الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب السبت مايو 11, 2013 7:34 pm | |
| المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب ========================
المقام الثاني: مقام الحقيقة، أي أحكام الآخرة من ثواب وعقاب: من عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بأحكام الثواب والعقاب: أن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين، وحرم الجنة على الكافرين. وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62]، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 82]، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ } [الأعراف: 40]، وقال تعالى: { مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة: 72]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة)) . أن الله لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه حجة الله تعالى بالرسل، قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]، وقال تعالى: { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165]. فمما يعد من أحكام الآخرة في هذا الموضوع هو ثبوت قيام الحجة على المعينين، ومن ثمة الحكم عليهم بالكفر الحقيقي، فدخول النار والخلود فيها. وهذا مما لم نكلف الخوض فيه، بل هو موكول إلى علم الله تعالى وحكمته وعدله في خلقه. أما الذي يجب علينا اعتقاده في جملة الخلق أن الله تعالى وهو أعدل العادلين لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه حجة الله تعالى بالرسالة، ثم يعاند ويعرض عنها . أما من انقاد للحجة، أو لم تبلغه لعارض من العوارض المعتبرة شرعا، فإن الله تعالى لا يعذبه، وهذا من تمام عدله وسعة رحمته . الذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان، بل يخرج منها من معه مثقال حبة، أو مثقال ذرة من إيمان؛ لأنه لابد أن يدخل من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، أو بمحض رحمة أرحم الراحمين. لا نقول على أحد معين من أهل القبلة إنه من أهل الجنة أو من أهل النار، إلا من أخبر الصادق أنه من أهل الجنة أو من أهل النار. فعن أبي هريرة قال: ((شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال لرجل ممن يُدعى بالإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضرنا القتال، قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله)) . قال الإمام أحمد – رحمه الله -: (ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب، ونرجو له رحمة الله) . وقال أيضاً: (ولا ننزل أحداً من أهل القبلة جنة ولا ناراً، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة) . وقال الإمام الطحاوي – رحمه الله -: (ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً) . ثمرة البحث: 1- الحكم على الظاهر من أهم أصول أهل السنة: فمن أظهر الإسلام والتزم شرائعه، حكم بإسلامه واستحق جميع الحقوق التي شرعها الله للمسلمين، ووجب عليه جميع ما وجب على المسلمين، ويستوي في هذا المسلم على الحقيقة، والمسلم نفاقاً خوفاً من قتل أو طمعاً في مكسب. ولم نكلف شق صدور الناس أو امتحانهم. هذا إذا تكلم في أحكام الدنيا، أما إذا تكلم في أحكم الآخرة، فإن حكم المنافق حكم الكفار، بل هم { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } [النساء: 145]. ومن أظهر الكفر الصريح، حكمنا بكفره وعاملناه بما يقتضيه وضعه، فإن كان حربيا حاربناه، وإن كان معاهداً أتممنا إليه عهده، وإن كان ذميا أقررناه على وضعه مع أخذ الجزية منه وهو صاغر. أما من كان مسلماً وظهر منه فعل كفري، فإن الواجب الذي ينبغي أن يتبع في الحكم عليه ابتداء هو الحكم على الفعل دون الفاعل. ... وأن الحكم بالتكفير إنما يعني – عند أهل السنة – الحكم الظاهر الذي يقتضيه عمله؛ لأن هذا الفعل قد تكتنفه حالتان، كل واحدة منهما يمتنع فيها الجزم بالحكم على الفعل بأنه كفر، فضلاً عن أن يوصف الفاعل بالكفر. الحالة الأولى: أن يكون الفاعل محتملاً للكفر وعدمه . فكون الفعل محتملاً لهذين الأمرين المتضادين يجعل القطع فيه بحكم صعباً، لذلك فإن حكم التكفير يجب أن ينبني على فعل صريح في الكفر. الحالة الثانية: أن يقوم بالمعين ما هو كفر قطعاً، لكن يمنع من تكفيره الاحتمال في قصده. فقد يكون هذا المعين لم يقصد الكفر؛ لعارض عرض له كسوء الفهم أو الخطأ في الاجتهاد... 2- التوقف عن التعيين في مسألة التكفير والوعد والوعيد: وذلك حتى تتوفر شروط وتنتفي موانع، وذلك أن الحكم بالتكفير هو من اختصاص الله تعالى؛ لأنه هو الذي يعلم حقيقة كل شيء. فالتجرؤ على هذا الأمر على جانب كبير من الصعوبة والخطورة. فالكلام في هذه المسائل يجب أن ينبني على العلم واليقين والعدل، وإلا كان تقولاً على الله غير علم، وظلماً لخلق الله. فالواجب في هذه الحالة هو اتباع الكتاب والسنة والقول. بموجبهما، حتى يؤمن الزلل والشطط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله عليه -: (إن نصوص الوعيد في الكتاب والسنة كثيرة جدا، والقول بموجبها واجب على وجه العموم والإطلاق من غير أن يعين شخص من الأشخاص، فيقال: هذا ملعون أو مغضوب عليه أو مستحق للنار، لا سيما إن كان لذلك الشخص فضائل وحسنات، فإن غير الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام يجوز عليهم الصغائر والكبائر، مع إمكان أن يكون ذلك الشخص صديقا أو شهيدا أو صالحا؛ لما تقدم أن موجب الذنب قد يتخلف عنه بتوبة أو استغفار أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة أو بمحض مشيئة الله ورحمته) . وهذا له ارتباط بمسألة قيام الحجة وعدمه، حيث إن الذي يجب اعتقاده في هذا الباب هو أن الله تعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسل، كما أنه ما من أحد أدخل النار إلا ويجب اعتقاد أن حجة الله قد قامت عليه، وهذا مقتضى عدل الله تعالى، قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 16]. وهذا ما يقطع به في جملة الخلق. أما كون زيد بعينه أو عمرو قامت عليه الحجة أو لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه؛ لأن التعيين موكول إلى علم الله وحكمه . ولهذا فإن أهل الفترة في أحكام الدنيا كفار، أما في الآخرة، فأمرهم إلى الله وهو أعلم بحالهم. 3- أن عقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة: فقد تقام الحدود على أشخاص في الدنيا، إما بقتل أو جلد أو غير ذلك، من غير الحكم عليهم بالكفر، بل يصلى عليهم ويستغفر لهم. وقد يكون هؤلاء الأشخاص غير معذبين في الآخرة، ويدخل في هذا الباب قتال البغاة والمتأولين مع بقائهم على العدالة، ومثل إقامة الحد على من تاب بعد القدرة عليه توبة صحيحة، فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على ماعز بن مالك وصلى عليه ، ونهى عن شتمه. كما أقامه على الغامدية، فنهى خالد بن الوليد عن سبها، وقال: ((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. ثم صلى عليها)) . ومن هذا الباب رأي من رأى من السلف قتل الدعاة إلى البدعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ولهذا كان أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس؛ لأجل إفساده في الدين، سواء قالوا: هل هو كافر أو ليس بكافر) . فظهر أن التوقف في أمر الآخرة لا يمنع من عقاب الدنيا. 4- الفرق بين الحكم بكفر المعين والحكم بإسلامه: فإن إسلام المعين يكفي فيه مجرد الإقرار الظاهر، ثم يلزم بعد ذلك بلوازمه، وهو إسلام حكمي قد يكون المعين معه منافقاً في الباطن؛ أما الكفر فليس حكماً على الظاهر فقط، وإنما هو حكم على الظاهر والباطن معا، بحيث لا يصح لنا أن نحكم على معين بالكفر مع احتمال أن يكون غير كافر على الحقيقة . وإذا عرف هذا، فإن تكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم – بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار – لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم الحجة الرسالية عليه التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالاتهم، لا ريب أنها كفر. وذلك أن الحكم بالكفر الحقيقي على شخص معين يتعلق بأحكام الثواب والعقاب في الآخرة أكثر من تعلقه بأحكام الدنيا، وقد عُلم أن أحكام الآخرة مما لا سبيل لنا لمعرفتها على التفصيل فيما يخص أحكام المعينين، لهذا لزم التحري الشديد والتريث والتبين بعلم. 5- الشخص الذي قد يعذبه الله في النار ثم يدخله الجنة كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة؛ لكونه له سيئات عذب من أجلها، وحسنات فدخل بها الجنة، هل يطلق عليه اسم مؤمن؟ فيه تفصيل: 1- بالنظر إلى أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة، فهو مؤمن، وكذلك دخوله في خطاب المؤمنين. 2- وبالنظر إلى حكمه في الآخرة، فيقال إن هذا النوع ليس من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار إن لم يغفر الله له ذنوبه . من خلال استعراض موضوع أحكام الدنيا وأحكام الثواب والعقاب في الآخرة، فإنه بات واضحاً أننا ونحن نتحدث عن أحكام عصاة الموحدين، سواء كانت معاصيهم تلك من المعاصي الاعتقادية البدعية أو العملية الفجورية. لقد بات واضحاً ضرورة التفريق بين هذين النوعين من الأحكام حتى يكون الحكم عدلاً وصواباً، أي موافقاً للكتاب والسنة. وهذا من مميزات منهج أهل السنة؛ إذا التفصيل هو منهجهم غالباً في هذه المسائل الكبيرة من الدين. فالفرق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة هو الذي يتطابق مع حقيقة المنهج النبوي، الذي رأينا من خلال العرض السابق نماذج منه في التعامل مع الوقائع. ومن ثمرات هذا المبحث التي عرضنا لها سابقاً، نتبين أهمية التفريق بين هذه الأحكام؛ إذ فيه من المحافظة على عصمة دم الموحدين من هذه الأمة وعدم التسرع في الحكم عليهم بالكفر، وذلك بالنظر في الوقائع بالدقة اللازمة التي تتطلبها خطورة الحكم بالكفر على شخص ما؛ لأن لذلك الحكم آثاراً تستتبعه، كسقوط عصمة الدم والمال والبراءة منه... أما الذين خالفوا هذا المنهج وجعلوا أحكام الدنيا مستلزمة لأحكام الآخرة مطلقاً، فقد وقعوا في التخبط الشنيع، فاستحلوا دماء معصومة، وحكموا على أخيار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالكفر، وشهدوا عليهم بالنار في الآخرة. ويأتي في مقدمة هؤلاء الغلاة طائفة الخوارج التي جعلت الفعل الظاهر دليلاً على القصد الباطن، وجعلت الإيمان حقيقة مركبة تزول بزوال أحد عناصرها، فكفروا بمطلق المعاصي. ثم تطاولوا على مقام الألوهية، فحكموا على الموحدين بالنيران، ومنعوا وقوع الشفاعة في عصاة أهل القبلة المعذبين، ومن ثم منعوا خروج من دخل النار من النار، وقالوا بالمكث الأبدي في النار حتى للموحدين. وهذه مخالفة صريحة للنصوص النبوية، بل هي تكذيب لها وإعراض عنها. ولهذا سرعان ما يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وهو جزاء وفاق على غلوهم وإعراضهم عن هدي الكتاب والسنة. أما خيار الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فقد تمسكوا بالأمر الأول، وفروا من المحدثات، بل وحاربوها حتى حفظ لنا الدين على منهاج النبوة. فقد تعاملوا مع المنافقين – وهم من هم في الخصومة والعداء – على وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو اعتبار ظاهرهم، وترك سرائرهم إلى الله عز وجل. ولقد كانوا أغير الناس على دين الله، تدفعهم غيرتهم إلى تجاوز حدود النصوص في التعامل مع الأحداث حتى في أشد الظروف. ولما كان يحدث منهم خروج عن هذا المنهج، فسرعان ما يندمون ويرجعون، كما فعل أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – عندما قتل ذلك المشرك بعد أن قال لا إله إلا الله، فعنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه تصوره أن ذاك المقتول إنما قال ذلك تعوذا وخوفاً من القتل، وقال: ((إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس)) . والحاصل أن الوقائع من هذا النوع قليلة؛ وذلك لما كان للهدي النبوي من أثر في تربيتهم – رضوان الله عليهم أجمعين. ولم يؤثر عن هؤلاء الأخيار أنهم طعنوا في نيات الأشخاص أو مقاصدهم؛ لعلمهم أنه لا سبيل لهم إلى ذلك، فتركوا عناء الحكم عليها. فالتزام التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة عند الحديث في مسائل التكفير أو التبديع أو التفسيق، وكذا التفريق بين الفعل والفاعل وأحكام المعين وغير المعين هو منهج أهل السنة، وهو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح؛ لأن قوامه العدل الذي أمر الله به في كتابه، قال تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ }، وقال تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } [النساء: 58]. | |
|