الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة الأربعاء أبريل 03, 2013 1:40 pm | |
| إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة
فالإنكار بمعنى الجحود، وعدم الاعتراف وانتفاء الإقرار، والمقصود بحكم معلوم من الدين بالضرورة: ما كان ظاهراً متواتراً من أحكام الدين معلوماً عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب أحد مباني الإسلام كالصلاة والزكاة ونحوهما، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة مثل: الربا والخمر وغيرهما . ومن المعلوم أن الإيمان قائم على تصديق حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أهم هذه الأحكام وآكدها: الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة... ولذا يقول ابن تيمية: إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق . ويقول - في موضع آخر -: الحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به، ويجب على المجاهدين الجهاد عليه، ويجب على كل واحد اتباعه ونصره . وهكذا الحكم المعلوم من الدين بالضرورة، والذي يعتبر منكره كافراً، له قيود يمكن معرفتها وتحديدها من خلال ما سنورده من كلام أهل العلم فيما يلي: فهذا الشافعي يبيّن أن من الأحكام ما هو معلوم عند العامة فضلاً عن الخاصة فلا يسعهم جهله فيقول: العلم علمان: علم عامةٍ لا يسع بالغاً غير مغلوبٍ على عقله جهله، مثل: الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر، وما كان في معنى هذا، مما كلّف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عما حرم عليهم منه. وهذا الصنف كله من العلم موجوداً نصاً في كتاب الله، وموجوداً عاماً عند أهل الإسلام، ينقله عوامهم عن من مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر، ولا التأويل، لا يجوز فيه التنازع . ويقول - في موضع آخر -: أما ما كان نص كتاب بيّن، أو سنة مُجتمع عليها فالعذر مقطوع، ولا يسع الشك في واحدٍ منهما، ومن امتنع من قبوله استتيب . ويقرر النووي أن هذه الأحكام ثابتة بالإجماع المعلوم عند العامة فيقول: فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئاً مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم... فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً عن طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمداً لا يرث، وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر، بل يعذّر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة . ويقول - في كتاب آخر -: أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على إطلاقه، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر، ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وتحريم نكاح المعتدة، وكما إذا أجمع أهل عصر على حكم حادثة فليس بكافر... . ويؤكد ابن دقيق العيد على ما قرره النووي، وأن الإجماع الذي يكفر منكره، إنما يكفر لتعلقه بمخالفة النص الظاهر المتواتر، فيقول: فالمسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلاً، وتارة لا يصحبها التواتر، فالقسم الأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر، لا لمخالفته الإجماع، والقسم الثاني لا يكفر به . كما أننا نجد القرافي قد جعل منكر الإجماع كافراً، لكن بشرط أن يكون المجمع عليه مشتهراً في الدين فقال: ولا يعتقد أن جاحد ما أُجمع عليه يكفر على الإطلاق، بل لابد أن يكون المجمع عليه مشتهراً في الدين حتى صار ضرورياً، فكم من المسائل المجمع عليها إجماعاً لا يعلمه إلا خواص الفقهاء، فجحْدُ مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفراً... . ولابن تيمية كلام قريب مما سبق إيراده عندما قال: وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع: هل يكفر؟ على قولين. والتحقيق: أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به، وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألةٍ لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره . وهكذا نلحظ في عبارة ابن تيمية أنه ينفي ثبوت إجماع معلوم في مسألة لا نص فيها... ولذا يقول في موضع آخر: فلا يوجد قَطّ مسألة مجمع عليها، إلا وفيها بيان من الرسول، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به . ويقيد العراقي - موافقة لمن مضى ذكرهم - كفر منكر الإجماع بقوله: والصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما علـم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر . ويوضح ابن الوزير المقصود بالإجماع الذي يعتبر مخالفه كافراً فيقول: اعلم أن الإجماعات نوعان: أحدهما: صحته بالضرورة من الدين بحيث يكفر مخالفه، فهذا إجماع صحيح ولكنه مستغنى عنه بالعلم الضروري من الدين، وثانيها: ما نزل عن هذه المرتبة، ولا يكون إلا ظناً، لأنه ليس بعد التواتر إلا الظن، وليس بينهما في النقل مرتبة قطعية بالإجماع . - وإذا اتضح مفهوم إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة، فإننا نشير إلى أن هذا الإنكار له عدة صور وأمثلة، فربما كان إنكاراً صريحاً ظاهراً كأن يقول - مثلاً - بإنكار وجوب الصلاة أو الزكاة... أو يقول بحل الربا، أو الخمر... أو يقول بتحريم ما كان حلالاً بالإجماع كالخبز والماء ونحوهما...، وقد يكون الإنكار عن طريق تأويلٍ فاسدٍ غير سائغٍ تأباه اللغة العربية، كتأويل الباطنية القائلين: أن الفرائض: أسماء رجال أُمروا بولايتهم، والمحرمات: أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم، فقد أجمع العلماء على كفر أصحاب تلك المقالة ، وكذلك ما يزعمه ملاحدة الصوفية أن من وصل إلى درجة اليقين فقد سقطت عنه التكاليف . ومما يلحق بهذا الإنكار - في الحكم بالكفر - أن يعترف شخص ما بهذا الحكم المعلوم من الدين بالضرورة... لكنه يعلن عدم قبوله لهذا الحكم، ويأبى أن يذعن لله تعالى، ويرفض الانقياد لهذا الحكم عناداً واستكباراً، وقد فصّل ابن تيمية هذه المسألة تفصيلاً شافياً فقال: إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه، فهذا ليس بكافرٍ، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله وينقاد فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفّره الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدّقاً بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادّته تنافي هذا التصديق. وبيان هذا أن من فعل المحارم مُسْتَحلاً فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارةً بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهو يكون لخللٍ في الإيمان بالربوبية، ولخللٍ في الإيمان بالرسالة، ويكون جحداً محضاً غير مبنيٍ على مقدمةٍ، وتارةٍ يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس؛ وحقيقته كفر هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك، ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقرّ بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلـوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع... . وبهذا يعلم أن مما يعد كفراً ويلحق بإنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة، أن لا يقبل حكم الله تعالى، مع علمه بأنه حكم الله تعالى واعترافه به، فهو يأبى ويمتنع من قبول هذا الحكم، ولذا قال إسحاق بن راهويه: وقد أجمع العلماء أن من دفع شيئاً أنزله الله... وهو مع ذلك مُقرّ بما أنزل الله أنه كافر . فمناط الكفر - هاهنا - هو الترك والرد والإباء، لا عدم التصديق، ولهذا قرن الله تعالى في كتابه كفر التولي بكفر التكذيب؛ لأنه غيره كما قال سبحانه: { فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [القيامة:31-32]. وقال تعالى: { لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [الليل:15-16]. -والآن نورد بعض الاعتبارات التي جعلت إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة كفراً وناقضاً من نواقض الإيمان: أ- إن هذا الإنكار افتراءً على الله سبحانه، ولا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممن افترى على الله تعالى كذباً،كما قال سبحانه:- { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [الأنعام:21]. ويقول عز وجل: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } [يونس:17]. وقال عز وجل: { قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } [يونس:59-60]. ويقول سبحانه: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل:115-117] يقول ابن كثير في تفسير تلك الآيات الأخيرة: ثم نهى الله تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك مما كان شرعاً لهم ابتدعوه في جاهليتهم؛ فقال: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ } ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئاً مما حرم الله، أو حرم شيئاً مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه... ثم توعّد على ذلك فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي: في الدنيا ولا في الآخرة ، وأما في الدنيا فمتاع قليل وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم... . كما أن إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة اعتراض على شرع الله تعالى، ومشابهة للمشركين القائلين إنما البيع مثل الربا، ولذا يقول ابن تيمية: معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر كما قال الشهرستاني في أول كتابه المعروف بـ (الملل والنحل) ما معناه: أصل كل شر هو من معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع ، وهو كما قال... . إضافة إلى ذلك فهذا الإنكار طعن في ربوبية الله تعالى وأسمائه وصفاته، فتصديق أحكام الله تعالى والإقرار بها من مقتضيات إثبات الربوبية لله تعالى وحده، فحقيقة الرضا بالله تعالى رباً يتضمن الإقرار بأمره تعالى الشرعي والكوني، كما قال سبحانه { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } [الأعراف:54]. وهذا الإنكار مناقض لأصل الرضا بربوبية الله عز وجل. كما أنه طعن في أسماء الله تعالى وصفاته، فهذا الإنكار يناقض إثبات كمال العلم لله تعالى، وينافي كمال حكمته عز وجل، ولذا قال ابن تيمية: وتارةً يعلم أن الله حرّمها، ويعلم أن الرسول إنما حرّم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أنّ من لم يلتزم التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته... . ويقـول ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرة:275]: وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي هذا مثل هذا، وقد أحل هذا وحرم هذا، ويحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم، أي: على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكماً، وهو العليم الحكيم الذي لا معقّب لحكمه، ولا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها، وما ينفع عباده فيبيحه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل . ب- أن الإيمان يتضمن الإقرار والتصديق، وهذا الإنكار تكذيب وجحود، فهو يناقض الإيمان ولا يجامعه، فإن إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة تكذيب لآيات كتاب الله عز وجل، وقد أمر الله تعالى بتصديق آياته، والإقرار بها، كما حكم الله تعالى بالكفر على من جحد آياته وأنكرها، وتوعدهم بالعذاب المهين ، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة. فقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ } [الأعراف:40]. وقال سبحانه: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [الحج:57]. وقال تعالى: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ } [العنكبوت: 47]. وقال تبارك وتعالى: { فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت:27-28] جـ- إن هذا الإنكار تكذيب ظاهر للأحاديث الصريحة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو طعنٌ في مقام الرسالة، وكما قال ابن تيمية: والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارةً بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة... . وقد قرر العلماء أن من ردّ حديثاً صحيحاً، أو كذّبه فهو كافر. حتى قال إسحاق بن راهويه: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقرّ بصحته، ثم رده بغير تقية فهو كافر . ويقول ابن بطة: لو أن رجلاً آمن بجميع ما جاءت به الرسل إلا شيئاً واحداً كان برد ذلك الشيء كافراً عند جميع العلماء . وقـال ابن الوزيـر: إن التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح . فإذا كان هؤلاء العلماء الأجلاء قد كفّروا من كذّب بحديثٍ واحدٍ، فكيف بحال مُنْكِر الأحاديث المتواترة؟ ويدل على ما سبق حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: مر بي عمي (وفي رواية: خالي) الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فسألته، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه . فمن المعلوم قطعاً تحريم نكاح زوجات الآباء إجماعاً، ولذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل من تزوج امرأة أبيه؛ لأنه مرتد عن الإسلام، قال تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً } [النساء:22]. يقول ابن كثير - عن هذا النكاح -: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال . ويقول ابن جرير في شرح حديث البراء: وكان الذي عرّس بزوجة أبيه متخطياً بفعله حرمتين، وجامعاً بين كبيرتين من معاصي الله، إحداهما: عقد نكاح على من حرم الله عقد النكاح عليه بنص تنزيله بقوله: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء } [النساء:22]. والثانية: إتيانه فرجاً محرماً عليه إتيانه، وأعظم من ذلك تقدمه على ذلك بمشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلانه عقد النكاح على من حرم الله عليه عقده عليه بنص كتابه الذي لا شبهة في تحريمها عليه وهو حاضره، فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما آتاه به عن الله تعالى، وجحوده آية محكمة في تنزيله... فكان بذلك من فعله حكم القتل وضرب العنق، فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه؛ لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام . وقال الشوكاني: والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعياً من قطعيات الشريعة كهذه المسألة، فإن الله تعالى يقول: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء } [النساء:22]، ولكنه لا بد من حمل الحديث على أنّ ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلاً، وذلك من موجبات الكفر . - أجمع العلماء على تكفير من أنكر حكماً معلوماً من الدين بالضرورة، وقد حكى هذا الإجماع عدد كثير من أهل العلم، نذكر منهم ما يلي: يقول ابن عبد البر: وقد أجمعوا على أن مُستحل خمر العنب المسكر كافر رادٌّ على الله عز وجل خبره في كتابه، مرتد يستتاب، فإن تاب ورجع عن قوله، وإلا استبيح دمه كسائر الكفار . ويقول أيضاً: قال إسحاق بن راهويه: قد أجمع العلماء أن من سبّ الله عز وجل، أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرٌّ بما أنزل الله، أنه كافر . ويقول القاضي عياض: وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا مما حرم الله، بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة الصوفية. وكذلك نقطع بتكفير كل من كذّب، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عُرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول، ووقع الإجماع المتَّصل عليه، كمن أنكر وجوب الخمس الصلوات... وكذلك أجمع المسلمون على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار . ويقول ابن حزم: واتفقوا أن من آمن بالله تعالى، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل ما أتى به عليه السلام، مما نقل عنه نقل الكافة، وشك في التوحيد، أو في النبوة، أو في محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو في حرفٍ مما أتى به عليه السلام، أو في الشريعة التي أتى بها عليه السلام، مما نقل عنه نقل الكافة، فإن من جحد شيئاً مما ذكرناه، أو شك في شيءٍ منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك مخلد في النار أبداً . ويقول أيضاً: ولا خلاف بين اثنين من الأمة كلها أن من كفر بالصلاة، أو بالزكاة، أو بالحج، أو بالعمرة، أو بشيءٍ مما أجمع المسلمون عليه على أن الله تعالى بيّنه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ونصّ عليه من أعمال الشريعة فإنه كافر، حابط العمل . ويورد أبو يعلى هذا الإجماع بقوله: ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح من الله، أو من رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر، ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله، أو المسلمون مع العلم بذلك فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى، ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين . ويحكي ابن قدامة الإجماع في هذه المسألة فيقول: ومن اعتقد حلّ شيء أُجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة كلحم الخنزير، والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر... وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك (يعني يكون كافراً) . ويورد ابن تيمية إجماع الصحابة والأئمة من بعدهم على هذه المسألة فيقول: اتفق الصحابة على أنّ من استحل الخمر قتلوه... وهذا الذي اتفق عليه الصحابة، وهو متفق عليه بين أئمة الإسلام لا يتنازعون في ذلك، ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش، والظلم، والخمر، والميسر، والزنا وغير ذلك، أو جحد حلّ بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز، واللحم، والنكاح، فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل . ويقول أيضاً: والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال - المجمع عليه - أو بدّل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء . وذكر ابن الوزير: إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة والحكم بردته . ويقول: واعلم أن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد لشيءٍ من كتب الله تعالى المعلومة، أو لأحدٍ من رسله عليهم السلام، أو لشيءٍ مما جاؤا به، إذا كان ذلك الأمر المكذَّب به معلوماً بالضرورة من الدين، ولا خلاف أن هذا القدر كفر، ومن صدر عنه فهو كافر إذا كان مكلفاً مختاراً غير مختلّ العقل، ولا مكره، وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى، بل جميع القرآن والشرائع والمعاد... ويقول ملا علي قاري: لا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، فإنه يستتاب فإن تاب منها، وإلا قتل كافراً مرتداً . - ونختم هذا المبحث بإيراد طرف من أقوال العلماء في هذه المسألة: يقول الإمام أحمد: ولا يخرج الرجل من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو بردّ فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها . ويقول البربهاري: ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يردّ آيةً من كتاب الله عز وجل، أو يردّ شيئاً من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم.. فإذا فعـل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام . ... ويقول ابن حزم: فمن أحلّ ما حرّم الله تعالى وهو عالمٌ بأن الله تعالى حرّمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه، وكل من حرّم ما أحلّ الله تعالى فقد أحلّ ما حرّم الله عز وجل؛ لأن الله تعالى حرّم على الناس أن يحرّموا ما أحل الله . ويقول ابن نجيم الحنفي: والأصل أن من اعتقد الحرام حلالاً، فإن كان حراماً لغيره كمالِ الغيْرِ لا يكفر، وإن كان لعينه فإن كان دليله قطعياً كفر، وإلا فلا، وقيل التفصيل في العالم، أما الجاهل فلا يُفرّق بين الحلال والحرام لعينه ولغيره، وإنما الفرق في حقه إنما كان قطعياً كفر به، وإلا فلا، فيكفر إذا قال: الخمر ليس بحرام، وقيده بعضهم بما إذا كان يعلم حرمتها، لا بقوله: الخمر حرام، ولكن ليست هذه التي تزعمون أنها حرام، ويكفر من قال: إن حرمة الخمر لم تثبت بالقرآن، ومن زعم أن الصغائر والكبائر حلال، وباستحلاله الجماع للحائض . وجاء في (الفتاوى البزازية): من اعتقد الحلال حراماً، أو على العكس يكفر . وقد ساق محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي ألفاظاً كثيرة من كتب الأحناف تتضمن هذا الإنكار، فمن ذلك قوله: وفي الظهيرية: ومن قيل له: كُلْ من الحلال، فقال: الحرام أحبّ إليَّ كفر، أو قال: يجوز لي الحرام كفر. وفي الجواهر: من قال: ليت الخمر أو الزنا، أو الظلم، أو قتل الناس كان حلالاً كفر، ومن أنكر حرمة الحرام المجمع على حرمته، أو شك فيهما كالخمر والزنا واللواطة والربا، أو زعم أن الصغائر والكبائر حلال كفر. وفي اليتيمية: من قال بعد استيقانه بحرمـة شيء أو بحرمـة أمر: هـذا حلال كفر، ومن أجاز بيع الخمر كفر . وذكر الدردير أنه يكفر إذا أنكر مجمعاً عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا، أو حلّ مجمع على عدم إباحته، مما علم من الدين ضرورة بكتاب الله تعالى، أو سنة متواترة، فلا يكفر بإنكار إعطاء السدس لبنت الابن مع البنت وإن كان مجمعاً عليه لعدم علمه بالضرورة، ولا بإنكار خلافة علي رضي الله عنه ونحوه، أو وجود بغداد؛ لأنه ليس من الدين، ولا يتضمن تكذيب قرآن . وقيد النووي الكلام السابق - كما مضى ذكره مفصلاً - فذكر أن من جحد مجمعاً عليه معلوم من دين الإسلام ضرورة فهو يكفر إن كان فيه نص. وذكر الشربيني أن من حلل محرماً بالإجماع كفر، كمن استحل الزنا واللواط والظلم وشرب الخمر، ومن هذا لو اعتقد حقّيّة المكس، مع حرمة تسميته حقاً. ويكفر - كما قرر الشربيني - فيما لو حرم حلالاً بالإجماع كالبيع والنكاح، أو نفى وجوب مجمع عليه كوجوب ركعة من الصلوات الخمس، كما يكفر إذا اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة، أو وجوب صوم يوم من شوال . ثم قال الشربيني: لو قال أو نفى مشروعية مُجْمَعٍ عليه، لشمل إنكار المجمع على ندبـه، فقد صرح البغوي في تعليقه: بتكفير من أنكر مجمعاً على مشروعيته من السـنن كالرواتب وصلاة العيدين، وهـو لأجل تكذيب التواتر... . وقال عميرة: ويكفر إذا حلل محرماً بالإجماع لحديث معاوية بن قرة عن أبيه: ((أنه صلى الله عليه وسلم بعث أباه إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه، وأصفي ماله)) ، وحمل هذا على أنه استحلّ ذلك، ويكفر إذا نفى وجوب مجمع عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) ، . وقال قليوبي: ويكفر إذا حلل محرماً بإجماع الأئمة الأربعة - وكذا العكس -، ولابد من كونه معلوماً بالضرورة فخرج إنكار أنّ لبنت الابن السدس مع بنت الصلب، فلا يكفر به ولو من عالم به خلافاً لبعضهم... . ويقول ابن رجب: قد يترك الرجل دينه، ويفارق الجماعة، وهو مقرّ بالشهادتين، ويدعي الإسلام، كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام... . وقرر مرعي بن يوسف الكرمي كفر من جحد وجوب عبادة من الخمس، ومنها الطهارة، أو حكماً ظاهراً مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً، بلا تأويل كتحريم زنى أو لحم - لا شحم - خنزير أو حشيشة أو حِلَّ خبزٍ ونحوه، أو شك فيه، ومثله لا يجهله، أو يجهله، وعرف وأصر . وقال البهوتي: من استحلّ الحشيشة المسكرة كفر بلا نزاع، وإن جحد وجوب العبادات الخمس المذكورة في حديث: ((بني الإسلام على خمس...)) ، أو جحد شيئاً منها، ومنها الطهارة من الحدثين كفر، أو جحد حِلَّ الخبز واللحم والماء، أو أحل الزنا ونحوه كشهادة الزور واللواط، أو أحل ترك الصلاة، أو جحد شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر وأشباه ذلك، أو شك فيه ومثله لا يجهله، كفر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله وسائر الأمة . ويعلل البهوتي - في كتاب آخر - السبب في كفر منكر حكم معلوم من الدين بالضرورة، فيقول: لمعاندته للإسلام، وامتناعه من قبول الأحكام، غير قابل لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة وقال إبراهيم اللقاني في (جوهرة التوحيد) :
ومن لمعلوم ضرورة جحد
من ديننا يقتل كفراً ليس حد
ومثل هذا من نفى لمجمـع
أو استباح كالزنا فلتسـمع
وقال البيجوري شارحاً لهذين البيتين: من جحد أمراً معلوماً من أدلة ديننا يشبه الضرورة، بحيث يعرفه خواص المسلمين وعوامهم، كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر ونحوها، يقتل لأجل كفره؛ لأن جحده لذلك مستلزم لتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، من نفى حكماً مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً، وهو ما اتفق المعتبرون على كونه إجماعاً، بخلاف الإجماع السكوتي، فإنه ظني لا قطعي، وظاهر كلام الناظم أن من نفى مجمعاً عليه يكفر، وإن لم يكن معلوماً من الدين بالضرورة، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وهو ضعيف وإن جزم به الناظم، والراجح أنه لا يكفر من نفى المجمع عليه إلا إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة . وقال الشوكاني: قد تقرر في القواعد الإسلامية: أن منكر (الإجماع) القطعي وجاحده، والعامل على خلافه تمرداً، أو عناداً، أو استحلالاً، أو استخفافاً كافر بالله، وبالشريعة المطهرة التي اختارها الله لعباده . وقال السعدي: ومن جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو الصيام، أو الحج، فهو مكذّب لله ورسوله، ولكتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين، وهو خارج من الدين بإجماع المسلمين، ومن أنكر حكماً من أحكام الكتاب والسنة ظاهراً مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً كمن ينكر حِلّ الخبز والإبل والبقر والغنم ونحوها مما هو ظاهر، أو ينكر تحريم الزنا أو القذف أو شرب الخمر، فضلاً عن الأمور الكفرية والخصال الشركية، فهو كافر مكذّب لكتاب الله وسنة نبيه متّبع غير سبيل المؤمنين . ويقول محمد بن إبراهيم آل الشيخ: إن من الأصول المتقررة المتفق عليها بين أهل العلم أن من جحد أصلاً من أصول الدين، أو فرعاً مجمعاً عليه، أو أنكر حرفاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعياً، فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة . ويقول محمد سلطان المعصومي: إن تحريم الحلال وتحليل الحرام القطعي كفر، وكذا الحكم في الحل والحرمة والمنع والجواز جزافاً بلا دليل، فمن حرم ما حلله الشرع أو عكسه فقد كفر، لقول الله تعالى في سورة النحل:- { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [النحل:116] وأخرج الطبراني في (الكبير)والسيوطي في (الصغير) عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله، وحرموا حرامه) | |
|