وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
وآخر تقدم في الشهادات، ولم يتفق وقوع هذا الحديث للبخاري عاليا، فإنه قد سمع من
أصحاب مروان بن شجاع هذا ولم يقع له هذا الحديث عنه إلا بواسطتين، وشيخه سالم
الأفطس هو ابن عجلان وما له في البخاري سوى الحديثين المذكورين من رواية مروان بن
شجاع عنه.
قوله: (حدثني سالم الأفطس) وفي الرواية الثانية عن سالم وقع عند
الإسماعيلي " عن المنيعي حدثنا جدي هو أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع قال ما
أحفظه إلا عن سالم الأفطس حدثني " فذكره، قال الإسماعيلي: صار الحديث عن مروان بن
شجاع بالشك منه فيمن حدثه به.
قلت: وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن مروان بن شجاع
سواء، وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن منيع مثل رواية البخاري الأولى بغير شك، وكذا
أخرجه الإسماعيلي أيضا عن القاسم بن زكريا عن أحمد بن منيع، وكذا رويناه في " فوائد
أبي طاهر المخلص " حدثنا محمد بن يحيى بن صاعد حدثنا أحمد بن منيع.
قوله: (عن
سعيد بن جبير) وقع في " مسند دعلج " من طريق محمد بن الصباح " حدثنا مروان بن شجاع
عن سالم الأفطس أظنه عن سعيد بن جبير " كذا بالشك أيضا، وكان ينبغي للإسماعيلي أن
يعترض بهذا أيضا، والحق أنه لا أثر للشك المذكور، والحديث متصل بلا ريب.
قوله:
(عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاث) كذا أورده موقوفا، لكن آخره يشعر بأنه مرفوع
لقوله " وأنهى أمتي عن الكي " وقوله " رفع الحديث " وقد صرح برفعه في رواية سريج بن
يونس حيث قال فيه " عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولعل هذا هو السر في
إيراد هذه الطريق أيضا مع نزولها، وإنما لم يكتف بها عن الأولى للتصريح في الأولى
بقول مروان " حدثني سالم " ووقعت في الثانية بالعنعنة.
قوله: (رواه القمي) بضم
القاف وتشديد الميم هو يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي
عامر الأشعري، لجده أبي عامر صحبة وكنية يعقوب أبو الحسن وهو من أهل قم ونزل الري،
قواه النسائي وقال الدار قطني ليس بالقوي، وما له في البخاري سوى هذا الموضع.
وليث شيخه هو ابن سليم الكوفي سيئ الحفظ.
وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية
القمي موصولا في " مسند البزار " وفي " الغيلانيات " في " جزء ابن بخيت " كلهم من
رواية عبد العزيز بن الخطاب عنه بهذا السند، وقصر بعض الشراح فنسبه إلى تخريج أبي
نعيم في الطب، والذي عند أبي نعيم بهذا السند حديث آخر في الحجامة لفظه " احتجموا
لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم".
قوله: (في العسل والحجم) في رواية الكشميهني "
والحجامة " ووقع في رواية عبد العزيز بن الخطاب المذكورة " إن كان في شيء من
أدويتكم شفاء ففي مصة من الحجام، أو مصة من العسل " وإلى هذا أشار البخاري بقوله "
في العسل والحجم " وأشار بذلك إلى أن الكي لم يقع في هذه الرواية.
وأغرب
الحميدي في " الجمع " فقال في أفراد البخاري: الحديث الخامس عشر عن طاوس عن ابن
عباس من رواية مجاهد عنه، قال: وبعض الرواة يقول فيه عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم " في العسل والحجم الشفاء " وهذا الذي عزاه للبخاري لم أره فيه
أصلا، بل ولا في غيره، والحديث الذي اختلف الرواة فيه هل هو عن مجاهد عن طاوس عن
ابن عباس أو عن مجاهد عن ابن عباس بلا واسطة إنما هو في القبرين اللذين كانا
يعذبان، وقد تقم التنبيه عليه في كتاب الطهارة، وأما حديث الباب فلم أره من رواية
طاوس أصلا، وأما مجاهد فلم يذكره البخاري عنه إلا تعليقا كما بينته، وقد ذكرت من
وصله، وسياق لفظه: قال الخطابي انتظم هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس، وذلك
أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط، والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأما
العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية، ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها
ويخرجها من البدن، وأما الكي فإنما يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا
به، ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم
الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها " آخر الدواء الكي"، وقد
كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة.
قلت: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة، فإن الشفاء قد يكون
في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج، وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية
وصفراوية وبلغمية وسوداوية، وشفاء الدموية بإخراج الدم، وإنما خص الحجم بالذكر
لكثرة استعمال العرب والفهم له، بخلاف الفصد فإنه وإن كان في معنى الحجم لكنه لم
يكن معهودا لها غالبا.
على أن في التعبير بقوله " شرطة محجم " ما قد يتناول
الفصد، وأيضا فالحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد، والفصد في البلاد التي ليست
بحارة أنجح من الحجم.
وأما الامتلاء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل، وقد
نبه عليه بذكر العسل، وسيأتي توجيه ذلك في الباب الذي بعده.
وأما الكي فإنه يقع
آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات؛ وإنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما
لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل
حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء فتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون، وقد
لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي.
ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى
الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا، بل
يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى،
وعلى هذا التفسير يحمل حديث المغيرة رفعه " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل "
أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة: علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن
جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن
المضار التي فيها أعظم من المنافع.
انتهى ملخصا.
وسيأتي الكلام على كل من
هذه الأمور الثلاثة في أبواب مفرده لها.
وقد قيل إن المراد بالشفاء في هذا
الحديث الشفاء من أحد قسمي المرض، لأن الأمراض كلها إما مادية أو غيرها؛ والمادية
كما تقدم حارة وباردة، وكل منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالأصل الحرارة
والبرودة وما عداهما ينفعل من إحداهما، فنبه بالخبر على أصل المعالجة بضرب من
المثال، فالحارة تعالج بإخراج الدم لما فيه من استفراغ المادة وتبريد المزاج،
والباردة بتناول العسل لما فيه من التسخين والإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء
والتليين، فيحصل بذلك استفراغ المادة برفق، وأما الكي فخاص بالمرض المزمن لأنه يكون
عن مادة باردة فقد تفسد مزاج العضو فإذا كوي خرجت منه، وأما الأمراض التي ليست
بمادية فقد أشير إلى علاجها بحديث " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " وسيأتي
الكلام عليه عند شرحه إن شاء الله تعالى.
وأما قوله " وما أحب أن أكتوي " فهو
من جنس تركه أكل الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه.
باب
الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: فيه شفاء للناس) كأنه
أشار بذكر الآية إلى أن الضمير فيها للعسل وهو قول الجمهور، وزعم بعض أهل التفسير
أنه للقرآن.
وذكر ابن بطال أن بعضهم قال: إن قوله تعالى (فيه شفاء للناس) أي
لبعضهم، وحمله على ذلك أن تناول العسل قد يضر ببعض الناس كمن يكون حار المزاج، لكن
لا يحتاج إلى ذلك لأنه ليس في حمله على العموم ما يمنع أنه قد يضر الأبدان بطريق
العرض.
والعسل يذكر ويؤنث، وأسماؤه تزيد على المائة، وفيه من المنافع ما لخصه
الموفق البغدادي وغيره فقالوا: يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع
الفضلات، ويغسل خمل المعدة، ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة
والكبد والكلى والمثانة والمنافذ، وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية، وفيه حفظ
المعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة، وتنقية الكبد والصدر، وإدرار البول
والطمث، ونفع للسعال الكائن من البلغم، ونفع لأصحاب البلغم والأمزجة الباردة.
وإذا أضيف إليه الخل نقع أصحاب الصفراء.
ثم هو غذاء من الأغذية، ودواء من
الأدوية، وشراب من الأشربة، وحلوى من الحلاوات، وطلاء من الأطلية، ومفرح من
المفرحات.
ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان، وإذا
شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة
أشهر، وكذلك الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك من الفواكه، وإذا لطخ به
البدن للقمل قتل القمل والصئبان، وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة
البصر، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها.
وهو عجيب في حفظ جثث الموتى فلا
يسرع إليها البلى، وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة، ولم يكن يعول قدماء
الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه، ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا.
وقد
أخرج أبو نعيم في " الطب النبوي " بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند
ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء "
والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ
الشرح:
حديث عائشة " كان النبي صلى
الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل " قال الكرماني: الإعجاب أعم من أن يكون على
سبيل الدواء أو الغذاء.
فتؤخذ المناسبة بهذه الطريق، وقد تقدم باقي الكلام عليه
في كتاب الأطعمة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ
أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ
مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا
أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ
الشرح:
قوله: (عبد الرحمن ابن الغسيل) اسم الغسيل
حنظلة بن أبي عامر الأوسي الأنصاري، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة فقيل له
الغسيل، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو جد جد عبد الرحمن، فهو ابن سليمان بن عبد الرحمن
بن عبد الله بن حنظلة، وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه رأى أنسا وسهل بن
سعد، وجل روايته عن التابعين، وهو ثقة عند الأكثر واختلف فيه قول النسائي.
وقال
ابن حبان: كان يخطئ كثيرا ا ه.
وكان قد عمر فجاز المائة فلعله تغير حفظه في
الآخر وقد احتج به الشيخان، وشيخه عاصم بن عمر بن قتادة أي ابن النعمان الأنصاري
الأوسي يكنى أبا عمر ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في " باب من بنى
مسجدا " في أوائل الصلاة، وهو تابعي ثقة عندهم، وأغرب عبد الحق فقال في " الأحكام
": وثقة ابن معين وأبو زرعة وضعفه غيرهما.
ورد ذلك أبو الحسن بن القطان على عبد
الحق فقال: لا أعرف أحدا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء ا ه.
وهو كما قال.
قوله:
(إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم) كذا وقع بالشك، وكذا لأحمد
عن أبي أحمد الزبيري عن ابن الغسيل، وسيأتي بعد أبواب باللفظ الأول بغير شك، وكذا
لمسلم، وذكرت فيه في " باب الحجامة من الداء " قصة، وقوله "أو يكون " قال ابن التين
صوابه " أو يكن " لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزوما.
قلت: وقد وقع في رواية
أحمد " إن كان أو إن يكن " فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوا
فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير: إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء، فيكون
التردد لإثبات لفظ يكون وعدمها، وقرأها بعضهم بتشديد الواو وسكون النون، وليس ذلك
بمحفوظ.
قوله: (ففي شرطة محجم) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم.
قوله:
(أو لذعة بنار) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة، اللذع هو الخفيف من حرق النار.
وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم.
قوله:
(توافق الداء) فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين طريقا إلى إزالة ذلك
الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق، ويحتمل أن يكون
المراد بالموافقة موافقة القدر.
قوله: (وما أحب أن أكتوي) سيأتي بيانه بعد
أبواب.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَى
الثَّانِيَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اسْقِهِ
عَسَلاً ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ
بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً فَسَقَاهُ فَبَرَأَ
الشرح:
حديث أبي سعيد
في الذي اشتكى بطنه فأمر بشرب العسل، وسيأتي شرحه في " باب دواء المبطون".
وشيخه عباس فيه هو بالموحدة ثم مهملة النرسي بنون ومهملة، وعبد الأعلى شيخه هو
ابن عبد الأعلى، وسعيد هو ابن أبي عروبة، والإسناد كله بصريون.
باب الدَّوَاءِ
بِأَلْبَانِ الْإِبِلِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بألبان الإبل) أي في المرض
الملائم له.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاساً كَانَ بِهِمْ
سَقَمٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا
إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ
اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ
فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ
مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ سَلَّامٌ
فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ
عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا
فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا
الشرح:
قوله: (سلام بن مسكين) هو الأزدي، وهو بالتشديد، وما له في البخاري سوى هذا
الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأدب.
ووقع في اللباس عن موسى بن إسماعيل " حدثنا
سلام عن عثمان بن عبد الله " فزعم الكلاباذي أنه سلام بن مسكين، وليس كذلك بل هو
سلام بن أبي مطيع، وسأذكر الحجة لذلك هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (حدثنا
ثابت) هو البناني، ووقع للإسماعيلي من رواية بهز بن أسد " عن سلام بن مسكين قال حدث
ثابت الحسن وأصحابه وأنا شاهد منهم " فيؤخذ من ذلك أنه لا يشترط في قول الراوي
حدثنا فلان أن يكون فلان قد قصد إليه بالتحديث، بل إن سمع منه اتفاقا جاز أن يقول
حدثنا فلان، ورجال هذا الإسناد أيضا كلهم بصريون.
قوله: (أن ناسا) زاد بهز في
روايته " من أهل الحجاز " وقد تقدم في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك، وثبت
أنهم كانوا ثمانية وأن أربعة منهم كانوا من عكل وثلاثة من عرينة والرابع كان تبعا
لهم.
قوله: (كان بهم سقم فقالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا) في
السياق حذف تقديره فآواهم وأطعمهم، فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة، وكان السقم
الذي بهم أولا من الجوع أو من التعب فلما زال ذلك عنهم خشوا من وخم المدينة إما
لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا بالحضر، وإما بسبب ما كان بالمدينة من الحمى، وهذا هو
المراد بقوله في الرواية التي بعدها " اجتووا المدينة " وتقدم تفسير الجوى في كتاب
الطهارة.
ووقع في رواية بهز بن أسد " بهم ضر وجهد " وهو يشير إلى ما قلناه.
قوله: (في ذود له) ذكر ابن سعد أن عدد الذود كان خمس عشرة.
وفي رواية بهز
بن أسد: أن الذود كان مع الراعي بجانب الحرة.
قوله: (فقال اشربوا ألبانها) كذا
هنا، وتقدم من رواية أبي قلابة وغيره عن أنس " من ألبانها وأبوالها".
قوله:
(فلما صحوا) في السياق حذف تقديره: فخرجوا فشربوا فلما صحوا.
قوله: (وسمر
أعينهم) كذا للأكثر، وللكشميهني باللام بدل الراء، وقد تقدم شرحها.
قوله:
(فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت) زاد بهز في روايته " مما يجد من
الغم والوجع " وفي صحيح أبي عوانة هنا يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر
والشدة".
قوله: (قال سلام) هو موصول بالسند المذكور، وقوله "فبلغني أن الحجاج "
هو ابن يوسف الأمير المشهور.
وفي رواية أنس " فذكر ذلك قوم للحجاج فبعث إلى أنس
فقال: هذا خاتمي فليكن بيدك - أي يصير خازنا له - فقال أنس: إني أعجز عن ذلك.
قال فحدثني بأشد عقوبة " الحديث.
قوله: (بأشد عقوبة عاقبه النبي صلى الله
عليه وسلم) كذا بالتذكير على إرادة العقاب.
وفي رواية بهز " عاقبها " على ظاهر
اللفظ.
قوله: (فبلغ الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (فقال: وددت أنه لم يحدثه)
زاد الكشميهني " بهذا " وفي رواية بهز " فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على
المنبر فقال: حدثنا أنس " فذكره وقال " قطع النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي
والأرجل وسمل الأعين في معصية الله، أفلا نفعل نحن ذلك في معصية الله "؟ وساق
الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت " حدثني أنس قال: ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث
حدثت به الحجاج " فذكره، وإنما ندم أنس على ذلك لأن الحجاج كان مسرفا في العقوبة،
وكان يتعلق بأدنى شبهة.
ولا حجة له في قصة العرنيين لأنه وقع التصريح في بعض
طرقه أنهم ارتدوا، وكان ذلك أيضا قبل أن تنزل الحدود كما في الذي بعده، وقبل النهي
عن المثلة كما تقدم في المغازي، وقد حضر أبو هريرة الأمر بالتعذيب بالنار ثم حضر
نسخه والنهي عن التعذيب بالنار كما مر في كتاب الجهاد، وكان إسلام أبي هريرة متأخرا
عن قصة العرنيين، وقد تقدم بسط القول في ذلك في " باب الإبل والدواب " في كتاب
الطهارة، وإنما أشرت إلى اليسير منه لبعد العهد به.
باب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ
الْإِبِلِ
الشرح:
قوله: (باب الدواء بأبوال الإبل) ذكر فيه حديث العرنيين،
ووقع في خصوص التداوي بأبوال الإبل حديث أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رفعه " عليكم
بأبوال الإبل فإنها نافعة للذربة بطونهم " والذربة بفتح المعجمة وكسر الراء جمع
ذرب، والذرب بفتحتين فساد المعدة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الْإِبِلَ
فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا
الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ قَالَ قَتَادَةُ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ
الشرح:
قوله:
(أن ناسا اجتووا في المدينة) كذا هنا بإثبات " في " وهي ظرفية أي حصل لهم الجوى وهم
في المدينة، ووقع في رواية أبي قلابة عن أنس " اجتووا المدينة".
قوله: (أن
يلحقوا براعيه يعني الإبل) كذا في الأصل.
وفي رواية مسلم من هذا الوجه أن
يلحقوا براعي الإبل".
قوله: (حتى صلحت) في رواية الكشميهني " صحت".
قوله:
(قال قتادة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقوله "فحدثني محمد بن سيرين الخ " يعكر
عليه ما أخرجه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سملهم النبي صلى الله
عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة " وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الديات إن شاء
الله تعالى
الداعية جنة الفردوس