الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: الدولة في المنظور السلفي الأربعاء مارس 06, 2013 5:34 pm | |
| الدولة في المنظور السلفي للمنتمين إلى المنهج السلفي اجتهادات حول الموقف من الدولة والسلطة الحاكمة فيها، وهي اجتهادات متباعدة بعض الشيء حسب الاجتهادات الفقهية للفصائل التي تندرج في إطار البيت السلفي. والتي تتوزع بين: السلفية الجهادية، والسلفية المدخلية أو سلفية أولي الأمر، والسلفية الدعوية والحركية وهي السلفية الغالبة في مصر. ويمكن الوقوف على الفوارق الحاصلة بين التوجهات السلفية تجاه الدولة من خلال التعرف على الموقف الذي تتبناه الفصائل السلفية من نظام الحكم في الدولة الإسلامية، وهي على ثلاث توجهات متفاوتة: ـ السلفية الجهادية: حيث يرى الجهاديون أن معارضة الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية تصل بهم إلى ضرورة حمل السلاح للتخلص منه ومن نظامه ما دام مصرا على إبعاد الشريعة عن الحكم، وهو تقريبا ما حاول فعله كل من "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد" مع السادات ما أدى إلى اغتياله ثم مع مبارك ونظامه في التسعينيات. ـ سلفية أولي الأمر أو السلفية المدخلية: وهي على النقيض تماما من السلفية الجهادية، حيث يرى المدخليون في كل حاكم متغلب بنظرهم حاكما شرعيا لا تجوز معارضته ولو لم يكن يحكم بالشريعة الإسلامية، بل تجب طاعته ما دام متغلبا ولو كان فاسقا، إذ يعتبر المداخلة أن الحكم بما أنزل الله أمر فرعي، وليس أصلا من أصول العقيدة، وبذلك فإن من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية لا يكون قد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام. ويرون أي معارضة للحاكم خروجا لا يجوز، ولا حتى إبداء النصيحة له في العلن، وهؤلاء كان بعضهم يطلق على الرئيس المخلوع حسني مبارك "أمير المؤمنين" وما زالوا يرفضون محاكمته لأنه باعتقادهم جرى خلعه من السلطة بطريقة غير شرعية. ـ السلفية الدعوية والحركية وهي الطيف الأكبر من السلفيين في مصر، ويقفون موقفا وسطا مما يراه الجهاديون والمدخليون، على حد سواء، حيث يرى هؤلاء أن الحاكم الذي لا يحكم بشرع الله تجب معارضته حتى تتخلص من حكمه الأمة، لكنهم يعارضونه سلميا ويعملون على دعوة الناس إلى دين الله، لكن يرفضون تماما الخروج عليه بالسلاح لأن هذا الشكل من الخروج قد تترتب عليه مفاسد عظيمة، وقد يتحول الأمر إلى مقتلة بين أبناء الأمة تسيل فيها الدماء، كما أنه غالبا ما يتهم الإسلاميون في مثل هذه المواقف بأنهم إرهابيون ويجري تخويف الناس منهم فضلا عما يترتب على ذلك من تدمير للدعوة الإسلامية وقتل وسجن كل العاملين في حقلها أو التضييق عليهم. وحيث يمثل السلفيون الذين يتبنون هذا الموقف الطيف الأعظم من بين السلفيين في مصر فإننا سنستطرد بعض الشيء في تفصيل رؤيتهم. خاصة وأن نسبة الجهاديين والمدخلين بين هؤلاء نسبة شديدة في ضآلتها. وتتلخص الرؤية السلفية في عدد من النقاط الهامة: ـ يعتقد السلفيون وجوب طاعة ولاة الأمور الشرعيين "الذين يقودون الناس بكتاب الله - إن وُجدوا –"، على حد قول الكاتب السلفي (علاء الدين عبد الهادي) في مقال له بعنوان " موقف السلفيين من الحكام وولاة الأمور". يضيف: ولا يرون جواز الخروج عليهم ما داموا قائمين بالحق والعدل. إذ يفرق السلفيون بين الحاكم مدنيًا كان أو عسكريًا وبين ولي الأمر الشرعي -نسبة للشرع- وهم يتعاونون مع الجميع فيما فيه مصلحة راجحة للبلاد والعباد، وفي حدود الجائز شرعًا. وبينما يعتقد السلفيون أن الحكم بغير ما أنزل الله من الكفر "كما نص القرآن على ذلك"، وهو يشمل: الكفر الأكبر والأصغر. لكن لا يحكم السلفيون بالكفر على من حكم بالقوانين الوضعية بأعيانهم إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع. أما مسألة الخروج على الحاكم الظالم فهي مرتبطة عندهم بالمصالح والمفاسد، والقدرة والعجز. ومنذ نشأتها في بداية السبعينيات من القرن الماضي و"الدعوة السلفية" التي تتمركز في الإسكندرية تتعرض لكل أصناف التضييق من قبل النظام السابق وأجهزته الأمنية وقد تنوعت هذه المضايقات بين الاعتقال، والمنع من الكتابة، والخطابة، ومصادرة الكتب، وإغلاق مواقع الإنترنت التابعة لها إلا أن "الدعوة السلفية" لم تسع إلى أي شكل من أشكال الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد"، بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي: "والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها"، شعارا لهم على حد قول الشيخ ياسر برهامي. وفضلا عن موقفهم الرافض لكل أشكال الصدام، لم يثبت أن السلفيين شاركوا في أي من عمليات العنف التي مرت على المجتمع المصري خلال العقود الماضية، بالرغم مما تعرضوا له خاصة حل "المجلس التنفيذي" الذي كان يشرف على ترتيب عملهم الدعوي والإغاثي في العام 1994 ومصادرة "معهد إعداد الدعاة" وإغلاق مجلة "صوت الدعوة" التابعة لهم، كما جرى اعتقال عدد كبير من دعاتهم وشيوخهم. ومن أبرز المواقف التي تحلت فيها "الدعوة السلفية" بالصبر أمام أذى الدولة وتمسكت فيها بضبط النفس حادثة مقتل الشاب السكندري "السيد بلال" تحت التعذيب على أيدي ضباط أمن الدولة في المقر الرئيسي للجهاز بالإسكندرية. حكى الدكتور ياسر برهامي بعضا من تفاصيل هذه الأزمة، حينما أبلغه ضباط أمن الدولة بمقتله، قال الشيخ: لم أملك أن أدفع عنه شيئًا، لم أملك إلا أن أقول: "ربنا إنا مغلوبون فانتصر". ولما وجد الضباط بوادر اعتراض من قبل الشباب السلفي، هددوا الشيخ، قائلين: لو حدث أي ردة فعل لن يكون بلال وحده قتيلا، بل سيلحقه مائة آخرون. يضيف: أخبروني بالمنع من أي رد فعل؛ حتى مجرد صدور بيان لاستنكار ما يحدث، لأن ما حدث لا يستحق عندهم استنكارًا؛ لأنه كما قالوا لي: "من قال لك: إن هناك تعذيبًا؟! ومن قال لك: إن سيد بلال قد قتل؟!. يقول: كنت أود أن أقول: والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب، لكن كان الجواب عندهم جاهزًا: "انتظر تقرير الطب الشرعي؛ وإلا فنحن قادرون على التعامل الأمني مع أي رد فعل، وأظنكم لا تريدون مزيدًا مِن الخسائر. يقول برهامي: توجهت للأخوة وقلت لهم ـ في هذه الظروف الحالكة ـ أن هناك مرحلة مرت على النبي ـ صلى الله عليه ويسلم ـ رأى فيها أصحابه يقتلون، وكان يمر عليهم وهم يعذبون، فيخاطبهم صلى الله عليه وسلم، قائلا: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، ويوضح الشيخ أنه لو صدر أي رد فعل من قبلنا نحن السلفيون، لقالوا عنا "خوارج" ولروجوا في الإعلام أنهم يفعلون ذلك لأنهم هم الذين فجروا كنيسة "القديسين" في الإسكندرية، زورا وبهتانا، وهي الكنيسة التي لقي (بلال) حتفه أثناء التعذيب بزعم الاشتباه به. ولم يصدر أي فعل احتجاجي من قبل الجماعة على موته بالرغم من كل الدعوات الشبابية التي طالبت بذلك. فخلال نقاش بين الشباب السلفي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" حول مقتل بلال. كتب أحدهم على صفحته بلهجة عامية يقول: "لحد أمتى (حتى متى) هنفضل مستضعفين …؟؟؟؟ سيد بلال ده كان ممكن يبقي أنا أو أنت أو أي حد وفي غيره كتير جاي …… ليه محدش (لا أحد) بيعملنا أي حساب مع أننا جماعة لها ثقلها ومنهجها معروف". وخلال النقاش نفسه الذي شارك فيه عدد كبير من الشباب السلفي، رد آخر بنفس اللهجة: "ما هو أصل إحنا الحيطة المايلة (الحائط المائل) إحنا اللي ما لناش ثمن، إحنا اللي اعتقالنا تطهير للمجتمع، إحنا اللي موتنا تقدم وحياتنا رجعية". كانت هذه بعض الردود التي رصدناها وقتها مما دار بين الشباب تعبيرا عما في نفوسهم من مقتل أحدهم وصمط الجماعة حياله. ولما رددت بعض الصحف (بعد الحادث) أن الدعوة السلفية تعتزم تنظيم وقفة احتجاجية سارعت الدعوة إلى النفي. واكتفوا إعلاميا بنشر "بنر" في صدر موقع "صوت السلف" الموقع شبه الرسمي للدعوة تضمن عبارات ("اللهم تقبل موتانا في الشهداء"، "اللهم أنتقم من الظالمين"، "اللهم إنا مغلوبون فانتصر"). وأثار هذا التوجه أكثر من تساؤل حول الموقف السلفي الذي بدا غير منسجما إذا ما قورن بحالات احتجاجية كانت متزايدة في الشارع المصري تنظمها قوى وأحزاب سياسية دفاعا عما تتبناه من قضايا، ومنها احتجاجات الأقباط على تفجير كنيسة القديسيين والتي عمت كثير من المدن. لكن ظلت الدعوة السلفية تؤكد على أن "المنهج الإسلامي الذي تتبناه - والقائم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة- يرفض هذه الأساليب" التي تخدم فقط أهداف من لا يريدون بمصر خيرًا. حرصا على عدم التصعيد السياسي والإعلامي أمام أجهزة الدولة "وإن ضيقت عليهم السلطات"، على حد قول علاء الدين عبد الهادي في مقاله (السلفيون وحفظ الأوطان). يضيف: ولم يشتبكوا معهم أو يناوشوهم، إذ يرونهم (يقصد أجهزة الأمن) محل دعوة كغيرهم من المسلمين، ولم يتحدوهم ليعلنوا حالة من الفوضى المتعمدة، ولم يلقوا عليهم يومًا قنابل المولوتوف ولا أدموهم بالحجارة، ولا واجهوهم بالأسلحة البيضاء والعصي وقضبان الحديد، في إشارة إلى ما يصدر عن غيرهم من القوى والجماعات. إلى أن ينتهي للقول: ذلك كله وغيره "كثير لم يفعله السلفيون؛ ليس ضعفًا منهم أو غفلة عن هذه الأساليب الرخيصة، ولكن لقوة لديهم يستمدونها من الشرع، وليقظة لديهم تدلهم على عدم مشروعية كل هذه الأعمال التخريبية وخطرها على أوطانهم ودعوتهم". إذ يستند هذا الموقف السلفي إلى رؤية يوجزها الداعية الشيخ ياسر برهامي بقوله: إن "الدعوة السلفية تعد جزءا من واقع مليء بالحسابات المعقدة، ونحن نجتهد قدر الطاقة في فعل ما فيه جلب المصلحة ودرء المفسدة دون تعجل ودون أن نستجلب على أنفسنا أو على دعوتنا البلاء، بل شعارنا "والله لا يعطوننا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبناهم إليها"". هذا الرؤية السلفية للدولة تفسر من جهة أخرى الموقف الذي اتخذه السلفيون في أول أيام الثورة وهو الذي سنتعرض لتفاصيله لاحقا. برامج الأحزاب السلفية ولعل جولة على برامج الأحزاب التي خرجت من رحم التيار السلفي في أعقاب ثورة ال25 من يناير تمكننا وبسهولة من الوقوف على الرؤية السلفية للدولة المصرية بشكل أعم يتناول كل أوجه الدولة وخاصة تاريخها الحضاري ونظامها السياسي. وبالنظر إلى برنامج حزب النور ـ وهو أكبر الأحزاب السلفية وأوسعها انتشارا ـ نجد أن الحزب ينطلق من رؤية للدولة ترى مصر "من أعظم دول العالم تاريخاً، وأعرقها حضارة، وأعمقها تأثيراً، وأهمها مكاناً"، ولذلك يرى الحزب من الضروري بمكان على أبنائها المخلصين "أن يدركوا أهمية هذه الحقيقة وضرورة أن تبقى مصر مصدراً للنور والإلهام الحضاري للعالم كله". وانطلاقا من هذه الرؤية يدعو الحزب من خلال برنامجه السياسي إلى إقامة "دولة عصرية على الأسس الحديثة، تحترم حقوق التعايش السلمي بين أبناء الوطن جميعاً"، دولة "حضارية متقدمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة"، وذات رسالة راقية ترفع من قيمة الأخلاق والفضيلة والقيم النبيلة. ولما كانت الأمة المصرية قد أبدت التزاما بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي "المصدر الأساسي للتشريع" فإن "النور" يتخذ من هذه المادة "مرجعية عليا للنظام السياسي للدولة المصرية، ونظاماً عاماً، وإطاراً ضابطاً لجميع الاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقانونية". وفي التفاصيل التي يقدمها من خلال البرنامج نجد حزب "النور" يؤكد أيضا على أنه يريدها دولة وسطية لا هي ثيوقراطية، كهنوتية تحكم بالحق الإلهي المقدس، وتحتكر وحدها الصواب في الرأي. ولا هي "لا دينية" علمانية تفصل الدين عن الحياة، وتريد اقتلاع الأمة من جذورها وهويتها الثقافية… وإنما يدعو الحزب السلفي إلى دولة قائمة على تعدد المؤسسات والفصل بين السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية، تعمل بشكل متوازن ومتكامل، وتحمي الحريات، وتحقق العدالة بين أبناء الوطن. وبالنسبة للموقف من ثقافة هذه الدولة، يرى حزب النور أنه إذا كانت الهوية المصرية هي الهوية الإسلامية العربية، فإنَّ الواجب الأول للدولة ممثلةً في وزارة الثقافة ووزارة الإعلام، وكذلك وزارة التربية والتعليم، والجامعات والمعاهد العليا وغيرها من المؤسسات الثقافية الحكومية وغير الحكومية، إنما يتمثَّل في "تعزيز الهوية الثقافية التي تكسب الأمة مكونات هويتها الوطنية، وترسيخ حضور هذه الهوية في مختلف مناحي الحياة والأنشطة الإنسانية جميعاً". أما فيما يتعلق بإرادة الشعب وحقه في الاختيار، يرى الحزب إنه يجب "اعتماد الانتخاب وسيلة لاختيار الممثلين للهيئات والمؤسسات المعبرة عن الجماعة الوطنية المصرية"، وخاصة هيئات السلطات الثلاث: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية. بل ويرى ضرورة امتداد هذا الحق حتى اختيار: عمداء الكليات، ورؤساء الجامعات، والاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية، والمجالس المحلية والتشريعية، والعمد، ورؤساء المدن، والمحافظين. كما يجب تقوية المجالس المحلية ومنحها صلاحيات حقيقية لإدارة المناطق التي تمثلها بشكل لا مركزي. حزب "الأصالة" ـ وهو ثاني الأحزاب التي خرجت من رحم التيار السلفي ـ وفيما يتعلق برؤيته للنظام السياسي للدولة فإنه يرى من الأهمية أن تتحول الدولة إلى "النظام البرلماني" الذي يجعل حكومة الأغلبية المنتخبة فيه مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وتخضع لرقابة البرلمان ومساءلته. والحزب في هذه الناحية متسقا مع ما يؤكده في البرنامج ورؤيته التي يراها من كون الحكام سواء رئيس الجمهوريةٌ أو الوزراء "موظفون لدى الدولة" ولصالح الشعب، الذي يحق له مساءلتهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم إن أساءوا.. ويزيد على ذلك أنه يرى ضرورة تقليص سلطات هؤلاء، فلا تكن مطلقة وخاصة رئيس الجمهورية، بل يبقى للشعب الحق في سحب الثقة من أي شخص في أي منصب ومحاسبته وأيضٌا محاكمته محاكمة عادلة بالطرق التي يحددها القانون. وفي باب "الحقوق العامة والأساسية للمواطنين" يرى الأصالة أن العدل والمشروعيةٌ وسياٌدة القانون هم الثوابت الأساسيةٌ لإقامة دولة مصريةٌ متقدمة قويةٌ عزيزٌة تصون حقوق المواطنين وحرياٌتهم في إطار مبادئ الشريعة الإسلاميةٌ ووفقا للدستور. ويرى أن من أهم الحقوق: حق المجتمع في اختياٌر من يحٌكمه أو يمٌثله، وحق الشعب في تحديد القوانين والقواعد التي يحُكم بها بما لا يتٌنافى مع الشريعة الإسلاميةٌ. في باب "المباديء العامة" وفيما يتعلق بموقف الدولة ومؤسساتها من وجود تيارات وقوى سياسية مختلفة، يرى الحزب ضمان التعدديةٌ السياٌسيةٌ، والسماح لكافة التوجهات والأفكار البناءة بالمشاركة السياٌسيةٌ، مع الثقة في قدرة الشعب على اختياٌر الأصلح. حيث يرى الحزب في زياٌدة المشاركة السياٌسيةٌ إثراء للعمل السياٌسي، وتوسع لمجالات الحريةٌ وتبنى الأفكار القادرة على النهوض بالدولة. لكن ذلك لا يكون إلا بشرط ضمان عدم انحياٌز السلطة التنفيذٌيةٌ بالدولة لفكر أو اتجاه حزبي، وضمان حياٌديةٌ الأجهزة الأمنيةٌ والإداريةٌ والتنفيذٌيةٌ بكافة أنواعها، فهذه الأجهزة ـ كما يرى الأصالة ـ مخصصة لخدمة الشعب، و"انحياٌزها لأي جهة جريمة تحاسب عليها". ولذلك يطالب الحزب كل من "شٌغل منصب رئيس الجمهوريةٌ أو رئيس الوزراء أو الوزراء بالاستقالة من أي حزب" ينٌتمي إليه وذلك خلال فترة الخدمة في هذا المنصب، لضمان الحياٌديةٌ التنفيذٌيةٌ، وباعتباره ممثلًا لجميع المصريين بكافة اتجاهاتهم وانتماءاتهم السياسية. أما حزب "الفضيلة" فينطلق من رؤيته التي تدعو إلى "بناء نظام للحكم على أساس من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية". حيث يؤمن الحزب بأن "العدل أساس الحكم"، والعدل هنا ـ كما يشير البرنامج ـ بمعناه الإنساني الواسع، الذي يشمل العدالة في تكافؤ الفرص، والمساواة في العمل، ومن هنا يؤكد الحزب على عدالة توزيع الثروة الوطنية على أفراد الشعب بما يكفل لهم الحياة الكريمة. هذه الرؤية للعدالة يفصلها البرنامج عمليا في باب خاص لـ "العدالة والتشريع"، يرى فيه حزب الفضيلة أنه ينبغي وضع سياسة قضائية مستقلة للنهوض بخدمات العدالة، وتطوير نصوص القوانين والتشريعات بحيث تعبر عن واقع المجتمع وأوضاعه المتطورة. فضلا عن تيسير إجراءات التقاضي، وهو ما يستلزم "دعم الكفاية العلمية والعددية لرجال القضاء ومعاونيهم، هذا إلى جانب العناية بدور المحاكم وتطوير وسائل العمل بها، والنظر في إنشاء دور جديدة إذ أن معظمها قد وصل إلي درجة كبيرة من التهدم والقدم. وإلى جانب ذلك يخصص البرنامج زاوية يتناول فيها التأكيد على استقلال القضاء استقلالًا حقيقيًا، وإلغاء كافة صور التدخل في شأنه من جانب السلطة التنفيذية، والعمل على احترام أحكامه وتنفيذها على المواطنين جميعًا، دون تمييز، والتأكيد على احترام سلطات الدولة بجميع مستوياتها بأحكام القضاء، والعمل بجدية على تنفيذها دون اتباع أساليب المماطلة والتسويف، باعتبار أن الدولة خصمًا شريفًا تسعى لإحقاق الحق وتنفيذ أحكام القانون تحقيقًا للمصلحة العامة. حزب الفضيلة أيضا له رؤية في مسألة دور الدولة تجاه المجتمع وأفراده، فهو مثلا وفيما يتعلق بدور الدولة في تحقيق التنمية الشاملة يرى أنه لا يقتصر دورها على حفظ الأمن الداخلي، والدفاع عن الأمن القومي في الخارج، بل يتعدى دورها ذلك إلي كثير من الأدوار في المجالات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والعقائدية. فالدولة في نظر حزبنا ـ كما ينص البرنامج ـ مسئولة عن تحقيق التنمية الشاملة للإنسان، وضمان حياة كريمة لكل أفراد المجتمع ضمانا كاملا، "دون تمييز بين أصل أو جنس أو دين". والجملة الأخيرة هنا ربما تبين إلى أي مدى لا يخل تمسك السلفيين بأن يكون الدين حاضرا في كل كبيرة وصغيرة من مناحي الحياة بموقفهم من الآخر كمواطن متساوي الحقوق. ويتحقق هذا الدور المسؤول للدولة والذي يشبه دور "الأم" تجاه أبنائها من خلال علمها بما يجب تجاه مواطنيها، فمن واجبها أن تقوم بتهيئة وسائل العمل لكل القادرين عليه، بل إن الدولة يجب أن تكفل مواطنيها غير القادرين على العمل، بتطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي، فتحافظ على حق الفقراء والضعفاء من خلال فرض حقوق لهم من مواردها الأساسية، وصرف هذه الموارد لمن يستحقها حفاظا على النفس واستمرار حياتهم وأمانهم. كما يدعو الحزب إلى زيادة نصيب الدولة في الاضطلاع بخدمات التعليم، خصوصا في مراحله الإلزامية، حيث يمتد أمر الدولة إلي الإشراف الدقيق كمسؤولة عن التعليم وتوفيره لجميع المواطنين، بل لجميع من يقطن أرض الوطن ولو لم يكن مواطنا فيه. فالتعليم ـ كما يرى الحزب ـ إلي جانب أنه خدمة قومية عامة، فإنه يعتبر أيضا استثمارا للدولة في أعز مواردها، ألا وهو الإنسان المواطن. السلفيون عانوا كثيرا من الاستهداف الأمني بكل أشكاله، في عهد النظام السابق، ولذلك تجد لديهم ما يشبه الهاجس الأمني حتى في برامجهم السياسية ـ ولهم الحق لا شك ـ خاصة بعدما عايش المجتمع المصري هذه الحقب المديدة من تاريخه في ظل أنظمة جيشت أجهزة الدولة الأمنية لحماية أفرادها، وحاشيتهم، وما يملكون، وكانت تقدم أمن النظام على أمن البلاد ومواطنيها.. ومن هذا المنطلق كان من السهل على أي مطالع للبرامج السلفية ملاحظة مدى تأكيدها جميعا على رفض أي دور لأجهزة الدولة الأمنية في الحياة العامة واختيارات الأفراد أو تقيمهم. وهنا يرى حزب "الإصلاح" ـ تحت التأسيس ـ ضرورة إبعاد الجهاز الأمني، بكافة أفرعه عن التدخل في اختيار أو انتخاب رؤساء الجامعات، وعمداء الكليات، ورؤساء الصحف القومية، وشركات الدولة، ورؤساء النقابات المهنية، والتعيينات والترقيات بمختلف هيئات ومؤسسات ومرافق الدولة، ومنح تراخيص الجمعيات الأهلية، وإبعاده كذلك عن التدخل في العمل الإعلامي بشكل عام، على أن يكتفى في كل ما سبق بالقوانين واللوائح المنظمة لذلك، حتى يتحقق تكافؤ الفرص بين أصحاب الكفاءة. ومن المهم أيضا في هذا الصدد التأكيد على إعادة صياغة الجهاز الأمني للدولة، صياغة ثقافية وأخلاقية، بالتأكيد على احترام القانون وحقوق الإنسان، كما يجب التأكيد على الرقابة القضائية على كافة الأجهزة الأمنية. حزب "الإصلاح" أيضا هو الحزب الوحيد الذي انفرد من بين الأحزاب السلفية بالنص في برنامجه على "دعوى الحسبة" وهي وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، التي يضطلع بها الفرد والجماعة على حد سواء… المعروف والمنكر هنا بالمعنى الشامل الواسع وهو كل ما يحقق فائدة الفرد والمجتمع ويصون القيم والهوية، وأيضا كل ما من شأنه الإضرار بالأفراد والصالح العام، بما يحمله هذا الدور من تعبير صادق عن وعي الإنسان تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه دينه. فتنص المسودة الأولية لبرنامج الحزب على: "إلغاء كافة القيود التي تمنع المواطن من إقامة دعوى الحسبة، باعتبارها تتعلق بحق المواطن العادي في ممارسة دوره لحماية الدستور، أو الحقوق العامة، أو الممتلكات العامة، أو التراث الوطني، أو المقدسات الدينية، أو المصالح الوطنية العليا، مع ضرورة العمل على إزالة اللبس الذي علق بمفهوم الحسبة عند قطاع من المثقفين، تصوروا أنها مجرد ترويع للمثقفين أو غيرهم في مجالات نشاطهم أو إبداعهم". رؤية الحزب للحسبة هذه منسجمة تماما مع ما يعتقده في الحرية المسؤولة، إذ "لا يوجد في أي مجتمع معاصر ما يسمى مطلق الحرية في أي شأن من الشئون"، كما ينص على ذلك البرنامج، وإنما لكل مجتمع قيمه العليا التي يحافظ عليها ويدافع عنها ويعتبرها من مقدساته؛ لذلك فإن الحزب يرى ضرورة إعادة النظر في تكوين هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، بحيث تكون مشكلة من خبراء في قطاعات الفنون المختلفة، وعلماء الشريعة، ورجال القضاء، وأعضاء ممثلين عن المجالس النيابية: مجلسي الشعب والشورى، ويكون حسم الرأي فيها بأغلبية الأصوات.وهو ما لا يتعارض مع ما يراه الحزب السلفي من "ضرورة إطلاق حرية إصدار الصحف والمجلات للمواطنين كافة، وإلغاء أية وصاية من أي جهاز سيادي في المجتمع" تحول دون تحقيق ذلك. في نهاية برنامجه يقدم حزب "الإصلاح" خاتمة جديرة بالاهتمام، يقول فيها: إن الحزب ليس بديلًا عن قطاعات الدولة المختلفة، ولا بديلًا عن سلطاتها التنفيذية ومؤسساتها الفنية، وإنما هو عنصر فاعل فيها، يتكامل معها في تحقيق منظومة شاملة، تحقق مصالح الشعب، وترتقي وتنهض بحضارة الأمة.". | |
|