[التبصرة في حكم السحر وإتيان السحرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على المخالفين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ، فهذا بحث مختصر في حكم السحر ، ابتدأته بالتعريف به وبيان بعض أنواعه ، ثم ذكرت مذاهب العلماء في حكمه وحكم الساحر ، وفي النشرة .
ورددت في آخره على رسالة الشيخ العبيكان التي أجاز فيها حل السحر بالسحر .
فأقول ، وبالله التوفيق :
تعريف السحر
قال ابن منظور " السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه . و السحر الأُخـْـذة . وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر .
والسحر: البيان في فطنة ، كما جاء في الحديث : إن من البيان لسحراً .
قال ابن الأثير : أي منه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غير حق .
قال الزهري : وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره ... " ا هـ . باختصار من لسان العرب [ سحر ] [ 4 / 348 – 349 ] .
وقال أبوبكر الجصاص في أحكام القرآن في معنى السحر " إن أهل اللغة يذكرون أن أصله في اللغة لما لطف وخفي سببه ، والسَّحر عندهم بالفتح هو الغذاء ، لخفائه ولطف مجاريه .
والسحر الرئة ، وما يتعلق بالحلقوم ، وهذا يرجع إلى معنى الخفاء ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ... " اهـ . باختصار [1/50 ] .
وذكر الشنقيطي في أضواء البيان نحو هذا المعنى في لغة العرب ، ثم قال " اعلم أن السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحد جامع مانع ، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته ، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً .. " الخ ما ذكره . [ 4 / 444 ] .
أقسام السحر
أطال الرازي في تفسيره في بيان أقسام السحر ، وقد لخصها ابن كثير والشنقيطي في أضواء البيان ، ومنها :
1 - سحر الكلدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب . قال الشنقيطي : ومعلوم أن هذا النوع من السحر كفر بلا خلاف ، لأنهم كانوا يتقربون فيه للكواكب .
2 – الاستعانة بالجن وتسخيرهم ، باستعمال الرقى وغيرها ، وهو المسمى : بالعزائم .
3 – ومنه الحيل التي يستعملها بعض الناس ، فيوهم الآخرين بها ، كاستعمال آلات معينة أو أشياء خفية تخيل للناظر أن الجمادات تتحرك بنفسها .
وهذا سحر التخييل والخداع ، ومنه سحر سحرة فرعون .
4 – استعمال بعض الأدوية المؤثرة في عقول الناس ، إما بإزالتها أو بإسكارها ، حتى إذا غلبوا على عقولهم سهل الاحتيال عليهم .
5 – ومنه أعمال عجيبة تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية ... الخ .
قال الشنقيطي " لا ينبغي عده اليوم من أنواع السحر ، لأن أسبابه صارت واضحة متعارفة عند الناس بسبب تقدم العلم المادي ... " الخ [ ص 450 ] .
قال سمير : يظهر لي أن إدخال مثل هذه العلوم في السحر ليس لكونها من الأمور التي لم تعرف أسبابها من قبل ، ثم عرفت اليوم ، بل لكونها أشبه بالخوارق ، وفيها أسباب خفية عن الأعين ، مثل الساعات والآلات البخارية ونحوها ، وقد كانت معروفة عند علماء ذاك الزمان ، ولم يكن يخفى عليهم حقيقتها ، وهذا ما يدل عليه كلام ابن كثير وغيره .
وابن تيمية تكلم عن علوم الفلاسفة ، وذكر منها الهندسة والرياضيات وشرحها شرحاً وافياً في مواضع كثيرة من كتبه ، وبيّن حذق الأولين بها .
فإدخالها في باب السحر ، كإدخال البيان المرتب والسجع ونحو ذلك في باب السحر للطافتها ، والله تعالى أعلم .
يدل على ذلك إدخال النميمة في أنواع السحر ، وهي معروفة لدى عامة الناس .
قال الشنقيطي بعد أن ساق تلك الأنواع والأقسام " قلت : وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها ، لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه ، ولهذا جاء في الحديث (( إن من البيان لسحراً ... )) الخ [ ص 451 ] .
وزاد الشنقيطي على تلك الأنواع التي ذكرها الرازي ، أنواعاً أخرى نقلها من كلام ابن الحاج الشنقيطي ، ثم قال " وذكر رحمه الله من علوم الشر أنواعاً كثيرة ، كالخط والأشكال ... " إلى أن قال " والكهانة " .
قال الشنقيطي " وعلوم الشر كثيرة ، منها ما هو كفر بواح ، ومنها ما يؤدي إلى الكفر ، وأقل درجاتها التحريم الشديد . وقد دل بعض الأحاديث والآثار على أن العيافة والطرق والطيرة من السحر .
وعنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه (( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد )) رواه أبو داود بإسناد صحيح ... " ا هـ . باختصار .
انظر أضواء البيان [ 4 / 444 – 455 ] .
وانظر أيضاً أحكام القرآن للجصاص [ 1 / 50 – 59 ] ، وفتح الباري [ 10 / 222 – 223 ] .
قال سمير : والذي يعنينا من تلك الأقسام ، القسم الذي يستخدم فيه الجن ، أو يتقرب فيه إلى الكواكب ونحوها ، مما هو معروف من أفعال السحرة .
آية السحر في سورة البقرة
قال الله تعالى { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ... } الآية . سورة البقرة [ 102 ] .
ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية الخلاف في قوله تعالى { وما أنزل } هل هو نفي ، فيكون المعنى : ولم ينزل السحر على الملكين .
أو أن " ما " إسم موصول بمعنى " الذي " .
فيكون المعنى : والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت . وهو الذي رجحه ابن جرير .
قال ابن جرير " فمعنى الآية : واتبعت اليهود الذي تلت الشياطين في ملك سليمان ، والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، وهما ملكان من ملائكة الله ، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى " .
قال ابن جرير " إن قال لنا قائل : وهل يجوز أن ينزل الله السحر ؟ أم هل يجوز لملائكته أن تعلمه للناس ؟
قلنا له : إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله ، وبين جميع ذلك لعباده ، فأوحاه إلى رسله ، وأمرهم بتعليم خلقه و تعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم , كالزنا و السرقة و سائر المعاصي التي عرّفهمُوها , و نهاهم عن ركوبها , فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها , ونهاهم عن العمل بها ... " .
إلى أن قال " فليس في إنزال الله إياه على الملكين , ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس إثم , إذ كان تعليمهما من علّماه ذلك بإذن الله لهما بتعليمه , بعد أن يخبراه بأنهما فتنة و ينهياه عن السحر و العمل به و الكفر .
و إنما الإثم على من يتعلمه منهما و يعمل به ... " .
ثم قال ابن جرير " القول في تأويل قوله تعالى { و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } , و تأويل ذلك : وما يعلِّم الملكان أحداً من الناس الذي أنزل عليهما من التفريق بين المرء و زوجه , حتى يقولا له : إنما نحن بلاء و فتنة لبني آدم , فلا تكفر بربك ... " .
و ذكر ابن جرير بإسناده إلى ابن جريج أنه قال " لا يجترئ على السحر إلا كافر [/color]