الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: رجال حول الرسول أصْحابي )) **مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ** الجمعة فبراير 01, 2013 6:52 pm | |
| *******سلسلة******* ***رجال حول الرسول*** ------------------------------ أصْحاب رسول الله، هؤلاء الذين اخْتارهم الله على عِلْم لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إنّ الله قد اخْتارني واخْتار لي أصْحابي )) **مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ** -------------------- مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))
*هيئة سيدنا معاذ بن جبل كما وصفه الواصفون ) قال بعْضهم: دخلْتُ مسْجدَ حِمْص فإذا أنا بِفَتىً حوله الناس؛ جَعْدٍ قطَطٍ، أيْ شعْره أجْعد، إذْ هناك شعْرٌ أجْعد ليس مُسْتَحْسناً، لكن شعْر هذا الصحابي كان أجْعد، ولكنه مُسْتَحْسن، وهو معنى قطط، إذا تكلَّم كأنما يخرج من فيه نورٌ ولُؤلؤ, هذا تأييد الله له، فأنت إذا أخْلصْت أيها الأخ الكريم لله رب العالمين، والْتَزَمْتَ أوامر الديــن، واتّصلْت بالله جل جلاله، أسْبغ الله عليك مهابَةً وجمالاً ووضاءَةً ونوراً وهَيْبَةً وسكينةً ووقاراً . فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: هو مُعاذ بن جبل، وهذا هو معنى قول الله عز وجل حينما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام وأصْحابه مَعْنِيون بِهذا الخِطاب وكذا كلّ مؤمن في كلّ مكانٍ وزمان: ﴿وَرَفعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ *صفات * 1- زهده في الدنيا : كان هذا الصحابي الجليل زاهِداً في الدنيا، قال مالك الداريّ: أخذ عمر بن الخطاب أربعمئة دينارٍ فَجَعَلها في صُرَّةٍ, فقال لِغُلامٍ له: اِذْهب بها إلى أبي عُبيدة بن الجراح ثمّ تلَه - وهو فعل أمرٍ- أيْ أُلْهُ بشيءٍ حتى تبْقى عنده فَتَنْظر ما يصْنع بها، فذَهب الغلام وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعل هذه في بعض حاجتك، فقال رضي الله عنه: وصله الله ورحِمَهُ . أرأيْتُم أيها الأخوة, أنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فهناك أشْخاص يسوق الله لهم خيراً على يدِ رِجال ثمّ يتنكَّرون, ويقولون: لقد منَّ الله علينا بالهُدى، ولكن هذا لا يمْنَعُ أنْ تشْكر الناس، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ماذا قال هذا الصحابي الجليل, وماذا فعل؟ قال: وصله الله ورحِمَهُ، ثمّ قال: تعالَيْ يا جارِيَة، واذْهَبي بِهذه السبْعة إلى فلان، وبِهذه الخمسة إلى فلان، وبِهذه الثلاثة إلى فلان، حتى أنْفَذَها جميعَها، فَرَجَع الغُلام إلى عُمر فأَخْبَرَهُ، فوَجَده قد أعَدّ مِثْلها لِمُعاذ بن جبل صاحب هذا الدرس، وقال له: اِذْهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعةً حتى تنظر ماذا يصْنع؟ فذَهَب بها إليه، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعَل هذه في بعض حاجَتِك، فقال: وصله الله ورحِمَهُ، تعالَيْ يا جارِيَة واذْهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بِكذا، فاطَّلَعَتْ امْرأته, فقالت: ونحن والله مساكين فأَعْطِنا، ولم يبْقَ في الخِرْقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، وقال: خُذي، فرجع الغلام إلى عمر وأخْبره بِذلك، فقال: إنهم أخوة، بعضُهم من بعض, ألم يقف النبي عليه الصلاة والسلام قُبَيْل وفاته وقد نظر إلى أصْحابه وهم يُصلون في المسْجد فتَبَسَّم حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: حُكماء علماء، كادوا من فِقْهِهِم أن يكونوا أنبياء؟ إنهم أبطال . 2- ورعه فيها : أمّا وَرَعُهُ؛ فكان لِمُعاذ بن جبل امْرأتان، فإذا كان عند إحْداهما لم يشْرب في بيت الأخرى الماء، لِيُحَقِّقَ العدْل الكامل بينهما, هذه الليلة لِفُلانة فيأكل ويشْرب وينام عندها، أمّا عند الأخرى فَكان لا يشْرب عندها الماء في الليلة التي ليسَتْ لها، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾
[ سورة النساء الآية: 3 ]
لذلك قالوا: ركْعتان من ورِع خير من ألف ركعة من مُخلِّط! ألم يتَنَحَّ الإمام أبو حنيفة عن ظلِّ بيتٍ إلى الشمس, فلما قيل له لِمَ؟ قال: هذا البيت مُرْتَهَنٌ عندي، وأنا أكْرهُ أن أسْتفيد من ظِلِّه، وعن ثَوْر بن يزيد, قال:
(( كان مُعاذ بن جبل إذا تهجَّد من الليل, قال: اللهم قد نامت العُيون وغارتِ النجوم وأنت الحيّ القيوم, اللهم طلبي للجنّة بطيء, وهربي من النار ضعيف, اللهم اجْعل لي عندك هُدىً ترُدُّهُ لي يوم القِيامة إنك لا تُخْلف الميعاد )) ولِذلك علامة المؤمن أنَّهُ يتَّهِم نفْسه دائِما، وعلامةُ المنافق أنَّهُ يرضى عن نفسه، حتى العوام يقولون: لا يرْضى عن نفسه إلا إبليس . وهذا أحد التابعين, قال: الْتَقَيْتُ بِأَربعين صحابِياً ما واحِدٌ منهم إلا ويظنّ أنه منافق، من شِدَّة خوفِهِ من الله، ومُحاسَبَتِهِ لِنَفْسه، ومُراقَبَتِهِ لها، والنبي عليه الصلاة والسلام, قال: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ, وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ, وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ, وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ, وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [أخرجه الترمذي في سننه] 3- علمه : سيِّدنا عمر, يقول: لو اسْتَخْلَفْتُ معاذ بن جبل، أيْ لو جعلهُ خليفةً من بعده، فسألني عنه ربي عز وجل: ما حَمَلَكَ على ذلك؟ لَقُلْتُ: سمِعْتُ نبِيَّك صلى الله عليه وسلَّم, يقول: إنَّ العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان مُعاذٌ بين أيْديهم . إذاً: معي شهادةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأنّ مُعاذَ بن جبل أهلٌ لِخِلافة المُسلمين جميعاً، بعض أصْحاب النبي وهو ابن مسْعود, كان يقول هكذا:
((إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً, فقيل له: إِنّ إبراهيم هو الذي كان أمةً قانتاً لله حنيفاً, فقال: ما نسيتُ ولكن هل تدري ما الأمة وما القانت؟ قُلتُ: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلمُ الخير والقانت المُطيع لله عز وجل ولِرَسوله وكان مُعاذ بن جبل يُعَلِّمُ الناس الخير وكانَ مُطيعاً لله عز وجل)) إذاً: إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً . سيّدنا عمر رضي الله عنه كان يسْتعين بِرَأْيِ مُعاذ بن جبل, حتى إنه قال: ((لولا معاذ بن جبل لَهَلَكَ عُمر)) وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: ((إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) [أخرجه النسائي في سننه ]
وكان هذا الصحابي, يقول: ((يا بُني إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صلاة مُوَدِّع، ويا بني إنَّ المؤمن يموت بين حَسَنَتَين: حسنةٍ قدَّمَها، وحسنةٍ أخَّرها)) له أعمالٌ جليلة قبل موته، وترك خيراً كثيراً بعد موته . ويقول هذا الصحابي الجليل: ((قد ابْتُليتُم بِفِتْنَة الضراء فَصَبَرْتُم وسَتُبْلَوْنَ بِفِتْنَةِ السراء وأَخْوَفُ ما أخاف عليكم فِتْنة النِّساء، إذا تسَوَّرْنَ الذهب، ولَبِسْنَ رباط الشام، وعَصْبَ اليَمَن، فأَتْعَبْنَ الغني، وكلَّفنَ الفقير ما لا يجد)) لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: (( إنَ إبليس طلاعٌ رصاد وما هو من فُخوخه - جمع فخّ - بِأَوثق في صَيْدِه في الأتْقِياء من النِّساء )) العبرة من وفاته والمدة التي مكثها في الدنيا : فلما حضره الموت, قال: ((أصْبَحْنا، فقِيل له: لم نُصْبِحْ؟ فقال رضي الله عنه: أعوذ بالله من ليلةٍ صباحُها النار، مرْحَبًا بالموت مرْحبًا بالموت؛ زائِرٌ مُغِبّ، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافُك وأنا اليوم أرْجوك، إنك تعلم أني لم أكن أُحِبّ الدنيا وطول البقاء فيها لِكَرْي الأنهار، ولا لِغَرْس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومُكابَدَة الساعات، ومُزاحَمَة العُلماء بِالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر)) وتُوُفِّيَ هذا الصحابي الجليل عن عُمُرٍ لا يزيد عن ثلاث وثلاثين سنة، فالعُمْرُ أَتْفَهُ ما فيه طولُهُ، وأعْظم ما فيه الأعمال الجليلة التي عمِلَها . عن سعيد بن المُسَيِّب, قال: (( قُبِضَ مُعاذ بن جبل وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين أو أرْبعٍ وثلاثين عاماً )) العُمُر يُقاسُ بِوَزْن العمل الذي احْتواهُ لا بِمُدَّتِه .
نقل بواسطة : الداعية جنة الفردوس صورة: *******سلسلة******* ***رجال حول الرسول*** ------------------------------ أصْحاب رسول الله، هؤلاء الذين اخْتارهم الله على عِلْم لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنّ الله قد اخْتارني واخْتار لي أصْحابي )) **مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ** -------------------- مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) *هيئة سيدنا معاذ بن جبل كما وصفه الواصفون ) قال بعْضهم: دخلْتُ مسْجدَ حِمْص فإذا أنا بِفَتىً حوله الناس؛ جَعْدٍ قطَطٍ، أيْ شعْره أجْعد، إذْ هناك شعْرٌ أجْعد ليس مُسْتَحْسناً، لكن شعْر هذا الصحابي كان أجْعد، ولكنه مُسْتَحْسن، وهو معنى قطط، إذا تكلَّم كأنما يخرج من فيه نورٌ ولُؤلؤ, هذا تأييد الله له، فأنت إذا أخْلصْت أيها الأخ الكريم لله رب العالمين، والْتَزَمْتَ أوامر الديــن، واتّصلْت بالله جل جلاله، أسْبغ الله عليك مهابَةً وجمالاً ووضاءَةً ونوراً وهَيْبَةً وسكينةً ووقاراً . فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: هو مُعاذ بن جبل، وهذا هو معنى قول الله عز وجل حينما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام وأصْحابه مَعْنِيون بِهذا الخِطاب وكذا كلّ مؤمن في كلّ مكانٍ وزمان: ﴿وَرَفعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ *صفات * 1- زهده في الدنيا : كان هذا الصحابي الجليل زاهِداً في الدنيا، قال مالك الداريّ: أخذ عمر بن الخطاب أربعمئة دينارٍ فَجَعَلها في صُرَّةٍ, فقال لِغُلامٍ له: اِذْهب بها إلى أبي عُبيدة بن الجراح ثمّ تلَه - وهو فعل أمرٍ- أيْ أُلْهُ بشيءٍ حتى تبْقى عنده فَتَنْظر ما يصْنع بها، فذَهب الغلام وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعل هذه في بعض حاجتك، فقال رضي الله عنه: وصله الله ورحِمَهُ . أرأيْتُم أيها الأخوة, أنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فهناك أشْخاص يسوق الله لهم خيراً على يدِ رِجال ثمّ يتنكَّرون, ويقولون: لقد منَّ الله علينا بالهُدى، ولكن هذا لا يمْنَعُ أنْ تشْكر الناس، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ماذا قال هذا الصحابي الجليل, وماذا فعل؟ قال: وصله الله ورحِمَهُ، ثمّ قال: تعالَيْ يا جارِيَة، واذْهَبي بِهذه السبْعة إلى فلان، وبِهذه الخمسة إلى فلان، وبِهذه الثلاثة إلى فلان، حتى أنْفَذَها جميعَها، فَرَجَع الغُلام إلى عُمر فأَخْبَرَهُ، فوَجَده قد أعَدّ مِثْلها لِمُعاذ بن جبل صاحب هذا الدرس، وقال له: اِذْهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعةً حتى تنظر ماذا يصْنع؟ فذَهَب بها إليه، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعَل هذه في بعض حاجَتِك، فقال: وصله الله ورحِمَهُ، تعالَيْ يا جارِيَة واذْهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بِكذا، فاطَّلَعَتْ امْرأته, فقالت: ونحن والله مساكين فأَعْطِنا، ولم يبْقَ في الخِرْقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، وقال: خُذي، فرجع الغلام إلى عمر وأخْبره بِذلك، فقال: إنهم أخوة، بعضُهم من بعض, ألم يقف النبي عليه الصلاة والسلام قُبَيْل وفاته وقد نظر إلى أصْحابه وهم يُصلون في المسْجد فتَبَسَّم حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: حُكماء علماء، كادوا من فِقْهِهِم أن يكونوا أنبياء؟ إنهم أبطال . 2- ورعه فيها : أمّا وَرَعُهُ؛ فكان لِمُعاذ بن جبل امْرأتان، فإذا كان عند إحْداهما لم يشْرب في بيت الأخرى الماء، لِيُحَقِّقَ العدْل الكامل بينهما, هذه الليلة لِفُلانة فيأكل ويشْرب وينام عندها، أمّا عند الأخرى فَكان لا يشْرب عندها الماء في الليلة التي ليسَتْ لها، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [ سورة النساء الآية: 3 ] لذلك قالوا: ركْعتان من ورِع خير من ألف ركعة من مُخلِّط! ألم يتَنَحَّ الإمام أبو حنيفة عن ظلِّ بيتٍ إلى الشمس, فلما قيل له لِمَ؟ قال: هذا البيت مُرْتَهَنٌ عندي، وأنا أكْرهُ أن أسْتفيد من ظِلِّه، وعن ثَوْر بن يزيد, قال: (( كان مُعاذ بن جبل إذا تهجَّد من الليل, قال: اللهم قد نامت العُيون وغارتِ النجوم وأنت الحيّ القيوم, اللهم طلبي للجنّة بطيء, وهربي من النار ضعيف, اللهم اجْعل لي عندك هُدىً ترُدُّهُ لي يوم القِيامة إنك لا تُخْلف الميعاد )) ولِذلك علامة المؤمن أنَّهُ يتَّهِم نفْسه دائِما، وعلامةُ المنافق أنَّهُ يرضى عن نفسه، حتى العوام يقولون: لا يرْضى عن نفسه إلا إبليس . وهذا أحد التابعين, قال: الْتَقَيْتُ بِأَربعين صحابِياً ما واحِدٌ منهم إلا ويظنّ أنه منافق، من شِدَّة خوفِهِ من الله، ومُحاسَبَتِهِ لِنَفْسه، ومُراقَبَتِهِ لها، والنبي عليه الصلاة والسلام, قال: ((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ, وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ, وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ, وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ, وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [أخرجه الترمذي في سننه] 3- علمه : سيِّدنا عمر, يقول: لو اسْتَخْلَفْتُ معاذ بن جبل، أيْ لو جعلهُ خليفةً من بعده، فسألني عنه ربي عز وجل: ما حَمَلَكَ على ذلك؟ لَقُلْتُ: سمِعْتُ نبِيَّك صلى الله عليه وسلَّم, يقول: إنَّ العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان مُعاذٌ بين أيْديهم . إذاً: معي شهادةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأنّ مُعاذَ بن جبل أهلٌ لِخِلافة المُسلمين جميعاً، بعض أصْحاب النبي وهو ابن مسْعود, كان يقول هكذا: ((إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً, فقيل له: إِنّ إبراهيم هو الذي كان أمةً قانتاً لله حنيفاً, فقال: ما نسيتُ ولكن هل تدري ما الأمة وما القانت؟ قُلتُ: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلمُ الخير والقانت المُطيع لله عز وجل ولِرَسوله وكان مُعاذ بن جبل يُعَلِّمُ الناس الخير وكانَ مُطيعاً لله عز وجل)) إذاً: إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً . سيّدنا عمر رضي الله عنه كان يسْتعين بِرَأْيِ مُعاذ بن جبل, حتى إنه قال: ((لولا معاذ بن جبل لَهَلَكَ عُمر)) وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: ((إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) [أخرجه النسائي في سننه ] وكان هذا الصحابي, يقول: ((يا بُني إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صلاة مُوَدِّع، ويا بني إنَّ المؤمن يموت بين حَسَنَتَين: حسنةٍ قدَّمَها، وحسنةٍ أخَّرها)) له أعمالٌ جليلة قبل موته، وترك خيراً كثيراً بعد موته . ويقول هذا الصحابي الجليل: ((قد ابْتُليتُم بِفِتْنَة الضراء فَصَبَرْتُم وسَتُبْلَوْنَ بِفِتْنَةِ السراء وأَخْوَفُ ما أخاف عليكم فِتْنة النِّساء، إذا تسَوَّرْنَ الذهب، ولَبِسْنَ رباط الشام، وعَصْبَ اليَمَن، فأَتْعَبْنَ الغني، وكلَّفنَ الفقير ما لا يجد)) لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: (( إنَ إبليس طلاعٌ رصاد وما هو من فُخوخه - جمع فخّ - بِأَوثق في صَيْدِه في الأتْقِياء من النِّساء )) العبرة من وفاته والمدة التي مكثها في الدنيا : فلما حضره الموت, قال: ((أصْبَحْنا، فقِيل له: لم نُصْبِحْ؟ فقال رضي الله عنه: أعوذ بالله من ليلةٍ صباحُها النار، مرْحَبًا بالموت مرْحبًا بالموت؛ زائِرٌ مُغِبّ، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافُك وأنا اليوم أرْجوك، إنك تعلم أني لم أكن أُحِبّ الدنيا وطول البقاء فيها لِكَرْي الأنهار، ولا لِغَرْس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومُكابَدَة الساعات، ومُزاحَمَة العُلماء بِالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر)) وتُوُفِّيَ هذا الصحابي الجليل عن عُمُرٍ لا يزيد عن ثلاث وثلاثين سنة، فالعُمْرُ أَتْفَهُ ما فيه طولُهُ، وأعْظم ما فيه الأعمال الجليلة التي عمِلَها . عن سعيد بن المُسَيِّب, قال: (( قُبِضَ مُعاذ بن جبل وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين أو أرْبعٍ وثلاثين عاماً )) العُمُر يُقاسُ بِوَزْن العمل الذي احْتواهُ لا بِمُدَّتِه . نقل بواسطة : | |
|