الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: تفسير سورة الممتحنة »آية-8-لابن كثير تفسير قوله تعالى " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة الأربعاء أبريل 10, 2013 7:15 pm | |
| تفسير سورة الممتحنة »آية-8-لابن كثير تفسير قوله تعالى " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة
[ ص: 89 ] ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ( 7 ) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ( 8 ) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( 9 ) )
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) أي : محبة بعد البغضة ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة . ( والله قدير ) أي : على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة ، والمتباينة ، والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة ، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) الآية [ آل عمران : 103 ] . وكذا قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " . وقال الله تعالى : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ الأنفال : 62 ، 63 ] . وفي الحديث " أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما . وأبغض بغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " . وقال الشاعر
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وقوله تعالى : ( والله غفور رحيم ) أي : يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ، من أي ذنب كان .
وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه .
وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ; فإن رسول الله تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف . وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال :
قرئ على محمد بن عزيز : حدثني سلامة ، حدثني عقيل ، حدثني ابن شهاب ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين . قال ابن شهاب : وهو ممن أنزل [ ص: 90 ] الله فيه : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) .
وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس : أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن . قال : " نعم " . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال : " نعم " . قال : وعندي أحسن العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . . . الحديث . وقد تقدم الكلام عليه .
وقوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء والضعفة منهم ، ( أن تبروهم ) أي : تحسنوا إليهم ( وتقسطوا إليهم ) أي : تعدلوا ( إن الله يحب المقسطين ) .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء - هي بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما - قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صلي أمك " أخرجاه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مصعب بن ثابت ، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال : قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : صناب ، وأقط ، وسمن ، وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها ، فسألت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله ، عز وجل : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) إلى آخر الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها .
وهكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من حديث مصعب بن ثابت به . وفي رواية لأحمد ، وابن جرير : " قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل . وزاد ابن أبي حاتم : " في المدة التي كانت بين قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
[ ص: 91 ]
وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو قتادة العدوي ، عن ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا : قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة ، في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : يا رسول الله ، إن أمنا قدمت علينا المدينة راغبة ، أفنصلها ؟ قال : " نعم ، فصلاها " .
ثم قال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة إلا من هذا الوجه .
قلت : وهو منكر بهذا السياق ; لأن أم عائشة هي أم رومان ، وكانت مسلمة مهاجرة ، وأم أسماء غيرها ، كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم .
وقوله : ( إن الله يحب المقسطين ) تقدم تفسير ذلك في سورة " الحجرات " ، وأورد الحديث الصحيح : " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم ، وأهاليهم ، وما ولوا " .
وقوله : ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ) أي : إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم العداوة ، فقاتلوكم وأخرجوكم ، وعاونوا على إخراجكم ، ينهاكم الله عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم . ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال : ( ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) كقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ المائدة : 51 ] .
| |
|