الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: متى وكيف كانت بداية الشرك في هذه الأمة الخميس أبريل 25, 2013 10:36 pm | |
|
متى وكيف كانت بداية الشرك في هذه الأمة
إن الله عز وجل أنعم على هذه الأمة حيث بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الثقلين { عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } [المائدة: 19]، وقد ((مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) ، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب مبدل أو منسوخ، ودين دارس بعضه مجهول، وبعضه متروك، وإما أمي: من عربي وعجمي. فمنهم من بحث عن الحنيفية واعتصم بها، ولكن أغلبهم كانوا مقبلين على عبادة ما استحسنوه، وظنوا أنه ينفعهم؛ من جن, أو وثن, أو قبر، أو تمثال أو غير ذلك؛ والناس في جاهلية جهلاء: من مقالات يظنونها علماً وهي الجهل، وأعمال يحسبونها صلاحاً، وهي فساد، وعبادات يحسبونها من عند الله، وهي من ما زينت لهم الشياطين وتهواها نفوسهم، ووجدوا عليها آباءهم. فهدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، وفتح الله بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، بعد أن جاهدهم وجالدهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان والحجة لمن كابر وعاند، وكان من أمره صلى الله عليه وسلم مع قريش ما كان، حتى هاجر إلى المدينة، وكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره، وظهر دينه، فجاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وجمعهم الله على دين الإسلام؛ دين التوحيد، والملة الإبراهيمية الحنيفية بعد تشتت تام, وعداوة كاملة، وانهيار خلقي, وانحلال ديني, وفساد عقدي. فألف بين قلوبهم حتى أصبحوا بنعمة الله إخواناً، وكسرت الأوثان والأصنام، وزالت عبادتها على أصنافها، فطمست التماثيل, وسويت القبور المشرفة، وأزيلت المعبودات من دون الله من قبر, وشجر, وحجر, ونصب, وصنم, ووثن، وأبطلت. وتحررت العقول من دناءة تفكيرها، ووضاعة تصورها، فارتقت إلى التوحيد بعد أن كانت في حمأة الشرك، وأصبحت قلوبهم متجهة إلى الله وحده لا شريك معه غيره؛ لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فأتم الله أمره, وأكمل دينه، وأعلا كلمته، حتى صار الدين كله لله. فلما تمت نعمة الله عليه وعلى أمته وظهر ما جاء به من الحق، ووضحت الطريقة توفاه الله جل وعلا إليه، والإسلام في تقدم وشوكة تامة وغلبة كاملة، ليظهر على الدين كله. وكان الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – يأخذون سلوكهم وأعمالهم وعقائدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحياته هي الإسلام غضاً طرياً، وقد نزل القرآن الكريم بلغتهم ففهموا ما أراد الله منهم، وما احتاج إلى بيان بينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته، فكان الناس أمة واحدة ودينهم قائم في خلافة أبي بكر وعمر، فلما استشهد باب الفتنة عمر رضي الله عنه، وانكشف الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذبح صبراً، وتفرقت الكلمة، وتمت وقعة الجمل ثم وقعة صفين، فظهرت الخوارج وكُفِّر سادة الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب. وكان السبب في ذلك أنه كان هناك دولتان عظيمتان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهما: فارس، والروم، وقد كسر الله شوكتهم، وأزال ملكهم بأيدي الصحابة، وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فلما سيطر حكم الإسلام على أكثر البلاد في آسيا، وإفريقيا، وغيرهما، دخل تحت حكمه أمم كثيرة رغبة ورهبة، وكان لها أديان مختلفة، من يهودية ونصرانية، ومجوسية ووثنية، وغير ذلك. وقد كان لكثير من هذه الأمم سلطان كبير مثل المجوس، والرومان، فسلبهم المسلمون ذلك، وكان عند هؤلاء من الكبر والاستعلاء ما يجعلهم يأنفون من كونهم تحت سلطان المسلمين، ولا سيما وقد كانوا يرون العرب من أحقر الأمم، وأقلها شأناً. كما أن اليهود واجهوا الإسلام ورسوله من أول أمره بالعداء، وحاولوا القضاء عليه بأنواع جهدهم وكيدهم إلى الدسائس، والمؤامرات، والاغتيالات لرجاله العظام، ودخل في الإسلام ظاهراً من هؤلاء من قصد إفساده، وتمزيق وحدة أهله، ولابد أن يكون عن دراسة، وإعمال فكر وتخطيط، وربما يكون هناك جمعيات متعاونة، من المجوس والنصارى، والهنود، وغيرهم، وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل لإفساد عقائد المسلمين، لتيقنهم أنه لا يمكن هزيمة المسلمين إلا بإفساد عقيدتهم. فبدأت آثار تلك المؤامرات تظهر، شيئاً فشيئاً، فقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأيد مجوسية، وربما بمؤامرة مجوسية يهودية، ثم قتل الخليفة الذي بعده، بأيد مشبوهة، من غوغاء، بدفعهم بعض دهاة اليهود والمجوس . قال الإمام ابن حزم: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا على سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى أنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم، على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة، في أوقات شتى،... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح. فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشناع ظلم علي –رضي الله عنه-، ثم سلكوا بهم مسالك شتى، حتى أخرجوهم عن الإسلام، فقوم منهم أدخلوهم إلى القول بأن رجلاً ينتظر يدعى المهدي، عنده حقيقة الدين، إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار، وقوم خرجوا إلى نبوة من ادعى له النبوة، وقوم سلكوا بهم... القول بالحلول، وسقوط الشرائع. وآخرون تلاعبوا بهم، وأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة... وقد سلك هذا المسلك أيضاً عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي، فإنه –لعنه الله- أظهر الإسلام ليكيد أهله، فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان – رضي الله عنه-... ومن هذه الأصول الملعونة، حدثت الإسماعيلية، والقرامطة، وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة، قائلتان بالمجوسية المحضة، ثم مذهب مزدك الموبذ،... فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوهم عن الإسلام كيف شاؤوا، إذ هذا هو غرضهم فقط) . فأول فرقة ظهوراً هي الشيعة، وكانت الخوارج أيضاً في نفس الوقت ظهرت كفرقة مستقلة، وإن كان لكل منهما وجود قبل هذا ولكن بصفة متفرقة، فهاتين الفرقتين لهما السبق في تفريق جمع هذه الأمة. قال الشهرستاني: (ومن الفريقين ابتدأت البدع والضلالة... وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين: أحدهما: الاختلاف في الإمامة. والثاني: الاختلاف في الأصول... والاختلاف في الإمامة على وجهين: أحدهما: القول بأن الإمامة بالاتفاق والاختيار، والثاني: القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين... وأما الاختلاف في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد الجهني, وغيلان الدمشقي،... في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر...) ، فتبرأ ابن عمر وابن عباس وغيرهما ممن يقول بهذه المقالة. ثم حدثت بدعة الإرجاء، ثم حدثت بدعة الجهم بن صفوان ببلاد المشرق, فعظمت الفتنة به، فإنه نفى أن يكون لله صفة، وأورد على أهل الإسلام شكوكاً أثرت في الملة الإسلامية آثاراً قبيحة تولد منها بلاء كبير. وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء، كمسلك فكري، بنت هذه الفرقة مذهبها على الجدل، واستعانت في ذلك بما وجدته من منطق اليونان وفلسفتها لتعزيز آرائها، وغيروا كثيراً من مفاهيم العقيدة، وأصلوا لبدعتهم أصولاً توافق عقولهم وأهواءهم. ثم تطورت هذه المذاهب السياسية والفكرية وتشعبت حتى خرجت بعض هذه الفرق عن دائرة الإسلام، كما هو معلوم. بداية الانحراف الشركي في هذه الأمة في الربوبية بالتعطيل: بعد استعراض أقوال العلماء في كيفية انحراف عقيدة هذه الأمة يحسن بنا أن نتعرف على بداية الانحراف الشركي في الربوبية بالتعطيل: سواء كان في أسماء الله أو صفاته أو أفعاله. ولعل أول شرك منظم في هذه الأمة في هذا الجانب – على ما نص عليه العلماء – هو شرك القدرية الذين أنكروا القدر، فأشركوا في الربوبية بتعطيل صفات الله عز وجل وأفعاله. فإن إنكار القدر يتضمن إنكار كثير من الصفات والأفعال، كما أنهم أثبتوا خالقين. ولهذا قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: (هذا أول شرك في هذه الأمة) . وقال ابن عمر –رضي الله عنهما- فيهم: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر) . وأول من عرف بذلك رجل مجوسي يقال له: سيسويه، من الأساورة، وإن كان قد اشتهر أن أول من قال به معبد الجهني . ثم ظهر شرك التعطيل في أسماء الله وصفاته، بأنه ليس لله أسماؤه الحسنى، وأنه لا يوصف بشيء مما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يحب أحداً من عباده، ولا يتكلم وليس له يد ولا وجه، وكان أول من عرف بذلك رجل يقال له: الجعد بن درهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أصل هذه المقالة – مقالة التعطيل للأسماء والصفات- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين، وضلال الصابئين، فأول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة... في الإسلام: هو الجعد بن درهم، فأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم) . فهذه سلسلة يهودية لها سوابق في محاربة الإسلام. روى البخاري في خلق أفعال العباد، بسنده، قال: قال خالد بن عبد الله القسري في يوم أضحى: (ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد ابن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول ابن درهم)، ثم نزل فذبحه. قال أبو عبد الله: قال قتيبة: إن جهماً كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم) . فتبين من هذا أن الإلحاد أو شرك التعطيل في الربوبية بتعطيل الأسماء والصفات والأفعال ما هو إلا مؤامرة يهودية سيقت بغية إفساد العقيدة الصحيحة النقية للإسلام، كما بينا أن هذا الرفض أول من عرف من دعاته يهودي ماكر حاقد وهو ابن سبأ. والمقصود: بيان كون الشرك الذي يتعلق بذات الرب سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله بالتعطيل أول ما حدث في تاريخ الإسلام من قبل هؤلاء القدرية في زمن صغار الصحابة، ومن قبل هؤلاء الجهمية بعدما ذهب أئمة التابعين – رضوان الله عليهم أجمعين -. وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء؛ فأنكر صفات الله عز وجل متأثراً بالجهمية، فهؤلاء المعتزلة نفوا أن يكون الله عز وجل خالقاً لأفعال العباد، وأثبتوا صفة الخلق لأفعال العباد، وأثبتوا صفة الخلق لأفعال العباد للعباد الضعفاء، وحرفوا الآيات القرآنية الدالة على الصفات وخلق الله لأفعال العباد، وجعلوا الأحاديث الصحيحة التي تدل على خلق الله سبحانه لأفعال العباد ظنية غير موجبة للعمل، تلبية لدعوة هواهم في إثبات آرائهم الفاسدة، وجمعوا بهذه الأعمال الشنيعة بين شرك تعطيل الصفات مع شرك تعطيل الأفعال، فما عبدوا إلا المعدوم، وما أشبهوا إلا المجوس. وتأثر بهم ابن كلاب، فهذب مذهب الاعتزال وحاول تقريبه إلى مذهب أهل السنة في الصفات، ولكن لم يتخلص منهم، ثم ظهر في الساحة الإمام الأشعري، وكان أخذ عن الجبائي المعتزلي في أول الأمر، ولكنه سرعان ما رجع إلى مذهب ابن كلاب، فألف ودافع عنه، فهؤلاء الأشاعرة المنسوبة إلى الإمام الأشعري كلهم من أتباع ابن كلاب في الحقيقة، وهم من المتأثرين بالمعتزلة في الصفات حيث لم يتخلصوا من شرك التعطيل. ومن الذين تأثروا بمذهب المعتزلة والجهمية في زمن الأشعري: أبو منصور الماتريدي، حيث إنه أخذ مذهب الاعتزال وأراد أن يتخلص منه، ولكن فاته الحظ الأوفر من مذهب السلف في الصفات، فلم يسلم من شرك التعطيل في صفات الله جل وعلا من جميع الوجوه، وهؤلاء الماتريدية المنسوبون إليه إلى يومنا هذا كلهم واقعون في شرك تعطيل بعض صفات الله جل شأنه شاؤوا أم أبوا. والمقصود: أن هؤلاء الأشاعرة والماتريدية إنما تأثروا ببدعة الجهمية في إنكار الصفات وتأويلها وتعطيلها، وبهذا وقعوا في شرك التعطيل من غير أن يشعروا، ورائدهم في ذلك: جهم بن صفوان الذي ابتدع هذه البدعة في زمان أئمة التابعين وأتباعهم. وفي نفس الوقت حدث في الساحة شرك التشبيه بالله جل شأنه، فسموا مشبهة، وهم صنفان: صنف شبهوا ذات الباري بذات غيره، وصنف آخر شبهوا صفاته بصفات غيره، وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى . فأما الذين شبهوا ذات الباري بذات غيره، فسيأتي ذكرهم في شرك الأنداد، وأما الذين يشبهون صفاته بصفات المخلوقين فهم الذين وقعوا في شرك التعطيل – تعطيل الصفات – إذ إن كل مشبه معطل، فهؤلاء المشبهة كثيرون، ولعل من أوائلهم: (هشام بن الحكم الرافضي الذي شبه معبوده بالإنسان، وزعم لأجل ذلك أنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنه جسم ذو حد ونهاية) . وتبعه (هشام بن سالم الجواليقي الذي زعم أن معبوده على صورة الإنسان، وأن نصفه الأعلى مجوف، ونصفه الأسفل مصمت، وأن له شعرة سوداء وقلباً ينبع منه الحكمة) . تعالى الله عن هذه المقولات القبيحة علواً كبيراً. وتبعهما الغالية من الرافضة في التشبيه . كما تأثر بهما جماعة من المعتزلة، وجماعة من المنتسبين إلى أهل السنة. وبعد ظهور شرك تعطيل الصفات بزمن يسير ظهر في الساحة شرك وحدة الوجود، وهو شرك تعطيل معاملة الله سبحانه عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، قال ابن القيم: (ومن هذا شرك أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خلق وما خلق، ولا هاهنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه) . ولعل أول من قال بهذه المقالة الشنيعة في هذه الأمة هو الحلاج. وتبعه كل من ابن الفارض، وابن عربي، وابن سبعين وغيرهم، والمتصوفة الطرقية عموماً. فالحلاج هو القائل الأول بوحدة الوجود، وأما القائلون بالحلول والاتحاد فقد حاز السبق فيه أيضا ابن سبأ وأتباعه، فقد وجد هذان الشيئان في الغالية من الرافضة قديماً، وقد ذكر الأشعري والبغدادي والشهرستاني من ذلك شيئاً كثيراً . والمقصود: بيان أن هؤلاء أشركوا بالله جل وعلا بتعطيل حقيقة التوحيد، فمنهم من ادعى الألوهية لنفسه، ومنهم من ادعى الحلول، ومنهم من ادعى الاتحاد، كما أن فريقاً آخر منهم ادعى الوحدة، وهم أكفر وأشد تشريكاً بالله من اليهود والنصارى، فاليهود – مثلاً – قالوا بحلول الرب في ذات عزرا، وقالت النصارى بحلوله في ذات المسيح، ولكن هؤلاء قالوا بحلوله سبحانه في كل شيء حتى في أخبث الحيوانات وأنتن الأماكن والبقاعات. فهذا استعراض مجمل لخط الانحراف العقدي الشركي في هذه الأمة في الربوبية التي تتضمن الشرك في الألوهية أيضاً – كما هو معلوم – بالتعطيل. بداية ظهور شرك الربوبية بالأنداد في هذه الأمة: لعل أول شرك في هذا الجانب هو شرك عبد الله بن سبأ اليهودي حيث أشرك بالله جل شأنه في الربوبية بالأنداد في الذات. حيث غلا في علي – رضي الله عنه – حتى زعم أنه إله ، كما أنه هو الرائد في الإشراك بالله في الربوبية بالأنداد في الصفات والأفعال؛ حيث زعم: أن علياً له الحياة الدائمة المطلقة، وله العلم المحيط بكل شيء، وله القدرة الكاملة الشاملة على كل شيء، وأنه هو الذي يقوم بمحاسبة الناس يوم القيامة، ويأتي بالأمطار، وسينتقم من أعدائه ، وغير هذه الاعتقادات الباطلة التي فيها شرك في الربوبية بالأنداد في الصفات والأفعال. وبهذا نستطيع أن نقول: إن بداية ظهور شرك الربوبية بالأنداد في الذات إنما كان من عبد الله بن سبأ اليهودي، وتبعه أغلب الروافض الغلاة ، والإسماعيلية، والعبيدية، والقرامطة، والنصيرية، والدروز، وغيرهم. وأما الشرك في الربوبية بالأنداد في الصفات والأفعال فقد كان السبق فيه أيضاً لابن سبأ اليهودي، وقد سبق بيانه، ويشترك كل من أشرك بالله في الربوبية بالأنداد في الذات في الشرك بالله بالأنداد في الصفات والأفعال؛ لأن كل من أثبت إلهاً من دون الله أعطى له من صفات الربوبية وأفعاله ما شاء وما أراد . ووقع في هذا النوع من الشرك كثير ممن لا يشرك بالله في ربوبيته في الأنداد في الذات، كالإمامية من الشيعة، والغلاة من المتصوفة في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض مشايخ التصوف وأساطينهم. أما الرافضة فأصل البلاء عندهم في شرك الأنداد في الصفات والأفعال هو اتباعهم لابن سبأ اليهودي الزنديق الذي أراد أن يغير الدين الإسلامي الحنيف إلى دين اليهود والنصارى، فأحدثوا لهم أقوالاً من هذا النمط. وسيأتي تفصيل هذه المقولات فيما بعد إن شاء الله. وأما الباطنية فهؤلاء تآمروا على هدم الدين من أساسه، فادعوا الند والشريك بالسابق، وله قرين، سموه بالتالي وهو الذي خلق السموات والأرضين وما فيهن. أما السبب في انتشار شرك الأنداد بين المتصوفة فهو: أنه قد ظهر أناس من المسلمين بمظهر التقشف، وكان أخطر هؤلاء الأعداء على الدهماء وأبعدهم غوراً في الإغواء: أناس ظهروا بأزياء الصالحين؛ بعيون دامعة كحيلة، ولحى مسرحة طويلة، وعمائم كالأبراج، وأكمام كالأخراج، يحملون سبحات طويلة كبيرة الحبات، يتظاهرون بمظهر الدعوة إلى سنة سيد السادات, مع انطوائهم على مخاز ورثوها عن الأديان الباطلة, والنحل الآفلة، وكان من مكرهم الماكر أن خلطوا الكذب المباشر بالتزيد في تفسير مأثور، أو في فهم حديث صحيح، أو تأويله على مقتضى هواهم، أو الاستدلال بحديث مكذوب سواء كان قصداً أو بغير قصد. فهؤلاء غلوا في أنفسهم بادعاء أشياء واهية من التصرفات في الكون، والعلم بما في المكنون، والقدرة على تقليب الشيء الموزون، ثم لما هلك هؤلاء جاء أتباعهم فادعوا فيهم أكثر مما ادعوا لأنفسهم من ذكر الكرامات، طلباً لتقديس الشخصيات، اتباعاً لسنن الأمم السابقة في هذه المجالات، ونبين بعض هذه الأنواع من الشركيات بشيء من البسط والتفصيل فيما يأتي من العبارات. بداية ظهور الشرك في الألوهية والعبادة: لعل أصل حدوث الشرك في الألوهية والعبادة كان من قبل الشيعة على اختلاف فرقها، وطوائفها، ونحلها، فإن التشيع هو ملجأ كل من يريد أن يحارب الإسلام والمسلمين، فما الباطنية بجميع شعبها – والإسماعيلية والقرامطة، والنصيرية, والعبيدية, والدرزية – إلا من فرقها، ومعروف: أن هؤلاء الباطنية كانوا مشركين بالله جل وعلا في ذاته وصفاته وأفعاله، ومشركين بالله جل وعلا في عبادته ومعاملته أيضاً، فهؤلاء جمعوا خبائث الأمم السابقة، وقالوا بالمجوسية المحضة، وجاهروا بترك الإسلام جملة، وهؤلاء كما كانوا يثبتون الشرك في الربوبية في الذات، ويثبتون الشرك في الربوبية في الصفات والأفعال، هكذا كانوا يعبدون القبور وأهلها، ويبنون عليها المساجد، والقباب، فأحيوا بذلك سنة اليهود والنصارى، فظهرت في هذه الأمة فرقة قبورية وثنية مشركة في صورة هؤلاء الروافض، الذين عمروا المشاهد وعطلوا المساجد . فالإسماعيلية منهم – مثلاً – بثوا معتقداتهم بين الناس سراً، فاستحسن الجهال هذا الأمر لخفته وطرح التكاليف الشرعية، فأخذت تظهر الاعتناء بالقبور وتشييد المزارات والمشاهد، وتحري الدعاء عندها ، حتى نقلهم الشيطان إلى اتخاذهم شفعاء، ثم نقلهم إلى دعاء الأموات، ودعاء صاحب القبر، ثم نقلهم إلى الاعتقاد بأن لهم تصرفاً في الكون، تدرج هذا في قرنين ونحوها. قال أحد المعاصرين: (إن أقدم من وقفت عليه يرجع المسلمين إلى دين الجاهلية في الاعتقاد بالأرواح والقبور هم الإسماعيليون، وبخاصة إخوان الصفا، تلك الجماعة السرية الخفية التي بنت عقائدها ورسائلها الخمسين بسرية تامة حتى لا يكاد يعرف لها كاتب، ولا مصنف وإن ظن ظناً. ثم تبعهم على تقديس المقبورين من أهل البيت: الموسويون الملقبون بالاثني عشرية) . وصنفوا التصانيف في الحج إلى المشاهد, وفي كيفية الزيارات والأدعية عند القبور، يسندونها بطرق باطلة كاذبة، إلى أئمة أهل البيت –رضي الله عنهم-، وقد طالعت كتاب (الزيارات الكاملة) لابن قولويه فرأيت فيه من هذا شيئاً كثيراً. ومن طالع تراث الإسماعيليين، وحركة إخوان الصفا وجد ما قلته ماثلاً أمامه، فإن فتنة الناس بالقبور, واتخاذ أهلها شفعاء ووسطاء لم تعرف قبلهم، ولما غلب الجهل قبل ظهور الدولة الفاطمية عرفت هذه الأمور طائفة من الناس، فلما ظهرت هذه الدولة العبيدية شيدت المشاهد ونشرت ما كان سراً من عقائدها. جاء في الرسالة الثانية والأربعين من رسائل إخوان الصفا ما يبين هذا، ويبرهن له، فقد قال مؤلفو الرسائل: (وذلك أن القوم الذين بعث إليهم النبي –عليه الصلاة والسلام والتحيات والرضوان- كانوا يتدينون بعبادة الأصنام، وكانوا يتقربون إلى الله تعالى بالتعظيم لها والسجود والاستسلام والخبورات، وكانوا يعتقدون أن ذلك يكون قربة لهم إلى الله زلفى، والأصنام هي أجسام خرس، لا نطق لها ولا تمييز، ولا حساً ولا صورة ولا حركة، فأرشدهم الله، ودلهم على ما هو أهدى وأقوم وأولى مما كانوا فيه، وذلك أن الأنبياء – عليهم السلام – وإن كانوا بشراً فهم أحياء ناطقون مميزون علماء، مشاكلون للملائكة بنفوسهم الزكية، يعرفون الله حق معرفته، والتقرب إلى الله بهم أولى وأهدى وأحق من التوسل بالأصنام الخرس التي لا تسمع، ولا تبصر، ولا تغني عنك شيئاً،... ثم اعلم يا أخي: أن من الناس من يتقرب إلى الله بأنبيائه ورسله, وبأئمتهم, وأوصيائهم، أو بأولياء الله وعبادة الصالحين، أو بملائكة الله المقربين، والتعظيم لهم, ومساجدهم ومشاهدهم، والاقتداء بهم, وبأفعالهم، والعمل بوصاياهم وسننهم على ذلك بحسب ما يمكنهم ويتأتى لهم, ويتحقق في نفوسهم, ويؤدي إليه اجتهادهم. فإن من يعرف الله حق معرفته فهو لا يتوسل إليه بأحد غيره، وهذه مرتبة أهل المعارف الذين هم أولياء الله، وأما من قصر فهمه ومعرفته وحقيقته: فليس له طريق إلى الله تعالى إلا بأنبيائه، ومن قصر فهمه ومعرفته بهم فليس له والذهاب إلى مساجدهم ومشاهدهم، والدعاء, والصلاة, والصيام, والاستغفار, وطلب الغفران والرحمة عند قبورهم وعند تماثيل المصورة على أشكالهم، لتذكر آياتهم، وتعرف أحوالهم، من الأصنام والأوثان وما يشاكل ذلك طلباً للقربة إلى الله وزلفى لديه. ثم اعلم أن حال من يعبد شيئاً من الأشياء ويتقرب إلى الله تعالى بأحد فهو أصلح حالاً ممن لا يدين شيئاً ولا يتقرب إلى الله ألبتة...) . وهذه الجماعة الباطنية كانت نشاطاتها في أول القرن الثالث، ولم تعرف رسائلها التي قعدت لمذهبها، وبثت ذلك أوساط الناس إلا في القرن الرابع الهجري، بسرية تامة، فدخلت الأفكار في الطغام، وأنكرها العلماء الأعلام، وكفروا أصحابها. كما قال ابن عقيل في القرن الخامس حيث انتشرت المذاهب بتأييد الدولة العبيدية، قال: (لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم. وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد السرج وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشرج اقتداء بمن عبد اللات والعزى...) . فعلمنا بهذا الحديث الطويل أن الشرك في القبور في هذه الأمة إنما هو من معتقدات الباطنية في هذه الأمة، ولم يكن هذا فاشياً قبل ظهورهم. هذا من ناحية... ومن ناحية أخرى: أنه عربت كتب الفلاسفة اليونانية القبورية الوثنية، وعكف عليها كثير ممن تفلسفوا في الإسلام، أمثال الفارابي الكافر، وابن سينا الحنفي القرمطي، ونصير الكفر والشرك الطوسي. وغيرهم ممن لعبوا بالإسلام كما لعب بولس بالنصرانية. فتأثروا بآرائهم الفلسفية، ومنها العقائد القبورية، فصاروا دعاة القبورية الوثنية بتفلسفهم. وسايرهم كثير من المتكلمين من الماتريدية الحنفية، والأشعرية الكلابية، بسبب العكوف على كتبهم الفلسفية، فتأثروا بعقائدهم القبورية، حتى صاروا دعاة إلى القبورية الدهمية في آن واحد – كما سيأتي بيانه فيما بعد -. فهذه نبذة من تاريخ حدوث الشرك في العبادة والألوهية في هذه الأمة، والتي تؤكد: أن الشرك بالعبادة ما كان موجوداً في القرنين الأول والثاني، وإنما حدث بعد هذا عندما ذهب أصحاب القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (قد جاءت خلافة بني العباس. وظهر في أثنائها من المشاهد بالعراق وغير العراق ما كان كثير منها كذباً، وكانوا عند مقتل الحسين بكربلاء قد بنوا هناك مشهداً، وكان ينتابه أمراء عظماء، حتى أنكر عليهم الأئمة، وحتى إن المتوكل لما تقدموا له بأشياء يقال إنه بالغ في إنكار ذلك وزاد على الواجب. دع خلافة بني العباس في أوائلها، وفي حال استقامتها، فإنهم حينئذ لم يكونوا يعظمون المشاهد، سواء منها ما كان صدقاً أو كذباً كما حدث فيما بعد؛ لأن الإسلام كان حينئذ ما يزال في قوته وعنفوانه، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام،.. بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك. وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين، وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة، فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب. ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر
| |
|