الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: قصة بناء البيت في البخاري: الأحد مارس 31, 2013 9:03 pm | |
| قصة بناء البيت في البخاري:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا قَالَ إِلَى اللَّهِ قَالَتْ رَضِيتُ بِاللَّهِ قَالَ فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا قَالَ فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا فَلَمَّا بَلَغَتْ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ تَعْنِي الصَّبِيَّ فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا فَقَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا ثُمَّ قَالَتْ لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقَالَتْ أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَإِذَا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا قَالَ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ وَقَالُوا مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلَّا عَلَى مَاءٍ فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ قَالَ قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ فَقَالَتْ أَلَا تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ فَقَالَ وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلًا لَهُ فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا قَالَ أَطِعْ رَبَّكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ قَالَ إِذَنْ أَفْعَلَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. قَالَ حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ نَقْلِ الْحِجَارَةِ فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. اهـ. سؤال: فإن قلت: هلا قيل: قواعد البيت، وأي فرق بين العبارتين؟ قلت: في إبهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام ما ليس في إضافتها لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم لشأن المبين. اهـ.
.من لطائف وفوائد المفسرين:
.فائدة في كسوة الكعبة:
قال العلماء: ولا ينبغي أن يؤخذ من كسوة الكعبة شيء، فإنه مهدًى إليها، ولا ينقص منها شيء. اهـ.
.لطيفة في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}:
عن وهيب بن الورد: أنه قرأ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشْفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أي: خائفة ألا يتقبل منهم. اهـ.
.سؤال: لم عقب هذا الدعاء بقوله: {إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم}؟
إنما عقب هذا الدعاء بقوله: {إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم} كأنه يقول: تسمع دعاءنا وتضرعنا، وتعلم ما في قلبنا من الإخلاص وترك الالتفات إلى أحد سواك. فإن قيل: قوله: {إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم} يفيد الحصر وليس الأمر كذلك، فإن غيره قد يكون سميعًا. قلنا: إنه سبحانه لكماله في هذه الصفة يكون كأنه هو المختص بها دون غيره. اهـ. وفي الآية دليل: أن الإنسان إذا عمل خيرًا ينبغي أن يدعو الله بالقبول، ويقال: ينبغي أن يكون خوف الإنسان على قبول العمل بعد الفراغ أشد من شغله بالعمل، لأن الله تعالى قال: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنى آدَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قربانا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: 27]. اهـ.
.من فوائد الجصاص في الآية:
قال رحمه الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} الْآيَةَ. قَوَاعِدُ الْبَيْتِ: أَسَاسُهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بِنَاءِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ بَنَاهُ عَلَى قَوَاعِدَ قَدِيمَةٍ أَوْ أَنْشَأَهَا هُوَ ابْتِدَاءً؟ فَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله: {الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ} قَالَ: الْقَوَاعِدُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحُجُّ الْبَيْتَ قَبْل آدَمَ، ثُمَّ حَجَّهُ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ». وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْشَأَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ إيَّاهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَوَّلُ مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ إبْرَاهِيمُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْبَانِي مِنْهُمَا لِلْبَيْتِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ إبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إضَافَةِ فِعْلِ الْبِنَاءِ إلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْنِيًّا فِيهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ: {لَوْ قَدْ مُتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُك وَدَفَنْتُكِ} يَعْنِي أَعَنْت فِي غَسْلِكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هُمَا بَنَيَاهُ جَمِيعًا. وَقِيلَ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ: إنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ رَفَعَهَا وَكَانَ إسْمَاعِيلُ صَغِيرًا فِي وَقْتِ رَفْعِهَا؛ وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا، وَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إذَا رَفَعَاهُ جَمِيعًا، أَوْ رَفَعَ أَحَدُهُمَا وَنَاوَلَهُ الْآخَرُ الْحِجَارَةَ، وَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لَا يَجُوزُ، وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ} وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} اقْتَضَى ذَلِكَ الطَّوَافَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ اقْتَصَرُوا فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَادْخُلِي الْحِجْرَ وَصَلِّي عِنْدَهُ». وَلِذَلِكَ طَافَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَ الْحَجَرِ لِيَحْصُلَ الْيَقِينُ بِالطَّوَافِ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ؛ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي الْبَيْتِ لَمَّا بَنَاهُ حِينَ احْتَرَقَ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ الْحَجَّاجُ أَخْرَجَهُ مِنْهُ. قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} مَعْنَاهُ: يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقْبَلْ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ} يَعْنِي: يَقُولُونَ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ. وَالتَّقَبُّلُ: هُوَ إيجَابُ الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ كَوْنَ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُمَا بَنَيَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَأُخْبِرَا بِاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِهِ؛ وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ». قَوْله تَعَالَى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} يُقَالُ: إنَّ أَصْلَ النُّسُكِ فِي اللُّغَةِ الْغَسْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَسَكَ ثَوْبَهُ إذَا غَسَلَهُ، وَقَدْ أُنْشِدَ فِيهِ بَيْتُ شِعْرٍ: وَلَا يُنْبِتُ الْمَرْعَى سِبَاخُ عَرَاعِرِ وَلَوْ نُسِكَتْ بِالْمَاءِ سِتَّةَ أَشْهُرِ وَفِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِلْعِبَادَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ نَاسِكٌ، أَيْ: عَابِدٌ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ: {إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ}. فَسَمَّى الصَّلَاةَ نُسُكًا، وَالذَّبِيحَةُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ تُسَمَّى نُسُكًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} يَعْنِي ذَبْحَ شَاةٍ، وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ: مَا يَقْتَضِيه مِنْ الذَّبْحِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} سَائِرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْبَيْتِ لِلْحَجِّ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: {أَتَى جِبْرِيلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَرَاحَ بِهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ مِنًى} وَذَكَرَ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}. وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى قَوْمٍ بِعَرَفَاتٍ وُقُوفٍ خَلْفَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِهَا فَقَالَ: {كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ}. قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ اتِّبَاعِ إبْرَاهِيمَ فِي شَرَائِعِهِ فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ. وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ رَاغِبٌ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ؛ إذْ كَانَتْ مِلَّةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنْتَظِمَةً لِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَزَائِدَةً عَلَيْهَا. اهـ.
.من فوائد الشعراوي في الآية:
قال رحمه الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}. يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم اذكر عندما كان إبراهيم يرفع القواعد من البيت.. وجاءت {يرفع} هنا فعلا مضارعا لتصوير الحدث الآن في المستقبل. ولكن هل يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآن؟ أم أنه رفع وانتهى؟ طبعا هو رفع وانتهى، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يستحضر حالة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت.. والله يريد من المؤمنين أن يتصوروا عملية الرفع، فلم يكن إبراهيم يملك سلما حتى يرفعه ويقف فوقه، ولم يكن يملك سقالة.. ولكن غياب هذه النعم لم يمنع إبراهيم من أن يتحايل ويأتي بالحجر. إن الله يريد منا ألا ننسى هذه العملية، وإبراهيم وابنه إسماعيل يذهبان للبحث عن حجر، ولابد أن يكون الحجر خفيف الوزن ليستطيعا أن يحملاه إلي مكان البناء.. ثم يقف إبراهيم على الحجر وإسماعيل يناوله الأحجار الأخرى التي سيتم بها رفع القواعد من البيت. ورغم المشقة التي يتحملها الاثنان.. هما سعيدان.. وكل ما يطلبانه من الله هو أن يتقبل منهما. والقبول والمقابلة والاستقبال كلها من مادة مواجهة.. أي أنهما يسألان الله في موقف المعرض عن عمله، إنهما لا يريدان إلا الثواب: {تقبل منا} أي اعطنا الثواب عما نعمله لأجلك وتنفيذا لأمرك. وقوله تعالى: {إنك أنت السميع العليم}.. أي أنت يا رب السميع الذي تسمع دعاءنا وتسمع ما نقول. {والعليم}.. العليم بنيتنا ومدى إخلاصنا لك.. وإننا نفعل هذا العمل ابتغاء لوجهك ولا نقصد غيرك.. ذلك أن الأعمال بالنيات، وقد يعمل رجلان عملا واحدا. أحدهما يثاب لأنه يعمله إرضاء لله وتقربا منه والآخر لا يثاب لأنه يفعله من أجل الدنيا. والله سبحانه وتعالى عليم بالنية فإن كان العمل خاصا لله تقبله، وإذا لم يكن خالصا لوجهه لا يتقبله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه» أخرجه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه وابو نعيم في الحلية والدارفطنى بالفاظ مختلفة. إذن فالعمل إن لم يكن خالصا لله فلا ثواب عليه. اهـ.
.التفسير المأثور:
قال السيوطي: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القواعد أساس البيت. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال: سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم، فأكثر الناس مسألته فقال له رجل: أصلحك الله أرأيت المقام أهو كما نتحدث؟ قال: وماذا كنت تتحدث؟ قال: كنا نقول أن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة اسماعيل النزول فأبى أن ينزل، فجاءت بهذا الحجر فقال: ليس كذلك فقال سعيد بن جبير: قال ابن عباس: إن أوّل من اتخذ المناطق من النساء أم اسماعيل، اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم اسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء؟ قالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليهما. قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم: 37] وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال: يتلبط. فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإِنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما». فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت صوتًا أيضًا فقالت: قد اسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك موضع زمزم، فَنَحَت بعقبه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعدما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم- أو قال- لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا فشربت وأرضعت ولدها». فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيتًا لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه، وأن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء...! فأرسلوا جريًا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا قال: وأم اسماعيل عند الماء. فقالوا به: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فألفى ذلك أم اسماعيل وهي تحب الأنس». فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلمّا أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد اسماعيل، فسأل زوجته عنه...! فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة وشكت إليه قال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرئ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوّج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده؟ فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. فقال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه» قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء اسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير. قال: أما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلًا تحت دوحة قريبًا من زمزم، فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد، ثم قال: يا اسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتًا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. قال معمر: وسمعت رجلًا يقول: كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر: وسمعت رجلًا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال: أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البراق وجعل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وهاجر خلفه، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة، فأنزل اسماعيل وأمه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت، وهو يومئذ ابن مائة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه، وتوفي اسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، وولي ثابت بن اسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم. وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} الآية. قال: «جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم، ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها». وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب. أن رجلًا قال له: ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعًا فلم يدر كيف يبنيه، فأرسل الله إليه السكينة- وهي ريح خجوج ولها رأسان- فتطوّقت له على موضع البيت، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم، فلمّا بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: اذهب فالتمس لي حجرًا أضعه ههنا. فذهب اسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر فوضعه، فجاء اسماعيل فقال: من أين هذا الحجر؟! قال: جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا: أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، فأخذ الحجر فوضعه في وسطه، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلًا يأخذ بناحية الثوب فرفعوه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب عن علي قال: أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبني العنكبوت بيتها، فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت، ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلًا. قلت: يا أبا محمد فان الله يقول: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال: كان ذلك بعد. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {يرفع إبراهيم القواعد} قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والجندي عن عطاء قال: قال آدم: أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال: لخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتًا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء، فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال. من حراء، ولبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتًا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوّأه الله بعد لإِبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال: حراء، ولبنان، وثيبر، وجبل الطور، وجبل الحمر، وهو جبل بيت المقدس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: وضع البيت على أركان الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت. وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم واسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال: ما لكما ولأرضي؟! فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال: فهاتا بالبينة على ما تدعيان. فقام خمسة أكبش فقلن: نحن نشهد أن إسمعيل وإبراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رضيت وسلمت ثم مضى. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له: اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه آدم أثرًا، فبناه على أساس قديم كان قبله. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: بني البيت من أربعة جبال. من حراء، وطورزيتا، وطورسينا، ولبنان. وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال: خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر، فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: ائتني بحجر أضعه ههنا، فأتاه بحجر من الجبل، فقال: غير هذا. فرده مرارًا لا يرضى ما يأتيه به، فذهب مرة وجاء جبريل عليه السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاء إسمعيل قال: من جاءك بهذا؟! قال: من هو أنشط منك. وأخرج الثعلبي قال: سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالمًا بالقرآن يقول: كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوّه به، فكان إبراهيم يقول لإِسماعيل: هل لي كثيبًا- يعني ناولني حجرًا- ويقول له إسمعيل: هاك الحجر فخذه. قال: فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء، فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال: يا أبت من أتاك بهذا؟! قال: أتاني من لم يتكل على بنائك، فأتما البيت. فذلك قوله عز وجل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}. وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه، فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا. فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب، ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضي حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزورًا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها. وأخرج أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال: قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين سنة، ومنها دحيت الأرض. وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئًا من الأرضين. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض، بعث الله تعالى ريحًا هفافة فصفقت الريح الماء، فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة، فدحا الله تعالى الأرض من تحتها، فمادت ثم مادت فأوتدها الله بالجبال، فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس، فلذلك سميت أم القرى. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، فدحيت الأرض من تحته. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: دحيت الأرض من تحت الكعبة. وأخرج الأرزقي عن علي بن الحسين. أن رجلًا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت؟ لم كان، وأنى كان، وحيث كان، فقال: اما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تعالى قال للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] فقالت: رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون؟! أي رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك. قال الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30] قال: فظنت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل، وإنه قد: غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رءوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون اشفاقًا لغضبه، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتًا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمي البيت الضراح، ثم قال الله للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش، فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدًا، ثم أن الله تعالى بعث ملائكته فقال: ابنوا لي بيتًا في الأرض بمثاله وقدره، فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور. وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا البيت خامس خمسة عشر بيتًا، سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، واعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمر كما يعمر هذا البيت». وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال: بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكًا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فهبط الملك مهلًا. وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال: لما تاب الله على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض، فصار كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانًا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة، حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة. وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، فيها ثلاث قناديل من ذهب، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة، وكان كرسيًا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس، ولم يسفك فيها الدم، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفًا واحدًا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله من أمامهم، ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة، وحرم الله على حوّاء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وأن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها الله إليه، وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتًا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورًا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح، فنسفه الغرق وخفي مكانه، فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة، ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجل: {وإذ بوأنا لإِبراهيم مكان البيت} [الحج: 26] للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد، فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معمورًا. قال وهب بن منبه: وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة، فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش محرمًا ملبيًا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعًا بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد. وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال: ما بعث الله ملكًا قط ولا سحابة، فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا بيتًا فخط لهما جبريل، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته: حسبك يا آدم فلما بنياه أوحى الله إليه: أن يطوف به، وقيل له: أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه». وأخرج ابن إسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال: ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء فبعث الله عز وجل هودًا، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإِبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه. وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال: حج البيت سبعون نبيًا، منهم موسى بن عمران عليه عباءتان قطوانيتان، ومنهم يونس يقول: لبيك كاشف الكرب. وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك من رعدته، فطأطأ الله منه إلى ستين ذراعًا فقال: يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم؟ قال: خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتًا فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض، وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفازة يمر بها خطوة، وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانًا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلًا، وأنه بناه من خمسة أجبل: من لبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم عليه السلام، حتى بعث الله الطوفان فكان غضبًا ورجسًا، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند، فدرس موضعه الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه. وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته، ثم أنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه، فأخذه آدم فضمه إليه آنسًا به، ثم نزل عليه القضاء فقيل له: تخط يا آدم، فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء الله، ثم استوحش إلى الركن فقيل له: احجج. فحج فلقيته الملائكة فقالوا: برّ حجك يا آدم، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. وأخرج الأزرقي عن أبان. أن البيت أهبط ياقوتة واحدة، أو ذرة واحدة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان البيت من ياقوتة حمراء، ويقولون: من زمردة خضراء. وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض، فبلغوا صخرًا أمثال الإِبل الخلف قال زيد: فاحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم فقال: مالكم؟! قالوا: لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرًا عظيمًا، فقال لهم: ابنوا عليه. قال عطاء: يروون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام. وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتًا بحذاء بيتي الذي في السماء، تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي، فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة، فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض، وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس، فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله. وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال: أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيًا، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا: برَّ حجك يا آدم، أما أنا قد حججنا قبلك بألفي عام. وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أن آدم عليه السلام قال: أي رب أني أعرف شقوتي لا أرى شيئًا من نورك بعد، فأنزل الله عليه البيت الحرام على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة، ولكن طوله ما بين السّماء والأرض، وأمره أن يطوف به فأذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام. وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال: بلغني أنه لما خلق الله السموات والأرض كان أوّل شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع الله الركن أبا قبيس قال ابن عباس: كان ذهبًا فرفع في زمان الغرق. قال ابن جريج: قال جويبر: كان بمكة البيت المعمور، فرفع زمن الغرق فهو في السماء. وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال: بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السّلام يطوف به ويعبد الله عنده، وأن نوحًا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق، فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض، فكان ربوة حمراء معروف مكانه، فبعث الله هودًا إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه، ثم بعث الله صالحًا إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه، ثم بوّأه الله لإِبراهيم عليه السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث الله نبيًا بعد إبراهيم إلا حجه. وأخرج الأزرقي عن أبي قلابة قال: قال الله لآدم: إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلم يزل حتى كان زمن الطوفان، فرفع حتى بوّئ لإِبراهيم مكانه فبناه من خمسة جبال. من حراء، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر. وأخرج الجندي عن معمر قال: إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا حتى إذا غرق قوم نوح رفعه وبقي أساسه، فبوّأه الله لإِبراهيم فبناه بعد ذلك. وذلك قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال يا إبراهيم: هذا الركن فجاء فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام. وأخرج الأصبهاني في ترغيبه وابن عساكر عن أنس. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث قال: وما يحدث علي يا رب؟ قال: ما لا تدري وهو الموت قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق قال: ومن أستخلف في أهلي؟ قال: أعرض ذلك على السموات والأرض والجبال، فعرض على السموات فأبت، وعرض على الأرض فأبت، وعرض على الجبال فأبت، وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم من أرض الهند حاجًا، فما نزل منزلًا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانًا بعده، وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء، فقالوا: السلام عليك يا آدم، برّ حجك أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان، من يطوف يرى من جوف البيت، ومن في جوف البيت يرى من يطوف فقضى آدم نسكه، فأوحى الله إليه: يا آدم قضيت نسكك؟ قال: نعم، يا رب قال: فسل حاجتك تعط قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي قال: أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه». وأخرج ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن آدم أتى هذا البيت ألف أتية، لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه، من ذلك ثلثمائة حجة وسبعمائة عمرة، وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل فقال: يا آدم برّ نسكك، أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة». وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: أول من طاف بالبيت الملائكة، وأن ما بين الحجر إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء، كان النبي منهم عليهم السلام، إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد الله فيها حتى يموت. وأخرج الأزرقي والبيهقي في شعب الإِيمان عن وهب بن منبه «أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها، ولم ير فيها أحدًا غيره فقال: يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري؟! قال الله: إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي، وسأجعل فيها بيوتًا ترفع لذكري فيسبح فيها خلقي، وسأبوّئك فيها بيتًا أختاره لنفسي، وأخصه بكرامتي، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي، واسميه بيتي، أنطقه بعظمتي، وأحوزه بحرمتي، واجعله أحق البيوت كلها، وأولاها بذكري، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من البيوت ولست أسكنه، وليس ينبغي أن أسكن البيوت، ولا ينبغي لها أن تحملني، اجعل ذلك البيت لك ومن بعدك حرمًا وأمنا، احرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله، حرمه بحرمتي فقد عظم حرمتي، ومن أجله فقد أباح حرمتي، من أمن أهله استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني، ومن تهاون به صغر عندي ولكل ملك حيازة، وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون خلقي، فأنا الله ذو بكة، أهلها خفرتي وجيران بيتي، وعمارها وزوّارها وفدي وأضيافي وضماني وذمتي وجوار | |
|