الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: شواهد قرآنية من .*. الأدب مع الله .*. الثلاثاء أكتوبر 22, 2013 9:43 pm | |
| [size=24]شواهد قرآنية من .*. الأدب مع الله .*.
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة
وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرا وباطنا فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرا وما أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطنا
وقيل: الأدب في العمل علامة قبول العمل
إن الله سبحانه هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعداد التي جعلها فيه كامنة كالنار في الزناد فألهمه ومكنه وعرفه وأرشده وأرسل إليه رسله وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوة التي أهله بها لكماله إلى الفعل قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] فعبر عن خلق النفس بالتسوية والدالة على الاعتدال والتمام ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه امتحانا واختبارا ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه وهي التقوى، ثم حكم بالشقاء على من دساها فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور.
فتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله وخطابهم وسؤالهم كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به:
قال المسيح عليه السلام: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] ولم يقل: لم أقله وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره فقال: {تعلم ما في نفسي} ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه فقال: {ولا أعلم ما في نفسك} ثم أثنى على ربه ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها فقال: {إنك أنت علام الغيوب} ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به وهو محض التوحيد فقال: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} [المائدة: 117] ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم فقال {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم فقال: {وأنت على كل شيء شهيد} ثم قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد وأعتاهم على سيدهم وأعصاهم له: لم تعذبهم لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته فلماذا يعذب أرحم الراحمين وأجود الأجودين وأعظم المحسنين إحسانا عبيده لولا فرط عتوهم وإباؤهم عن طاعته وكمال استحقاقهم للعذاب وقد تقدم قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] أي هم عبادك وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم فإذا عذبتهم: عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة كما تظنه القدرية وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب ثم قال: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ المائدة: 118 ] ولم يقل الغفور الرحيم وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم والأمر بهم إلى النار فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة بل مقام براءة منهم فلو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم والمعنى: إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم ليست عن عجز عن الانتقام منهم ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه ولجهله بمقدار إساءته إليه والكمال: هو مغفرة القادر العالم وهو العزيز الحكيم وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب وفي بعض الآثار: حملة العرش أربعة: اثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك واثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين بالأخرى كقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}
وكذلك قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [ الشعراء: 7880 ] ولم يقل وإذا أمرضني حفظا للأدب مع الله
وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [ الكهف: 79 ] ولم يقل فأراد ربك أن أعيبها وقال في الغلامين: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [ الكهف: 82 ]
وكذلك قول مؤمني الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [ الجن: 10 ] ولم يقولوا: أراده ربهم ثم قالوا: أم أراد بهم ربهم رشدا
وألطف من هذا قول موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [ القصص: 24 ] ولم يقل أطعمني
وقول آدم عليه السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [ الأعراف: 23 ] ولم يقل: رب قدرت علي وقضيت علي
وقول أيوب عليه السلام: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [ الأنبياء: 83 ] ولم يقل فعافني واشفني.
وقول يوسف لأبيه وإخوته: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [ يوسف: 100 ] ولم يقل: أخرجني من الجب حفظا للأدب مع إخوته وتفتيا عليهم: أن لا يخجلهم بما جرى في الجب وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ولم يقل: رفع عنكم جهد الجوع والحاجة أدبا معهم وأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه فقال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} فأعطى الفتوة والكرم والأدب حقه ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلا للرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
وقوله تعالى عن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام حين أراه ما أراه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] وفي هذا وصف لأدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ولا تجاوز ما رآه وهذا كمال الأدب؛ والإخلال به: أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور. فالالتفات زيغ والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة. فكمال إقبال الناظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة ولا يتجاوزه. هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه.
ولم يمل عن المرئي فيزيغ بل اعتدل البصر نحو المرئي ما جاوزه ولا مال عنه، كما اعتدل القلب في الإقبال على الله والإعراض عما سواه فإنه أقبل على الله بكليته. وللقلب زيغ وطغيان كما للبصر زيغ وطغيان.. وكلاهما منتف عن قلبه وبصره فلم يزغ قلبه التفاتا عن الله إلى غيره ولم يطغ بمجاوزته مقامه الذي أقيم فيه.
وهذا غاية الكمال والأدب مع الله الذي لا يلحقه فيه سواه فإن عادة النفوس إذا أقيمت في مقام عال رفيع: أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه..
ولهذا كان مركوبه في مسراه يسبق خطوه الطرف فيضع قدمه عند منتهى طرفه مشاكلا لحال راكبه وبعد شأوه الذي سبق به العالم أجمع في سيره فكان قدم البراق لا يختلف عن موضع نظره كما كان قدمه لا يتأخر عن محل معرفته فلم يزل في خفارة كمال أدبه مع الله سبحانه وتكميل مراتب عبوديته له حتى خرق حجب السموات وجاوز السبع الطباق وجاور سدرة المنتهى ووصل إلى محل من القرب سبق به الأولين والآخرين، فانصبت إليه هناك أقسام القرب انصبابا وانقشعت عنه سحائب الحجب ظاهرا وباطنا حجابا حجابا، وأقيم مقاما غبطه به الأنبياء والمرسلون. فإذا كان في المعاد أقيم مقاما من القرب ثانيا يغبطه به الأولون والآخرون، واستقام هناك على صراط مستقيم من كمال أدبه مع الله ما زاغ البصر عنه وما طغى. فأقامه في هذا العالم على أقوم صراط من الحق والهدى وأقسم بكلامه على ذلك في الذكر الحكيم فقال تعالى: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [ يس: 1-4 ] فإذا كان يوم المعاد أقامه على الصراط يسأله السلامة لأتباعه وأهل سنته حتى يجوزونه إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
بتصرف من كتاب "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" لإبن قيم الجوزية رحمه الله تعالى [/size] | |
|