المسألة السابعة عشرة
وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة وإذا كانت محدثة مخلوقة وهي من أمر الله فكيف يكون أمر الله محدثا مخلوقا وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا وما حقيقة هذه الإضافة فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة فهذه مسألة زل فيها عالم وضل فيها طوائف من بنى آدم وهدى الله اتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث وأن معاد الأبدان واقع وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون الفضيلة على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة فزعم أنها قديمة غير مخلوقة واحتج بأنها من أمر الله وأمره غير مخلوق وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده وتوقف آخرون فقالوا لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة وسئل عن ذلك حافظ أصبهان أبو عبد الله بن منده فقال أما بعد فإن سائلا سألني عن الروح التي جعلها الله سبحانه قوام نفس الخلق وأبدانهم وذكر أن أقواما تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة وخص بعضهم منها أرواح القدس وأنها من ذات الله قال وأنا أذكر اختلاف أقاويل متقدميهم وأبين ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر وأقاويل الصحابة والتابعين وأهل العلم وأذكر بعد ذلك وجوه الروح من الكتاب والأثر وأوضح خطأ المتكلم في الروح بغير علم وأن كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه فنقول وبالله التوفيق أن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلها من النفس فقال بعضهم الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر واحتجوا بقول النبي الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفي الله حقيقتها وعلمها عن الخلق واحتجوا بقول الله تعالى ^ قل الروح من أمر ربى ^
وقال بعضهم الأرواح نور من أنوار الله تعالى وحياة من حياته واحتجت بقول النبي إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره ثم ذكر الخلاف في الأرواح هل تموت أم لا وهل تعذب مع الأجساد في البرزخ وفي مستقرها بعد الموت وهل هي النفس أو غيرها وقال محمد بن نصر المروزى في كتابه تأول صنف من الزنادقة وصنف من الروافض في روح آدم ما تأولته النصارى في روح عيسى وما تأوله قوم من أن الروح انفصل من ذات الله فصار في المؤمن فعبد صنف من النصارى عيسى ومريم جميعا لأن عيسى عندهم روح من الله صار في مريم فهو غير مخلوق عندهم وقال صنف من الزنادقة وصنف من الروافض أن روح آدم مثل ذلك أنه غير مخلوق وتأولوا قوله تعالى ^ ونفخت فيه من روحي ^ وقوله تعالى ^ ثم سواه ونفخ فيه من روحه ^ فزعموا إن روح آدم ليس بمخلوق كما تأول من قال إن النور من الرب غير مخلوق قالوا ثم صاروا بعد آدم في الوصي بعده ثم هو في كل نبي ووصى إلى أن صار في على ثم في الحسن والحسين ثم في كل وصى وإمام فيه يعلم الإمام كل شيء ولا يحتاج أن يتعلم من أحد ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه وقال شيخ الإسلام ابن تيمية روح الآدمي مخلوقة مبدعة بإتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين مثل محمد ابن نصر المروزى الإمام المشهور الذي هو من أعلم أهل زمانه بالإجماع ولا اختلاف وكذلك أبو محمد بن قتيبة قال في كتاب اللفظ لما تكلم على الروح قال النسم الأرواح قال وأجمع الناس على أن الله تعالى هو فالق الحبة وبارىء النسمة أي خالق الروح وقال أبو إسحاق ابن شاقلا فيما أجاب به في هذه المسألة سألت رحمك الله عن الروح مخلوقة هي أو غير مخلوقة قال وهذا مما لا يشك فيه من وفق للصواب أن الروح من الأشياء المخلوقة وقد تكلم في هذه المسألة طوائف من أكابر العلماء والمشايخ وردوا على من يزعم إنها غير مخلوقة وصنف الحافظ أبو عبد الله بن منده في ذلك كتابا كبيرا وقبله الإمام محمد بن نصر المروزى وغيره والشيخ أبو سعيد الخراز وأبو يعقوب النهر جوري والقاضي أبو يعلى وقد نص على ذلك الأئمة الكبار واشتد نكيرهم على من يقول ذلك في روح عيسى ابن مريم فكيف بروح
غيره كما ذكره الإمام أحمد فيما كتبه في مجلسه في الرد على الزنادقة والجهمية ثم أن الجهمى ادعى أمرا فقال أنا أجد آية في كتاب الله مما يدل على أن القرآن مخلوق قول الله تعالى ^ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ وعيسى مخلوق قلنا له إن الله تعالى منعك الفهم للقرآن ان عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجرى على القرآن لأنا نسميه مولودا وطفلا وصبيا وغلاما يأكل ويشرب وهو مخاطب بالأمر والنهي يجرى عليه الخطاب والوعد والوعيد ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم فلا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى فهل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال في عيسى ولكن المعنى في قوله تعالى إن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو كن ولكن كان بكن فكن من الله قول وليس كن مخلوقا وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا روح هذه الخرقة من هذا الثواب قلنا نحن أن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة وإنما الكلمة قول الله تعالى كن وقوله ^ وروح منه ^ يقول من أمره كان الروح فيه كقوله تعالى وسخر لكم ما في السموات وما الأرض جميعا منه يقول من أمره وتفسير روح الله إنما معناها بكلمة الله خلقها كما يقال عبد الله وسماء الله وأرض الله فقد صرح بأن روح المسيح مخلوقة فكيف بسائر الأرواح وقد أضاف الله إليه الروح الذي أرسله إلى مريم وهو عبده ورسوله ولم يدل على ذلك أنه قديم غير مخلوق فقال تعالى ^ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ^ فهذا الروح هو روح الله وهو عبده ورسوله وسنذكر إن شاء الله تعالى أقسام المضاف إلى الله وأنى يكون المضاف صفة له قديمة وإني يكون مخلوقا وما ضابط ذلك
فصل والذي يدل على خلقها وجوه الوجه الأول قول الله تعالى
^ الله خالق كل شيء ^ فهذا اللفظ عام لا تخصيص فيه بوجه ما ولا يدخل في ذلك صفاته فإنها داخلة في مسمى بإسمه فالله سبحانه هو الإله الموصوف بصفات الكمال فعلمه وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وسائر صفاته داخل في مسمى اسمه ليس داخلا في الأشياء المخلوقة كما لم تدخل ذاته فيها فهو سبحانه وصفاته الخالق وما سواه مخلوق
ومعلوم قطعا أن الروح ليست هي الله ولا صفة من صفاته وإنما هي مصنوع من مصنوعاته فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس الوجه الثاني قوله تعالى زكريا ^ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ^ وهذا الخطاب لروحه وبدنه ليس لبدنه فقط فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل وإنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح الوجه الثالث قوله تعالى ^ والله خلقكم وما تعملون ^ الوجه الرابع قوله تعالى ^ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ^ وهذا الإخبار إنما يتناول أرواحنا وأجسادنا كما يقوله الجمهور واما أن يكون واقعا على الأرواح قبل خلق الأجساد كما يقوله من يزعم ذلك وعلى التقدير فهو صريح في خلق الأرواح الوجه الخامس النصوص الدالة على أنه سبحانه ربنا ورب آبائنا الأولين ورب كل شيء وهذه الربوبية شاملة لأرواحنا وأبداننا فالأرواح مربوبة له مملوكة كما ان الأجسام كذلك وكل مربوب مملوك فهو مخلوق الوجه السادس أول سورة في القرآن وهي الفاتحة تدل على أن الأرواح مخلوقة من عدة أوجه أحدها قوله تعالى ^ الحمد لله رب العالمين ^ والأرواح من جملة العالم فهو ربها الثاني قوله تعالى ^ إياك نعبد وإياك نستعين ^ فالأرواح عابدة له مستعينة ولو كانت غير مخلوقة لكانت معبودة مستعانا بها الثالث إنها فقيرة إلى هداية فاطرها وربها تسأله أن يهديها صراطه المستقيم الرابع أنها منعم عليها مرحومة ومغضوب عليها وضالة شقية وهذا شأن المربوب والمملوك لا شأن القديم غير المخلوق الوجه السابع النصوص الدالة على أن الإنسان عبد بجملته وليست عبوديته واقعة على بدنه دون روحه بل عبوديته الروح أصل وعبودية البدن تبع كما أنه تبع لها في الأحكام وهي التي تحركه وتستعمله وهو تبع لها في العبودية الوجه الثامن قوله تعالى ^ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ^ فلو كانت روحه قديمة لكان الإنسان لم يزل شيئا مذكورا فإنه إنما هو إنسان بروحه لا ببدنه فقط كما قيل يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته % فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
الوجه التاسع النصوص الدالة على أن الله سبحانه كان ولم يكن شيء غيره كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران حصين أن أهل اليمن قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء فلم يكن مع الله أرواح ولا نفوس قديمة يساوى وجودها وجوده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هو الأول وحده لا يشاركه غيره في أوليته بوجه الوجه العاشر النصوص الدالة على خلق الملائكة وهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها وهم مخلوقون قبل خلق الإنسان وروحه فإذا كان الملك الذي يحدث الروح في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقا فكيف تكون الروح الحادثة بنفخه قديمة وهؤلاء الغالطون يظنون ان الملك يرسل إلى الجنين بروح قديمة أزلية ينفخها فيه كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إياه وهذا ضلال وخطأ وإنما يرسل الله سبحانه إليه الملك فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدوثها له كما كان الوطء والإنزال سبب تكوين جسمه والغذاء سبب نموه فمادة الروح من نفخة الملك ومادة الجسم من صب الماء في الرحم فهذه مادة سماوية وهذه مادة أرضية فمن الناس من تغلب عليه المادة السماوية فتصير روحه علوية شريفة تناسب الملائكة ومنهم من تغلب عليه المادة الأرضية فتصير روحه سفلية ترابية مهينة تناسب الأرواح السفلية فالملك أب لروحه والتراب أب لبدنه وجسمه الوجه الحادي عشر حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذي في صحيح البخاري وغيره عن النبي الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة وهذا الحديث رواه عن النبي أبو هريرة وعائشة أم المؤمنين وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمرو وعلى بن أبى طالب وعمرو بن عبسة رضى الله عنهم الوجه الثاني عشر أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال وهذا شأن المخلوق المحدث المربوب قال الله تعالى ^ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ^ والأنفس ها هنا هي الأرواح قطعا وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبى قتادة الأنصاري عن أبيه قال سرنا مع رسول الله في سفر ذات ليلة فقلنا يا رسول الله لو عرست بنا فقال إني أخاف أن تناموا فمن يوقظنا للصلاة فقال بلال أنا يا رسول الله فعرس بالقوم فاضطجعوا واستند بلال إلى راحلته فغلبته عيناه فاستيقظ
رسول الله وقد طلع جانب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت لنا فقال والذي بعثك بالحق ما ألقيت على نومة مثلها فقال رسول الله ان الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء فهذه الروح المقبوضة هي النفس التي يتوفاها الله حين موتها وفي منامها التي يتوفاها ملك الموت وهي التي تتوفاها رسل الله سبحانه وهي التي يجلس الملك عند رأس صاحبها ويخرجها من بدنه كرها ويكفنها بكفن من الجنة أو النار ويصعد بها إلى السماء فتصلى عليها الملائكة أو تلعنها وتوقف بين يدي ربها فيقضى فيها أمره ثم تعاد إلى الأرض فتدخل بين الميت وأكفانه فيسأل ويمتحن ويعاقب وينعم وهي التي تجعل في أجواف الطير الخضر تأكل وتشرب من الجنة وهي التي تعرض على النار غدوا وعشيا وهي التي تؤمن وتكفر وتطيع وتعصى وهي الأمارة بالسوء وهي اللوامة وهي المطمئنة إلى ربها وأمره وذكره وهي التي تعذب وتنعم وتسعد وتشقى وتحبس وترسل وتصح وتسقم وتلذ وتألم وتخاف وتحزن وما ذاك إلا سمات مخلوق مبدع وصفات منشأ مخترع وأحكام مربوب مدبر مصرف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه وكان رسول الله يقول عند نومه اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها فإن أمسكتها فإرحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وهو تعلى بارىء النفوس كما هو بارىء الأجساد قال تعالى ^ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ^ قيل من قبل أن نبرأ المصيبة وقيل من قبل أن نبرأ الأرض وقيل من قبل أن نبرأ الأنفس وهو أولى لأنه أقرب مذكور إلى الضمير ولو قيل يرجع إلى الثلاثة أي من قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس لكان أوجه وكيف تكون قديمة مستغنية عن خالق محدث مبدع لها وشواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة وأن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها ليس لها من نفسها إلا العدم فهي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا لا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها وتتقى من الشر إلا ما وقاها ولا تهتدي إلى شيء من صالح دنياها وأخراها إلا بهداه وتصلح إلا بتوفيقه لها وإصلاحه إياها ولا تعلم إلا ما علمها ولا تتعدى ما ألهمها فهو الذي خلقها فسواها وألهمها فجورها وتقواها فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها وخالق أفعالها من الفجور والتقوى خلافا لمن يقول إنها ليست مخلوقة ولمن يقول إنها وإن كانت مخلوقة فليس خالقا لأفعالها بل هي التي تخلق أفعالها وهما قولان لأهل الضلال والغي
ومعلوم أنها لو كانت قديمة غير مخلوقة لكانت مستغنية بنفسها في وجودها وصفاتها وكمالها وهذا من ابطل الباطل فإن فقرها إليه سبحانه في وجودها وكمالها وصلاحها هو من لوازم ذاتها ليس معللا بعلة فإنه أمر ذاتي لها كما أن غنى ربها وفاطرها ومبدعها من لوازم ذاته ليس معللا بعلة فهو سبحانه الغنى بالذات وهي الفقيرة إليه بالذات فلا يشاركه سبحانه في غناه مشارك كما لا يشاركه في قدمه وربوبيته وملكه التام وكماله المقدس مشارك فشواهد الخلق والحدوث على الأرواح كشواهده على الأبدان قال تعالى ^ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد ^ وهذا الخطاب بالفقر إليه للأرواح والأبدان ليس هو للأبدان فقط وهذا الغنى التام لله وحده لا يشركه فيه غيره وقد أرشد الله سبحانه عباده إلى أوضح دليل على ذلك بقوله ^ فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ^ أي فلولا ان كنتم غير مملوكين ومقهورين ومربوبين ومجازين بأعمالكم تردون الأرواح إلى الأبدان إذا وصلت إلى هذا الموضع أو لا تعلمون بذلك أنها مدينة مملوكة مربوبة محاسبة مجزية بعملها وكلما تقدم ذكره في هذا الجواب من أحكام الروح وشأنها ومستقرها بعد الموت فهو دليل على أنها مخلوقة مربوبة مدبرة ليست بقديمة وهذا الأمر أوضح من أن تساق الأدلة عليه ولولا ضلال من المتصوفة وأهل البدع ومن قصر فهمه في كتاب الله وسنة رسوله فأتى من سوء الفهم لا من النص تكلموا في أنفسهم وأرواحهم بما دل على أنهم من أجهل الناس بها وكيف يمكن من له أدنى مسكة من عقل أن ينكر أمرا تشهد عليه به نفسه وصفاته وأفعاله وجوارحه وأعضاؤه بل تشهد به السموات والأرض والخليقة فلله سبحانه في كل ما سواه آية بل آيات تدل على أنه مخلوق مربوب وانه خالقه وربه وبارؤه ومليكه ولو جحد ذلك فمعه شاهد عليه
فصل وأما ما احتجت به هذه الطائفة فأما ما أتوا به من اتباع
متشابه القرآن والعدول ! عن محكمة فهذا شأن كل ضلال ومبتدع فمحكم القرآن من أوله إلى آخره يدل على أن الله تعالى خالق الأرواح ومبدعها وأما قوله تعالى ^ قل الروح من أمر ربى ^ فمعلوم قطعا أنه ليس المراد ها هنا بالأمر الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام فيكون المراد أن الروح كلامه الذي يأمر به وإنما المراد
بالأمر ها هنا المأمور وهو عرف مستعمل في لغة العرب وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى ^ أتى أمر الله ^ أي مأمور الذي قدره وقضاه وقال له كن فيكون وكذلك قوله تعالى ^ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ^ أي مأموره الذي أمر به من إهلاكهم وكذلك قوله تعالى ^ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ^ وكذلك الخلق يستعمل بمعنى المخلوق كقوله تعالى للجنة أنت رحمتي فليس في قوله تعالى ^ قل الروح من أمر ربى ^ ما يدل على أنها قديمة غير مخلوقة بوجه ما وقد قال بعض السلف في تفسيرها جرى بأمر الله في أجساد الخلق وبقدرته استقر وهذا بناء على أن المراد بالروح في الآية روح الإنسان وفي ذلك خلاف بين السلف والخلف وأكثر السلف بل كلهم على أن الروح المسئول عنها في الآية ليست أرواح بنى آدم بل هو الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة وهو ملك عظيم وقد ثبت في الصحيح من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينا أنا أمشى مع رسول الله في حرة المدينة وهو متكىء على عسيب فمررنا على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسألوه عسى أن يخبر فيه بشيء تكرهونه وقال بعضهم نسأله فقام رجل فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت عنه رسول الله فعلمت أنه يوحي إليه فقمت فلما تجلى عنه قال ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ ومعلوم أنهم إنما سألوه عن أمر لا يعرف إلا بالوحي وذلك هو الروح الذي عند الله لا يعلمها الناس وأما أرواح بنى آدم فليست من الغيب وقد تكلم فيها طوائف من الناس من أهل الملل وغيرهم فلم يكن الجواب عنها من أعلام النبوة فإن قيل فقد قال أبو الشيخ حدثنا الحسين بن محمد بن إبراهيم أنبأنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن السدى عن أبى مالك عن ابن عباس قال بعثت قريش عقبة بن أبى معيط وعبد الله ابن أبى أمية بن المغيرة إلى يهود المدينة يسألونهم عن النبي فقالوا لهم انه قد خرج فينا رجل يزعم أنه نبي وليس على ديننا ولا على دينكم قالوا فمن تبعه قالوا سفلتنا والضعفاء والعبيد ومن لا خير فيه وأما أشراف قومه فلم يتبعوه فقالوا انه قد أظل زمان نبي يخرج وهو على ما تصفون من أمر هذا الرجل فائتوه فاسألوه عن ثلاث خصال نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي صادق وإن لم يخبركم بهن فهو كذاب سلوه عن الروح التي نفخ الله تعالى في آدم فإن قال لكم هي من الله فقولوا كيف يعذب الله في النار شيئا هو
منه فسأل جبريل عنها فأنزل الله عز وجل ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ^ يقول هو خلق من خلق الله ليس هو من الله الله ثم ذكر باقي الحديث قيل مثل هذا الإسناد لا يحتج به فإنه من تفسير السدى عن أبى مالك وفيه أشياء منكرة وسياق هذه القصة في السؤال من الصحاح والمسانيد كلها تخالف سياق السدى وقد رواها الأعمش والمغيرة بن مقسم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال مر النبي على ملأ من اليهود وأنا أمشى معه فسألوه عن الروح قال فسكت فظننت أنه يوحي إليه فنزلت ^ ويسألونك عن الروح ^ يعنى اليهود قل الروح من أمر ربى وما أوتوا من العلم إلا قليلا وكذلك هي في قراءة عبد الله فقالوا كذلك نجد مثله في التوراة أن الروح من أمر الله عز وجل رواه جرير بن عبد الحميد وغيره عن المغيرة وروى يحيى بن زكريا بن أبى زائدة عن داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أتت اليهود إلى النبي فسألوه عن الروح فلم يجبهم النبي بشيء فأنزل الله عز وجل ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ فهذا يدل على ضعف حديث السدى وأن السؤال كان بمكة فإن هذا الحديث وحديث ابن مسعود صريح في أن السؤال كان بالمدينة مباشرة من اليهود ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة لم يسكت النبي ولبادر إلى جوابهم بما تقدم من إعلام الله له وما أنزله عليه وقد اضطربت الروايات عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أعظم اضطراب فأما أن تكون من قبل الرواة أو تكون أقواله قد اضطربت فيها ونحن نذكر فقد ذكرنا رواية السدى عن أبى مالك عنه ورواية داود بن أبى هند عن عكرمة عنه تخالفها وفي رواية داود بن أبى هند هذه اضطراب فقال مسروق بن المرزبان وإبراهيم بن أبى طالب عن يحيى ابن زكريا عنه أن اليهود أتت النبي الحديث وقال محمد بن نصر المروزى حدثنا إسحاق أنبأنا يحيى بن زكريا عن داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فنزلت ^ ويسألونك عن الروح ^ الآية
وهذا يخالف الرواية الأخرى عنه وحديث ابن مسعود وعن ابن عباس رواية ثالثة قال هشيم حدثنا أبو بشر عن مجاهد عن ابن عباس قل الروح أمر من أمر الله عز وجل وخلق من خلق الله وصور مثل صور بنى آدم وما نزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح وهذا يدل على أنها غير الروح التي في ابن آدم وعنه رواية رابعة قال ابن منده روى عبد السلام بن حرب عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ^ قد نزل من القرآن بمنزلة كن نقول كما قال تعالى ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ^ ثم ساق من طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يفسر أربعة أشياء الرقيم والغسلين والروح وقوله تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه وعنه رواية خامسة رواها جويبر عن الضحاك عنه أن اليهود سألوا رسول الله عن الروح فقال قال الله تعالى ^ قل الروح من أمر ربى ^ يعنى خلقا من خلقي ^ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ^ يعنى لو سئلتم عن خلق أنفسكم وعن مدخل الطعام والشراب ومخرجهما ما وصفتم ذلك حق صفته وما اهتديتم لصفتها وعنه رواية سادسة روى عبد الغنى بن سعيد حدثنا موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى ^ ويسألونك عن الروح ^ وذلك أن قريشا اجتمعت فقال بعضهم لبعض والله ما كان محمد يكذب ولقد نشأ فينا بالصدق والأمانة فأرسلوا جماعة إلى اليهود فاسألوهم عنه وكانوا مستبشرين به ويكثرون ذكره ويدعون نبوته ويرجون نصرته موقنين بأنه سيهاجر إليهم ويكونون له أنصارا فسألوهم عنه فقالت لهم اليهود سلوه عن ثلاث سلوه عن الروح وذلك أنه ليس في التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم الروح فأنزل الله تعالى ^ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ^ يريد من خلق ربى عز وجل والروح في القرآن على عدة أوجه أحدها الوحي كقوله تعالى ^ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ^ وقوله تعالى ^ يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده ^ وسمى الوحي روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح الثاني القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين كما قال ^ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ^
الثالث جبريل كقوله تعالى ^ نزل به الروح الأمين على قلبك ^ وقال تعالى ^ من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ^ وهو روح القدس قال تعالى ^ قل نزله روح القدس ^ الرابع الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله وقد قيل أنها الروح المذكورة في قوله تعالى ^ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون ^ وأنها الروح المذكور في قوله ^ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ^ الخامس المسيح ابن مريم قال تعالى ^ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ وأما أرواح بنى آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس قال تعالى ^ يا أيتها النفس المطمئنة ^ وقال تعالى ^ ولا أقسم بالنفس اللوامة ^ وقال تعالى ^ إن النفس لأمارة بالسوء ^ وقال تعالى أخرجوا أنفسكم وقال تعالى ^ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ^ وقال تعالى ^ كل نفس ذائقة الموت ^ وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح والمقصود أن كونها من أمر الله لا يدل على قدمها وأنها غير مخلوقة
فصل وأما استدلالهم بإضافتها إليه سبحانه بقوله تعالى
^ ونفخت فيه من روحي ^ فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله سبحانه نوعان صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته وصفات له غير مخلوقة وكذلك وجهه ويده سبحانه والثاني إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه لكنها إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره كبيت الله وإن كانت البيوت كلها ملكا له وكذلك ناقة الله والنوق كلها ملكه وخلقه لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد والخاصة تقتضي الاختيار والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه كما قال تعالى ^ وربك يخلق ما يشاء ويختار ^ وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة ولا من باب إضافة الصفات فتأمل هذا الموضع فإنه يخلصك من صلالات كثيرة وقع فيها من شاء الله من الناس فإن قيل فما تقولون في قوله تعالى ^ ونفخت فيه من روحي ^ فأضاف النفخ إلى نفسه وهذا يقتضي المباشرة منه تعالى كما في قوله خلقت بيدي ولهذا فرق بينهما في الذكر في الحديث الصحيح في قوله
فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فذكروا لآدم أربع خصائص اختص بها عن غيره ولو كانت الروح التي فيه إنما هي من نفخة الملك لم يكن له خصيصة بذلك وكان بمنزلة المسيح بل وسائر أولاده فإن الروح حصلت فيهم من نفخة الملك وقد قال تعالى ^ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ^ فهو الذي سواه بيده وهو الذي نفخ فيه من روحه قيل هذا الموضع الذي أوجب لهذه الطائفة أن قالت بقدم الروح وتوقف فيها آخرون ولم يفهموا مراد القرآن فأما الروح المضافة إلى الرب فهي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه إضافة تخصيص وتشريف كما بينا وأما النفخ فقد قال تعالى في مريم ^ التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها وكان النفخ مضافا إلى الله أمرا وإذنا وإلى الرسول مباشرة يبقى ها هنا أمران أحدهما أن يقال فإذا كان النفخ حصل في مريم من جهة الملك وهو الذي ينفخ الأرواح في سائر البشر فما وجه تسمية المسيح روح الله وإذا كان سائر الناس تحدث أرواحهم من هذه الروح فما خاصية المسيح الثاني أن يقال فهل تعلق الروح بآدم كانت بواسطة نفخ هذا الروح هو الذي نفخها فيه بإذن الله كما نفخها في مريم أم الرب تعالى هو الذي نفخها بنفسه كما خلقه بيده قيل لعمر الله انهما سؤالان مهمان فأما الأول فالجواب عنه أن الروح الذي نفخ في مريم هو الروح المضاف إلى الله الذي اختصه لنفسه وأضافه إليه وهو روح خاص من بين سائر الأرواح وليس بالملك الموكل بالنفخ في بطون الحوامل من المؤمنين والكفار فإن الله سبحانه وكل بالرحم ملكا ينفخ الروح في الجنين فيكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وأما هذا الروح المرسل إلى مريم فهو روح الله الذي اصطفاه من الأرواح لنفسه فكان لمريم بمنزلة الأب لسائر النوع فان نفخته لما دخلت في فرجها كان ذلك بمنزلة لقاح الذكر للأنثى من غير أن يكون هناك وطء وأما ما اختص به آدم فإنه لم يخلق كخلقة المسيح من أم ولا كخلقة سائر النوع من أب وأم ولا كان الروح الذي نفخ الله فيه منه هو الملك الذي ينفخ الروح في سائر أولاده ولو كان كذلك لم يكن لآدم به اختصاص وإنما ذكر في الحديث ما اختص به على غيره وهو أربعة أشياء خلق الله له بيده ونفخ فيه من روحه واسجاد ملائكته له وتعليمه أسماء كل شيء فنفخه فيه من روحه يستلزم نافخا ونفخا ومنفوخا منه فالمنفوخ منه هو الروح المضافة إلى الله فمنها سرت النفخة في طينة آدم والله تعالى هو الذي نفخ في طينته من
تلك الروح هذا هو الذي دل عليه النص وأما كون النفخة بمباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده أن أنها حصلت بأمره كما حصلت في مريم عليها السلام فهذا يحتاج إلى دليل والفرق بين خلق الله له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غير مخلوقة والروح مخلوقة والخلق فعل من أفعال الرب وأما النفخ فهل هو من أفعاله القائمة به أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بغير المنفصلة عنه وهذا مما لا يحتاج إلى دليل وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم فإنه مفعول من مفعولاته وأضافه إليه لأنه بإذنه وأمره فنفخه في آدم هل هو فعل له أو مفعول وعلى كل تقدير فالروح الذي نفخ منها في آدم روح مخلوقة غير قديمة وهي مادة روح آدم فروحه أولى أن تكون حادثة مخلوقة وهو المراد
المسألة الثامنة عشرة
وهي تقدم خلق الأرواح على الأجساد أو تأخر خلقها عنها فهذه المسألة للناس فيها قولان معروفان حكاهما شيخ الإسلاح وغيره وممن ذهب إلى تقدم خلقها محمد بن نصر المروزى وأبو محمد بن حزم وحكاه ابن حزم إجماعا ونحن نذكر حجج الفريقين وما هو الأولى منها بالصواب قال من ذهب إلى تقدم خلقها على خلق البدن قال الله تعالى ^ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ^ قالوا ثم للترتيب والمهلة فقد تضمنت الآية أن خلقها مقدم على أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ومن المعلوم قطعا أن أبداننا حادثة بعد ذلك فعلم أنها الأرواح قالوا ويدل عليه قوله سبحانه ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ^ قالوا وهذا الاستنطاق والإشهاد إنما كان لأرواحنا إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة ففي الموطأ حدثنا مالك عن زيد ابن أبى أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم ^ فقال سمعت رسول الله يسأل عنها فقال خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه فإستخرج منه ذريته فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون وخلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال رسول الله إن الله إذا خلق الرجل للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار قال الحاكم هذا حديث على شرط مسلم
وروى الحاكم أيضا من طريق هشام بن سعد عن زيد أسلم عن أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعا لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نمسة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال من هؤلاء يا رب قال هؤلاء ذريتك فرأي رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا فقال هذا ابنك داود يكون في آخر الأمم قال كم جعلت له من العمر قال ستين سنة قال يا رب زده عمري أربعين سنة فقال الله تعالى إذا يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت قال أو لم يبق من عمرى أربعون سنة فقال أو لم تجعلها لأبنك داود قال قال فجحد فجحدت ذريته ونسى فنسيت ذريته وخطىء فخطئت ذريته قال هذا على شرط مسلم ورواه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله ان أول من جحد آدم وزاد محمد بن سعد ثم أكمل الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة وفي صحيح الحاكم أيضا من حديث أبى جعفر الرازي حدثنا الربيع بن أنس عن أبى العالية عن أبى بن كعب في قوله تعالى ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم ^ الآية قال جمعهم له يومئذ جميعا ما هو كائن إلى يوم القيامة فجعلهم أرواحا ثم صورهم واستنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق ^ وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ^ قال فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم ^ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ^ فلا تشركوا بي شيئا فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي فقالوا نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ورفع لهم أبوهم آدم فرأي فيهم الغنى والفقير وحسن الصورة وغير ذلك فقال رب لو سويت بين عبادك فقال إني أحب أن أشكر ورأي فيهم الأنبياء مثل السرج وخصوا بميثاق آخر بالرسالة والنبوة فذلك قوله وإذا خذنا ! من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وهو قوله تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ^ وهو قوله تعالى ^ هذا نذير من النذر الأولى ^ وقوله تعالى ^ وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا أكثرهم لفاسقين ^ وكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق فأرسل ذلك الروح إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فدخل من فيها وهذا إسناد صحيح
فقال إسحاق بن راهوية حدثنا بغية بن الوليد قال أخبرني الزبيدى محمد بن الوليد عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن قتادة البصري عن أبيه عن هشام بن حكيم بن حزام ان رجلا قال يا رسول الله أتبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء فقال ان الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره أشهدهم على أنفسهم ثم أقاض بهم في كفيه فقال هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار قال إسحاق وأنبأنا النضر حدثنا أبو معشر عن سعيد المقبرى ونافع مولى الزبير عن أبى هريرة قال لما أراد الله أن يخلق آدم فذكر خلق آدم فقال له يا آدم أي يدي أحب إليك أن أريك ذريتك فيها فقال يمين ربى وكلتا يدي ربى يمين فبسط يمينه فإذا فيها ذريته كلهم ما هو خالق إلى يوم القيامة الصحيح على هيئته والمبتلى على هيئته والأنبياء على هيئتهم فقال ألا أعفيتهم كلهم فقال أنى أحب ان أشكر وذكر الحديث وقال محمد بن نصر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا سعيد بن أبى مريم أخبرنا الليث بن سعد حدثني ابن عجلان عن سعد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال خلق الله آدم ثم قال بيديه فقبضهما فقال اختر يا آدم فقال اخترت يمين ربى وكلتا يديه يمين فبسطها فإذا فيها ذريته فقال من هؤلاء يا رب قال من قضيت أن اخلق من ذريتك من أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة قال واخبرنا إسحاق حدثنا جعفر بن عون أنبأنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي قال لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وحدثنا إسحاق وعمر بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم ^ الآية قال مسح ربك ظهر آدم فخرجت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي رواه عرفة فأخذ ميثاقهم ^ ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ^ ورواه أبو جمرة الضبعى ومجاهد وحبيب بن أبى ثابت وأبو صالح وغيرهم عن ابن عباس وقال إسحاق أخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال أخذهم كما يؤخذ المشط بالرأس وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن الزبير بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال إن الله ضرب منكبه الأيمن فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية فقال هؤلاء أهل الجنة ثم ضرب منكبه الأيسر فخرجت كل نفس مخلوقة لنار سوداء فقال
هؤلاء أهل النار ثم أخذ عهده على الإيمان به والمعرفة له ولأمره والتصديق به وبأمره من بنى آدم كلهم وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا وذكر محمد بن نصر من تفسير السدى عن أبى مالك وأبى صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمدانى عن ابن مسعود عن أناس من أصحاب النبي في قوله تعالى ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم ^ الآية لما أخرج الله آدم من الجنة قبل ان يهبط من السماء مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ وكهيئة الذر فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حيث يقول وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال ^ ألست بربكم قالوا بلى ^ فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية فقال هو والملائكة ^ شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ^ فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن الله ربه ولا مشرك إلا وهو يقول إنا وجدنا آباءنا على أمة فذلك قوله تعالى ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم ^ وقوله تعالى وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وقوله تعالى ^ فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ^ قال يعنى يوم أخذ عليهم الميثاق قال إسحاق وأخبرنا روح بن عبادة حدثنا موسى بن عبيدة الربذى قال سمعت محمد بن كعب القرظى يقول في هذه الآية ^ وإذ أخذ ربك من بنى آدم ^ الآية أقروا له بالإيمان والمعرفة الأرواح قبل أن يخلق أجسادها قال حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الملك عن عطاء في هذه الآية قال اخرجوا من صلب آدم حين أخذ منهم الميثاق ثم ردوا في صلبه قال إسحاق وأخبرنا على بن الأجلح عن الضحاك قال ان الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى أن تقوم الساعة فأخرجهم مثل الذر فقال ^ ألست بربكم قالوا بلى ^ قالت الملائكة ^ شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ^ ثم قبض قبضة بيمينه فقال هؤلاء في الجنة وقبض أخرى فقال هؤلاء في النار قال إسحاق وأخبرنا أبو عامر العقدي وأبو نعيم الملائى قال حدثنا هشام بن سعد عن يحيى وليس بابن سعيد قال قلت لابن المسيب ما تقول في العزل قال إن شئت حدثتك حديثا هو حق إن الله سبحانه لما خلق آدم أراه كرامة لم يرها أحدا من خلق الله أراه كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة فمن حدثك أن يزيد فيهم شيئا أو ينقص منهم فقد كذب ولو كان لي سبعون ما باليت
وفي تفسير ابن عيينة عن الربيع بن أنس عن أبى عالية وله اسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها قال يوم أخذه الميثاق قال إسحاق فقد كانوا في ذلك الوقت مقرين وذلك أن الله عز وجل أخبر أنه قال ^ ألست بربكم قالوا بلى ^ والله تعالى لا يخاطب إلا من يفهم عنه المخاطبة ولا يجيب إلا من فهم السؤال فأجابتهم إياه بقولهم دليل على أنهم قد فهموا عن الله وعقلوا عنه استشهاده إياهم ^ ألست بربكم ^ فأجابوه من بعد عقل منهم للمخاطبة وفهم لها بأن ^ قالوا بلى ^ فأقروا له بالربوبية
فصل واحتجوا أيضا بما رواه أبو عبد الله بن منده اخبرنا محمد بن
صابر البخاري حدثنا محمد ابن المنذر بن سعد الهروى حدثنا جعفر بن محمد بن هارون المصيصى حدثنا عتبة بن السكن حدثنا أرطأة بن المنذر حدثنا عطاء بن عجلان عن يونس بن حلبس عن عمرو بن عبسة قال سمعت رسول الله يقول ان الله خلق أرواح العباد قبل العباد بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فهذا بعض ما احتج به هؤلاء قال الآخرون الكلام معكم في مقامين أحدهما ذكر الدليل على الأرواح إنها خلقت بعد خلق الأبدان الثاني الجواب عما استدللتم به فأما المقام الأول فقد قال تعالى ^ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ^ وهذا خطاب للإنسان الذى هو روح وبدن فدل على أن جملته مخلوقة بعد خلق الأبوين واصرح منه قوله ^ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله ^ الآية وهذا صريح في أن خلق جملة النوع الإنساني بعد خلق اصله فإن قيل فهذا لا ينفي تقدم خلق الأرواح على أجسادها وإن خلقت بعد خلق أبى البشر كما دلت عليه الآثار المتقدمة قيل سنبين إن شاء الله تعالى أن الآثار المذكورة لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا وغايتها أن تدل بعد صحتها وثبوتها على أن بارئها وفاطرها سبحانه صور النسم وقدر خلقها وآجالها وأعمالها واستخرج تلك الصور من مادتها ثم أعادها إليها وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له ولا تدل على أنها خلقت خلقا مستقرا ثم استمرت موجودة حية عالمة ناطقة كلها في موضع واحد ثم ترسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة كما قاله
أبو محمد بن حزم فهل تحمل الآثار مالا طاقة لنا به نعم الرب سبحانه يخلق منها جملة بعد جملة على الوجه الذى سبق به التقدير أولا فيجىء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه تعالى في جميع مخلوقاته فانه قدر لها أقدارا وآجالا وصفات وهيئات ثم أبرزها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير الذى قدره لها لا تزيد عليه ولا تنقص منه فالآثار المذكورة إنما تدل على إثبات القدر السابق وبعضها يدل على أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية فمن قاله من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه وأما حديث مالك فقال أبو عمر هو حديث منقطع مسلم بن يسار لم يلق عمر بن الخطاب وبينهما في هذا الحديث نعيم بن ربيعة وهو أيضا مع هذا الإسناد لا يقوم به حجة ومسلم ابن يسار هذا مجهول قيل أنه مدني وليس بمسلم بن يسار البصري قال ابن أبى خيثمة قرأت على يحيى بن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبى أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف ثم ساقه أبو عمر من طريق النسائي أخبرنا محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة قال حدثني أبو عبد الرحيم قال حدثني زيد بن أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة ثم ساقه من طريق سخبرة حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد حدثنا محمد بن سلمة عن أبى عبد الرحيم عن زيد بن أبى أنيسة عن عبد الحميد عن مسلم عن نعيم قال أبو عمرو وزيادة من زاد في هذا الحديث نعيم بن ربيعة ليست حجة أن الذى لم يذكره احفظ وإنما الزيادة من الحافظ المتقن وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل العلم ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي من وجوه كثيرة ثابت يطول ذكرها من حديث عمر بن الخطاب وغيره وجماعة يطول ذكرهم ومراد أبو عمر الأحاديث الدالة على القدر السابق فإنها هي التي ساقها بعد ذلك فذكر حديث عبد الله بن عمر في القدر وقال في آخره وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال يا رسول
الله ففيم العمل فقال أن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار قال وروى هذا المعنى في القدر عن النبي عن على بن أبى طالب وأبى بن كعب وعبد الله بن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو سريحة الغفارى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة ابن جعشم وأبو موسى الأشعرى وعبادة بن الصامت وأكثر أحاديث هؤلاء لها طرق شتى ثم ساقي ! كثيرا منها بإسناده وأما حديث أبى صالح عن أبى هريرة فإنما يدل على استخراج الذرية وتمثلهم في صور الذر وكان منهم حينئذ المشرق والمظلم وليس فيه أنه سبحانه خلق أرواحهم قبل الأجساد وأقرها بموضع واحد ثم يرسل كل روح من تلك الأرواح عند حدوث بدنها اليه نعم هو سبحانه يخص كل بدن بالروح التي قدر أن تكون له في ذلك الوقت وأما أنه خلق نفس ذلك البدن في ذلك الوقت وفرغ من خلقها وأودعها في مكان معطلة عن بدنها حتى إذا أحدث بدنها أرسلها إليه من ذلك المكان فلا يدل شيء من الأحاديث على ذلك البتة لمن تأملها وأما حديث أبى بن كعب هو عن النبي وغايته لو صح ولم يصح أن يكون من كلام أبى وهذا الإسناد يروى به أشياء منكرة جدا مرفوعة وموقوفة وأبو جعفر الرازي وثق وضعف وقال على بن المدينى كان ثقة وقال أيضا كان يخلط وقال ابن معين هو ثقة وقال أيضا يكتب حديثه إلا أنه يخطئ وقال الإمام أحمد ليس بقوى في الحديث وقال أيضا صالح الحديث وقال الفلاس سيء الحفظ وقال أبو زرعة ييهم كثيرا وقال ابن حبان ينفرد بالمناكير عن المشاهير ومما ينكر من هذا الحديث قوله فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق فأرسل ذلك الروح إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فدخل في فيها ومعلوم إن الروح الذى أرسل إلى مريم ليس هو روح المسيح بل ذلك الروح نفخ فيها فحملت بالمسيح قال تعالى ^ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت