى عليه كبره أن يعترف بأنه قد أخطأ أو أساء في حق ربه، وولي أمره ونعمته، فيصطنع المبررات لوزره، ويجهد جهده أن يبرز معصيته في مظهر الطاعة، ويلح على أنه ما فعل إلا الخير، بل ما كان ينبغي أن يفعل غير ذلك - أقول: إن الذي تذهب به الاستهانة بأمر ربه إلى هذا الحد، فإن من البعيد والبعيد جدا أن يتغمد الله ذنبه، وكيف يتغمد الله ذنب من حمله الكبر على أن لا يقر به، بل هو يصر إصراره على أنه لم يفعل إلا ما ينبغي فعله!! إنني لم أر في كتاب الله تعالى بعد كثير تأمل وتدبر فيه، إلا تأميلا للعاصي المقر بمعصيته الطامع في مغفرة ربه، بالصفح والتوبة والغفران، ولكني لم أر في هذا الكتاب إلا تيئيسا للمتكبر الذي زين له سوء عمله فرآه حسنا، من رحمة الله وعفوه، ودونك فأقرأ كتاب الله في تدبر لتجد أمامك هذه الحقيقة بارزة ناصعة.
إليك هذه النذر المخيفة: )سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146)( (الأعراف)، )كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار (35)( (غافر)، )إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40)( (الأعراف).
ترى ما الذي يحول دون اعتراف هؤلاء الناس، الذين يقومون ويقعدون باختلاق وعرض هذه الشبهات التي لا وجود لها بالحق الذي أكدنا وضوحه أو زدناه وضوحا.
أجل، ما الذي يحول دون اعترافهم بأنه الحق، إلا أن يكون استكبارا أو عنادا؟ وإنه لمن المؤلم والمؤسف جدا أن يكون جل الذين يصطنعون هذه الشبهات، ويروجون لها ويدافعون عنها من العلماء المتخصصين بالشريعة الإسلامية والدعوة إلى الإسلام، وأن يكون جل من يكشف عن زيف هذه الشبهات ويهيب بأولئك العلماء الدينيين أن يتقوا الله ولا يمزجوا الحق بالباطل، سواء أكانوا رجالا متخصصين بالاقتصاد أم من أولى الحكم والسلطان، أم من رجال الأعمال، وليس لهم بالإسلام إلا صلة الولاء الصادق له! وقف أحد البارزين من علماء الإسلام يبرز الفائدة الربوية التي تتقاضاها البنوك، والحديث على لسان د. البوطي بأنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون أجورا للموظفين والعمال فيها، وأسفت كل الأسف من أن الرجل يخادعني بالقول، أملا في أن أكون من السذاجة والغباء بحيث لا يخطر في بالي أن أقول: هذا عندما يتقاضى البنك الفائدة، أما عندما يعطي البنك الفائدة، فأجور من من العمال والموظفين تكون؟! هذا، بينما قال لي أحد أولي السلطة والحكم: إنني لا أشك في أننا آثمون في سائر المعاملات المصرفية التي انجرفنا في تيارها، وكيف لا نكون آثمين وهي لا تصب أخيرا إلا في مصلحة الصهيونية والأنظمة الخفية التي تحول جهد استطاعتها دون تحرر الشعوب العربية والإسلامية من الاستعمار الاقتصادي، الذي هو أخطر بكثير من الاستعمار العسكري.
الأول: يخادع ويزيف، ويحمل الإسلام نفسه جريرة ما يحصل، وهو يعلم الحق في قرارة نفسه، ويملك أن يصدع به، ثم يخفيه - متجاهلا إياه - في قرارة نفسه.
وهذا الثاني: يصدق ويصارح، ويحمل نفسه لا الإسلام جريرة ما يحصل، ثم يعترف بعد ذلك بعجزه عن القدرة على الإصلاح والتبديل.
فأي الرجلين أقرب إلى رحمة الله وعفوه؟ وأيهما أكثر تعرضا لسخط الله ومقته؟! الكل يعلم الجواب.. ولكني أسأل الله - عز وجل - أن يدخل الفريق الأول في شفاعة الفريق الثاني، إنه عفو رحيم [64]. هذا وقد أجملت د. خديجة النبراوي التعللات الفارغة - بل المماحكات الفجة - المثارة لتبرير المعاملات المالية الربوية المعاصرة، وردت عليها بحسم، فقالت: "ولذلك فقد تحايل الناس على تحريم ربا الديون الذي شاع بيننا كالماء والهواء، سواء ديون البنوك أم الديون الخارجية، والتمسوا شبهات واهية في سبيل تبرير تلك المعاملات منها:
· التعلل بغموض مفهوم الربا: مع أنه واضح وجلي إذا تعرفنا على كل نواحي الربا التي عاصرت نزول القرآن، بحيث خاطبهم الله بأل المعرفة.
· العقد المبرم بين البنك والمودعين ليس عقد قرض، ومن ثم لا تدخل الفائدة المصرفية ضمن ربا الديون المحرم: وهذا باطل؛ لأنه عقد قرض بالقانون المدني المصري المادة 726، وكذلك بمفهوم الشرع الذي أرساه القرآن والسنة المحمدية.
· عدم ورود نص شرعي صحيح بحرمة الربا في عقد القرض: وكيف ذلك؟ والقرآن يخاطب العرب الذين كانوا يرابون في القروض، ويتكلم عن رؤوس الأموال بصراحة في قوله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).
· التعامل المصرفي يكيف على أنه من قبيل عقد المضاربة، أو عقد الوديعة، أو عقد الإجارة: [65] فنقول لهم: إذن أنتم لم تفهموا حقا معنى الربا، والغرض الشرعي من تحريمه، فشتان بين التعامل المصرفي الذي يقتصر على تجارة النقود وزيادتها وبين العقود الإسلامية التي تثري الناتج القومي، وتوفر السلع والخدمات الأساسية، مما يوفر الرفاهية الحقيقية للأمة الإسلامية: )إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23)( (النجم). فإنشاء عقود فاسدة، وتسميتها بمسميات إسلامية يشبه عبادة آلهة الهوى.
· الفائدة المصرفية ليس فيها ظلم من طرف لطرف، بل هي تحقق مصلحة الطرفين، كما أنها تقوم على التراضي: وهذا القول فيه زور كبير؛ فهي علاقة تقوم على مصلحة طرف واحد هو البنك، أما الفرد فإن الفائدة التي يحصل عليها لا تقابل التضخم الذي حدث نتيجة تصرف البنك نفسه من خلق النقود، وزيادة كميتها بدون إنتاج حقيقي يقابلها، أما حكاية التراضي هذه، فالزنا يقوم علي التراضي، ولكن هل معناه أن يقره المجتمع مع إيمانه بالشريعة الإسلامية؟ فما المانع أن يقوم استثمار الأموال على رضا الطرفين، وفي نفس الوقت رضا الله؟ وكذلك على تحقيق مصلحة الطرفين ومصلحة الأمة؟ علمتنا التجربة أن لا يوجد مانع من تطبيق شرع الله إلا هوى في النفس، يهدف إلى تحقيق مصلحة أكبر لصالح الطرف الذي يتحايل على ذلك التطبيق بطرق وادعاءات شتى.
· الربا مجاله الحاجات الضرورية الاستهلاكية؛ وإذن لتحظر الفائدة في مجال الاستهلاك، وتباح في مجال الإنتاج: سبق أن أوضحنا أن الربا المحرم أساسا هو الربا الإنتاجي؛ لأنه كان شائعا في مجال التجارة في رحلتي الشتاء والصيف، وفي مجال البيع حيث التبادل السلعي، أما الربا الاستهلاكي فلم يكن له نفس الشيوع؛ نظرا لانتشار الكرم والمروءة عند العرب، فلم يكن يحتاج الكثيرون للاقتراض من أجل الطعام.
علاوة على أن الربا الإنتاجي هو الأخطر أثرا على مستقبل الأمة في مجموعها، سواء من الناحية الاقتصادية أم السياسة أم الاجتماعية؛ لذلك شدد الله عليه العقوبة، على عكس جميع المعاصي الأخرى، وهي حرب من الله ورسوله، فلو كان الظلم يقع على أفراد فقط ما كان يستحق تلك العقوبة المغلظة، ولكن آثار الربا تتعلق بمصير الأمة الإسلامية.
· المعاملات المصرفية تتم من خلال نقود غير ذهبية وغير فضية: إن هذا حجة على المعاملات المصرفية، وليست حجة لها، فمن ناحية أقر الفقهاء بأن جميع الأحكام الشرعية تسري على النقود الورقية، أما الخلاف فيدور حول: مدى قدرة النقود الورقية على الوفاء بالالتزامات الآجلة، وهذا معناه أن البنك يظلم المودعين ويرتكب الربا مرتين: مرة بالربا الإيجابي: وهو زيادة النقود بدون استثمار سلعي يقابلها، مما يؤدي إلى التضخم.
ومرة بالربا السلبي؛ لأنه يأخذ النقود الورقية لمدد وآجال مختلفة قد تقل قيمتها الحقيقية، ثم يعطيهم فائدة لا تساوي الزيادة التي حدثت في الأسعار. فالفائدة قد تكون 10%، والتضخم قد يكون 15 % أو 30% أو أكثر في بعض الأحيان.
الفائدة المصرفية ليست من الربا؛ لأن الزيادة في باب الربا كانت تحدث عند حلول الأجل، وعدم دفع المدين للدين، أما الفائدة المصرفية فتحدث عند ثبوت الدين، وليس عند حلوله: نقول: إن اتباع الشيطان أمر مخز في حد ذاته، أما أن يكون شيطانا جاهلا، فهذا أشد خزيا.
إن دراسة الربا وأنواعه في العصر الجاهلي عند نزول القرآن تكفي حتى عن ترديد تلك الشبهات: )وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (81)( (الإسراء).
· الفائدة المصرفية لا تدخل في الربا؛ حيث إن الربا المحرم بنص القرآن الكريم هو ما كان أضعافا مضاعفة، والفائدة ليست كذلك: والرد على تلك الشبهة يقوم على محورين:
أولهما: أن كلمة "أضعافا مضاعفة" هي المرحلة الثالثة من مراحل تحريم الربا، أما المرحلة الرابعة فقد نهت عنه كلية بكل صوره، صغيرة أم كبيرة، جلية أم خفية.
ثانيهما: أن الفوائد المركبة التي تقرض بها البنوك الأموال للمستثمرين، هي من قبيل الأضعاف المضاعفة، الذي يخرب بيوت هؤلاء المستثمرين، إن هم عجزوا عن السداد، وهو ما يعوق حركة الاستثمار الفعلية، وليس تنشيطها كما تدعي البنوك.
· الفائدة المأخوذة من غير المسلمين - البنوك الأجنبية - لا تدخل في باب الربا، طبقا للمذهب الفقهي القائل بأنه لا ربا مع الحربيين: إن المذهب الفقهي الذي قال ذلك قد يقصد أن ذلك واقع في أوقات الحرب وفي عزة الإسلام وقدرته، أما اليوم فنحن لا نحارب، وكل علاقتنا مع الأجانب علاقات سلمية بل تبعية.
وعموما نحن نؤمن أساسا بالله ورسوله، والإسلام كل لا يتجزأ، ولا يتعامل بمكيالين مثل اليهود - يجوزون الربا مع غير اليهود -، فالإسلام لا يعرف غير الصراط المستقيم، وقد شرحنا فيما سبق كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر القبائل التي لم تدخل الإسلام، وتعيش تحت ظل الدولة الإسلامية بعدم التعامل بالربا.
وقد روى أبو عبيدة القاسم بن سلام عن عبد الله بن أبي مليح الهذلي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل نجران فكتب إليهم كتابا في آخره: "على ألا تأكلوا الربا، فمن أكل الربا فذمته مني بريئة" [66].
· الفائدة المصرفية في غالب حالاتها هي ناتجة عن تعامل بين الحكومة والأفراد، ولا ربا بين الدولة والأفراد: ونقول: إن القول بهذا هو خروج عن الفكر الإسلامي كلية إلى الفكر الشيوعي؛ لأن الإسلام وهو يقيم دعائم الدولة لا يحرم شيئا على الأفراد ويحله للدولة، أو يحله بين الأب وابنه، قال شمس الدين السرخسي: ويجري الربا بين الوالدين والولد، والزوجين، والقرابة، وذلك عكس الفائدة بين العبد وسيده؛ لما ورد في الأثر: "ولا ربا بين العبد وسيده"[67]؛ لأن هذا ليس بيعا؛ إذ كسب العبد لمولاه، والبيع مبادلة ملك بملك غيره، فأما جعل بعض ماله في بعض فلا يكون بيعا.
أما بين الدولة والأفراد فلا يحق لها أن تقرضهم بفائدة أو العكس. بل نقول لهؤلاء: إن الإسلام يحتم على الدولة الإسلامية المحافظة على مال الأفراد ورعايتهم وكفالتهم وتحمل ديونهم بعد الموت، كما يفهم من الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. من توفي وعليه دين فعلي قضاؤه» [68].
والتاريخ الإسلامي حافل بورع الصحابة عن التعامل بأي صورة عن صور الربا، سواء أكانوا حكاما أم محكومين.
· الفائدة المصرفية نتيجة عمليات مصرفية لم تكن موجودة من قبل، خاصة في التشريع، ومن ثم فلا تدخل في الربا المنصوص على تحريمه: نقول لأصحاب هذا الادعاء: إن السرقة بالطرق الحديثة جدا لم تكن في عصر التشريع، فهل لا تدخل في قانون العقوبات المنصوص عليه في القرآن؟ وكذلك الزنا المتطور مع كل العصور، هل لا يدخل في قانون العقوبات المنصوص عليه في القرآن كذلك، كل المتطور في عالم الجرائم، هل نمنع عنه تطبيق القانون؛ لأنه جريمة مستحدثة؟ هذا من جهة، أما الرد من الجهة الأخرى فقد وجدنا أن المصارف ما هي إلا تطور لعملية المرابي الذي يقرض الفائدة؛ حيث زادت النقود مع المرابين، وتوحدوا في الجهة والهدف، وأنشأوا المصارف، فما هو الجديد إذن في الموضوع الذي لا يطبق عليه الشرع؟! · عوائد صناديق التوفير، وشهادات الاستثمار وسندات الخزانة والتنمية لا تدخل في باب الربا: نقول لهم: اخترعوا من أبواب الاستثمار ما شئتم، وسموها كما تريدون بشرط واحد: أن تراعى فيها عدالة الشريعة من كل الجهات، ولجميع الأطراف. فما هي المشكلة في تلك العدالة؟ هل هي صعوبة الحسابات؟ نقول: إن اختراع الآلات الحاسبة نتيجة تطور العصر - الكمبيوتر - قد حل تلك المشكلة.
هل هي صعوبة الفهم؟ إن تقصي الحقائق واجب على كل مسلم؛ لإبراء ذمته أمام الله.
هل هي صعوبة التطبيق؟ كيف كانوا في عصر النبوة يخرجون قافلة كبيرة نيابة عن بقية الناس، ويتاجرون في أموالهم، ثم يعودون بالنتائج المثمرة؟ وكذلك نفس مفاهيم الاستثمار الإسلامي هي التي حققت ازدهار الحضارة في الأمة الإسلامية من حدود الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا.
الفائدة المصرفية في ظل التضخم الحالي لا تعتبر زيادة حقيقية؛ فهي ليست من باب الربا: نقول لهم: إن هذا ادعاء يدل - أيضا - على الجهل بمفهوم الربا: فالله حرم الزيادة النقدية التي لا يقابلها زيادة سلعية.
واستمرار التعامل بالفائدة المصرفية معناه: زيادة كمية النقود بدون أن يقابلها زيادة إنتاج، وهذا معناه: زيادة التضخم، ومعناه: ظلم على المودعين؛ لأنه يخفض القيمة الحقيقية لنقودهم.
فتشريع الله هدفه تحقيق الصالح العام، وليس صالح فئة تقدس المال، وتجعل تنميته هي الهدف الوحيد في الحياة، فالمال في نظر الإسلام ليس هو زيادة النقود في حد ذاتها، إنما ما تنتجه النقود من ثروات البحر والأنهار والمحيطات والصحراء والجبال.
وهكذا فالله يريد لنا الرفعة والسمو، والذكر الحسن بين الأمم، بدل عالم النسيان الذي نعيش فيه، ولكننا نعرض عن هذا كله؛ اتباعا لأهوائنا: )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون (71)( (المؤمنون) [69]. الخلاصة:
· الربا لغة: الزيادة، وشرعا: فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال، وهو محرم بالقرآن والسنة والإجماع؛ فمن القرآن قال سبحانه وتعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة: ٢٧٥)، ومن السنة: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«اجتنبوا السبع الموبقات»[70]، وذكر منها أكل الربا، كما أجمعت الأمة على أن الربا محرم.
· الشريعة الإسلامية حرمت بصريح النصوص الشرعية، والإجماع قليل الربا وكثيره بعبارة مطلقة عامة لا تحتمل التأويل؛ فقد فقال سبحانه وتعالى: )وحرم الربا(، وإن كان العرب في الجاهلية لم يعرفوا سوى ربا النسيئة، فلا يعني هذا - بأي حال من الأحوال - أن الشريعة لم تحرم إلا هذا الربا، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد من ست وثلاثين زنية»[71]. ثم إن الله - عز وجل - لم يأذن بالحرب في القرآن والسنة إلا على آكلي الربا: )فأذنوا بحرب من الله ورسوله( (البقرة: ٢٧٩)، وكذلك الذي يعادي أولياء الله، فكيف تكون في الربا مصلحة، ثم يتوعد الله - عز وجل - آكلها بالحرب؟!! · اعترض بعض الذين كتبوا في قضايا الربا باستشكالات على حرمة الربا عامة، وربا القرض خاصة، ومما اعترضوا به على حرمة الربا عامة: إنكار الإجماع بدعوى شكوى عمر بن الخطاب من غموض بعض مسائل الربا، وتمنيه أن لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وضحها، كما يذكرون خلاف ابن عباس، وابن عمر في ذلك - بيد أن الربا الذي حرمه الله في كتابه، والذي كان يتعامل به أهل الجاهلية لا خلاف فيه، إلا أن الذي وقع فيه خلاف هو ربا الفضل، والخلاف الذي وقع بين الصحابة كان في أول الأمر؛ وذلك لعدم بلوغهم النصوص المحرمة لهذا النوع من الربا.
· كما اعترض بعض المتوهمين على حرمة ربا الفضل، بدعوى أن هناك فرقا بين الفائدة والربا، فالمحرم من وجهة نظرهم الربا، أما الفائدة فلا حرمة فيها، معتمدين في ذلك على الفرق بين الفائدة والربا، غير أنه لا فرق في المفهوم الإسلامي بين الفائدة والربا، وكلاهما حرام وممنوع شرعا، سواء كان ذلك في عقد البيع - ربا الفضل، وربا النسيئة - أم و في عقد القرض، وقد تكون فوائد البنوك المركبة أسوأ من ربا الجاهلية الذي حرمه الشرع في القرآن والسنة تحريما قاطعا.
· كما استشكل بعض الجاهلين بأن الربا فقط في القروض الاستهلاكية التي يقترضها الإنسان؛ لتيسير أمور معيشته؛ إذ الأصل في القرض هو الإرفاق والتيسير على الناس، وفي هذه الحالة يتحقق هذا التيسير؛ لذا هم يرون الحرمة في ذلك فقط، أما قروض الإنتاج فلا ربا فيه؛ وذلك لأن تحريم الشارع للربا ليس إلا تطبيقا لقاعدة اقتصادية معروفة، هي أن المال لا يولد من المال، وإنما يولد من المنفعة يطرحها الإنسان في المجتمع، ولما كان التعامل بالربا استيلادا للمال من المال، أي على النقيض من القاعدة السابقة، فقد اقتضت المصلحة التي هي محور أحكام الشريعة تحريمه وسد كل ذريعة إليه.
· كما يرى المسوغون لربا القرض أن الفائدة الربوية بديل شرعي عن تضخم النقد، غير أننا نذكرهم بأن القرض هو تعاون أخلاقي في ميزان الشريعة الإسلامية، ولا يكون التعاون كذلك إلا إذا قام على نوع من الإيثار، وهذه هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الإقراض، وهي تختلف عن النظريات الغربية المادية في مجال المعاملات المالية.
· يستدل المروجون للربا بفتوى الإمام أبي حنيفة بأخذ الربا في دار الحرب، بيد أن حكم هذه الفتوى لا يصلح لوقتنا الحاضر؛ وذلك لأن بلاد الأجانب الآن أصبحت دار عهد أو معاهدين بحسب ميثاق الأمم المتحدة؛ ولأن هذه الفتوى يراد بها إضعاف الحربيين بالأخذ منهم لا بالعطاء لهم، أما ما نراه اليوم من إيداع أموالنا في بنوكهم ففيه تقوية لهم، لا إضعافهم.
· وأخيرا يستند المسوغون للربا بنظرية الضرورة قائلين: الربا ضرورة لا مناص منها، والحق أن هذا من التهافت بمكان؛ وذلك لأن الضرورة لا يتصور أن تتقرر في نظام ربوي، بل تكون في أعمال الآحاد؛ إذ إن معناها أن النظام كان يحتاج الربا كحاجة الجائع الذي يكون في مخمصة إلى أكل الميتة، أو لحم الخنزير، أو شرب الخمر، وأن فعل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كنظام الربا.
· ثم إن البنوك ما هي إلا مجرد وسيط بين المقرض والمقترض بفائدة، فتعطي المقرض مثلا فائدة بنسبة 4%، وتأخذ من المقترض فائدة بنسبة 7%، والفرق يكون حقا لها، فعملها واضح بأنها تأخذ أو تضم فائدة على القروض، وهو من ربا النسيئة المحرم شرعا، فثبت أن فوائد البنوك حرام شرعا.
· وخلاصة القول، أن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله - الربا - أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة، أو الغربية، والانخلاع عن الشخصية الإسلامية، إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين، وبمثل هذا يتحلل المسلمون من أحكام دينهم حكما بعد حكم، حتى لا يبقي لديهم ما يحفظ شخصيتهم الإسلامية، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العصمة من الفتن.
--------------------------------------------------------------------------------
(*) تغييب الإسلام الحق، د. محمود توفيق محمد سعد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م.
[1]. الفائدة: ما استفدته من علم أو مال ونحوه، واصطلاحا: ربح المال في زمن محدد بسعر محدد، وفي الاقتصاد: مبلغ يدفع مقابل استخدام رأس المال، ويعبر عنه عادة بنسبة مئوية هي سعر الفائدة.
[2]. لسان العرب، ابن منظور، مادة: ربا.
[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (3009).
[4]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في وضع الربا (3336)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب تحريم الربا وأنه موضوع مردود (10245)، وصححه الألباني في صحيح ابي داود (2852).
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الدينا بالدينار (2069)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4175).
[6]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4147).
[7]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص16: 20.
[8]. السلم: بيع شيء موصوف في الذمة بثمن عاجل؛ أي: مقبوض في مجلس العقد.
[9]. فقه البيع والاستيثاق والتطبيق المعاصر، د. علي أحمد السالوس، إصدار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، دار الثقافة، قطر، دار القرآن، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص276: 278.
[10]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4145).
[11]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص51: 53.
[12]. جامع البيان في تأويل القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج6، ص28.
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج3، ص358.
[14]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب لعن أكل الربا ومؤكله (4177).
[15]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه (21450)، والطبراني في الأوسط (3/ 124) برقم (2682)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375).
[16]. نيل الأوطار، الشوكاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، ج6، ص2776 بتصرف.
[17]. المعاملات المالية المعاصرة، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، سوريا، ط3، 2006، ص245: 248 بتصرف.
[18]. تحقيق المناط: هو أن ينص الشارع أو تجمع الأمة على تعليق الحكم بمعنى كلي، ثم ينظر في ثبوته في بعض المسائل، فالربا هنا محرم بالنص والإجماع، ثم يبقي النظر هل الربا داخل في بعض المسائل ومتحقق فيها أم لا؟ [19]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة (2027)، وفي مواضع أخرى.
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الشعير بالشعير (2065)، وفي مواضع أخرى.
[21]. الورق: الفضة.
[22]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4143).
[23]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه (246)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا (2276)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1846). [24]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب (5266)، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب نزول تحريم الخمر (7745).
[25]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4171).
[26]. إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 71)، كتاب الصرف، باب الربا (5353)، وصحح إسناده الألباني في الإرواء (1337).
[27]. إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 64)، كتاب الصرف، باب الربا (5318)، وقال الألباني في إرواء الغليل (1337): إسناده صحيح على شرط مسلم.
[28]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (11497)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة (2258) مختصرا، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل (1337).
[29]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4172).
[30]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الدينار بالدينار نساء (2069).
[31]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4175).
[32]. صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 67)، كتاب الصرف، باب الربا، وصححه الألباني في الإرواء (1339).
[33]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه، والترمذي في سننه، كتاب الصوم، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (889)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064).
[34]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه (5055).
[35]. بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1998م، ص596: 602.
[36]. التضخم في الاقتصاد: زيادة النقود أو وسائل الدفع الأخرى على حاجة المعاملات.
[37]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص240: 243.
[38]. الرهن: حبس الشيء بحق ليستوفي منه عند تعذر وفائه.
[39]. المقاصد الخمسة: هي الضروريات التي جاء الشرع بالمحافظة عليها، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والنسل، والمال.
[40]. المضاربة شرعا: عقد شركة في الربح بمال من رجل وعمل من آخر، وفي الاقتصاد: عملية من بيع أو شراء يقوم بها أشخاص خبراء بالسوق للانتفاع من فرق الأسعار.
[41]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص67: 80.
[42]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حج النبي صلى الله عليه وسلم (3009).
[43]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص36: 40.
[44]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستقراض وأداء الديون، باب ما ينهى عن إضاعة المال (2277)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (4580).
[45]. الاحتكار: اشتراء القوت وحبسه؛ انتظارا للغلاء.
[46]. التأميم: هو نقل الملكية من الأفراد أو الشركات الخاصة إلى ملكية الأمة؛ أي: الملكية العامة.
[47]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص41: 45.
[48]. انظر: الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، د. علي أحمد السالوس، دار التقوى، مصر، د. ت، ص288: 307.
[49]. الفائدة المركبة: فائدة تحسب على مبلغ أصلي مضافا إليه الفوائد المتراكمة حتى تاريخ الاستحقاق.
[50]. المزارعة: من زرع الحب زرعا وزراعة: بذره، والأرض: حرثها للزراعة. وعرفها الفقهاء بأنها عقد على الزرع ببعض الخارج.
[51]. المساقاة: مفاعلة من السقي، واصطلاحا دفع النخيل والكروم إلى من يعمره ويسقيه ويقوم بمصلحته، على أن يكون للعامل نصيب، والباقي لمالك النخيل.
[52]. اكترى الأرض: أستأجرها.
[53]. الأربعاء: جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
[54]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة (2220).
[55]. الغرر لغة: الخطر أو التعريض للهلكة، وبيع الغرر: بيع ما يجهله المتبايعان، أو ما لا يوثق بتسلمه؛ كبيع السمك في الماء، أو الطير في الهواء.. ونحوه.
[56]. نيل الأوطار، الشوكاني، مكتبة نزار مصطفي الباز، الرياض، ط1، 1421هـ/ 2001م، ج7، ص2887.
[57]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص148: 251.
[58]. جريمة الربا، الشيخ محمد علي الصابوني، دار القرآن، بيروت، د. ت، ص88: 91.
[59]. القرض الحسن: ليس فيه ربا؛ أي: بدون فائدة.
[60]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصدقات، باب القرض (2430)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب ما جاء في فضل الإقراض (5/ 353) برقم (10734)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (901).
[61]. يعني أن الصدقة ربما يكون المتصدق عليه ليس في حاجة شديدة إليها دائما، وهذا المعنى نجده غالبا في المحترفين للسؤال، أما المقترض غالبا لا يقترض إلا وهو في حاجة ماسة.
[62]. النير: هي الخشبة المعترضة فوق عنق ثورين مقرونين لجر المحراث وغيره، والمراد: القيد والعبودية والظلم.
[63]. بيان من علماء الأزهر في مكة المكرمة للرد على قاضي مصر الذي أباح الربا، ومعه حلول لمشكلة الربا، د. محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1996م، ص51: 54.
[64]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص81: 83.
[65]. الإجارة لغة: اسم للأجرة، وهي كراء الأجير، وعرفها الفقهاء: بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض.
[66]. أخرجه أبو عبيد في الأموال (432).
[67]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 76)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 273) موقوفا على ابن عباس.
[68].أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الكفالة،باب الدين(2176).ومسلم في صحيحه،كتاب الفرائض،باب من ترك دينا فلورثته(4242).
[69]. تحريم الربا ومواجهة تحديات العصر، د. خديجة النبراوي، دار النهار، القاهرة، 1998م، ص181: 186.
[70]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10) ( (النساء) (2615)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (272).
[71]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه (22007)، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع (48)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1855). | |
|