الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: المنطلقات الفكرية والعقدية للحركة السلفية الأربعاء مارس 06, 2013 5:25 pm | |
| المنطلقات الفكرية والعقدية للحركة السلفية
تستمد "الحركة السلفية" ـ بشكل عام ـ منطلقاتها الفكرية والعقدية من "المنهج السلفي" الذي هو منهج "أهل السنة والجماعة" الذي يقوم على أخذ الإسلام من أصوله المتمثلة في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة. ولذلك يقول أصحابها إن "السلفية" ليست من تأسيس بشر، وإنما هي الإسلام نقياً، لأنها تتلخص في التمسك بما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه. يقول الدكتور مصطفى حلمي ـ أستاذ الفلسفة الإسلامية بدار العلوم وأحد كبار المفكرين السلفيين في الوقت الحالي ـ : "إذا كان المسلمون يلتمسون اليوم طريقاً للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم، ووحدة الجماعة ليس لها سبيل إلا الإسلام الصحيح، والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة وهذه خلاصة الاتجاه السلفي، عودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله". وهناك جهود كبيرة بذلها علماء السلف الأوائل وفقهاء الأمة وأئمة الحديث في التنقيح والتدقيق والتفنيد جعلت من "السلفية" منهجا محدد المعالم لفهم الإسلام بالتزام الكتاب والسنة وفق فهم "سلف الأمة" وهم أصحاب القرون الأولى من صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتابعين وتابعي التابعين، وأئمة الإسلام كالأئمة الأربعة، وسائر أصحاب السنن كالبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم. التدرج التاريخي لظهور مصطلح "السلفية" ظهر مصطلح "السلفية" كمحصلة لأحداث تاريخية وأوضاع ألمت بالأمة الإسلامية بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فالأمة على عهده لم يكن لها مسمى غير "الإسلام" وقد بقيت على ذلك في ظل حكم الخلفاء الراشدين، لأن الغالبية من المسلمين متمسكة بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة، وكانت هي الأصل، والأصل دائما لا يحتاج إلى مسمى خاص يميزه. ولم تكن التيارات والفرق المتشعبة فيما بعد قد ظهرت ولم تكن من الخطورة بحيث تحتاج إلى اتجاه محدد لمواجهتها. وفي عهد التابعين (التابعي هو من لقي الصحابة وسمع منهم) ظهر مصطلح "أهل الحديث" أو "أهل الأثر" (نسبة إلى الأحاديث والآثار المروية بسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وكان ظهور هذا المصطلح تميزا عن الفرق الكلامية التي بدأت في الظهور. و"أهل الحديث" هم الآخذون بعلم الصحابة والناقلون لما كانوا عليه من أمور الدين، وامتد ظهورهم إلى عصر بني أمية وفترة من حكم العباسيين. وخلال تلك الفترة كان الاهتمام كبيراً بالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة وتفسيراتهم واجتهاداتهم.. فـ "أهل الحديث" هم أهل النقل والرواية الذين حرصوا على الالتزام بالإسلام كما أخذوه. لكن لما استفحل خطر الدعوات الخارجة عن إجماع فهم الأمة لدينها، كالخوارج والمرجئة والرافضة والجهمية، وازداد نفوذ المعتزلة ـ الذين تركوا الحديث واتجهوا إلى الجدل ـ وخاض الفلاسفة والمتكلمون في عقائد المسلمين بآرائهم، ظهر مصطلح "أهل السنة والجماعة" وكان علماً على الذين تميزوا بمنهجهم المبني على ذم الآراء المخالفة للأدلة الشرعية، وتقديم النقل (النص الصحيح من القرآن والسنة) على التأويلات العقلية التي لا تستند لمصدر صحيح. وفي هذه الفترة عُرف الإمام أحمد بن حنبل بـ "إمام أهل السنة والجماعة" بعد ثباته في ما عُرف بفتنة "خلق القرآن" وتمسكه بمنهج أهل السنة في الاستدلال بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة في مواجهة المعتزلة.. وخلال هذه المعركة نقل عن الإمام أحمد قولته الشهيرة: "لست أتكلم إلا ما كان من كتاب أو سنة أو عن الصحابة والتابعين، وأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود"، وهو ما كان له أبعد الأثر في إعلاء شأن السنة النبوية، حتى أصبح الإمام أحمد علماً على التمسك بمنهج أهل السنة والجماعة. ظل أهل السنة بعد الإمام بن حنبل على هذا المنهج المميز لهم، إلى أن ظهر (أبو الحسن الأشعري) الذي استخدم المنهج الكلامي في الدفاع عن عقائد أهل السنة في مواجهة المعتزلة، ودعا تلاميذه وأتباعه إلى نصرة العقيدة الإسلامية بمنهج المعتزلة أي باستعمال علم الكلام معتبراً علم الكلام من العلوم الشرعية إذا أريد به موافقة الكتاب والسنة. وكان الأشاعرة يعتبرون أنفسهم امتداداً لأهل السنة وخلفاً لهم فأطلقوا على أنفسهم لقب (الخلف)، إلا أن نظرياتهم الكلامية لم تلق قبولاً لدى المتمسكين بمنهج أهل الحديث المأخوذ عن الصحابة والتابعين، وبظهور مصطلح الخلف صار لقب (السلف) يطلق على "أهل السنة والجماعة". ثم استمر يطلقه مجددو المنهج السلفي من العلماء والمفكرين على أنفسهم مع إحيائهم للمنهج كلما تباعدت الأيام واندثرت معالمه بين الناس حتى الآن. ولما كان المنهج السلفي يقوم على الاتباع ـ أي السير على منهاج الرسالة النبوية ـ وذم الابتداع (أي إدخال أمور في الدين ليس عليها دليل شرعي من الكتاب والسنة) فقد وجد أن السلفية تقوم على عدد من القواعد الأساسية:
1 ـ الاستدلال بالكتاب والسنة منذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والإجماع منعقد على وجوب الأخذ بكافة أحكام الكتاب والسنة، دون التفريق بينهما في الاستدلال الشرعي، فما كان الصحابة ولا من جاء من بعدهم يفرقون بين حكم ورد في القرآن وبين حكم جاءت به السنة، لأنهما معاً وحي من الله. ومن الآيات الدالة على ذلك، قوله تعالى: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"، وفي الحديث: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، وهو المنهج الذي التزمه المسلمون في السابق ويؤكد عليه مجددو الدعوة السلفية كلما بعد العهد بالمسلمين فأهملوه. 2 ـ التمسك بفهم الصحابة للدين يقوم المنهج السلفي على العمل بالقرآن والسنة وفق فهم الصحابة لهما، وذلك راجع إلى ما للصحابة من فضل وسبق في الإسلام.. فهم حواريو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعلم الأمة بأحكام الشريعة.. صحبوا النبي وشهدوا أحواله وأخذوا عنه الدين شفاهة، وهم أيضا أشد الناس تمسكاً بالإسلام وتضحية في سبيله، شهد الله تعالى لهم بالإيمان والصدق، وأجمعت الأمة جيلاً بعد جيل على إمامتهم وعدالتهم، كما أثبت لهم التاريخ انتصاراتهم المذهلة، وما حققوه من أعمال لنصرة الدين والجهاد ونشر الدعوة الإسلامية. يقول عبد الله بن عمر: "كان أصحاب رسول الله خير هذه الأمة قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونقل دينه". لذلك فإن ما ورد عن الصحابة من آراء فقهية، وأحكام دينية، وأقوال اجتهادية، أنزلها المسلمون منزلة خاصة، فما أجمع عليه الصحابة فهو حجة ملزمة لا يسع أحد الخروج عنه. وإن كان الإجماع حجة، فأقوى الإجماع إجماع الصحابة، ثبت بالتواتر ولم يتفق الفقهاء على إجماع سواه. وصواب الأخذ عن منهج الصحابة في فهم الدين نهج خطه كبار أئمة الإسلام قديماً وحديثا، حيث يقول الإمام أبو حنيفة: "إذا لم أجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله أخذت بقول أصحابه (…) ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم". ويقول الإمام الشافعي في كتابه "الأم": "إن لم يكن في الكتاب والسنة صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله". ويقول د.مصطفى حلمي: "لا يمكن تفسير الانتصارات المذهلة للصحابة إلا في ضوء استجابتهم لعقيدة الإسلام وفهمها حق الفهم وتطبيقها عملياًً، فاجتذبوا غيرهم من الشعوب ذات الحضارة العريقة، فكان الصحابة في وضع الطلائع والصفوة الممتازة". 3 ـ تقديم النقل (الشرع) على العقل من أهم أسس الاستدلال في المنهج السلفي: تقديم النقل (النص الشرعي المأخوذ من الكتاب والسنة الصحيحة) على العقل (الأدلة العقلية المأخوذة من الفلاسفة والمتكلمين). ذلك لأن العقل الإنساني غير معصوم بل ومن الوارد وقوعه في الخطأ، ومن ثم فليس له أن يحلل شيئاً أو يحرمه، وإنما مرد ذلك إلى الشرع وحده، يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام: "إن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله"، فالعقل وإن كان شرعاً مناط التكليف، إلا أن الإسلام لم يجعل له دوراً في تشريع الحلال والحرام أو تحديد الواجبات الدينية والمنهيات الشرعية. ومن هذه النظرة يؤكد السلفيون على ترك أي رأي يخالف الكتاب والسنة مهما كان صاحبه، وإن كانوا يحتفظون بالعذر لمن اجتهد فأخطأ إلا أنهم لا يرون عذراً لمن قلد الأئمة في آرائهم التي اتضح مخالفتها للكتاب والسنة. فلم يكن من منهج السلف التقيد بكل ما يفتي به إمام من الأئمة، بل وكان كبار أئمة الإسلام أنفسهم يحثون تلاميذهم على تقديم الكتاب والسنة على اجتهاداتهم وآرائهم إذا تبينت مخالفتها. فالإمام أحمد يقول: "ليس لأحد مع الله ورسوله كلام"، وهو نفس مقصد الإمام مالك من قوله: "ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله". والإمام الشافعي يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا رأيتم كلامي يخالف الحديث فاعملوا بالحديث واضربوا بكلامي الحائط"، أما أبو حنيفة فيقول: "لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي". لكن لا يعني تقديم السلف للنقل على العقل، واقتصارهم في الاستدلال على الكتاب والسنة، أنهم ينكرون دور العقل في التوصل إلى الحقائق والمعارف، أو أنهم لا يستعملون الفكر والنظر في الآيات الكونية. ولكن ذلك يعني أنهم لا يسلكون مسلك المتكلمين في الاستدلال بالعقل وحده في المسائل العقائدية والغيبية، وتقديمه على كلام الله، أو تقديمه على السنة النبوية. 4 ـ رفض التأويل الكلامي يعرف ابن خلدون علم الكلام بأنه: "علم يتضمن اللجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية". وينسب تنظيم علم الكلام وتبويبه وتفريعه إلى المعتزلة، لأنهم أول من فعل ذلك، حين تكلموا في الوعد وإنكار القدر ثم نفوا الصفات الإلهية. ورفض التأويل الكلامي من السمات البارزة للمنهج السلفي في الاستدلال، ويتلخص "التأويل" في التفسيرات والآراء العقلية التي أوجدها المتكلمون لمسائل العقيدة والدين بغير دليل شرعي، فالتأويل إذاً إنما يعني اتخاذ العقل أصلاً يكون النقل (الأدلة الشرعية) تابعاً له فإذا ما ظهر تعارض بينهما تم تأويل النص الشرعي حتى يوافق العقل، حسبما يرى المتكلمون. رموز وعلماء المنهج السلفي لكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، ثم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، قيمة كبرى لدى أصحاب المنهج السلفي في العصر الحالي، يتداولونها فيما بينهم، ويتدارسونها، ويستقون منها أسس المنهج، حتى تعد كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من الأئمة الذين نقلوا منهج السلف ودونوه وشرحوه كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب والإمام الطبري وابن كثير والشوكاني والبغوي وابن رجب والإمام الشاطبي، هي القوام الأساسي للمنهج العقدي والفكري والفقهي للاتجاه السلفي. يقول الشيخ ياسر برهامي: "إن الدعوة تقدر جميع علماء أهل السنة القدماء والمعاصرين، والمواقف التي اتخذتها (…) كانت نتيجة دراسات على ضوء كلام أهل العلم ولا تخرج في مجموعها عنهم في معظم قضايا المنهج، منظرة تنظيرا متقنا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يمثل مرحلة مهمة جدا في تنظير كلام السلف، وعند تنزيل كلامه على أرض الواقع رجعنا لكلام العلماء المعتبرين من المعاصرين". كان ابن تيمية قد ظهر في عصر متأخر تراجع فيه المذهب السني أمام طغيان الفلاسفة والمتصوفة وفرق الشيعة فجدد فهم الإسلام على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين.. وتعددت الميادين التي خاضها في سبيل إحياء المنهج، حتى خاض معارك ضارية في مواجهة خصومه الذين تمكنوا من سجنه. وقد شهد في حياته غزو التتار لبلاد المسلمين، حتى سقطت بغداد في أيديهم عام 656هـ ، فاشترك بنفسه في جهاد التتار وتوجيه الأمة لمواجهتهم، كما عاصر دولة المماليك، لذلك أضفى ابن تيمية على مؤلفاته طابعا خاصا يتميز بحرارة الجدل، وعنف الخصومة، وقوة الحجة. كما كان للشيخ محمد بن عبد الوهاب (توفي 1206 هجرية) حياة ودعوة شبيهة بما كان عليه الإمام ابن تيمية فقد جاء والأوضاع متردية في نجد وما حولها من الجزيرة العربية، حيث انتشرت البدع والخرافات، وشاع بين الناس صرف العبادات لغير الله والتعلق بالأشجار والأحجار وقبور الأولياء، فعمل على تصحيح العقائد، واتخذت دعوته الإصلاحية الطابع الديني السياسي، إذ ألف الكتب والرسائل في الدعوة إلى التوحيد وعقائد السلف، وتحالف مع أمير الدرعية (محمد بن سعود) الذي ناصر دعوته حتى انتشرت. قضية "العقيدة" وأهمية التوحيد لدى السلفيين تولي الدعوة السلفية ـ قديما وحديثا ـ اهتماما كبيرًا لمسائل "التوحيد" وتصحيح العقيدة، "فالتوحيد هو الذي بعث الله به الرسل والأنبياء"، ولا ينبغي أن يقدم على التوحيد من واجبات الدين شيئاً. يقول الدكتور محمود عبدالحميد: "تميزت الشخصية السلفية عن غيرها باهتمامها بأمر التوحيد علماً وعملاً، قولاً واعتقاداً، بل يجعل السلفي قضية التوحيد هي القضية الأولي في حياته وهي التي يعيش لتحقيقها (…) فإذا كان الله - تعالى- خلق الإنسان لهذه القضية فجدير به أن يعيش بها". وتولي السلفية اهتماما كبيرا بالنهي عن البدع والخرافات، كزيارة الأضرحة والتوسل بالأولياء، والتبرك بهم والغلو في الصالحين، وصرف العبادات إليهم، إلى جانب الاجتهادات والتصورات الغيبية التي يأتي بها المشعوذون والدجالون، فـ "السلفية هي الامتداد الطبيعي للإسلام الخالي من البدع، والشبهات والشهوات"، على حد قول الشيخ أحمد فريد، يضيف: وهي "منهج حياة متكامل، وصياغة للحياة كما لو كان السلف الصالح - وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون الخيرية - يعيشون في زماننا". ويدعو السلفيون كل من التزم بهذا المنهج إلى الاجتهاد في طلب العلم الشرعي، حتى يتسنى للمسلم معرفة الأوامر الشرعية والنواهي في الفروض والسنن والواجبات، "فالعلم يحفظ الشريعة من تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين"، كما يقول محمود عبدالحميد. فهو منهج أصولي بالأساس، يهتم السلفيون من خلاله بكتب التراث، ونقولات الأئمة من أصحاب المذاهب والفقهاء. يقول الشيخ ياسر برهامي: "نشأنا في ظروف يـُحارب فيها الدين جملة، وتنتشر الاشتراكية والقومية العربية، مع الهزائم المتلاحقة والنكسات والنكبات على الأمة التي من أعظمها سقوط القدس في يد اليهود، ودخولهم المسجد الأقصى، فكان رد الفعل الدفاعي لكل من يحب الإسلام العودة إلى هذا الدين بمصادره الصافية". وإذا كان السلفيون ينادون بالعودة لفهم الإسلام كما فهمه السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الذين مر على رحيلهم عصور بعيدة فإنهم ينفون عن أنفسهم تهمة "الرجعية" أو الرغبة في وضع الأمة الإسلامية في متحف التاريخ، بمعنى إرجاعها للأخذ بوسائل العصور السابقة في الحياة العمرانية بأساليبها في الإنتاج والنقل والتعليم، إذ لا تتعارض السلفية مع التقدم، لأن التقدم في الإسلام "تقدم أخلاقي يمضي قدمًا في تحقيق الرسالة التي نيطت بهذه الأمة مع الأخذ بأسباب العمران المادي في نواحي الحياة كلها"، كما يقول أحمد السيد في مقال له بعنوان "السلفية والتقدم"، مشيرا إلى أن المفهوم الإسلامي للحضارة "أرقى بكثير من التصور الغربي، فلا نحن نرضى بتخلف المسلمين الحالي عن تحقيق النموذج الإسلامي، ولا نرضى في الوقت نفسه بتقليد الغرب في فلسفته ومضامينه الفكرية الشاملة". ومن خلال الدعوة لهذا المنهج الذي يعظم "الدليل الشرعي"، وتربية الناس عليه بالوسائل العامة كالخطبة والدرس والكتاب والنشرات العامة وقوافل الدعوة، وغير ذلك من وسائل التربية، يسعى السلفيون إلى إيجاد الطائفة المؤمنة الملتزمة بالإسلام - علما وعملا ـ الساعية لتحصيل أسباب القدرة، من أجل إقامة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض. يقول الشيخ سعيد عبد العظيم: "من سمات المنهج السلفي التقدم لا التأخر، فنريد حضارة على منهاج النبوة، وتعمير الدنيا بدين الله.. علينا أن نتقدم دينيًا بالتمسك بالمعاني الإيمانية، ونتقدم دنيويًا بالأخذ بأسباب القوة وفروض الكفايات من علوم الدنيا". نظريات الفكر الغربية اتخذت السلفية موقفا معاديا على طول الخط من النظريات السياسية والفكرية الوافدة من نتاج الحضارة الغربية كـ (الشيوعية، والديمقراطية، والليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، والرأسمالية) فانتقدت هذه النظريات وهاجمت الداعين إلى تطبيقها في العالم الإسلامي، معتبرة أنها مصطلحات وافدة تصطدم في الكثير من الأحيان بالسنن الشرعية والكونية، فلا يصح أخذها على عواهنها، ولا اعتمادها مقياسا وبديلا عن شرع الله، ولا ترديدها والترويج لها؛ لما تنطوي عليه من مخالفات شرعية، يقول أحدهم: "حذرنا من لدغات الحيات والعقارب يقتضي منا أن نحذر المصطلحات الوافدة والتعبيرات المستوردة والموازين الخربة"، خاصة وأن الغرب يسعى بقوة إلى صبغ دول العالم بصبغته الحضارية والثقافية، بغرض محو هويتها وتشكيل أساليب ومظاهر الحياة فيها. يقول أحمد السيد: "نحن نرفض تقليد الغرب ونبحث عن الأصالة، ولا تأتي الأصالة بترقيع الشخصية بل بالارتباط بالعقيدة التي كانت حجر الزاوية في كيان هذه الأمة"، مشيرا إلى أن السلفيين يفرقون بين "تقليد مقومات الشخصية والعقائد والتصورات"، وبين "النتائج العملية"، إذ لا وطن ولا جنسية للاكتشافات والأبحاث الإنسانية في الميادين المختلفة و"العلوم النافعة تأخذ ممن أفلح فيها"، أما "علوم الهدايا" فلا تُأخذ إلا من الكتاب والسنة. وقد أصل السلفيون كتابات شرعية لإظهار أوجه تناقض النظريات الفكرية الوافدة مع أحكام الإسلام، ومن أوائل هذه النظريات "العلمانية" كنظرية قامت على عزل الدين عن الحياة، يقول علاء بكر: "إن أوروبا عندما أقصت النصرانية المحرفة كدين عن الحياة، وأخذت بالعلم طريقها إلى التحضر، فقدت نور الوحي وهداه، ومن ثم كونت حضارة مادية بحتة، آلت بها إلى تسخير العلم في الشر كما تسخره في الخير"، يضيف : "إن الأخذ بأسباب العلم والتقدم العلمي بالصورة التي نراها الآن في العالم الغربي هو جانب إيجابي ينبغي الاقتداء بأوروبا فيه، أما افتقاد تعاليم السماء ونور الوحي وهدى الدين فجانب سلبي يهدد بتدمير هذه الحضارة بيد أبنائها وينبغي أن نتجنب اتباع أوروبا فيه". كما رفض السلفيون الدعوات القومية والوطنية المأخوذة عن الغرب، والتي قسمت الأمة الإسلامية وفرقتها فتحولت إلى دويلات تفصلها حدود سياسية، وتتحكم فيها دول الغرب الاستعمارية، حتى وجدنا الدعوة إلى "الطورانية" في تركيا، كما يقول علاء بكر، والقومية العربية، وظهرت شعارات، مثل "مصر للمصريين"، و"الوطن فوق الجميع"، و"سوريا الكبرى"، والقومية الآشورية في العراق، و"كفاح الأكراد" لإقامة دولة قومية كردية.. وهي دعوات "تعارض ما جاء به الإسلام"، الذي يبني نظامه على المساواة بين كل الأجناس، ويهدف إلى إقامة دولة عالمية -لا قومية- ترفض التعصب لجنس أو لقوم أو لوطن، ويتساوى فيها جميع المسلمين في الحقوق والواجبات. والحال نفسه بالنسبة لنظرتهم إلى (الشيوعية) التي "لا تؤمن بإله خالق لهذا الكون، وتزعم أن الدين أفيون الشعوب!!"، ولا تؤمن بالغيبيات، ولا تعترف بيوم القيامة، ولا تعبأ بالمحرمات، ووضع أسسها النظرية "اليهودي كارل ماركس بمساعدة صديقه فردريك انجلز"، حسبما يقول علاء بكر، يضيف: وأشد مساوئ الشيوعية "ما أظهرته من عداء الأديان عامة والإسلام خاصة، إذ جعل ماركس بفكره الإلحادي القضاء على الأديان هدفه الأكبر"، وقام أتباعه "بهدم المساجد وإحراق المصاحف، وإلغاء تدريس الدين، واعتقال علمائه"، في البلدان الإسلامية التي خضعت لحكم السوفيت، مستشهدا بمقولة نقلها لستالين: "يسرني أن أعلن أن الاتحاد السوفيتي سجل نصراً كبيراً بالقضاء على العقيدة الإسلامية، واستئصالها من الوجود، فلم يبق من أتباعها إلا قلة هم في طريق التصفية والاضمحلال كما أن مساجدهم في طريق الزوال"، حيث تعرض المسلمون إلى حرب إبادة وحملات تهجير واضطهاد، أجبروا خلالها على تربية أبنائهم في بيئة ملحدة. وفي مقابل رفض كل هذه النظريات الشرقية والغربية يقدم السلفيون منهج أهل السنة والجماعة الذي يتناقض مع كل ما سبق: فالإسلام دين ودولة، وهو يجعل الهداية في شرع الله - تعالى- ويستمد قوانين الأمة منه، في ظل ثوابت عقائدية وأخلاقية وتعبدية لا تتغير ولا تتبدل، ومنهج لمعاملات الأمة يجمع بين القواعد العامة والتفصيلات التي تراعى صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، فلقد أزال الإسلام ما كان قبله من قوميات وحضارات قديمة، وصنع لنفسه حضارة جديدة استمرت أكثر من ألف عام، انصهرت فيها كل الحضارات والقوميات التي سبقته في بوتقة الإسلام، لتنتج للبشرية حضارة زاهرة استوعبت علوم السابقين، وقدمت للدنيا علماء في شتى الفروع. والإسلام وهو دعوة عالمية لا تفرق بين الأجناس والشعوب ولا يعرف القوميات، بل يسع الأرض كلها، وهذا لا يعني رفض وجود غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أو إجبارهم على اعتناق الإسلام طالما بقوا في دولته؛ إذ لا إكراه في الدين، وإنما هم "أهل عهد وذمة، يخضعون لأحكام الإسلام المبنية على العدل والرحمة والإحسان، ولهم فيها الأمن والأمان لأرواحهم وأموالهم"، كما يرى أصحاب المنهج السلفي. لذلك كان لابد من رد الدنيا ردا جميلا لكتاب الله ولسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فهذا هو الضابط والميزان للأقوال والأفعال، به توزن حركة المجتمع وتضبط به القلة والكثرة، والحاكم والمحكوم، وتنصبغ به السياسة والاقتصاد، والاجتماع والأخلاق، والمسجد والسوق، والحرب والسلم، قال - تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)(النساء:65)، فلا يجوز تحكيم العرف ولا العادة، ولا البيئة ولا النشأة، ولا مجاراة حركة المجتمع، أو موافقة طوفان وموجة تتصادم مع الكتاب والسنة. (21) موقفهم من التكفير والعمل المسلح ويحرص السلفيون على تأكيد عدم تبنيهم لأفكار التكفير بل والتصدي لمن يتبنى هذا الفكر، فقد حكى الشيخ أحمد فريد في مذكراته عن ردة فعلهم على حادثة اغتيال وزير الأوقاف الأسبق الشيخ الذهبي التي قامت بها جماعة (التكفير والهجرة)، وكانوا هم في ذلك الوقت طلابا في جامعة الإسكندرية ينشطون في إطار التيار الطلابي الذي عرف في الجامعات باسم الجماعة الإسلامية، قائلا: "خرجنا إلى المواصلات العامة ونحن نرتدي (فانلة) مكتوبا عليها "الجماعة الإسلامية.. ندعو الله عز وجل، ونتبرأ من جماعة التكفير وقتل الذهبي"؛ يضيف: وذلك حتى لا تستغل الفرصة لضرب الصحوة الناشئة. ثم شرع الدكتور محمد إسماعيل المقدم يدرس لهم ولمن حضر من الطلاب في أحد المعسكرات الشبابية رسالة شرعية في الرد على جماعة التكفير. أما بالنسبة لاستخدام القوة والعنف من أجل التغيير ، فلم تسع السلفية في سابق عهدها إلى الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم أو مع مكونات المجتمع، كما فعلت "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد"، بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي: "والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها"، شعارا لهم على حد قول الشيخ ياسر برهامي. كما يرى السلفيون في التفجيرات وعمليات القتل التي تستهدف الأجانب داخل الدول والبلدان الإسلامية "غدر ونقض لعهد الأمان" الذي دخلوا به الأراضي الإسلامية، "ولو كانوا فجاراً أو كفاراً"، كما يقول ياسر برهامي، لأنهم لم يدخلوا البلاد بقوة السلاح، "بل بأمان من المسلمين آحاداً ودولاً، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ)" (13). فأدنى المسلمين - ولو كان عبداً، أو امرأة، أو فاسقاً- إذا أجار كافراً حربياً، ودخل بلاد المسلمين بهذا الأمان؛ "لم يجز لأحد إخفار ذمته"، فضلاً عما تتضمنه هذه التفجيرات العشوائية من إصابة "المعصومين من المسلمين الذين تعج بهم طرقات المسلمين وشوارعهم وأسواقهم، من المصريين وغيرهم، فهي إذن تقتل مسلمين معصومين بالإسلام، وكافرين معصومين بالعهد والأمان". ومن جهة أخرى تقدم هذه العمليات، التي لا يُقدم عليها سوى "جهال أغرار من الشباب الذين لم يجدوا غير "النت" لتلقي علومه وثقافته"، تقدم الحجة المساعدة لليهود وأعوانهم الذين "يستفيدون" بإحداث الوقيعة والعداوة بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة، كما أنها تشوه "صورة المسلمين الملتزمين" بإظهارهم في صورة سفاكي دماء الأبرياء والعُزَّل، والنساء والأطفال؛ وتعمل على صب البنزين على النار، وإظهار المجتمع المصري منقسماً متقاتلاً يعاني من أزمات لا حل لها إلا باجتثاث الإسلاميين، وسَنِّ التشريعات الحاسمة التي تقتلع "الإرهاب" و"التطرف" من جذوره. لذلك أيد السلفيون بشدة مراجعات الحركات الجهادية، لأنها كانت "سبباً عظيماً لمنع كثير من المنكرات"، وفتحت باباً لعلاقة جديدة بين الاتجاهات الإسلامية وأجهزة الدولة، قلـًّت فيها أعداد المعتقلين، وتحسنت فيها أوضاع السجون، خاصة بعدما كان يجري من "التضييق على الدعوة والدُّعاة". لكن الموقف ليس ذاته بالنسبة للموقف في البلاد الإسلامية التي دخلها المحتل، فإنه "إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم"، كما يقول ياسر برهامي: "وهذا فرض عين على أهل البلد المقصود"،. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم، "كان علي من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا علي حسب ما لزم أهل تلك البلدة"، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم"، فالمسلمون كلهم يَدٌ علي مَنْ سواهم، كما نقل سعيد عبدالعظيم في كتابه "تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد" عن الإمام القرطبي، و"إن أخوة الإسلام لها حقوق وواجبات، ونصرة المسلمين بعضهم بعضاً من الفرائض"، وهو ما يعني أنهم لا يرون شيئا في أي مسلم عربي أو غير عربي أن يذهب لنصرة اخوانه من المقاومين في العراق أو في أفغانستان أو في غيرهم، لكنهم يرون أنه على من أراد الجهاد في سبيل الله، أن يتعلم فقه الجهاد، كما لابد من "اتباع السياسة الشرعية في حال الضعف والقوة"، وإلا فكم من حامل للسلاح وفي صدره فكر يتسع لكل المتناقضات. ويرفض السلفيون ما تقوم به بعض الحركات الجهادية في ساحات الجهاد "المتفق على شرعيتها" من نقل للمعركة من ساحة القتال إلى داخل بلاد المسلمين، حيث تزداد الفجوة بعد كل حادثة "حينما يشعر المنتسبون إلى الجهاد بالفخر، بينما يشعر دعاة الداخل بالألم من جراء التضييق على الدعوة والاستغلال الإعلامي للأحداث"، التي لا تخلو غالباً من دماء أبرياء. ولما كانت أكثر ساحات الجهاد اشتعالاً الآن هي الساحة العراقية، فإن أكبر أخطاء المنتسبين للجهاد، كما يرى السلفيون هو "تصدير المعركة إلى بلاد المسلمين بدعوى الضغط على الأمريكان دون النظر إلى باقي العواقب"، فتتحول المعركة بين علماء هذه البلاد وبين المجهادين، التي يتبنى معظم علماؤها خطاً حاداً في مواجهة هذه التصرفات ـ كما حدث في الأردن والسعودية ـ "مما كان له أثر بالغ في ازدياد الفجوة" بين الطرفين. وهنا يؤكد السلفيون على أن الجهاد في العراق "ليس فرض عين" على المسلمين من غير العراقيين، خاصة وقد نقل عن بعض مفتي الجهاد في العراق "أنهم لا يحتاجون إلى رجال لأنهم يعتمدون الحرب الخاطفة"، ويقرر السلفيون ذلك "حتى لا ينخدع الشباب بالفتاوى الصادرة من قادة بعض التنظيمات المعروفة، والتي يقولون فيها بأن الجهاد في العراق أو غيرها فرض عين، وأنهم في حاجة إلى الرجال بهدف ضم أنصار جدد لها دون اعتبار لمصالح الدعوة القائمة، ولا ما يلاقيه هؤلاء الشباب المستجيبون لهم من أنواع الحرج والعنت وشراك الأعداء بمجرد محاولة الاتصال فضلاً عن الوصول إلى أرض الجهاد، والذي غالباَ ما لا يحصل، بل ينتهي إلى أيدي أجهزة المخابرات العالمية، ثم إلى سجون طويلة الأمد في بلاد الأرض المختلفة. ولا يشترط السلفيون وجود "الخليفة" أي الحاكم المسلم كشرط للجهاد "لأنه خطاب متوجه للمسلمين أصلاً، والواجب على المسلمين أن يرجعوا إلى علمائهم في تقديم رجل منهم يقودهم في الجهاد"، يقول ياسر برهامي: "ولاشك أن من يشترط وجود الخلافة أولاً قبل الجهاد يلزمه أن ما جرى في أفغانستان وما يجري في البوسنة وأريتيريا والفلبين وكشمير، وسائر البلاد التي يقاتل فيها المسلمون أعداءهم يلزمه أن كل هذا محرم غير مشروع، وما أبطل من أن ينسب لأحد من علماء الإسلام مثل ذلك القول". لكنهم يرفضون أن يحتكر القائد العسكري في الميدان "الفتوى" لنفسه ولمن معه، وينكرها على علماء الأمة، فليس له أن يتحول إلى مفتيا لمجرد كونه قائداً عسكرياً، حتى لا "تحدث الأخطاء والتجاوزات"، التي تنكرها أحكام الشريعة الإسلامية | |
|