شرح مصطلح الحديث
==============
الحديث المتواتر ، وما يتصل به من أحكام بشيء من التفصيل:
===================================
فالتواتر لغة : التتابع ، وهو مجيء الواحد بعد الآخر ، تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله ، ومنه قوله تعالى : {ثم أرسلنا رسلنا تَتْراً} (المؤمنون: 44) ، وفي الاصطلاح : هو ما رواه عدد كثير يستحيل في العادة اتفاقهم على الكذب ، عن مثلهم إلى منتهاه ، وكان مستندهم الحس .
ومن خلال هذا التعريف يتبين أن التواتر لا يتحقق في الحديث إلا بشروط :
1- أن يرويه عدد كثير بحيث يستحيل عادة أن يتفقوا على الكذب في هذا الحديث ، وقد اختلفت الأقوال في تقدير العدد الذي يحصل به التواتر ، ولكن الصحيح عدم تحديد عدد معين.
2- أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
3- أن يعتمدوا في خبرهم على الحس ، وهو ما يدرك بالحواس الخمس من مشاهدة أو سماع أو لمس ، كقولهم سمعنا أو رأينا ونحو ذلك ، واحترز المحدثون بذلك عما إذا كان إخبارهم عن ظن وتخمين ، أو كان مستندهم العقل ، فإن ذلك لا يفيد العلم بصحة ما أخبروا به ، ولا يصدق عليه حد التواتر.
والحديث المتواتر يفيد العلم الضروري ، الذي يُضطر الإنسان إلى تصديقه تصديقًا جازمًا لا تردد فيه ، ولذلك يجب العمل به من غير بحث عن رجاله .
أنواع المتواتر
وقد قسم العلماء الحديث المتواتر إلى قسمين:
=========================
1- متواتر لفظي: وهو ما تواتر فيه الحديث بلفظه كحديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو في الصحيحين وغيرهما.
2- متواتر معنوي: وهو ما تواتر فيه معنى الحديث وإن اختلفت ألفاظه ، وذلك بأن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة في قضايا متعددة ، ولكنها تشترك في أمر معين ، فيتواتر ذلك القدر المشترك ، كأحاديث رفع اليدين في الدعاء ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو مائة حديث فيه رفع اليدين في الدعاء ، لكنها في قضايا مختلفة ، فكل قضية منها لم تتواتر ، والقدر المشترك فيها هو الرفع عند الدعاء ، فهو تواتر باعتبار المعنى .
ومن أمثلة المتواتر عموماً أحاديث الحوض ، والشفاعة ، والرؤية ، والمسح على الخفين ، ورفع اليدين في الصلاة ، وغيرها كثير .
"أمثلة المتواتر":
============
1- روى البخاري ومسلم وغيرهما بأسانيدهم
إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فقد رواه الجم الغفير من الصحابة, قيل: أربعون وقيل: اثنان وستون، ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد وقد اجتمع على روايته العشرة المبشرون بالجنة ووصل ابن الجوزي بطرقه إلى أزيد من التسعين ووصل بها الحافظ ابن حجر في الفتح إلى مائة إلا أنها ليست كلها صحيحة كما أن بعضها في ذم مطلق الكذب على النبي من غير تقيد بهذا الوعيد الخاص ومهما يكن من شيء فالحديث بهذا اللفظ متواتر ولا ريب(1).
2- روى البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث بأسانيدهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
أنه مسح على الخفين(2) قال الحافظ في الفتح(3): "وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرون بالجنة وفي مصنف ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين.
3- روى البخاري ومسلم
(4) وغيرهما بأسانيدهم عن أبي هريرة "أن ناسًا قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال: "هل تضارون
(5) في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله قال: "هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب" , قالوا: لا يا رسول الله قال: "فإنكم ترونه كذلك ... " الحديث, وقد ذهب إلى تواتره جمع من الحفاظ الثقات النقاد منهم القاضي عياض في الشفاء والحافظ ابن حجر وغيرهما.
4- روى البخاري ومسلم وغيرهما بأسانيدهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، ومن شرب منه فلا يظمأ أبدًا"(6), وقد حكم بتواتره جمع من الحفاظ منهم القاضي عياض والحافظان العراقي وابن حجر والحافظ السيوطي وغيرهم.
"فائدة" اشتهر عند بعض الناس أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات"
متواتر وهذا غير صحيح لأنه فقد شرطا من شروط التواتر وهو العدد الكثير في كل طبقة من أوله إلى آخره وهذا الحديث لم يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من طريق عمر -رضي الله عنه- ولم يصح عن عمر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي ولم يصح عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يصح عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وأكثر رواته بعد يحيى هذا حتى قيل: إنه رواه عنه نحو مائتين فهو ليس بمتواتر ولا مشهور وإنما هو حديث فرد غريب صحيح وإنما اشتهر في آخره.
__________
1 فتح الباري ج1 ص164، التدريب ص190.
2 صحيح البخاري, كتاب الطهارة, باب المسح على الخفين، صحيح مسلم وشرح النووي ج3 ص164-179.
3 ج1 ص244.
4 فتح الباري ج13 ص358-365، صحيح مسلم بشرح النووي ج3 ص15-34.
5 بضم التاء وتشديد الراء من المضارة، وروي بتخفيف الراء من الضمير.
6 فتح الباري ج11 ص394، 403، صحيح مسلم بشرح النووي ج15 من 53-66.
الداعية جنة الفردوس