الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: التدبر في القرآن الكريم الأحد مارس 17, 2013 1:28 pm | |
| التدبر في القرآن الكريم
لقد أمر الله – سبحانه وتعالى – بتدبر القرآن الكريم في آيات كثيرة نستعرضها بشيء من التفسير والتوضيح . الحث على التدبر قال تعالى : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء . قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - : ( أفلا يتدبرون يا محمد كتاب الله ، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك ، واتباع أمرك ، وأن الذي أتيتهم من التنزيل من عند ربهم لاتساق معانيه ، وائتلاف أحكامه ، وتأييد بعضه بعضاً للتصديق ، وشهادة بعضه لبعضه بالتحقيق ، فإن ذلك لو كان من عند غير الله ، لاختلفت أحكامه ، وتناقضت معانيه ، وأبان بعضه عن فساد بعض ) ( ) . قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - : ( قوله تعالى : {لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه التناقض ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، والجمهور . الثاني : الكذب ، قاله مقاتل ، والزجاج . الثالث : أنه اختلاف تفاوت من جهة بليغ من الكلام ، ومرذول ، إذ لابد للكلام إذا طال من مرذول ، وليس في القرآن إلا بليغ ، ذكره الماوردي في جماعة)( ). قال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد . قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - : {أَمْ } بمعنى : بل ، وذكر الأقفال استعارة ، والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى ، قال مجاهد : الران أيسر إلى الطبع ، والطبع أيسر من الإقفال ، والإقفال أشد ذلك كله ) ( ) . عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ( تلا رسول الله يوماً {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد . فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها . فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به )( ) . وتنكير القلوب: يتضمن إرادة قلوب هؤلاء وقلوب مَنْ هم بهذه الصفة ، ولو قال: أم على القلوب أقفالها ، لم تدخل قلوب غيرهم في الجملة. تهويل حال القلوب وتفظيع شأنها بإبهام أمرها في القساوة والجهالة ، كأنه قيل : على قلوب منكرة لا يعرف حالها ، ولا يقدر قدرها في القساوة . أو: لأن المراد بها قلوب بعض منهم، وهم المنافقون ، فلم يحتج إلى تعريف القلوب ، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر )( ) . بركة القرآن الكريم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص . قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - : ( ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة ، والمآخذ العقلية الصريحة ؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. أي: ذو العقول وهي الألباب جمع ( لُب ) وهو العقل ، قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يُرَى له القرآن في خُلُقٍ ولا عَمَلٍ. رواه ابن أبي حاتم )( ) عظمة القرآن الكريم قال تعالى : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : ( يقول تعالى معظماً لأمر القرآن ، ومبيناً علو قدره ، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب ، وتتصدع عند سماعه ؛ لما فيه من الوعد الحق ، والوعيد الأكيد : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }. أي : فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ؛ لخشع وتصدع من خشية الله - عز وجل - ، فكيف يليق بكم أيها البشر أن لا تلين قلوبكم ؟! وتخشع وتتصدع من خشية الله ؟! وقد فهمتم عن الله أمره ، وتدبرتم كتابه ؛ ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }، وقد قال تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (74) سورة البقرة) ( ) . تدبر القرآن من صفات المؤمنين : قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) سورة الزمر. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - : ( وقوله تعالى : {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي : هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد ، والتخويف والتهديد ، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله} لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ، فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه : أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات. الثاني: أنهم إذا تُلِيَتْ عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم ، كما قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2ـ4) سورة الأنفال ، وقال تعالى{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (73) سورة الفرقان. أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين، لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة، لا عن جهل ومتابعة لغيرهم. الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها ، كما كان الصحابة - رضي الله عنهم - عند سماعهم كلام الله - تعالى - من تلاوة رسول الله ، تقشعر جلودهم ، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم يكونوا يتصارخون ، ولا يتكلفون بما ليس فيهم ، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية مالا يلحقهم أحد في ذلك ؛ ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة 0 قال عبد الرزاق : حدثنا معمر قال : تلا قتادة - رحمه الله - :{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال : هذا نعت أولياء الله ، نعتهم الله - عز وجل - بأن تقشعر جلودهم ، وتبكي أعينهم ، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم ، إنما هذا في أهل البدع ، وهذا من الشيطان . قال السدي : ({ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ } أي: إلى وعد الله ، وقوله : {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء } أي : هذه صفة من هداه الله ، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله : {وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ})( ) . عتاب من الله للمؤمنين قال تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (16ـ17) سورة الحديد.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- : ( يقول تعالى أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله أي : تلين عند الذكر والموعظة ، وسماع القرآن ، فتفهمه وتنقاد له ، وتسمع له ، وتطيعه . قال عبدالله بن مسعود ( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين )( ) . وقولـه تعالى : {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ } نهى الله - تعالى - المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى ، لما تطاول الأمل ؛ بدلوا كتاب الله ، واشتروا به ثمناً قليلاً ، ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة ، والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ؛ فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : في الأعمال ، فقلوبهم فاسدة ، وأعمالهم باطلة . وقولـه تعالى : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فيه إشارة إلى أن الله - تعالى -يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها ، ويفرج الكروب بعد شدتها ، فكما يحيي الأرض الميتة، المجدبة، الهامدة، بالغيث الهتان، الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويلج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل ، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال ، والمضل لمن أراد بعد الكمال ، الذي هو لما يشاء فعال ، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال ، اللطيف الخبير الكبير المتعال ) ( ) . ثانياً : تدبر الرسول للقرآن الكريم لقد بلغ الرسول الدرجة العليا ، والمقام الأسمى ، في تدبر القرآن الكريم ، وهذه بعض حالاته مع القرآن من صحيح السنة النبوية : عن عبدالله بن مسعود قال : قال لي رسول الله : " اقرأ عليَّ القرآن " فقلت : يا رسول الله ! أقرأ عليك وعليك أُنْزِل ؟ قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري" . فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}، قال: " حسبك الآن " . فالتفت إليه ، فإذا عيناه تذرفان )( ) . عن عطاء قال : ( دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة - رضي الله عنها - فقال ابن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله . فبكت ، وقالت : قام ليلة من الليالي ، فقال : " يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي " ، قالت : قلت : والله إني لأحب قربك ، وأحب ما يسرك ، قالت : فقام ، فتطهر ، ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجْره ، ثم بكى ، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله ! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر ما فيها :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران ( ) .
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : " شيبتني هود وأخواتها " ( ). عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال أبوبكر : يارسول الله !، قد شبت، قال : " شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " ( ) . قال العلماء : ( لعل ذلك لما فيهن من التخويف الفظيع ، والوعيد الشديد ؛ لاشتمالهن مع قصرهن على حكاية أهوال الآخرة ، وفظائعها ، وأحوال الهالكين والمعذبين ، مع ما في بعضهن من الأمر بالاستقامة )( ) .
ثالثاً : تدبر القرآن في سير السلف الصالح ينبغي لمن أراد تدبر القرآن الكريم ، وفهم معانيه ، ومعرفة وأحكامه ، أن ينظر في سير السلف الصالح ، وأن يعرف أحوالهم مع القرآن الكريم ؛ حتى يكون دافعاً قوياً له أن يتشبه بهم، فإن التشبه بالصالحين فلاح . وكما قال ابن الجوزي - رحمه الله - : ( إن صدقت في طلابهم فانهض وبادر ، ولا تستصعب طريقهم فالمعين قادر ، تعرض لمن أعطاهم ، وسل ، فمولاك مولاهم ، رُبَّ كنز وقع به فقير ، ورُبَّ فضل اختص به صغير ، علم الخضر ما خفي على موسى ، وكُشِفَ لسليمان ما خفي على داود )( ) . وسنذكر بعضاً من قصص سلفنا الصالح مع القرآن الكريم : 1- أبوبكر الصديق – رضي الله عنه - : عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي قالت: ( … وكان أبوبكر رجلاً بكاءً لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن )( ). 2- عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : عن عبدالله بن شداد بن الهاد يقول : سمعت عمر يقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف ، فسمعت نشيجه( ) ، وإني لفي آخر الصفوف ، وهو يقرأ {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (86) سورة يوسف( ) . 3- عبدالله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما - : عن نافع قال: (كان ابن عمر إذا قرأ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (16) سورة الحديد. بكى حتى يغلبه البكاء. عن نافع مولى ابن عمر يقول : ( ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (284) سورة البقرة ثم يقول : إن هذا الإحصاء شديد )( ) . 4- عباد بن بشر – رضي الله عنه – : نزل النبي بشِعْب في غزوة ذات الرقاع فقال : " مَنْ يحرسنا الليلة ؟ " فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فباتا بفم الشِعب فاقتسما الليل للحراسة، فنام المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدو، فرأى الأنصاري، فرماه بسهم، فأصابه، فنزعه، واستمر في صلاته، ثم رماه بثانٍ، فصنع كذلك، ثم رماه بثالث، فانتزعه ، وركع وسجد وقضى صلاته ، ثم أيقظ رفيقه . فلما رأى ما به من الدماء قال له: لِمَ لا أنبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها . وأخرجه البيهقي في ( الدلائل ) من وجه آخر ، وسمى الأنصاري المذكور : عباد بن بشر ، والمهاجري: عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - والسورة : سورة الكهف . ( ) 5- الحسن البصري – رحمه الله - : قرأ الحسن هذه الآية {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل. فقال: (إن الله جمع لكم الخير كله، والشر كله، في آية واحدة؛ فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئاً من طاعة الله -عز وجل- إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً)( ).
6- الربيع بن خثيم – رحمه الله - : عن عبدالرحمن بن عجلان قال : ( بِتُّ عند الربيع بن خثيم ذات ليلة ، فقام يصلي ، فمرَّ بهذه الآية: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورة الجاثية. فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد ) ( ) . 7- مطرف بن عبدالله - رحمه الله - : قال مطرف بن عبدالله: (إني لأستلقي من الليل على فراشي، فأتدبر القرآن، وأعرض عملي على عمل أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة. {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (17) سورة الذاريات. {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (64) سورة النمل، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، فلا أراني فيهم . فأعرض نفسي على هذه الآية {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (42) سورة المدثر . فأرى القوم مكذبين. وأمُرُّ بهذه الآية {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102) سورة التوبة، فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم )( ) . من قصص تدبر القرآن الكريم : تدبر أعرابي : ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله - : ( أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ من سورة المائدة حتى وصل إلى قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فقال الأعرابي : ما هذا بكلام الله ! فقال القارئ : أتكذب بكلام الله ؟! . قال الأعرابي : لا . فرجع القارئ إلى حفظه، واسترجع، وقرأ : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة فقال الأعرابي: عَزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع )( ) . تدبر جارية : ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره : ( حكى الأصمعي ( ) قال : ( سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول : أستغفر الله لذنبي كله قَبَّلتُ إنساناً بغير حِلِّه مثل الغزال ناعماً في دَلِّه فانتصف الليل ولم أصلِّه
فقلت: قاتلك الله ! ما أفصحك ! . فقالت: أو يُعَدُّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) سورة القصص، فجمع في آية واحدة بين أمرين، ونهيين ، وخبرين، وبشارتين) ( ). قلنا : الأمران هما :{أَرْضِعِيهِ}، {فَأَلْقِيهِ} . والنهيان هما : {وَلَا تَخَافِي}، {وَلَا تَحْزَنِي }. والخبران هما : {وَأَوْحَيْنَا }، {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ِ}. والبشارتان هما: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}، {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. | |
|