الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين(1) الأربعاء فبراير 06, 2013 10:09 pm | |
| د.محمد عمارة القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين(1) =================== في الألف الرابعة قبل الميلاد، بنى الكنعانيون - أهل فلسطين - مدينة «يورو سالم» أو «يورو شالم»، ومن اسمها هذا جاءت تسميتها الغربية «Jerusalem »، ومن هذا الاسم أيضاً جاءت تسميتها في «العهد القديم» بـ «أورشليم»، ولقد بدأ تاريخ العبرانيين الاتصال بهذه المدينة الكنعانية عندما استولى عليها داود - عليه السلام - في القرن العاشر قبل الميلاد، أي بعد نحو ثلاثة آلاف عام من تأسيسها على يد الكنعانيين، ولم تدم هذه السيطرة العبرية على هذه المدينة لأكثر من أربعة قرون (415 عاماً)، أي إلى التاريخ الذي هدمها فيه البابليون، الذين أزالوا «مملكة يهوذا» من الوجود سنة 585 ق. م، وبدؤوا في حقبة «السبي البابلي» للعبرانيين. وحتى بعد سماح الفرس لبعض العبرانيين بالعودة إلى أرض كنعان، كانت عودة الذين عادوا منهم إليها، عودة استيطان - بلا دولة - وبلا سيادة على مدينة «أورشليم». التدمير مرتين لكن هذا الوجود اليهودي قد عاد وأثار حفيظة الدولة الرومانية، فدمّروا هذه المدينة مرتين، الأولى على يد الإمبراطور «تيطوس»، «titus» سنة 70م، والثانية على يد الإمبراطور «حوريافوس» سنة 135م، وذلك عندما محاها محواً تاماً، وغيَّر اسمها إلى «إيليا كابيتولينا» - أي إيليا العظمى - وهو الاسم الذي ظل علماً عليها حتى الفتح الإسلامي لها (15هـ / 636م) في خلافة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب (40ق. هـ - 23هـ / 584 - 644م). احتكار القداسة وفي السنوات الأربعمائة التي سيطر فيها العبرانيون على هذه المدينة، احتكروا قداستها لمقدساتهم وحدهم، دون غيرهم من الشعوب التي كانت تقطن أرض كنعان في ذلك التاريخ، وهي الشعوب التي بنت هذه المدينة قبل ثلاثة آلاف عام.. من دخول داود - عليه السلام - إليها.. وظلوا يمارسون هذا الاحتكار، بل والاضطهاد مع النصرانية والنصارى، منذ بعثة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. وبعد تدين الدولة الرومانية بالنصرانية (في القرن الرابع الميلادي) كانت قدسية هذه المدينة «إيليا» وقفاً على النصارى الذين اضطهدوا اليهود، وجعلوا مكان «هيكلهم» - بعد هدمه - مجمعاً للقمامة والقاذورات، تُجلب إليه من داخل المدينة وخارجها! حتى لقد طلبوا من عمر ابن الخطاب عند تسلمه للمدينة، بعد فتحها أن يضمن لهم «ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود»!.. ذلك هو تاريخ هذه المدينة قبل الإسلام. لكن فتح الإسلام والمسلمين لهذه «المدينة» («يوروسالم» «أورشليم - إيليا») كان بداية عصر جديد.. فالإسلام والمسلمون هم الذين أعطوا هذه المدينة القداسة والقدسية، حتى في اسمها الجديد، فسمِّيت بـ«بيت المقدس»، و«القدس» منذ ذلك التاريخ.. ولأول مرة في تاريخها الديني تصبح قداستها عامة لجميع أمم الرسالات السماوية: اليهودية والنصرانية.. والإسلام.. وليست حكراً لأبناء دين دون غيرهم من أبناء الديانات الأخرى. فأماكن المقدسات اليهودية المهدومة منذ قرون، والتي جعلها النصارى في العصر الروماني «مجمعاً للقمامة والقاذورات» ذهب إليها عمر بن الخطاب ] بعد أن تسلم المدينة، وعقد مع أهلها «العهد العمري» الشهير، «فوجد على الصخرة زبلاً كثيراً، مما طرحه الروم غيظاً لبني إسرائيل، فبسط رداءه، وجعل يكنس ذلك الزبل، وجعل المسلمون يكنسون معه الزبل.. وتتبع المسلمون أماكن عبادة الأنبياء السابقين واحداً واحداً، ابتداء من إبراهيم إلى آخر من دفن منهم في فلسطين «بيت المقدس»، فأقاموا فيها المساجد، وحافظوا على قدسيتها وطهروها تطهيراً». (د. إسحاق موسى الحسيني «مكانة بيت المقدس في الإسلام» كتاب المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية، ص 57، 58، سنة 1968م). أمانة الفاروق لقد أحل المسلمون هذه المدينة مكاناً فريداً تميْزت به عن كل المدن التي فتحوها، ذلك عندما لم يتسلّمها القائد الفاتح، وهو «أمين الأمة» أبوعبيدة بن الجراح (40هـ. ق -18هـ / 584 - 639م)، وكان تسليمها للخليفة عمر بن الخطاب، الذي ركب من «المدينة المنورة» إليها؛ ليتسلم أمانتها، ويعقد بنفسه «العهد العمري» مع بطريركها «صفرونيوس» (17هـ - 638م).. ولتكون لها بهذه الخصوصية، مكانة «أمانة الفاروق عمر» لدى أمة الإسلام!.. وهو شرف لم تحظ به مدينة من المدن التي فتحها المسلمون عبر تاريخ الفتوحات. وبتغيير اسم هذه المدينة إلى «القدس»، رفع المسلمون عليها رايات القدسية والتقديس، وبتحرج عمر بن الخطاب - عندما كان يجلس مع «صفرونيوس» في كنيسة القيامة - من أن يصلي في الكنيسة، رغم دعوة البطريرك؛ كي لا تكون لمسلم شبهة حق في أرض الكنيسة يقيم فيها مسجداً.. بهذا الموقف العمري أضفى عمر بن الخطاب تقديس الإسلام لمقدسات النصارى.. ولم يكن عمر في ذلك «مبتدعاً»، بل ولا حتى «مجتهداً»؛ لأنه هو المؤمن بالعقيدة الإسلامية، التي لا تكتمل أركانها إلا بالإيمان بسائر الرسل وجميع الرسالات، وكل الكتب التي سبقت رسالة محمد [، على درب علاقة السماء بالإنسان: {ذّلٌكّ پًكٌتّابٍ لا رّيًبّ فٌيهٌ هٍـدْى لٌَلًمٍتَّقٌينّ(2) پَّذٌينّ يٍؤًمٌنٍونّ بٌالًغّيًبٌ $ّيٍقٌيمٍونّ پصَّلاةّ $ّمٌمَّا رّزّقًنّاهٍمً يٍنفٌقٍونّ(3) $ّالَّذٌينّ يٍؤًمٌنٍونّ بٌمّا أٍنزٌلّ إلّيًكّ $ّمّا أٍنزٌلّ مٌن قّبًلٌكّ $ّبٌالآخٌرّةٌ هٍمً يٍوقٌنٍونّ(4) أٍولّئٌكّ عّلّى» هٍدْى مٌَن رَّبٌَهٌمً $ّأٍولّئٌكّ هٍمٍ پًمٍفًلٌحٍونّ(5)} (البقرة)، {آمّّنّ پرَّسٍولٍ بٌمّا أٍنزٌلّ إلّيًهٌ مٌن رَّبٌَهٌ $ّالًمٍؤًمٌنٍونّ كٍلَِ آمّنّ بٌاللَّهٌ $ّمّلائٌكّتٌهٌ $ّكٍتٍبٌهٌ $ّرٍسٍلٌهٌ لا نٍفّرٌَقٍ بّيًنّ أّحّدُ مٌَن رٍَسٍلٌهٌ $ّقّالٍوا سّمٌعًنّا $ّأّطّعًنّا غٍفًرّانّكّ رّبَّنّا $ّإلّيًكّ پًمّصٌيرٍ >285<} (البقرة).. وهو - عمر - الذي يتعبد بالقرآن الكريم، الذي عرض لمقدسات أمم الرسالات السماوية جميعاً، فبدأ بالصوامع وانتهى بالمساجد: {$ّلّوًلا دّفًعٍ پلَّهٌ پنَّاسّ بّعًضّهٍم بٌبّعًضُ لَّهٍدٌَمّتً صّوّامٌعٍ $ّبٌيّعِ $ّصّلّوّاتِ $ّمّسّاجٌدٍ يٍذًكّرٍ فٌيهّا \سًمٍ پلَّهٌ كّثٌيرْا $ّلّيّنصٍرّنَّ پلَّهٍ مّن يّنصٍرٍهٍ إنَّ پلَّهّ لّقّوٌيَِ عّزٌيزِ >40<} (الحج). الحقبة الإسلامية بهذا الموقف العُمري، بدأت الحقبة الإسلامية في تاريخ المدينة، فقد أصبحت قداستها عامة لجميع أبناء رسالات السماء.. فكنيسة القيامة قدس خاص بالنصارى.. ومواطن المقدسات اليهودية، أعاد إليها عمر والمسلمون الطهارة عندما رفعوا عنها القمامة والقاذورات.. وارتفعت في المدينة عمائر المساجد الإسلامية. صنع المسلمون ذلك؛ لأنهم أمة الرسالة الخاتمة، التي ورثت كل مواريث الأنبياء والمرسلين، فكانت رسالة رسولهم اللبنة التي تممت بناء دين الله الواحد، وحملت أمانة الحفاظ على سائر لبنات هذا البناء، فأمة الشريعة التي أكملت الدين الإلهي الواحد، هي الحاملة لأمانة الحفاظ على مقدسات سائر شرائع هذا الدين، كأنها وحدها التي تعترف بشرعية سائر شرائع هذه الأديان. رباط وثيق والمسلمون صنعوا ذلك مع «القدس» تحديداً، لأن قرآنهم الكريم قد جعل الرباط بين «القدس»، وبين الحرم «المكي» - الذي هو قبلة الأمة الخاتمة - آية من آيات الله، وليس مجرد رباط سياسي أو إداري، يقيمه فاتحون، وينقضه غزاة! {سٍبًحّانّ پَّذٌي أّسًرّى بٌعّبًدٌهٌ لّيًلاْ مٌَنّ پًمّسًجٌدٌ پًحّرّامٌ إلّى پًمّسًجٌدٌ الأّقًصّا پَّذٌي بّارّكًنّا حّوًلّهٍ لٌنٍرٌيّهٍ مٌنً آيّاتٌنّا إنَّهٍ هٍوّ پسَّمٌيعٍ پًبّصٌيرٍ (1)} (الإسراء)، فكان الإسراء - إسراء الله بعبده ورسوله [ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وعروجه من الصخرة إلى سدرة المنتهى، الإعلان الإلهي عن ختم هذه الرحلة القدسية لخطوات الأنبياء والرسل على طريق الله، وعن حمل أمة الرسالة الخاتمة أمانة الجهاد في سبيل الحفاظ على مقدسات كل الرسالات، تلك التي تجسدها مدونة القدس قبل غيرها، وأكثر من غيرها من المدن والبقاع. وفاء بالأمانة ولقد شهد التاريخ الإسلامي للقدس، بأحرف من نور، على وفاء الأمة الإسلامية بهذه الأمانة، التي أرادها الله، والتي رمزت إليها رحلة الإسراء، والتي سلمها إياها عمر بن الخطاب.. فغدت القدس، منذ ذلك التاريخ، مشاعة القداسة، مفتوحة الأبواب لكل أبناء رسالات السماء، ازدهرت فيها، إلى جانب المساجد الإسلامية، كنائس النصارى.. وأخذ اليهود يعودون إلى سكناها، بعد أن حرموا من ذلك في العهد الروماني، الوثني والنصراني على حد سواء!.. بل لقد تولَّت الأسر المسلمة المقدسية «نظارة الأوقاف» التي أوقفها النصارى على كنائسهم، اختارهم النصارى لذلك، فرعوا هذه المقدسات النصرانية على امتداد التاريخ الإسلامي. وشاء الله أن تظل هذه «الأمانة» من خصائص الأمة الإسلامية، والدول الإسلامية، دائماً وأبداً. فطالما كانت السيادة على القدس لأمة الرسالة التي لا تحتكر التدين بدين الله، ولا تحتكر النبوات والرسالات، ولا تدفعها العنصرية إلى احتكار القدسية لأماكن عباداتها.. طالما ساد هذا الحال، كانت الأبواب مفتوحة في القدس لكل أمم الرسالات. أما في فترات تراجع هذا التوجه وهزيمة الدولة الإسلامية، وانحسار سيادة المسلمين عن القدس - في الحقبة الصليبية القديمة.. والحقبة اليهودية المعاصرة - فإن الاحتكار لقداسة القدس يعود ليطل بوجهه الكئيب! حدث ذلك، في تاريخ القدس.. حتى لكأنه القانون، الذي لا تبديل له ولا تحويل!!
| |
|