الداعية جنة الفردوس Admin
عدد المساهمات : 4517 جوهرة : 13406 تاريخ التسجيل : 03/01/2013
| موضوع: وقفات مع مفهوم المواطنة الأربعاء فبراير 20, 2013 1:13 am | |
| وقفات مع مفهوم المواطنة
د. محمد جمال _____________ تدور على الساحة السياسية في مصر نقاشات كثيرة بخصوص مفهوم المواطنة والمشاركة بين المسلمين وغيرهم من النصارى واليهود ويعلو صوت المنادين بحق المواطنة وحرية الإعتقاد ، فهل الشريعة الإسلامية أباحت لغير المسلمين حرية العقيدة ، والعبادة ، وإقامة الشعائر ، وحرية الأحوال الشخصية، وعملت على حماية ذلك إلى أبعد مدى ؟ ! وهل ترى الشريعة الإسلامية أن مفهوم المواطنة ، أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها حلت محل مفهوم أهل الذمة ، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة ، والمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ومواريث طبقاً لعقيدة كل مواطن وبمقتضى هذه المواطنة ، وحتى لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده ، وبناءا على ذلك فإن للنصارى الحق في أن يتولوا باستثناء منصب رئيس الدولة كل المناصب الأخرى من مستشارين ، ومديرين ، ووزراء ، ويمثل النصارى مع المسلمين في مصر نسيجاً اجتماعياً وثقافياً وحضارياً واحداً تداخلت خيوطه وتآلفت ألوانه ، وتماسكت عناصره ؟ !
كانت تلك بعض الأطروحات والتساؤلات التي أنتشرت على الساحة السياسية في وقتنا الحالي ، فأردت أن أناقشها على ضوء الكتاب والسنة والفهم الصحيح من أهل السنة والجماعة:
الوقفة الأولى : هل أباحت الشريعة الإسلامية فعلاً لغير المسلمين حرية الاعتقاد .. ، مع العلم أن تعبير (غير المسلمين) يشمل اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والشيوعيين ، وعبدة الأوثان ، وعبدة الأبقار ، وكل كافر أو مشرك .
فأين نجد تلك الإباحة في (الكتاب والسنة ، والفهم الصحيح ، الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات) ؟ إن الشريعة الإسلامية لم تبح قط الكفر بالله أو الشرك به ولم تبح قط التعبد بالعبادات الباطلة المبتدعة ، ولم تبح قط فعل المنكرات والمعاصي ، وإنما الخلاف قد وقع بين أهل العلم في شأن أهل الكتاب: اليهود والنصارى وما سواهما من الكفار ، هل يعاملون معاملة أهل الكتاب ، أم ليس أمامهم إلا الإسلام أو السيف؟ لأدلة عندهم في ذلك لا مجال للحديث عنها هنا ولم تكرههم الشريعةعلى الدخول في الإسلام { لا إكراه في الدين } أما (الإباحة) فلا ، وفرق كبير بين (الإباحة) وبين (عدم الإكراه) ، فإن (المباح) كما عرفه ابن قدامه في كتاب الروضة وهو (ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله ولا مدحه) بمعنى أنه ما استوي فيه الأمران : الفعل أو الترك ، والكفر والشرك أكبر الكبائر فكيف يقال : إن الشريعة أباحت ذلك ؟ !
وقد يقول قائل أن المقصود هنا ليس الإباحة بمعناها الوارد في كتب أصول الفقه ، وإنما أراد بها هو عدم إكراه (غير المسلم) على ترك دينه والدخول في الإسلام ، بل تركت له الخيار بين الدخول في الإسلام أو البقاء على دينه .
الوقفة الثانية : قد يقول قائل أن هناك من أهل العلم الذين يرون أن ذلك الحكم (عدم الإكراه) غير مختص بأهل الكتاب ، وأن جميع الكفار يشملهم الخيار في الدخول في الإسلام أو البقاء على دينهم ، لكن على أي نحوٍ جاء هذا الخيار سواءً أكان لأهل الكتاب فقط ، أو لجميع الكفار ؟ إن مقتضى الكتاب والسنة والفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات أن ذلك لا يكون إلا بأن يصبح هؤلاء من (أهل الذمة) فيلتزموا بأحكام (أهل الذمة) ، (ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فقد جاء في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [التوبة : 29] .
وأما سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-المؤيد من ربه ، والذي لا ينطق عن الهوى ففيها الكثير نذكر منها حديث بريدة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وفيه : (اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله .... . ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ..) (صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ح/1731).
فصريح الكتاب والسنة يبينان أن السيف لا يرفع عمن يرفع عنه من الكفار إلا ببذل الجزية عن يد وهم صاغرون ، وذلك التزام بأحكام (أهل الذمة) ، وعلى ذلك كان الفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات في جميع كتب أهل العلم الفقهية بدون استثناء لنجد أن الآيات والأحاديث وأحكام أهل الذمة المبنية عليها تبين وبكل وضوح أن دار الإسلام ، لا يقيم فيها كافر إقامة دائمة إلا إذا خضع لأحكام (أهل الذمة) ، وبمقتضى هذا الخضوع يأمن أهل الذمة على أنفسهم وأهليهم وأموالهم .
وعلى هذا فإن من يدعي من العلمانين ومن وافقهم من قاصري الفكر من بعض المسلمين بأن مفهوم المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها حل محل مفهوم (أهل الذمة) ، فإن هذا إنما هو فهم فاسد ولا يعتمد على الكتاب ولا على السنة ولا على الفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات ، بل مجرد إدعاء هذا الفهم إنما يعنى أن مصطلح (أهل الذمة) والأحكام المرتبطة به قد انتهى فكيف نفعل بنصوص كتاب ربنا وسنة نبينا وبعمل الخلفاء الراشدين وأقوال الأئمة وتصانيف العلماء التي تحدثت عن أهل الذمة وأحكامهم ، ماذا نفعل بهذا ؟ أنقول: إن مصطلح (المواطنة او الجنسية) نسخ تلك الأحكام ؟ ! وهل يملك أحد من المسلمين أن ينسخ أحكام الشرع ، أو أن يبدلها ويغيرها حسب هواه ؟ !
قد يتسأل البعض ساخرا ومتعجبا فيقول: (ألا تنظر في أي زمان أنت ولا إلى أين أنت الآن ، وفيم تتكلم ، وعن أية جزية أو صغار ، وأين هذا الجهاد الذي تتحدث عنه ، وهل نستطيع أن نفرض ذلك على الكفار ، ونحن الذين في واقع الأمر نكاد ندفع لهم الجزية عن يد ونحن صاغرون) . وأنا أقول رويدا رويدا على رسلكم فإن ذلك ليس بنات أفكاري أو إدعاءات من تلقاء نفسي ، وإنما هو نصوص الشرع الحنيف وأقوال أهـل العلم ، ونحن جميعاً كمسلمين مطالبون بالالتزام بذلك وعدم الخروج عنه .
ثم أن المرء منا قد تمر به فترات ضعف أو عجز وسواء أكان هذا الضعف أو العجز خارجاً عن إرادته فيكون معذوراً فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، أو أن يكون ضعفاً وعجزاً ناتجاً عن تقصير وجبن وخور فلا يكون معذوراً ، ففي كلتا الحالتين لن يتمكن من الصدع بكلمة الحق أو الجهر بها أو العمل لها وإلزام الآخرين بها ، لكن ليس البديل عن ذلك هو التحريف والتبديل وادعاء النسخ ، فإن المرء إذا لم يتمكن من قول الحق أو فعله فلا أقل من الصمت ، أما النطق بالباطل والدعوة إليه وتزيينه للناس فهذا من كبائر الأثام ولا يقبل به أحد خالط الإيمان قلبه. إن كان حال المسلمين اليوم هو الضعف ، فلا أقل من أن نترك للأجيال القادمة مفاهيم صحيحة نقية كما وصلتنا من كتاب الله وسنة رسوله وفهم أهل العلم الثقات مفاهيم غير مبدلة وثوابت غير محرفة فلعل الله سبحانه يحقق على أيديهم ما عجز جيلنا عن تحقيقه .
الوقفة الثالثة : إن المتأمل لمفهوم المواطنة والتي أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات ، وهي في نفس الوقت تمثل الطلب الذي طالما ألح الكفار في الحصول عليه ، وهو المساواة التامة في دار الإسلام بين المسلمين والكفار ، فياسبحان الله ما أشد ظلم هذه المساواة التامة وما أكثر مرارتها فالله تعالى يقول (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا)! بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك في دفاعه عن مفهوم المواطنة فيقول: حتى لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده ، فإن للنصارى الحق في أن يتولوا باستثناء منصب رئيس الدولة كل المناصب الأخرى من مستشارين ومديرين ووزراء ، فلقد أصبح مفهوم المواطنة أصلاً شرعياً ، وقاعدة تُفَرّع عليها الأحكام وتؤخذ منها التفاصيل ،فلزاما على من إلتزم بمفهوم المواطنة أن يعطي للنصارى واليهود الذين يتمتعون بجنسية الدول العربية والإسلامية الحق في تولى المناصب الوزارية والاستشارية ؟ !
فقد يأتي زمان نرى دولة مسلمة ، رئيسها مسلم ، ورئيس وزرائها يهودي ، والوزراء خليط من المسلمين واليهود والنصارى ، ولا بأس أن يكون رئيس مجلس الشورى نصرانياً ، حتى تكون هناك عدالة ومساواة في توزيع المناصب العليا لا سيما وأن لهم المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات كما يدعي المنادون بالمواطنة فتكون رئاسة الدولة للمسلمين، ورئاسة الوزراء لليهود ورئاسة مجلس الشورى للنصارى كما يحدث في بعض الدول العربية وإنه لعجب عجاب !!
ونحن حين ننادي بتطبيق الكتاب والسنة و الفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات ، فإننا نبرأ إلى الله تعالى من ظُلم أهل الذمة أوالاعتداء عليهم ، ولكن لا ننزلهم حيث أنزلتهم الشريعة ، ولا نعطي لهم شيئاً حرمهم الله ورسوله منه .
وأسوق بعض من النصوص الشرعية والفهم الصحيح لأهل العلم فيما يبين بطلان مفهوم المواطنة والمساواة بين المسلمين وغيرهم من اليهودي والنصارى ، يقول الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم .. } [المائدة : 51]
يقول ابن كثير رحمه الله : (ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ، الذين هم أعداء الإسلام وأهله قاتلهم الله ... ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }) أ. هـ. (تفسير ابن كثير 2/108) ، أليس من الموالاة لأهل الكتاب اليهود والنصارى ، جعلهم وزراء أو أعضاء في مجلس الشورى (مستشارين) ، ولقد جاء الأثر الوارد عن عمر بن الخطاب الخليفة الراشد الذي جعل الله الحق على قلبه ولسانه في فقه وتوضيحه عملا وتطبيقا لتلك الآية فقد ورد : (عن عياض الأشعري أن عمر رضي الله عنه أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد ، وكان له (أي لأبي موسى) كاتب نصراني ، فرفع إليه ذلك ، فعجب عمر ، وقال : إن هذا لحفيظ ، هل أنت قارئ لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام ؟ فقال : إنه لا يستطيع ، فقال عمر أجنب هو ؟ قال : لا ، بل نصراني ، قال : فانتهرني وضرب فخذي (يعني عمر) ، ثم قال عمر: أخرجوه ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ... } ، قال أبو موسى : والله ما توليته وإنما كان يكتب ، فقال عمر رضي الله عنه : أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب ؟ ! ، لا تدنهم إذ أقصاهم الله ، ولا تأتمنهم إذ خونهم الله ، ولا تعزهم بعد أن أذلهم الله) (فتح الباري 13/196) فليتأمل كل ذي لب فطين كيف رفض الخليفة الملهم اتخاذ كاتبا نصرانيا يطلع على أمور المسلمين واحتج على ذلك بالآية السايقة من سورة المائدة ، فليستمع من ينادي بالمواطنة ولا يمانع في أن يكون النصراني او اليهودي ليس فقط كاتباً ، بل لامانع لديه في أن يكون رئيساً للوزراء أووزيراً أومستشاراً أومديراً وهكذا دواليك.
تلك كانت بعض الوقفات الموجزة فيما قد يدور على الساحة من تساؤلات بخصوص المواطنة وحقوق غير المسلمين ،فما كان فيها من صواب فهو من الله وما كان فيها من خطأ فهو من نفسي وأسأل الله سبحانه أن يهدينا للحق بإذنه هو ولي ذلك والقادر عليه وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. | |
|