الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: تعريف العبادة وبيان إطلاقها وأركانها وشروطها »و بيان مُستَحِقِّها الخميس أبريل 18, 2013 5:30 pm | |
|
تعريف العبادة وبيان إطلاقها وأركانها وشروطها »و بيان مُستَحِقِّها ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ بيان مُستَحِقِّها
الذي يستحق العبادة هو الله جل وعلا وحده دون غيره، فإن العبادة لا تكون إلا للخالق المنعم .... قال الله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] وهذا أسلوب يفيد الحصر والاختصاص ، ومعنى هذه الآية مركب من أمرين: نفي وإثبات، فالنفي: خلع جميع المعبودات بغير حق في جميع أنواع العبادات. والإثبات: إفراد الله تعالى وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، فقوله: { إِيَّاكَ } يفيد الحصر: أي لا أحداً سواك، وهذا هو النفي، أما الإثبات ففي قوله: { نعبد } أي وحدك، وهذا المعنى يستفاد من آيات كثيرة في القرآن، منها قوله تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وقوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } [البقرة: 21] فهذا إثبات، ثم ذكر النفي في آخر الآية التالية: { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 22] ومنها قوله: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ } [البقرة: 256]. فالنفي في قوله: (فمن يكفر) والإثبات في قوله: (ويؤمن بالله) . ومن الآيات الدالة على استحقاق الله للعبادة وحده دون ما سواه قول الله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } [الزخرف: 87] والمعنى كما قال ابن جرير: (فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم ويحرمون إصابة الحق في عبادته!) . وبالجملة فإن العبادة: (لا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى) .... وأما سببها الذي تستحق به فهو الاتصاف بصفات الكمال والتنزه عن النقص فالله هو الخالق لجميع الخلق والمسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، وكلهم مفتقرون إليه ويرغبون نعمته وفضله، فالحاجة والرغبة في نعمته وفضله يبعثان على الانقياد لله والخضوع له وبه يعلم أن العبادة: (لا تستحق إلا بغاية الإنعام) وقال ابن كثير (إنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره، ولهذا قال: { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 22].) اهـ. فلما كان هو المالك المتصرف في الأمور كيف شاء، كان له سبحانه أن يأمر بما يشاء وينهى، وإنه سبحانه قد أمر بعبادته وحده لا شريك له ونهى عن عبادة غيره. ويدل على صحة ما ذكرته من السبب الذي تستحق به العبادة ما يذكره الله تعالى من أدلة دالة على استحقاقه وحده العبادة دون غيره، ومن ذلك: بيان أنه الخالق الرازق المنعم، وبيان أن غيره عاجز ضعيف لا يملك شيئاً، وبيان أن الأمر كله له شرعاً وجزاءً ...وبهذا يتضح سبب وقوع بعض الناس في الشرك بالله تعالى، وذلك لظنهم أن غير الله تعالى يكون منعماً بشيء استقلالاً أو له تأثير في التصرف ونحو ذلك فيقع في تعظيمه والخوف منه ورهبته ورجائه، وتلك هي عبادته. والأدلة الدالة على استحقاق الله تعالى العبادة والسبب الذي استحق به العبادة كثيرة، وسأكتفي بذكر دليلين فقط – الأول: في أفضل سورة في القرآن، والثاني: في أعظم آية في القرآن. فالدليل الأول وهو سورة الفاتحة: فإن قول الله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] جاء بعد آيات تضمنت الحمد لله والثناء الحسن له، وأنه رب العالمين المنعم عليهم بأنواع النعم التي لا تحصى، وأنه الرحمن الرحيم بعباده، والمجازي لهم يوم الدين، فمجيء تلك الآية بعد هذه الآيات يدل على أن ما ذكر قبلها سبب في استحقاق الله جل وعلا للعبادة وحده دون سواه، فإنه قد حمد نفسه بما له من الصفات العظيمة، وبين أنه رب العالمين أي سيدهم وخالقهم ومربيهم ومدبر أمرهم، فله أن يأمرهم بما يشاء، وبين أنه الرحمن الرحيم، فهذان اسمان يبعثان على الرغبة فيما عند الله، ويدفعان توهم بعض المشركين من أنه لا يمكن التقرب إلى الله إلا بواسطة لكثرة الذنوب والمعاصي، ثم بين ملكه ليوم الدين فيبعث هذا على عبادة الله وحده لأنه هو المجازي وحده، وهو الذي يملك الشفاعة ولا يشفع عنده أحد إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له. وأما الدليل الثاني وهو: آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن – فإن فيها بيان استحقاق الله تعالى وحده للعبادة والسبب الذي استحق به العبادة – وبيان ذلك: أن الله تعالى بدأها بأنه هو المستحق للعبادة فقال: { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } ثم ذكر بعد ذلك من الصفات ما يدل على أنه بها قد استحق العبادة فقال: { الْحَيُّ الْقَيُّومُ } فالحي اسم دال على حياة الله الكاملة المقتضية كمال علمه وعزته وقدرته وغير ذلك من صفاته الذاتية، و{ الْقَيُّومُ } اسم دال على قيام الله بنفسه وقيامه بخلق الموجودات وإحكامها ورزقها وتدبيرها ثم قال: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } فنفى هذه النقائص ليؤكد كمال ما ذكره من اسميه { الْحَيُّ الْقَيُّومُ } هذا يقتضي الاعتماد على الله جل وعلا وحده كما قال: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } وقال: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ } [الرعد: 33] والمعنى كما قال ابن جرير: (أفالرب الذي هو دائم لا يبيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الخلق، متضمن لها، عالم بهم وبما يكسبونه من الأعمال، رقيب عليهم لا يعزب عنه شيء أينما كانوا كمن هو هالك بائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئاً ولا يدفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضرا ولا يجلب إليهما نفعاً كلاهما سواء؟!) اهـ والمقصود هنا ذم من أشرك بالله غيره وهو يعلم أن غيره لا يستحق العبادة، وقد بين الله أنه هو وحده المستحق للعبادة بما ذكره من صفاته سبحانه. ثم بين الله ملكه لكل شيء في آية الكرسي فقال: { لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } قال ابن جرير: (وإنما يعني بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه وليس له خدمة غيره إلا بأمره) اهـ. ثم قال الله تعالى بعدها { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وفيه رد على زعم المشركين بعد إقرارهم ما تقدم في أول آية الكرسي من أن الله هو الخالق والمالك فزعموا: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3] فبين الله تعالى أنه لا يشفع عنده أحد لأحد إلا بعد تخليته إياه من العذاب وإذنه بالشفاعة لمن يشفع له من رسله وأوليائه وأهل طاعته ثم قال تعالى: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } والمقصود بيان وجوب إخلاص الدين لله تعالى الذي هو محيط بكل شيء علماً. ثم بين الله تعالى أن ما سواه لا يعلم شيئاً إلا إذا شاء تعليمه فقال: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } والمقصود بيان أن العبادة لا تنبغي لمن كان جاهلاً . وهكذا سياق الآية إلى آخرها... وعليه فإنه يعلم مما تقدم أن لاستحقاق الله وحده العبادة دون سواه سببين: الأول: اتصاف الله جل وعلا بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، ومن صفاته: إنعامه وإفضاله على خلقه الباعثان على الرغبة فيما عند الله والقيام بعبادته وشكره، والخوف منه. الثاني: أمره الشرعي، فالله جل وعلا له الملك وله الأمر فهو مالك لخلقه يتصرف فيهم بأمره، وقد أمرهم بعبادته وترك عبادة غيره
| |
|