الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: حكم الضرب بالدف والطبل وسماعهما الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف الإثنين مارس 11, 2013 4:47 pm | |
| حكم الضرب بالدف والطبل وسماعهما الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف =========================== الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
أما بعد:
فالأصل في جميع أنواع المعازف تحريم سماعها واستخدام آلاتها للرجال والنساء معاً لحديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ)؛ أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم.
ولحديث عامر بن سعد البجلي قال: (دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وجوارٍ يضربن بالدف ويغنين فقالوا قد رُخِّصَ لنا في اللهو عند العرس) (حديث حسن رواه النسائي وغيره) والرخصة لا تكون إلا بعد أمر محظور أو محرم.
والدف والطبل من هذه المعازف قطعاً، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: (العزف: اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب به)
وقال ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 484): (وآلات المعازف: من اليراع والدف والأوتار والعيدان).
و قال ابن حجر في الفتح (10/46): (وفي حواشي الدمياطي، المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به).
فالدف والطبل لغة وشرعاً من المعازف التي ورد النص بتحريمها.
والفرق بينهما على الراجح أن الدف مفتوح من أحد طرفيه وليس له جلاجل أما الطبل فمغلق من الجهتين، قال الحافظ ابن حجر: (الدف الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه جلاجل فهو المزهر) (الفتح 2/440)
إذا علمت هذا الأصل فاعلم أنه قد جاءت أحاديث مستثنيةً استخدامَ الدُّفِّ للنساء والصغار فقط وبقي الرجال على الأصل، وليس هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن صحابي أو تابعي أن رجلاً ضرب بالدف أو ضرب أمامه رجل.
ومما يدل أيضاً على أن الأصل في الضرب بالدف التحريم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في نعته للدف بمزمور الشيطان عندما سمعه من الجويريات، وهذا النعت لم يأت إلا نتيجة لما استقر في ذهن أبي بكر رضي الله عنه من التحريم العام للمعازف، ومنها الدف، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لـه أن الدف أبيح استثناءً للجويريات في يوم العيد، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه نسبه إلى الشيطان بقوله: (إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) لما ألقت الجارية الدف عند مقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلو كان في أصله مباحاً ما نسبه للشيطان.
وأما الأحاديث الوارد فيها الأمر بصيغة الجمع كحديث عائشة رضي الله عنها وفيه (واضربوا عليه بالدف)، وحديث معاذ رضي الله عنه وفيه (دففوا على رأس صاحبكم)، وحديث أنس رضي الله عنه وفيه (اضربوا على رأس صاحبكم).
فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة.
إذاً فالدف أبيح استثناءً من الأصل وللنساء والصغار فقط كما تقدم.
وقد تتبعت جميع الأحاديث التي أباحت استخدام الدف فكانت كلها للنساء والصغار ولا تخلو من حالتين: العرس والعيد وهناك حالة ثالثة فيها خلاف بين أهل العلم سيأتي الكلام عنها مفصلاً وهي عند قدوم غائب .
فمن الأحاديث التي أباحته في العرس حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنِيَ عَلَيَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف..) رواه البخاري
ومن الأحاديث التي أباحته في العيد: (حديث عائشة أن أبا بكر رضي الله عنهما دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى) رواه البخاري
بل إنَّ جميع ما ورد في الأحاديث الصحيحة الصريحة في استخدام الدف، إنما كان من الجويريات الصغيرات، إلا حديث بريدة رضي الله عنه وسيأتي الكلام عنه.
ففي حديث عائشة رضي الله عنها في النكاح (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف) رواه الطبراني في الأوسط.
وفي حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها (فجعلت جويريات يضربن بالدف) رواه البخاري.
وفي حديث أنس رضي الله عنه (فإذا هو بجوار يضربن بدفهن) رواه ابن ماجه.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها في العيد (وعندها جاريتان تضربان بدفين) رواه أحمد والنسائي.
لكن هناك فرق بين حكم ضرب الرجال للدف، وبين سماع الرجال لضرب الدف؛ لأن سماع الرجال لضرب الدف إذا كان من الصغار وفي العرس أو الأعياد فهو جائز وقد وردت فيه أحاديث تقدم بعضها.
أما ضرب الدف عند قدوم الغائب فقد ورد فيه حديثان:
الأول: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه: (أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين) رواه ابن ماجة وليس عنده أنه قدم المدينة فلا يُستشهد به على قدوم الغائب ثم إنهن صغيرات يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في آخر الحديث: (يعلم الله أني لأحبكن).
والثاني: حديث بريدة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً –وفي رواية: سالماً- أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) رواه الترمذي
والذي يظهر أن هذه الحادثة واقعة عين لم تتكرر فلا عموم فيها ولا تُعارض بها النصوص.
وواقعة العين هي الحادثة الظنية التي تعارض أصلاً أو قاعدة كلية في الشريعة وتكون محتملة لأكثر من تأويل، وقضايا الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال، ومن الأمثلة المشهورة في واقعات العين قصة رضاع سالم مولى أبي حذيفة من سهلة بنت سهيل رضي الله عنهم والمعروفة عند الفقهاء برضاع الكبير.
وعليه فهذه الحادثة واقعة عين لا عموم لها, وحوادث الأعيان لا يستدل بها على عموم الأحكام, فالجارية نذرت أن تضرب فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بعودته سالماً, وهذا لا مماثل له ليُقاس عليه، والذين أباحوا الضرب بالدف في كل مناسبة فرح وسرور وعند قدوم أي غائب غفلوا عن النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرب بالدف ما لم تكن قد نذرت, والنهي قد جاء في الحديث نفسه بلفظ: (وإلا فلا) وفي لفظ آخر: (وإلا فلا تفعلي) فهذا نهي صريح عن الضرب بالدف فرحاً بعودته صلى الله عليه وسلم, والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم واستُثني من ذلك أن تكون قد نذرت أن تضرب فوق رأسه هو صلى الله عليه وسلم فالحالة المستثناة من النهي الصريح هي حالة النذر بالضرب فوق رأسه هو, فرحاً بعودته هو صلى الله عليه وسلم فالخصوصية هنا واضحة ولله الحمد.
ولو سلمنا بأنها ليست خصوصية وأنها ليست واقعة عين فليس فيها دليل على جواز الضرب بالدف لكل قادم فما أكثر سفر الصحابة وقدومهم ومع هذا لم ترد رواية واحدة أن أحداً من النساء أو الجويريات ضرب بالدف على رأسه فضلاً عن الرجال.
أقوال أهل العلم:
1- قال الإمام أحمد: أذهب إلى حديث إبراهيم: كان أصحاب عبد الله يستقبلون الجواري في الطريق معهن الدفوف فيخرقونها (الأمر بالمعروف للخلال 1/172)
2- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (رخص للنساء أن يَضْرِبْنَ بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يَكُنْ أحدٌ منهم يضرب بدف ولا يصفق بكَفٍّ) (مجموع الفتاوى 11/565)
3- وقال الحافظ ابن كثير: (نقل غير واحد من الأئمة إجماع العلماء على تحريم اجتماع الدفوف و الشبابات، ومن الناس من حكى في ذلك خلافاً شاذاً، وأما انفراد كل واحد من الدف واليراع (القصبة) ففيه نزاع في مذهب الإمام الشافعي والذي عليه أئمة الطريقة العراقية التحريم وهم أقعد بمعرفة المذهب من الخراسانيين، ويتأيد ما قالوه بالحديث المتقدم –يعني حديث ليكونن من أمتي- ولا يستثنى من ذلك إلا ضرب الدف للجواري –الصغيرات- في مثل الأعياد وعند قدوم الغائب المعظم وفي العرس كما دلت على ذلك الأحاديث كما هو مقرر في مواضع، ولا يلزم من إباحة ذلك في بعض الأحوال إباحته في كل حال) (ملحق كتاب الكلام على مسألة السماع لابن القيم ص 473)
4- وقال الحافظ ابن القيم: (فكل متكلم بغير طاعة الله ومصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام) (إغاثة اللهفان 1/256)
5- وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (6/82): (ولهذا كان جمهور العلماء على أن الضرب بالدف للغناء لا يباح فعله للرجال؛ فإنه من التشبه بالنساء، وهو ممنوع منه، هذا قول الأوزاعي وأحمد، وكذا ذكر الحليمي وغيره من الشافعية ... فأما الغناء بغير ضرب دف، فإن كان على وجه الحداء والنصب فهو جائز. وقد رويت الرخصة فيه عن كثير من الصحابة)
6- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (واستدل بقوله: "واضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن) فتح الباري (9/185)
7- وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي: (حكى الإمام البيهقي عن شيخه الإمام الحليمي –ولم يخالفه- أنَّا إذ أبحنا الدف فإنما نبيحه للنساء خاصة. أ.هـ. وعبارة منهاجه: وضرب الدف لا يحل إلا للنساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء) (كف الرعاع للهيتمي) (2/292)
وقال: (... إن جماعة كثيرين من أصحابنا قالوا بحرمته –يعني الدف- في غير العرس و الختان بل اعترض تصحيح الشيخين إباحته في غيرهما بأن الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وعليه جمهور أصحابه أنه حرام في غيرهما ... وأما الإباحة مطلقاً فلا دليل عليها والاستدلال له بلعب الجواري به ضعيف، لأنهم سومحن بما لم يسامح به المكلفون) (كف الرعاع 2/291)
أما الختان فلا أعلم فيه حديثاً يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أثراً عن صحابي.
والخلاصة:
1- أن الطبل محرم في أي حال وعلى كل أحد لأنه من المعازف التي لم تُستثن من الأصل.
2- أن الدف من المعازف المحرم على الرجال الضرب بها على أي حال وفي أي مناسبة.
3- أنه رُخِّص فيه للنساء وللصغيرات خاصة وفي الأعراس والأعياد فقط.
4- أنَّ سماعه للرجال من الصغيرات مباح في الأعراس والأعياد فقط.
5- أنه لا يجوز الضرب به في المناسبات الأخرى كقدوم غائبٍ، أو في ختانٍ، أو عند شفاء مريض, أو تخرج من جامعة, أو حصول على درجة علمية, أو منصب رفيع أو ما شابه ذلك.
6- أنه لا يجوز سماعه من أشرطة الكاسيت إلا في المناسبتين التي رُخص لنا فيها ومن النساء أو الصغيرات.
والله أعلم | |
|