]اصل اللغة العربية
___________
اللغة هي من نتاج اجتماع البشر للتعبير عما يريدون والافصاح عما يصول في صدورهم ويجول في عقولهم ,ومن الطبيعي ان يبحث الانسان عن وسيلة لينقل ما في ذهنه الى الآخرين كي يتأتى التفاهم ويوفى الغرض من إيجاده,والوسائل التي يملكها الانسان ويمكنه ان يستعملها لا تخرج عن ثلاث,اولها اللفظ(النطق),وثانيها الاشاره,وثالثها المثال وبما ان الاشارة والمثال فيهما تكلف وعدم التوفر وعدم الاحاطة لكافة الاشياء والمفاهيم مثل الايمان والصدق والكرم والحب والكراهية اي الموجودات حسية وعقلية ,والمعدومات ممكنة وممتنعة,لجأ الانسان الى اللفظ (النطق) لانه ايسر واعم في التعبير وهوطبي[اصل اللغة العربية عي في الانسان وينتج من حركة اللسان الطبيعية في التجويف الفموي بين الفكين واهتزاز الاوتار الصوتية ,ويكون طبيعي وبدون تكلف او عناء,وهذا هو إبداع الخالق وعظمته في تصوير بني آدم ونعمته عليه.
وهذا ينطبق على كل بني آدم من عرب ومن عجم على الاطلاق,وقد يكون للبيئة أثر في انتقاء اللفظ وإعتماد النطق,فالبيئة من قساوة ووعورة او سهول وخضرة تأثر في جزالة اللفظ وبيان نطقه او في ركاكته_هذا ما اراه _ ,فكل قوم وضع الفاظًا تدل على اشياء وافعال ,وهذه الالفاظ المركبة من الحروف إذ تواطؤوا عليها تصبح لغة تخاطب بينهم ووسيلة تعبير عما في النفس,والعرب كغيرهم وضعوا الفاظًا واتفقوا واصطلحوا عليها فيما بينهم واصبحت لغتهم التي يتسامرون ويتحادثون بها,فهي من اصطلاح العرب وليست توقيفًا من عند الله تعالى,ولكن لكونها لغة سامية (بمعنى راقية) في التعبير والايجاز وذات الفاظ دقيقة رقيقة اختارها الله تعالى على ما سواها من لغات وجعلها لغة كلامه(القرآن).
والمعلوم أن اللبنة الأولى للمجتمع البشري كانت مكونة من آدم عليه السلام وزوجه حواء وأولادهما...ولا يعقل أن أفراد الأسرة الواحدة وخاصة في تلك الظروف أن يتكلموا لغات مختلفة...فهذا يؤدي بنا الى أنهم جميعًا تكلموا لغة واحدة ,والسؤال هو:ما هي تلك اللغة التي تكلموا بها؟,القرآن يذكر لنا أن الله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء في قوله تعالى:" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"البقرة/31,والله سبحانه وتعالى تنزه عن الجارحة فلا يد له ولا قدم ولا لسان على الحقيقة فهو قد علّم آدم الأسماء بالإلهام لا بالتلقين,وآدم بما حباه الله من خاصية النطق وخلقه له جارحة اللسان فقد تميز عن باقي المخلوقات ,وآدم عليه السلام نطق في الجنة ونطق قبل هبوطه الى الأرض ,والدليل هو قوله تعالى في نفس السورة:" قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ ",فقد أنبأهم بأسمائهم أي أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء ما علمه الله,وآدم عليه السلام أخبر, والإخبار لا يكون إلا بالنطق أو الإشارة...وأما الإشارة فلا بلاغة ولا فضل بها ,فيوجب هنا النطق, ولأن الأسماء المقصود بها المسميات والخواص ولا طاقة للإشارة في إخبار الخواص,فهذا كله دّل على أن آدم عليه السلام قد نطق أي تكلم مستعملًا جارحة اللسان,فهو عبّر عن الأسماء (مسمياتها وخواصها) بأصوات ,وحد الصوت هو اللغة,وعليه فهو تكلم بلغة ما,أو بلغات عدة.
وآدم عليه السلام بعد هبوطه الى الارض وتكاثر ذريته ومن الطبيعي ان يتفاهموا مع بعضهم البعض بواسطة النطق ,وهذا يوجب عليهم أن يستعملوا نفس الألفاظ للدلالة على الأشياء أو المعاني,فهم تخاطبوا بلغة واحدة,والسؤال يعاود نفسه,ما هي هذه اللغة؟.
اللغة بما أنها هي وعاء الفكر ,والفكر واسع النطاق ومتعدد الجهات ويحتاج الى وسيلة بليغة دقيقة راقية أي ألفاظ تدل على الأشياء والمعاني,ومجموع هذه الألفاظ والمعاني تحدد اللغة وجب أن تكون اللغة _عقلًا_لها صفات وخاصيات تفوق غيرها ومن هذه الخصائص:
1.الصوت أو النطق: حيث يتسع مدرح الصوت ويضم مخارج متنوعة للحروف,ولا تقتصر على مخارج معينه,وتستخدم كل تجويف الفم من شفتين وحلق ولسان ,وهذا من شأنه أن يوجد التوازن والإنسجام بين الأصوات,ويعطيه الـتآلف الموسيقي.
فلا يكون هناك نفور ووحشية في اللفظ وصعوبة في النطق,فلا يجد المتكلم عناءًا ولا السامع نفورًا يصم آذانه.
2.إتساع اللغة: وهذا يعني وجود خاصية الإشتقاق والتصويغ, فالإشتقاق يغني المتكلم عن حفظ ألفاظ أو مقاطع كثيرة ,حيث يمكنه أن يشتق من المصدر ما يشاء من ألفاظ ,ويعبر عما يريد دون عناء وبيسر وسهولة,والتصويغ يعطي اللغة خاصية الحيوية, فلا تكون لغة جامدة أمام التطور والتقدم المادي وغيره.
3.الإيجاز: ويعني أستعمال اقل ما يكون من الألفاظ للدلالة عما في نفس المتكلم دون تكلف أو صعوبة, فخيرالكلام ما قلّ ودلّ.
هذه أهم خصائص اللغة حتى تكون سامية راقية...والآن لنعد الى بداية التاريخ ...الى آدم عليه السلام وأسرته,فالمعلوم أن الحضارات نبعت من اراضي ما بين النيل والفرات, وبما أن آدم عليه السلام بعد هبوطه من الجنة سكن هذه الأراضي على أرجح وجه, وأصل اللغات لغة واحدة وهي اللغة التي تكلمها سيدنا آدم عليه السلام مع أهليه,فتكون اللغة الأولى هي إحدى لغات تلك المنطقة,وعن هذه اللغة تفرعت باقي لغات العالم.
لغات اراضي ما بين النيل والفرات:يكاد يجمع علماء اللغة والتاريخ أن لغات هذه المنطقة هي اللغات السامية,وقد قسمها العلماء الى :
1. اللغات السامية الشرقية .
2. اللغات السامية الشمالية الغربية.
3.اللغات السامية الجنوبية الغربية (أو الجنوبية).
اللغات السامية الشرقية: لم يعد يعرف منها إلا اللغة الأكادية, وهى أقدم لغة سامية تم تأكيد وجودها على أساس النصوص المسمارية. وكانت الأكادية مستعملة في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي سنة 3000 قبل الميلاد حتى ما يقارب 100 سنة بعده. واستمرّ استعمالها لغة كتابة منذ حوالي 2000 ق.م وحتى القرن الثاني أو الثالث الميلادي. وقد تطور منها لهجتان هما البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال، اللتان خلفتهما الآرامية في القرن السادس ق. م. إنّ الفرق الرئيسي بين اللغات السامية الشرقية واللغات السامية الغربية هو اختلاف نظام الأفعال.
اللغات السامية الغربية: اللغات العمورية والأوغاريتية والكنعانية والآرامية. أما العمورية فهي لغة اكتشفت استناداً إلى بعض الأسماء الشخصية التي دخلت في النصوص الأكادية والمصرية وتعود إلى النصف الأول من الألف الثاني ق .م. والأرجح أن العموريين القدماء كانوا من الأقوام البدوية السامية.
وتمثل اللغة الأوغاريتية شكلاً قديما من الكنعانية وكانت مكتوبة ومنطوقا بها في أوغاريت (رأس شمرا) على الساحل الشمالي لفينيقيا في القرنين 14 و 13 ق.م. والنصوص الأوغاريتية الأولى التي عثر عليها في أواخر العشرينات من القرن العشرين مكتوبة بأبجدية مشابهة للخط المسماري.
أمّا الكنعانية فتتكون من عدد من اللهجات المترابطة فيما بينها ترابطاً وثيقاً والتي كانت مستعملة في فلسطين وفينيقيا وسورية. وتعود مدوّناتها إلى حوالي سنة 1500 ق.م. واللغات الكنعانية الرئيسية هي الفينيقية والفونية والمؤابية والأدومية والعبرية والعمونية وكانت كلها بادئ الأمر تُكتب بالخط الفينيقي.
السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية :وهي اللغات:
1.العربية الجنوبية
2.العربية الشمالية
3.اللغات الاثيوبية.
العربية الجنوبية: وتضم العربية الجنوبية بضع لهجات منها السبئية والمعينية والقتبانية ولهجة حضرموت. أما اللغات المعاصرة لجنوب الجزيرة العربية فليست مكتوبة وهى في طريقها إلى الانقراض نتيجة انتشار اللغة العربية الشمالية. وأشهر تلك اللغات هي المهريةوالسقطرية.
العربية الشمالية: وتنقسم إلى العربية البائدة وهي التي كان يتكلمها أبناء قبائل ثمود ولحيان في شمال الحجاز وسكان الصفا في بلاد الشام. وثمة آلاف النصوص القصيرة المنقوشة على الصخور التي تعود إلى فترة ما بين 700 ق.م .و400 م. ويعود أقدم النصوص العربية المكتوبة بالخط المشتق من الأبجدية النبطية إلى القرن الرابع للميلاد. ويقع مهد اللغة العربية الباقية (الفصحى) في شمال الجزيرة العربية.
اللغات الاثيوبية: تشبه لغات جنوب الجزيرة العربية أكثر مما تشبه العربية الشمالية. وأقدم تلك اللغات هي الجعزية المعروفة باسم الإثيوبية.
هذه هي اللغات السامية والتي من بينها لغة آدم عليه السلام,اللغة الاولى في العالم والتي عنها تفرعت باقي الغات, ومن هذه اللغات منها ما باد وانقرض ولم يعد يذكر لها آثر في الحياة ,ومنها ما زال ,من هذه اللغات والتي ما زالت هي العربية_لغة القرآن_, والعبرية, والأثيوبية على نطاق الكنيسة.
واللغات هذه تتألف من حروف ولكل لغة عدد معين من الحروف:
اللغة العبرية لها 22 حرفًا,وأما اللغة العربية فلها 28 حرفًا,واللغة الفينيقية لها 22 حرفًا, وكذلك الآرامية لها 22 حرفًا, بينما اللغة الأوغاريتية لها 29 حرفاً.
والحروف المشتركة بين هذه اللغات هي ما جمعت في العبارة التالية:"ابجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت" وهي 22 حرفًا,والملاحظ أن اللغة العربية لا تكرار للحرف كما هو في اللغات الأخرى غير السامية مثل الإنكليزية,واللغات السامية مثل العبرية ,ولا حرف منطوق بإجتماع حرفين أو ثلاثة, مثل الشين في الإنكليزية sh, أو ch, أو تسيمخ بالعبرية צ,والذي يلفظ تس...فمثل هذا التكرار وإجتماع الحروف دليل على قصر اللغة ومحدوديتها,فالتكرار يؤدي الى إختلاط الأمر على السامع فلا يعد يعلم ما هو الحرف المقصود إلا بكتابة رسمه,وإجتماع الحروف لتكوين حرف آخر دليل على عدم أتساع اللغة نطقًا وصرفًا...بينما اللغة العربية وهي التي تملك 28 حرفًا تضم كل مخارج الحروف ولا تكرار فيها ولا إجتماع حروف .
واللغات السامية متقاربة فيما بينها في النطق والنحو والصرف ومن أهم الصفات المشتركة:
1.وجود حروف الحلق مثل: ع، غ، ح، خ، هـ، ء. لكن بعض هذه الأصوات لم يبق على حاله في بعض اللغات، بل تغير بعضها إلى أصوات أخرى.
2. وجود عدد من حروف الإطباق وهي: ق، ،ص، ط، ض، ظ لكنها لم تبق أيضا على حالها في جميع هذه اللغات، بل تغير بعضها. ولم يحتفظ كاملة إلا العربية الشمالية والعربية الجنوبية
3. وجود صيغ للتثنية في الأسماء والضمائر المنفصلة والمتصلة الدالة على المخاطب والغائب.
4. تمييز المخلوقات والأشياء إلى مذكر أو مؤنث ولا ثالث لهما، نحو شمس، بئر، سماء، وجبل، قمر، ليل، نهار.
العربية هي اللغة الوحيدة التي احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.
1- فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية.
2- احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.
3- احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.
4- احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
5- يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
وقد أعترف علماء اللغة العبرية بمكانة اللغة العربية في فهم نصوص التوارة وتفسيرها...فقد قال مروان بن جناح القرطبي:"أفلا تراهم [الضمير عائد إلى علماء التلمود] يفسرون كتب الله من اللسان اليوناني والفارسي والعربي والإفريقي وغيره من الألسن؟ فلما رأينا ذلك منهم لم نتحرج [من الاستشهاد] على ما لا شاهد عليه من العبراني بما وجدناه موافقاً ومجانساً له من اللسان العربي إذ هو أكثر اللغات بعد السرياني شبهاً بلساننا. وأما اعتلاله وتصريفه ومجازاته واستعمالاته فهو في جميع ذلك أقرب إلى لساننا من غيره من الألسن، يعلم ذلك من العبرانيين الراسخون في علم لسان العرب، النافذون فيه وما أقلهم".
مما سبق يتضح لنا أن اللغة العربية هي أرقى اللغات السامية وأعذبها وأوسعها نطقًا وأكثرها إتساعًا ,وأفصحها لفظًا وأبلغها إيجازًأ وكلمًا.
ويبقى السؤال التالي قائمًا:"هل اللغة العربية _لغة القرآن_ هي نفس اللغة التي أنبأ بها الملائكة الأسماء التي علمه الله إياها؟
اللغة التي تكلمها آدم عليه السلام لا بد وأن تكون من أفصح اللغات وأيسرها وأوسعها نطقًا, وذلك لأن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء ( مسمياتها وخواصها),وهذا يعني أن اللغة التي أنبأ آدم بها الملائكة قد أحاطت بكل كبيرة وصغيرة ومن مسميات وخواص, ومما ذكر في تفسير قول الله تعالى:" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء" قول الرسول عليه الصلاة والسلام:" وعلّم آدم الأسماء كلّها حتى القَصْعَة والقُصَيعة",وكذلك ما رواه إبن عباس رضي الله عنه:" علمه أسماء جميع الأشياء كلّها جليلها وحقيرها".
لقد تعرض علماء المسلمين لهذه المسألة(لغة آدم) ومنهم إبن حزم حيث قال في كتابه "الإحكام لأصول الأحكام":"قال قوم:هي السريانية,وقال قوم:"هي اليونانية,وقال قوم:"هي العبرانية,وقال قوم: هي العربية".اهـ,ولم يجزم إبن حزم في تحديد إحدى هذه اللغات,واكتفى بالخاتمة المشهورة"والله أعلم", وقوله هذا يرد علميًا لأن اليونانية لا يمكن أن تكون اللغة التي تكلمها آدم للأسباب التي ذكرتها في أول المقال,وأن اللغات المحتملة وحسب المنطقة التي تواجد فيها آدم هي :السريانية ,العبرية,والعربية,ويبدو أنه نهج هذا النهج لأنه كان من القائلين بأنه لا تفاضل ولا تمايز للغة على لغة,فلا العربية تفضل غيرها ولا العبرية ولا السريانية ولا غيرها على غيرها,وهذا منهج غريب وخاصة انه كان على علم ودراية باللغة السريانية واللاتينية وأبدع في العربية,وكما أنه نفى أن تكون اللغة العربية لغة أهل الجنة محتجاً بأن القرآن قال على لسان أهل النار:" وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ",ورغم أنه شنع على جالينوس عندما قال:"إن اليونانية هي أفضل اللغات لأن سائر اللغات إنما تشبه إما نباح الكلاب أو نقيق الضفادع", فرد عليه قائلًا:"وهذا جهل شديد لأن كل سامع لغة ليست لغته ولا يفهمها فهي عنده في النصاب ما ذكر حالينوس ولا فرق"اهـ,وله قول أعجبني _واراه_يوافق الحقيقة في أن أصل اللغات لغة واحدة وخاصة السامية حيث قال:" إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت بتبدل بمساكن أهلها فحدث فيها جرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما. ونحن نجد من إذا سمع لغة فحص البلوط، وهي على مسافة ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلاً لا يخفى على من تأمله.
ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلاً وهو في البعد عن أصل تلك الكلمة كلغة أخرى ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب "العينب" وفي السوط "أسطوط" وفي ثلاثة دنانير "ثلثدا". فإذا تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال "السجرة"! وإذا تعرب الجليقي أبدل من العين والحاء هاء فيقول "مهمداً" إذا أراد أن يقول "محمداً". ومثل هذا كثير. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وأنها لغة واحدة في الأصل".اهـ
اللغة التي تكلم بها آدم عليه السلام والتي هي إلهام من الله هي لغة توقيفية وذلك لأنه لا يحسن أن يكون قد تعلمها من الله بالتقلين لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح,ولأنه لم يكن مع آدم بشر كي يضعوا لغة ويتواطؤن على ألفاظ,وهذه اللغة ولنطلق عليها "اللغة الآدمية " قد حباها الله من الخواص والمميزات مما جعلها الله قادرة وبليغة في التعبير عن الأشياء ومسمياتها وخواصها ,حتى روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: " وَعََلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " قال: علّمه كلَّ شيء علَّمه القَصْعَةَ وَالْقُصَيْعَة والفَسوَة والفُسَيْوَةَ أخرجه ابنُ جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم بلفظ: علَّمه اسمَ الصحْفَة والقدْر وكلَّ شيءٍ حتى الفسوة والفسيّة.
وأخرج ابنُ جزيّ في تفسيره من طريق الضَّحاك عن ابن عباس في قوله: " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " قال: هي هذه الأسماء التي يَتعارف بها الناسُ إنسان ودابة وأرض وسهل وبَحْر وجَبَل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وأخرج وَكيع وعبد بن حميد في تفسيرهما عن مجاهد في قوله: " وَعَلَّم آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " قال: علَّمه كلَّ شيء ولفظ عبد بن حميد: ما خلقَ اللّهُ كله.
وأخرج عبد عن قَتَادة فِي قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " قال: علم آدم من أسماء خَلْقه ما لم يُعَلِّم الملائكة فسمَّى كلَّ شيء بِاسْمِه وأَلْجَأ كلَّ شيء إلى جنسه.
وأخرج إسحاقُ بن بشر في كتاب المبتدأ وابن عساكر في تاريخ دمشق عن عطاء قال: " يا آدم أنْبئْهُم بأسمائهم " فقال آدم: هذه ناقةٌ جمل بقرة نعجة شاة وفرس وهو من خَلْق ربي فكلُّ شيء سَمَّى آدم فهو اسمُه إلى يوم القيامة وجعل يدعو كلَّ شيء باسمه وهو يمرُّ بين قلت: في هذا فضيلةٌ عظيمة ومَنْقَبَةٌ شريفة لِعلْمِ اللغة.
فهذا يدل على بلاغة اللغة التي تكلمها آدم عليه السلام_اللغة الآدمية_ وأنبأ الملائكة من خلالها,وهذه اللغة لا يمكن أن تكون هي نفس اللغة العربية التي نزل بها القرآن ,وذلك لأن اللغة العربية أول من تكلم بها هو النبي إسماعيل عليه السلام,قال محمد بن سلام الجمحي في كتاب طبقات الشعراء: قال يونس بن حبيب: أولُ من تكلم بالعربية إسماعيلُ بن إبراهيم عليهما السلام ثم قال محمد بن سلاّم: أخبرني مِسْمَع بن عبد الملك أنه سمع محمد بن عليّ يقول - قال ابن سلاّم: لا أدري رَفَعَه أم لا وأظنه قد رفعه - أولُ من تكلَّم بالعربية ونَسِي لسانَ أبيه إسماعيلُ عليه السلام.
قال محمد بن سلاَّم وأخبرني يونس عن أبي عمرو بن العلاء قال: العربُ كلُّها ولدُ إسماعيل إلاّ حِمْير وبقايا جُرْهم وكذلك يروى أن إسماعيل جاوَرهم وأصْهر إليهم ولكنَّ العربيةَ التي عنى محمد بن علي اللسان الذي نزل به القرآن وما تكلّمت به العربُ على عهد النبي # وتلك عربيةٌ أخرى غير كلامنا هذا.
وقال الحافظ عِمَاد الدين بن كَثِير في تاريخه: قيل إن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل عليه السلام والصحيح المشهور أن العربَ العاربة قبلَ إسماعيل هم عاد وثمود وطسم وجَديس وأُمَيم وجُرْهم والعماليق وأمم آخرون لا يعلَمهم إلاّ اللّه كانوا قبل الخليل عليه السلام وفي زمانه أيضاً فأما العربُ المستعربة وهم عربُ الحجاز فمن ذرِّية إسماعيل عليه السلام وأما عربُ اليمن وحِمْيرَ فالمشهورُ أنهم من قَحْطان واسمه مهزَّم قاله ابن مَاكُولا.
وذكروا أنهم كانوا أربعةَ إخوة: قحطان وقاحط ومقحط وفالَغ وقَحْطان بن هود وقيل هود وقيل أخوه وقيل من ذريته وقيل إن قحطان من سُلالة إسماعيل حكاه ابنُ إسحاق وغيره.
والجمهور على أن العربَ القحطانية من عرب اليمن وغيرُهم ليسوا من سلالة إسماعيل.
وقال الشيرازي في كتاب الألقاب: أخبرنا أحمد بن سعيد المعداني: أنبأنا محمد بن أحمد بن إسحاق الماسي حدثنا محمد بن جابر حدثنا أبو يوسف يعقوب بن السكِّيت قال: حدَّثني الأثرم عن أبي عبيدة حدثنا مسمع بن عبد الملك عن محمد بن علي بن الحسين عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أول مَن فُتق لسانُه بالعربية المتينة إسماعيلُ عليه السلام وهو ابنُُ أربع عشرة سنة فقال له يونس: صدقت يا أبا سيار هكذا حدثني به أبو جزيّ هذه طريقةٌ موصولة للحديث السابق من طريق الجُمَحِي.
"فاللغة الآدمية" هي غير اللغة العربية وغير اللسان العربي المبين,ولكن هذا لايعني أن تكون حصة اللغة العربية من البلاغة والفصاحة ضئيل وأن اسلوب نظمها وحشي غريب, وألفاظها صعبة النطق متنافرة الحرف وإيقاعها يصم الآذان,فاللغة العربية قد أثبتت سموها ورفعة نظمها حتى إختارها الله عما سواها في التعبير عن كلامه النفسي,وجعل القرآن مهيمنًا على غيره من الكتاب,يقول الله تعالى:" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ",و { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } أي عالياً عليه ومرتفعاً,والعلو والإرتفاع في كونه ناسخًا لما جاء في الكتب الأولى وكذلك في النظم والأسلوب,لأن الهيمنة تحمل في طياتها علو الأسلوب وبلاغة النص وإظهار حجة النسخ وكذلك الإكمال والإتمام.
وأما بخصوص اللغة الآدمية وبعد أن تكاثر البشر ,وانتشروا في الارض واختلفت بهم البيئة وإحتياجات الحياة تبلبل لسانهم وتنوعت لهجاتهم,وإصطلح كل قوم على ألفاظ وتواطؤا على كلام فيما بينهم, وهذه آية من آيات الله في خلقه ,يقول الله تعالى:" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ".
واللغة العربية لما حافظت عليه من حروف ولتميزها على غيرها من لغات من جزالة اللفظ وسعة التعبير تكون أقرب اللغات من اللغة الآدمية والتي كانت من خصائصها البلاغة وسعة التعبير لسعة العلم الذي تلقاه آدم عليه السلام من الله عز وجل وأنبأ الملائكة به