الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*) مضمون الشبهة:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*)   مضمون الشبهة:  Empty
مُساهمةموضوع: ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*) مضمون الشبهة:    ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*)   مضمون الشبهة:  I_icon_minitimeالأحد مارس 31, 2013 1:51 pm


ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن الشريعة الإسلامية لا تحرم إلا نوعا واحدا من الربا، وهو ربا الجاهلية - النسيئة -، وما عداه ليس بمحرم، وبناء عليه يعتبرون أن الفوائد البنكية كلها حلال، إذ إن البنك لا يقترض من الناس، بل يقوم باستثمار ودائعهم في مختلف المشروعات، ويعطيهم على ذلك فائدة ثابتة أو متغيرة، وهذا لا يلحق ضررا بأحد، ولم يحرم بأي نص حسب زعمهم، ويهدفون من وراء ذلك إلى حل التعامل مع البنوك الربوية.

وجوه إبطال الشبهة:

1) الربا لغة: الزيادة. واصطلاحا: فضل مال بلا عوض، ودليل تحريمه ثابت من القرآن والسنة والإجماع.

2) أنواع الربا في الفقه الإسلامي.

3) استشكالات ومزاعم حول تحريم الربا عامة، وربا القروض خاصة:

· إنكار الإجماع على حرمة الربا.

· التفريق بين الفائدة[1] والربا.

· القروض الاستهلاكية هي المقصودة وحدها بربا القروض.

· الفائدة الربوية بديل عن تضخم النقد.

· تحصيل الربا من المصارف الأجنبية مشروع.

· الربا المحرم هو الزيادة الطارئة مقابل الأجل الطارئ.

· الربا ضرورة حياتية لا مناص منها.

· الربا فيه مصلحة للفرد المقترض.

4) إن فوائد البنوك هي عين الربا، وليست مضاربة جائزة بين طرفين قائمة على الوضوح والصراحة ومبدأ المكسب والخسارة.

5) يعتمد تحريم الإسلام للربا على مجموعة من الدعائم الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، التي تبين المقاصد الشرعية التي حرم الإسلام الربا من أجلها.

6) أية محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله، أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، إنما هي جرأة على الله وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين.

التفصيل:

أولا. تعريف الربا وأدلة تحريمه:

الربا لغة: الزيادة، ومنه: ربا الشيء يربو ربوا ورباء: زاد نما، وأربيته: نميته، وفي التنزيل: )ويربي الصدقات( (البقرة: ٢٧٦). [2] وشرعا: فضل مال لا يقابله عوض في معارضة مال بمال، ومعنى هذا: أن الربا المحرم هو الزيادة المأخوذة على القرض دون أن يقابلها عوض، سواء كان هذا العوض سلعة أو منفعة أو عملا ونحو هذا، وتكون هذه الزيادة ربا إذا كانت مشروطة في القرض.

أدلة تحريم الربا:

1. القرآن الكريم: فما كان للقرآن أن يترك مسألة كالربا دون أن يبرم فيها حكما؛ ولذا جاءت آياته تقطع بحرمته، فقال الله سبحانه وتعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة:٢٧٥)، وقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (130)( (آل عمران)، وقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).

2. السنة النبوية المطهرة: فقد وردت الآثار فيها بالتصريح بتحريم الربا؛ بحيث جاء بعضها تفسيرا للربا الذي نص عليه القرآن الكريم، وبعضها أتى بنوع آخر غير ما نص عليه القرآن الكريم؛ ومن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: «وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله». [3] وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون». [4] وقال صلى الله عليه وسلم: «الربا في النسيئة» [5].

وربا النسيئة هو الربا المنصوص على تحريمه في القرآن الكريم، وهو أن يزيد المدين في الدين في نظير التأجيل؛ فهو زيادة بسبب النسيئة، أي التأجيل.

هذا بعض ما جاء في السنة تفسيرا أو تأكيدا لما جاء في القرآن الكريم من ربا محرم، والسنة قد حرمت نوعا آخر وسمته ربا، وهو الربا الذي يكون في المبيعات، وهي أشياء نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوجب أن يكون البيع فيها بالمقايضة وبالمماثلة عند الاتحاد في جنس العوضين.

وأوضح حديث نبوي في ذلك ما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد»[6].

وكما هو واضح فهذا الحديث الشريف يبين نوعا من الربا خاصا ببيع أشياء معينة قد يقاس عليها، وأوجب المماثلة في المقدار عند اتحاد الجنس، فبيع ذهب بذهب تجب المماثلة في القدر، ويجب القبض في الحال، وعند اختلاف الجنس لا تجب المماثلة في القدر، ولكن يجب القبض في الحال، فبيع الشعير بالقمح لا تجب فيه المماثلة في القدر، ولكن يجب القبض في الحال.

ويسمي الفقهاء الزيادة عند وجوب المماثلة "ربا الفضل"، ويسمى التأجيل عند وجوب القبض "ربا النساء"، وهذان النوعان خاصان بربا البيوع الذي ذكرته السنة النبوية الشريفة، كما يسمى ربا الديون الذي ذكرنا أن القرآن الكريم أتى به ربا النسيئة، وهو الزيادة في الدين في نظير الأجل [7].

3. الإجماع: اختلف الفقهاء فيما يلحق بالأصناف الستة، ويأخذ حكمها في حالة البيع، ويعد من الأموال الربوية، فإذا لم تتوافر الشروط المذكورة آنفا كان ربا الفضل أو النسيئة، وقد أفتت كل المجامع الفقهية بأن النقود الورقية لها ما للذهب والفضة من الأحكام. والاختلاف هنا إنما هو في حالة البيع فقط، أما في القرض فلا خلاف في تحريم أي زيادة مشروطة في العقد، ولا يقتصر هذا على الأصناف الستة وما يلحق بها، وإنما هو في كل شيء.

قال الإمام مالك في "المدونة": "كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا". وقال ابن رشد الجد في مقدماته: "وأما الربا في النسيئة فيكون في الصنف الواحد وفي الصنفين. أما في الصنف الواحد، فهو في كل شيء من جميع الأشياء، لا يجوز واحد باثنين من صنفه إلى أجل من جميع الأشياء". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء".

وأهل الظاهر الذين خالفوا الجمهور، فوقفوا عند الأصناف الستة في البيع، لم يخرجوا على الإجماع في القرض. قال ابن حزم في "المحلى": "الربا لا يجوز في البيع والسلم[8] إلا في ستة أشياء فقط: في التمر، والقمح، والشعير، والملح، والذهب، والفضة. وهو في القرض في كل شيء". وقال: "وهذا إجماع مقطوع به". وقال ابن قدامة في "المغني": "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف". قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية - فأسلف على ذلك - إن أخذ الزيادة على ذلك ربا". وقال القرطبي في تفسيره: "أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضة من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة".

إذن: تحريم فوائد القروض ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم من الدين بالضرورة. قال الشيخ محمد أبو زهرة: إن النصوص القرآنية الواردة بالتحريم تدل على أمرين ثابتين لا مجال للشك فيهما:

الأول: أن كلمة الربا لها مدلول لغوي عند العرب كانوا يتعاملون به ويعرفونه، وأن هذا المدلول هو زيادة الدين نظير الأجل، وأن النص القرآني كان واضحا في تحريم ذلك النوع، وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه الربا الجاهلي، فليس لأي إنسان - فقيه أو غير فقيه - أن يدعي إيهاما في هذا المعنى اللغوي، أو عدم تعيين المعنى تعيينا صادقا، فإن اللغة عينته، والنص القرآني عينه بقوله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة:٢٧٩).

الثاني: هو إجماع العلماء على أن الزيادة في الدين نظير الأجل هو ربا محرم ينطبق عليه النص القرآني، وأن من ينكره أو يماري فيه، فإنما ينكر أمرا علم من الدين بالضرورة، ولا يشك عالم في أي عهد من عهود الإسلام أن الزيادة في الدين نظير تأجيله ربا لا شك فيه [9].

ثانيا. أنواع الربا في الفقه الإسلامي:

يشير د. البوطي إلى أن أنواع الربا ترجع إلى نوعين رئيسيين:

الأول: ربا ناشئ عن القرض.

الثاني: ربا ناشئ عن مبادلة شيء بآخر، أو بيع شيء بآخر.

ولعلك تسأل عن الفرق بين القرض والبيع، أو بين القرض والمبادلة، إذن، فلنحرر الفرق بينهما، قبل المضي في بيان ما تفرع عن كل من هذين النوعين:

في عملية القرض يتعلق حق المقرض بذمة المقترض، دون أن يتمثل في أي بديل معين عن المال أو المتاع الذي أقرضه، أما في عملية المبادلة أو البيع، فإن حق المبادل أو البائع يتعلق بعين مشاهدة، أو مخصصة، وتتحدد مسئولية الطرف الآخر في تسليم هذه العين في الوقت المتفق عليه، حتى لو التزم هذا الطرف الثاني تجاه الأول أن يعطيه بديلا عنه من مماثل له أو متقوم به، وألزم ذمته بذلك، كان للطرف الأول أن لا يقبل؛ لأن حقه قد تخصص وتحدد بشيء معين بذاته. وهذا الفرق مما لا نعلم خلافا فيه بين أئمة الشريعة الإسلامية.

فإذا تبين أهم مظاهر الفرق بين القرض والبيع، فلنوضح الربا الناشئ عن كل منهما مع بيان حكمه:

أما الربا الناشئ عن القرض فله صورتان:

الأولى: أن يقول المقترض للمقرض: أنظرني في الأجل، أزدك في المال الذي لك علي، ولا فرق - كما هو واضح - بين أن يتفق الطرفان على هذه الزيادة مقابل الأجل ابتداء، أو يتفقا على ذلك فيما بعد.

فهذه الصورة محرمة بالإجماع، ولا نعلم أن هناك خلافا قد ظهر بين العلماء في أي من القرون الخالية، اللهم ما ظهر في عصرنا هذا من بعض الاجتهادات والآراء الباطلة.

الثانية: ما يعبرون عنه بقولهم: "ضع وتعجل"، وهو هنا جار على العكس من الصورة الأولى؛ وذلك بأن يقول المدين للدائن: ضع من الدين الذي لك علي أعجل لك في الدفع.

وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الصورة، فقد أجازها ابن عباس، وتبعه في ذلك زفر، وحرمها ابن عمر ومالك وأبو حنيفة والثوري، واختلف فيها قول الشافعي، ولسنا هنا بصدد تفصيل الأدلة والأقوال في هذه الصورة التي يكفي أن نقول عن الحكم فيها بأنه: حكم خلافي.

وأما الربا المحرم الناشئ عن المبادلة أو البيع فيتلخص في النوعين التاليين:

الأول: التفاضل في تبادل الأموال الربوية مطلقا إذا كانت من جنس واحد.

الثاني: النسيئة في تبادل الأموال الربوية مطلقا، أي سواء أكانت من جنس واحد أم من جنسين مختلفين.

وعلى هذا، فكل ما حرم التفاضل فيه بين البدلين حرمت فيه النسيئة أيضا، ولكن ليس كل ما حرمت فيه النسيئة حرم فيه التفاضل أيضا؛ إذ إن سبب حرمة النسيئة أعم من سبب حرمة التفاضل.

ولكن ما هي الأموال الربوية التي يجري فيها ربا الفضل أو النسيئة؟

هي قسمان:

الأول: منصوص عليه في الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويندرج تحت هذا القسم ستة أنواع، نص عليها رسول الله في حديث عبادة بن الصامت: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، إلا سواء بسواء عينا بعين، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» [10].

الثاني: ما يمكن أن يقاس على كل من الذهب والفضة، وعلى كل من المطعومات الأربعة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه هذا.

أما القسم الأول الذي شمل الأعيان الستة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجمع المسلمون على تحريم الربا فيه؛ طبقا للبيان الذي ذكرناه.

وأما القسم الثاني وهو ما يمكن أن يقاس على هذه الأعيان الستة، فقد اختلفوا فيه بسبب اختلافهم في فهم علة الربا في هذه الأصناف المنصوص عليها: هل علة الربا في الذهب والفضة مطلق الثمنية أم جوهرية الأثمان، أو ما يعبر عنه برؤوس الأثمان؟

وهل علة الربا في الأصناف الأربعة الأخرى الاقتيات وقابيلة الادخار، أم مجرد الطعم، أم الخضوع لوحدة الكيل أو الوزن؟ [11].

تحريم القرآن والسنة قليل الربا وكثيره:

يفصل د. وهبة الزحيلي القول في ذلك موضحا الأمر وما قد يكتنفه من غموض أو لبس قائلا: حرمت الشريعة الإسلامية بصريح النصوص الشرعية والإجماع قليل الربا وكثيره بعبارة مطلقة عامة لا تحتمل التأويل، فقال الله سبحانه وتعالى: )وحرم الربا( (البقرة:٢٧٥)، وقال سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).

قال الطبري في بيان معني الآية الأولى: "يعني الزيادة التي يزدادها رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل وتأخير دينه عليه. وقال في تفسير الآية الثانية: يعني جل ثناؤه بذلك: إن تبتم فتركتم أكل الربا، وأنبتم إلى الله - عز وجل - فلكم رؤوس أموالكم من الديون التي لكم على الناس دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربا منكم، ولا تظلمون بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت قبل الإرباء على غرمائكم منهم، دون أرباحها التي زدتموها ربا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذون منهم ما ليس لكم أخذه، أو لم يكن لكم قبل، ولا تظلمون من الغريم فيمنعكم حقكم؛ لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول وغيره من أهل التأويل" [12].

وذكر القرطبي أن عقد الربا مفسوخ، لا يجوز بحال، ودلت الآية الثانية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر لا خلاف في ذلك، وقال عن الآية الأولى: )وحرم الربا( "هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس، لا للعهد؛ إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، أي: إن الله - عز وجل - حرم جنس الربا قليله وكثيره، وقال: )يمحق الله الربا( (البقرة: ٢٧٦)، يعني في الدنيا؛ أي: يذهب بركته، وإن كان كثيرا. وقال سبحانه وتعالى: )فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله( (البقرة: ٢٧٩)، هذا وعيد إن لم يذروا الربا، والحرب داعية القتل. وقال الإمام مالك: إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه، فلم أر شيئا أشر من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب؛ قال سبحانه وتعالى: )فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة: ٢٧٩)؛ تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه، وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه" [13].

وفي السنة النبوية: عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه»[14]. وعن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد من ست وثلاثين زنية»[15].

والأحاديث في ذلك كثيرة، وكلها تفيد العموم من غير تقييد بقليل أو كثير.

قال الشوكاني في بيان معنى الحديث الثاني: "يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة، بمقدار العدد المذكور، بل أشد منها، لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح؛ لأن إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل، نسأل الله تعالى السلامة" [16].

إذن فكثير الربا وقليله حرام؛ كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح؛ لقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة( (آل عمران: ١٣٠)، وقد تقدم القول بتحريم أي زيادة على رأس المال صراحة في صريح قول الله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة: ٢٧٩) [17].

ثالثا. استشكالات ومزاعم حول تحريم الربا:

الاستشكال الأول: إنكار الإجماع على حرمة الربا.

يعترض بعض الذين يتصدون لمسألة الربا على القول بأن الربا مجمع على تحريمه، ويقولون: كيف تتم دعوى الإجماع، وقد خالف في ذلك عدد من الصحابة؟ ويذكرون في هذا أن عمر بن الخطاب كان يشكو من إشكال بعص مسائل الربا عليه، ويتمنى أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين لهم حكم هذه المسائل بيانا شافيا، كما يذكرون خلاف ابن عباس وابن عمر في الربا، كما يذكرون اختلاف العلماء في دخول الربا في بعض الأصناف، ولوكان الربا محل إجماع ما اختلف العلماء فيه، فالاختلاف ينافي الإجماع.

وفي هذا الشأن يصرح د. عمر سليمان الأشقر: بأن كل هذا الذي جاءوا به مردود، فالربا الذي حرمه الله في كتابه الذي كان يتعامل به أهل الجاهلية لم يقع فيه اختلاف، ولم يذكر عن أحد من أهل العلم المعتد بهم قول بإباحته.

والذي وقع فيه شيء من الإشكال هو ربا الفضل، وقد خالف فيه بعض الصحابة في أول الأمر لعدم بلوغهم النصوص المحرمة له، فلما بلغتهم ممن سمعوها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - سارعوا إلى الالتزام بها، والعمل بمقتضاها، والنقل عن عمر لا يجوز الاستشهاد به في هذا الموضع، فعمر - رضي الله عنه - أشكلت عليه بعض مسائله، ولكنه لم يخالف في حرمته، فالذي كان من عمر - رضي الله عنه - هو ما يسميه علماء الأصول بتحقيق المناط[18]، أي كون الربا متحققا في المسألة الفلانية أم لا.

يدلنا على هذا أمران:

الأول: أن عمر بن الخطاب أحد الصحابة الذين رووا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حديث حرمة الربا، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب، ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» [19].

الثاني: أن عمر بن الخطاب أنكر على رجلين خالفا مقتضى أحاديث ربا الفضل، فقد حضر عمر - رضي الله عنه - مالك بن أوس بن الحدثان النضري، وقد أعطي طلحة بن عبيد الله مائة دينار على أن يأخذ مكانها فضة، فطلب طلحة من مالك المهلة في الدفع حتى يحضر خادمه، فقال عمر رضي الله عنه: «لا تفارقه حتى تأخذ منه»[20]، وقال - في رواية أخرى: «كلا والله، لتعطينه ورقه [21]، أولتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء...» [22].

وإذا كان بعض أبواب الربا قد أشكل على عمر بن الخطاب، فإن الهدف الذي يرمي إليه عمر من إعلانه لهذا الأمر هو دعوة الناس إلي الاحتراس من مواضع الريبة، والبعد عن مظان الربا، وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: «إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض، ولم يفسرها لنا، فدعوا الريبة والربا» [23].

إن الذي يريد عمر الوصول إليه مخالف بل مناقض لما يريد المحتجون بقوله الوصول إليه، هو يريد إبعاد الناس عن كل معاملة يظن أن فيها شائبة ربا، وهؤلاء الذين يحتجون بقوله يريدون إباحة التعامل بالربا بحجة أنه مختلف فيه، والأمران مختلفان ومتناقضان.

وأمر آخر نلمحه من كلام الخليفة الراشد، فكلامه يدل على أن مسائل الربا عويصة مشكلة، لا ينبغي أن يخوض فيها من لم يتعمق في العلم، ولم يصلب عوده فيه، كما يفعل بعض الذين يبحثون في مسائله اليوم، فيتجرأ هؤلاء على الفتوى فيه، وليس عندهم من العلم ما يؤهلهم للنظر في عويص المسائل، يقول العلامة المفسر ابن كثير: باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، وقد قال أمير المؤمنين: «ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة، وأبواب من الربا»[24]، يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا.

أما دعوى مخالفة ابن عباس، وابن عمر في هذه المسألة، فإن هؤلاء الذين قالوا هذا أتوا من قصور في العلم، وقلة في الاطلاع، ولو كلفوا أنفسهم عناء البحث في كتب السنة لتكشف لهم أن هذين الصحابيين قالا ما قالاه قبل أن يبلغهما عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأحاديث المحرمة لربا الفضل، والمانعة منه، فلما بلغتهما لم يكن منهما أدنى تلكؤ أو تردد في أن يعلنا عودتهما إلى مقتضى النصوص.

وقد أورد الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" هذه الأحاديث وذكر مخرجيها ودرجتها من الصحة.

ونحن نورد ما أورده؛ حتى ينقطع القول بهذه الشبهة التي يضل بها بعض عباد الله. قال الشيخ: "روي في ربا الفضل عن ابن عباس، ثم رجع عنه". قال الترمذي وغيره، ثم قال: "صحيح، وله عنه طرق":

1. عن أبي نضرة قال: «سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف، فلم يريا به بأسا، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف؟ فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله، جاء صاحب نخل بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللون، "وفي رواية: هو الدون" فقال له النبي: "إني لك هذا؟" قال: انطلقت بصاعين، فاشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا، وسعر هذا كذا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ويلك أربيت، إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت.

قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آت ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء، أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه»[25].

وأصرح من رواية مسلم رواية الطحاوي عن أبي الصهباء: «أن ابن عباس نزع عن الصرف» [26].

2. الرواية الثانية صريحة في أن أبا سعيد الخدري حدث ابن عباس بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: «قلت لابن عباس: أرأيت الذي تقول: الدينارين بالدينار، والدرهمين بالدرهم، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقلت: نعم، قال: فإني لم أسمع هذا، إنما أخبرنيه أسامة بن زيد، قال أبو سعيد: ونزع عنها ابن عباس» [27].

3. عن أبي الجوزراء، قال: «سألت ابن عباس عن الصرف يدا بيد، فقال: لا بأس بذلك اثنين بواحد، أكثر من ذلك أو أقل، قال: ثم حججت مرة أخرى، والشيخ حي، فأتيت، فسألته عن الصرف، فقال: وزنا بوزن، قال: فقلت: إنك أفتيتني اثنين بواحد، فلم أزل أفتي به منذ أفتيتني، فقال: إن ذلك كان عن رأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» [28].

حديث آخر: روى أبو صالح قال: «سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلا بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى، فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا، فقال: لقد لقيت ابن عباس، فقلت: أرأيت هذا الذي تقول: أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم وجدته في كتاب الله عز وجل؟ قال: لم أسمعه من رسول الله، ولم أجده في كتاب الله، ولكني حدثني أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الربا في النسيئة»[29] وفي رواية بلفظ: «لا ربا إلا في النسيئة»[30] وفي أخري: «ألا إنما الربا في النسيئة» [31].

حديث آخر: «عن عبد الله بن حنين أن رجلا من أهل العراق، قال لعبد الله بن عمر، وهو علينا أمير: من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها، فقال عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن، فمن زاد فهو ربا"، قال ابن عمر، إن كنت في شك فسل أبا سعيد الخدري عن ذلك، فسأله فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لابن عباس ما قال ابن عمر - رضي الله عنه - فاستغفر ربه، وقال: إنما هو رأي مني» [32].

وقد يقال: فما جوابكم عن حديث أسامة بن زيد "الربا في النسيئة" الجواب أن هذا الحديث كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»[33]، وقوله: «ألا إن القوة الرمي»[34]. فمن المعلوم أن في الحج أعمالا كثيرة لا بد للحاج من القيام بها، ومراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن عرفة أعظم هذه الأعمال، ومعلوم أيضا أن استخدام السيف والطعن بالرمح من القوة، ولكن الرمي أعظم هذه الأنواع، ومثل هذا يقال في حديث أسامة، أي: أن الربا العظيم الخطورة في النسيئة.

أما ما أورده من كون العلماء اختلفوا في ربا الفضل، فالجواب أن الاختلاف ليس في أصل تحريم ربا الفضل، بل في نطاق هذا التحريم، فمن العلماء من يدخل فيه أنواعا لا يدخلها غيره فيها؛ بسبب اختلافهم في مناط الحكم وعلته، يدلنا على هذا أن الأصناف الربوية التي نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حرمتها ليست محل اختلاف بين الفقهاء الأعلام [35].

الاستشكال الثاني: التفريق بين الفائدة والربا.

استخدم طواغيت الفكر في أوربا في مواجهة رجال الدين النصراني الذين كانوا يحرمون الربا لفظ "الفائدة" بدل لفظ "الربا"، وقالوا: المحرم الربا لا الفائدة.

والفائدة عند الاقتصاديين الوضعيين غير الربا، وهما سواء في الحكم الإسلامي.

أما الفائدة عند الاقتصاديين: فهي الزيادة في رأس مال المقرض في مقابل الزمن، وتعني أن يتقاضى المقرض مبلغا زائدا على رأس المال، بغض النظر عن القيمة الإنتاجية لرأس المال، أو القيمة المضافة إلى الثروة، نتيجة استخدام رأس المال في الإنتاج، واختلف الاقتصاديون في تبرير أو تسويغ الفائدة على نظريات، مثل:

· نظرية المخاطرة: الفائدة لتعويض مخاطر عدم سداد القرض للمقرض.

· ونظرية التثمير: كون الفائدة ثمرة تشغيل رأس المال، والريع المالي شبيه بالريع العقاري.

· نظرية الاستعمال: الفائدة هي ثمن استعمال المال.

· نظرية إنتاجية رأس المال: كون الفائدة مقابل إنتاج رأس المال.

· نظرية الزمن: كون الفائدة أجر الزمن.

· نظرية التفضيل الزمني: الفائدة هي: الفرق بين القيمة الحالية والقيمة المؤجلة؛ لأن للمال قيمة آجلة أقل من قيمته الحاضرة.

· نظرية تفضيل السيولة: كون الفائدة هي: تعويض عن النقود أو السيولة.

· نظرية العمل: كون الفائدة أجرا لادخار المال، حيث إن للمال أجرا كما أن للعمل أجرا.

· نظرية العمل المتراكم: المال مجرد متراكم فله مردود.

· نظرية الندرة: لأن رأس المال عنصر نادر بخلاف الموارد الحرة.

· نظرية التأمين: كون الفائدة مقابل قسط تأمين، كأن المقترض يقول للمقرض: أؤمنك من الخسارة مقابل معدل أقل.

وكل هذه النظريات منتقدة من وجهة النظر الإسلامية، وهي تصلح لمواجهة المذاهب الاشتراكية التي حرمت على رأس المال الفائدة والربح، ولا تصلح لمواجهة الإسلام الذي حرم فائدة القرض، وأجازها في البيع الآجل عند البيع لا عند الاستحقاق، وأجاز لرأس المال المشاركة بحصة من الربح، على أن حسابها في البيع بضمها إلى الثمن في الجملة، بحيث يصير قدرا مقطوعا لا يزيد مع الزمن، وهذه الزيادة لا تتغير بمرور الزمن، فهي في الحقيقة ليست من قبيل الفائدة.

وأما الربا عند الاقتصاديين: فهو في حال التضخم[36] يرتبط بالمعدلات العالية للتضخم التي تتجاوز 3% سنويا، وأما في حال الانكماش أو الكساد فيكون الإقراض مقابل الفائدة بمثابة الربا الفعلي، وأصبح الربا في المفهوم الغربي مميزا عن الفائدة، فالربا يتمثل بالفوائد الباهظة على القروض الاستهلاكية، أما الفائدة: فهي نتاج تلاقي العرض والطلب الإجمالي على رأس المال عند نقطة زمنية معينة، أي أن الفائدة بمثابة ريع الأرض، وإن كان الريع أشمل من الفائدة من وجهة نظر الاقتصاد الوضعي.

ويمكن تلخيص أوجه الاختلاف بين الربا والفائدة فيما يأتي:

1. المرابي يحدد المبلغ الذي سيحصل عليه، بينما الفائدة تحددها الدولة - المصرف المركزي مع الأجهزة الحكومية.

2. الربا يكون أضعافا مضاعفة، بينما الفائدة نسبة مئوية لا تتجاوز (10%) من قيمة القرض.

3. يسدد دين الربا دفعة واحدة عند حلول الأجل، بينما يسدد دين الفائدة، أو دين المصرف على أقساط شهرية، أو سنوية حسب طبيعة كل قرض.

4. لا يحدد المرابي شكل إنفاق القرض، بينما يحدد المصرف مجال الإنفاق؛ كالزراعة، أو الصناعة، أو التجارة.

وبهذه الفروق يرى رجال الاقتصاد الوضعي أن الفائدة تختلف عن الربا في الجوهر والشروط والزمان والمكان وجهة الاستثمار، وتكون الفائدة أداة مهمة بيد الدولة بحسب حاجة الاقتصاد الوطني، وليست بحسب رغبات الأفراد.

أما في المفهوم الإسلامي: فلا فرق بين الفائدة والربا، وكلاهما حرام وممنوع شرعا، سواء كان ذلك في عقد البيع - ربا الفضل وربا النسيئة - أم في عقد القرض، وقد تكون فوائد البنوك المركبة أسوأ من ربا الجاهلية الذي حرمه الشرع في القرآن والسنة تحريما قاطعا لأسباب أربعة؛ وهي:

1. كان أهل الجاهلية يقرضون نقودا فعلية، وهي الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، أما البنوك فهي إما أن تأخذ فوائد على ما لديها من ودائع، وإما على نقود وهمية.

2. الفائدة في الجاهلية تتحدد بالتراضي، أما المقترض من البنوك فتفرض عليه الشروط فرضا، ولا يملك تغييرها.

3. كان أهل الجاهلية يحسبون الفوائد في نهاية المدة، أو على أقساط شهرية، أما البنوك فإنها تحسب الفائدة وتخصمها من البداية قبل أن يأخذ المقترض القرض، وينتفع به.

4. كانت القروض في الجاهلية تستخدم في الاستثمار الفعلي والتصدير والاستيراد، أما البنوك الربوية فهي مجرد وسيط بين المقرض والمقترض، ولا تستثمر ولا تشارك في تنمية فعلية، بل إن قوانين البنوك الربوية لا تسمح لها بالاستثمار، خلافا لما يتوهم بعض الناس أو المفتين جهلا وبعدا عن الحقائق، وتنظر هذه البنوك في الإقراض للضمانات فقط، ولا يعنيها النفع أو الضرر.

غير أن الربا في الإسلام محصور في بيع النقود والمطعومات أو الأشياء القابلة للادخار، وهو الرأي المتوسط فقها، وهي الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والملح وما في معناها، أي: كل ما يؤخذ أو يباع اقتياتا أو تفكها أو تداويا في رأي فقهاء الشافعية، وليست الفاكهة عند المالكية من الأموال الربوية، وكذلك يجري الربا في القروض، وكل قرض جر نفعا فهو ربا بالإجماع.

وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (10 / 10 - 2) على ما يأتي: "كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعا" [37].

الاستشكال الثالث: القروض الاستهلاكية هي المقصودة وحدها بربا القروض.

يدعي بعض الذين يقولون بوجود غموض في أدلة حرمة ربا الفضل أن الله - عز وجل - إنما حرمه في القرض الذي يحتاجه المقترض ليستهلكه في حاجاته المعيشية الأصلية لنفسه أو لأهله وأولاده، وأما ما يقترضه التجار وأصحاب رؤوس الأموال لتجاراتهم وأعمالهم الإنتاجية، فإن الله لم يحرمها، والآيات والأحاديث الدالة على حرمة ربا الدين بمعزل عنها.

والشبهة التي يتمسكون بها هي أن القرض لما كان عقد إرفاق وتيسير على الناس في أصل مشروعيته، وندب الشارع الناس إليه، ناسب أن يكون بعيدا عن اشتراط الربا؛ إذ من شأنه أن يفسد هذه الحكمة، ويعود إليها بالنقض.

وإنما يكون القرض إرفاقا بالمقترض إذا كان اقتراضه يعود بالتيسير عليه بعد عسر؛ أي بحيث يستفيد المقترض من المال الذي اقترضه لحاجة من حاجاته الاستهلاكية التي يعود بها على نفسه، أو على أهله وأولاده.

فأما التاجر الموسر الذي يقترض؛ ليوسع من تجارته، وليزيد من أرباحه، فإن إقراض الناس له أبعد ما يكون عن معنى الإرفاق؛ إذ إن هذا الإقراض له لا ينجيه من عسر ولا يخلصه من كرب، كيف؟ وهو غير معسر ولا مكروب! وإذا اختفى الإرفاق الذي هو المانع من الربا، فقد جاز للممنوع أن يعود، وذلك طبقا للقاعدة الفقهية القائلة: إذا ذهب المانع عاد الممنوع.

وربما استدل بعض هؤلاء بدليل آخر؛ ألا وهو المصلحة الداعية في هذا العصر إلى تنشيط الأعمال التجارية والصناعية التي لا يمكن لها أن تنشط إلا بالتعامل مع المصارف الربوية، وإذا تحققت المصلحة جاز لها أن تخصص النص الدال على حرمة الربا عموما.

ويوضح د. البوطي هذا الاستشكال المصطنع في نقاط وهي:

1. من أين ثبت لهؤلاء الناس أن علة تحريم الربا هي تعارضها مع مقتضى الإرفاق؟ لو كان الأمر كذلك لكان امتناع المقرض عن الاستجابة للمقترض في إقراضه أشد حرمة من الربا؛ لأن ذلك أشد تناقضا مع الإرفاق، فهل من قائل أن امتناع الإنسان عن أن يقرض صاحبه مالا تورط في محرم؟

إن تحريم الشارع للربا ليس إلا تطبيقا لقاعدة اقتصادية معروفة، هي أن المال لا يولد من المال، وإنما يولد المال من المنفعة يطرحها على الإنسان في المجتمع، ولما كان التعامل بالربا استيلادا للمال من المال؛ أي على النقيض من هذا القانون الاقتصادي، فقد اقتضت المصلحة التي هي محور أحكام الشريعة تحريمه وسد كل ذريعة إليه.

أما الإرفاق فوصية أخلاقية، يدعى الناس إلى أن يتعاملوا على أساسها من وراء هذا القانون الراسخ الذي لا مناص من اتباعه، وجد الإرفاق أم لم يوجد.

2. ألم يكن الفقهاء من السلف، بدءا من عصر الصحابة، أهلا لأن يعلموا هذا الذي يقتضيه الإرفاق في القروض الاستهلاكية، ثم لا يقتضيه في القروض الإنتاجية؛ لينتبهوا هم الآخرون إلى أن الربا محرم في القروض الاستهلاكية وحدها؟

فهل سمع أحد ممن يحمل لواء هذه الشبهة أو من غيرهم أن في الفقهاء السابقين، أيا كانوا، وفي أي عصر وجدوا، من فرق بين القروض الإنتاجية والاستهلاكية فحرم الربا في الثانية وأباحها في الأولى؟

ربما جاء من يقول: إن القروض الربوية في العصر الجاهلي وصدر الإسلام كانت كلها قروضا استهلاكية، ولذلك حرم الشارع الربا فيها.

ولكني أقول: إنها لجهالة بالغة، أو لقحة بالغة ممن يدعي هذا الكلام أن يقول ذلك! كانت القروض العربية تبلغ عشرات الآلاف، وربما تجاوز القرض الواحد مائة ألف درهم، وكان المقرضون يتخذون من مراباتهم بهذه القروض تجارة رابحة كبرى.

أفكانت هذه القروض الضخمة كلها معونة استهلاكية ضرورية لمعسرين؟! ومتى كان الرجل البدوي الذي لا تكلفه معيشته - مهما ارتفعت - أكثر من بضعة دراهم، يحتاج في معيشته الاستهلاكية هذه إلى عشرات الآلاف من الدراهم، ومتى كان العربي البدوي في ذلك العصر يعيش هذه الحياة المترفة الباذخة؟

كانت الأعمال التجارية ناشطة في الجاهلية وصدر الإسلام، وكانت القوافل التجارية غادية رائحة ما بين الشمال والجنوب، ولعل رأس المال التجاري كان الأساس الاقتصادي الوحيد أو الأول آنذاك. وما أكثر ما كانت هذه القوافل تقترض وتقرض! بل محال أن تقوم تجارة مستمرة ناشطة دون اعتماد على قروض. وهل كان أصحاب رؤوس الأموال من بني عبد المطلب وأغنياء ثقيف وبني عمرو بن عوف، وغيرهم إلا ممولين لهذه القروض؟

فكيف يصح بعد هذا لمثقف أن يأتي فيزعم أن القروض الربوية المعروفة في صدر الإسلام كانت كلها قروضا استهلاكية؟ ومن هذا القارئ الساذج الذي يصدق هذا الكلام ليتصور أن الرجل العربي في العصر الجاهلي كان يسكن في قصر باذخ منيف، وكانت قيعان قصره هذا مملوءة بأدوات اللهو والترف التي تعج بها حضارة القرن العشرين، مما يضطره أن يقترض بين الحين والآخر عشرات الآلاف من الدراهم ليسد بها عوزه وفاقته؟!

3. من المبادئ الفقهية المفروغ منها هذا المبدأ الذي نلخصه فيما يلي:

المصلحة التي تتراءى للباحث الفقهي لا تعدو واحدة من ثلاثة أقسام:

· مصلحة نص الشارع على مشروعية الأخذ بها، فهذه داخلة ضمن سلطان النصوص؛ كمصالح البيوع والرهن[38] والشركات.

· مصلحة نص الشارع على حكم جار على وفقها، فهذه داخلة في الأحكام القياسية الموصولة بالنصوص عن طريق العلة القياسية؛ كمصلحة قتل سائر الحيوانات الضارة في الحرم، قياسا على الفواسق الخمسة التي أفتى رسول الله بقتلها في الحل والحرم.

· مصلحة داخلة في عموم المقاصد الخمسة[39] التي ثبت أنها محور أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن لم يرد نص عليها بخصوصها، ولم يأت أي حكم من الشارع على وفقها، فهذه تسمى - مصلحة مرسلة -، ومعنى مرسلة: أي أنها طليقة عن أي نص يؤيدها أو يعارضها، كل ما في الأمر أنها مندرجة في عموم المقاصد الخمسة.

فهذه الأقسام الثلاثة من المصالح مرعية ومعتبرة من الشارع، أولها تستوعبه النصوص وهو أقواها، ثانيها يندرج في القياس، وهو يأتي في الرتبة الثانية، ثالثها، يندرج في المصالح المرسلة، وهو يأتي في الدرجة الثالثة والأخيرة.

فأما ما وراء ذلك، فلا يعدو أن يكون مصلحة موهومة باطلة، وهي المصلحة التي جاء نص من الكتاب أو السنة بنقيضها، وتسمى: مصلحة ملغاة.

مثال ذلك: تصور وجود مصلحة في خروج المرأة سافرة غير ملتزمة بالحجاب الذي أمرها الله به، أو تصور وجود مصلحة في ترويج الميسر أو تيسير أسباب الفواحش، أو تصور أي مصلحة في الأعمال الربوية المنصوص على تحريمها.

فهذه أمثلة لمصالح وهمية، ومن ثم فهي ملغاة في ميزان الشريعة الإسلامية؛ وذلك لمعارضة النصوص الشرعية لها، فكيف يمكن القول باعتبارها وهي ملغية، ثم كيف يمكن القول مع ذلك بنهوضها إلى تخصيص النصوص، أي إلى الهيمنة عليها والتحكم بها؟

أما من يرى أن المصالح المرسلة تقوى على تخصيص النصوص التي تعارضها، سواء كانت نصوصا من القرآن أو السنة، فهذا كلام لا يعقل؛ إذ كيف تسمى مصالح مرسلة، إذا كانت معارضة بنصوص في القرآن أو السنة؟ وما الفرق المتبقي عندئذ بين المرسلة التي لا يعارضها ولا يؤيدها أي نص، والملغاة التي سميت ملغاة؛ لأن نصا ما قد عارضها؟!

الواقع أنه لا يوجد في فقه أي إمام ما يسمى بتخصيص المصلحة المرسلة للقرآن والسنة، بل لا يمكن أن يتصور كيف تأتي المصلحة المرسلة مخالفة للكتاب أو السنة وهي مرسلة؟! إن من الوضوح بمكان أن هذه المخالفة يكون عندئذ إخلالا بإرسالها.

وبقطع النظر عن هذا كله فإننا نقول: أين هي المصلحة التي تدعو إلى التعامل بالربا في القروض الإنتاجية؟

إن الله - عز وجل - لم يلغ مفسدة ظهرت للناس في صورة مصلحة، إلا أقام في مكانها مصلحة حقيقية خالية عن الشوائب، وعندما ألغى الله - عز وجل - الربا من القروض أقام في مكانه عقد القراض أو ما يسمونه بـ "المضاربة"[40]، إن للمقرض بموجب هذا العقد أن يشترط على المقترض الذي يتاجر بالقرض الذي أخذ منه، أن يعطيه نسبة يتم الاتفاق عليها من الربح الذي يحققه المال الذي أقرضه إياه.

فهذه هي المصلحة الحقيقية، لا تلك، وبوسعك أن تعلم ذلك من خلال القواعد الاقتصادية والموازين الأخلاقية دونما حاجة إلى أي شرح أو تطويل.

الاستشكال الرابع: الفائدة الربوية بديل شرعي عن تضخم النقد.

يرى الذين يسوغون ربا القروض أن من مؤيدات مشروعيته ما يتعرض له النقد من هبوط قيمته في أسواق التداول، فألف ليرة سورية تهبط قيمتها خلال عام مثلا إلى تسعمائة أو أقل، فإذا أخذ المقرض بعد عام من إقراضه هذا المبلغ مائة ليرة إضافية، فهي في الحقيقة ليست إلا تعويضا عن خسارة النقد، وإن بدت في الظاهر فائدة زائدة.

والجواب عن هذا الاستشكال - كما يراه د. البوطي - يأتي من عدة جوانب:

الأول: أن القرض من حيث هو تعاون أخلاقي في ميزان الشريعة الإسلامية، ولا يكون التعاون كذلك إلا إذا قام على نوع من الإيثار؛ ولذلك كانت مثوبة الإقراض أجزل من مثوبة الصدقة؛ كما ورد ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تلك هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الإقراض، وهي مختلفة بحكم البداهة عن نظرة المجتمعات الغربية وغيرها، فاتخاذ النظرة الغربية المادية أساسا تقاس به أحكام الشريعة الإسلامية خطأ كبير في فهم الأسس والمنطلقات.

الثاني: أن الخسارة التي يتعرض لها المقرض بإقراضه ليست محصورة في هبوط قيمة النقد وحده، بل ثمة خسارة أخرى هي أكثر احتمالا ما دام الأمر يوزن بهذا الميزان المادي الأناني وحده؛ وهي أن المقرض عندما حجز نفسه عن المال الذي أقرضه لغيره طوال المدة التي أقرضه خلالها، فإنه خسر الأرباح التي كانت بوسعه أن يجنيها من ذلك المال لو أبقاه في حوزته، وأدخله ضمن مشاريعه وأعماله التجارية، وتلك هي بالضبط حجة المرابين، بدءا من اليهود الذين هم أول من روجوا الربا في أسواق العالم إلى الذين جاءوا فتبعوهم في ذلك من بعد.

فإذا جاز - في ميزان الشرع - أخذ الفائدة الربوية بدلا من هبوط قيمة النقد، فلماذا لا يجوز أخذ هذه الفائدة ذاتها في ميزان الشرع - أيضا -، بدلا من فوات فرصة الاستفادة من المبلغ الذي تم إقراضه خلال مدة الإقراض؟

الثالث: إننا لو سلمنا بأن المقرض يتضرر من جراء إقراضه المال لمدة هبطت قيمته خلالها، وبأنه ضرر مسلم به شرعا، وبأن المسألة تخضع للقاعدة القائلة: لا ضرر ولا ضرار، والقاعدة القائلة: الضرورات تبيح المحظورات، والقائلة: الضرر يزال - لو سلمنا بذلك كله، فإن علاج ذلك لا يتم عن طريق الربا؛ ذلك لأن القاعدة الفقهية تقول أيضا: الضرر لا يزال بمثله، وإذا كان رجوع المال إلى صاحبه المقرض صادف هبوطا في قيمته عن يوم الإقراض، فعاد من جراء ذلك ضرر على المقرض، فإن معالجة هذا الضرر بفرض فائدة ربوية فيه على المقترض، يعود بضرر أبلغ على المجتمع ونظامه الاقتصادي، وسيرتد هذا الضرر أخيرا على الأفراد، ومنهم الشخص المقرض ذاته؛ ذلك لأن هبوط قيمة النقد لا يعالج باستحصال كمية نقدية زائدة، وإنما يعالج بإعادة المواءمة بينه وبين المنفعة التي تطرح في المجتمع.

إننا لو طرحنا في السوق مزيدا من العملة الورقية، كلما ازدادت قيمته هبوطا، لخلقنا بأيدينا تضخما نقديا يعود بأبلغ الضرر على المجتمع كله، ونتيجة ذلك، إن عاجلا أو آجلا، أن يعود ذلك بالخسارة والضرر على الأفراد كلهم، وفي مقدمتهم هذا الذي عالج التضخم بتضخم أشد منه وأخطر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*) مضمون الشبهة:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا
» تابع ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا
» إنكار حديث: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"(*) مضمون الشبهة:
» ربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن :
» رد الشبهة :رد على من طعن في حديث إرضاع الكبير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: