فصل وبهذا يعلم الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني فإن الحال
الإيماني ثمرة المتابعة للرسول والإخلاص في العمل وتجريد التوحيد ونتيجته منفعة المسلمين في دينهم ودنياهم وهو إنما يصح بالاستقامة على السنة والوقوف مع الأمر والنهي والحال الشيطاني نسبته أما شرك أو فجور وهو ينشأ من قرب الشياطين والاتصال بهم ومشابهتهم وهذا الحال يكون لعباد الأصنام والصلبان والنيران والشيطان فإن صاحبه لما عبد الشيطان خلع عليه حالا يصطاد به ضعفاء العقول والإيمان ولا إله إلا الله كم هلك بهؤلاء من الخلق ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فكل حال خرج صاحبه عن حكم الكتاب وما جاء به الرسول فهو شيطاني كائنا ما كان وقد سمعت بأحوال السحرة وعباد النار وعباد الصليب وكثير ممن ينتسب إلى الإسلام ظاهرا وهو بريء منه في الباطن له نصيب من هذا الحال بحسب موالاته للشيطان ومعاداته للرحمن وقد يكون الرجل صادقا ولكن يكون ملبوسا عليه بجهله فيكون حاله شيطانيا مع زهد وعبادة وإخلاص لكن لبس عليه الأمر لقلة علمه بأمور الشياطين والملائكة وجهله بحقائق الإيمان وقد حكى هؤلاء وهؤلاء من ليس منهم بل هو متشبه صاحب مخاييل ومخاريق ووقع الناس في البلاء بسبب عدم التمييز بين هؤلاء وهؤلاء فحسبوا كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة والفرقان اعز ما في هذا العالم وهو نور يقذفه الله في القلب يفرق به بين الحق والباطل ويزن به حقائق الأمور خيرها وشرها وصالحها وفاسدها فمن عدم الفرقان وقع ولا بد في إشراك الشيطان فالله المستعان وعليه التكلان
فصل والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم المؤول الذي غايته
ان يكون جائز الاتباع أن الحكم المنزل هو الذي أنزله الله على رسوله وحكم به بين عباده وهو حكمه الذي لا حكم له سواه وأما الحكم المؤول فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله ولم يلزموا به الأمة بل قال أبو حنيفة هذا رأي فمن جاءني بخير منه قبلناه ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبى يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه وكذلك مالك استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك وقال قد تفرق أصحاب رسول الله
في البلاد وصار عند كل قوم علم غير ما عند الآخرين وهذا الشافعي ينهى أصحابه عن تقليده ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه وهذا الإمام أحمد ينكر على من كتب فتاواه ودونها ويقول لا تقلدني ولا تقلد فلانا ولا فلانا وخذ من حيث أخذوا ولو علموا رضي الله عنهم أن أقوالهم يجب اتباعها لحرموا على أصحابهم مخالفتهم ولما ساغ لأصحابهم أن يفتوا بخلافهم في شيء ولما كان أحدهم يقول القول ثم يفتي بخلافه فيروي عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك فالرأي والاجتهاد أحس أحواله أن يسوغ اتباعه والحكم المنزل لا يحل لمسلم أن يخالفه ولا يخرج عنه وأما الحكم المبدل وهو الحكم بغير ما أنزل الله فلا يحل تنفيذه ولا العمل به ولا يسوغ اتباعه وصاحبه بين الكفر والفسوق والظلم والمقصود التنبيه على بعض أحوال النفس المطمئنة واللوامة والأمارة وما تشترك فيه النفوس الثلاثة وما يتميز به بعضها من بعض وأفعال كل واحدة منها واختلافها ومقاصدها ونياتها وفي ذلك تنبيه على ما وراءه وهي نفس واحدة تكون أمارة تارة ولوامة أخرى ومطمئنة أخرى وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة وأما المطمئنة فهي اقل النفوس البشرية عددا وأعظمها عند الله قدرا وهي التي يقال لها ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي والله سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة الإجابة أن يجعل نفوسنا مطمئنة إليه عاكفة بهمتها عليه راهبة منه راغبة فيما لديه وان يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن لا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا ولا يجعلنا من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا أنه سميع الدعاء وأهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل تم الكتاب
تم بحم الله