الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تابع:المحرمات في الزواج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

تابع:المحرمات في الزواج Empty
مُساهمةموضوع: تابع:المحرمات في الزواج   تابع:المحرمات في الزواج I_icon_minitimeالسبت مارس 09, 2013 7:31 pm

ثالثا) المحرمات بالرضاع:
==============
الرضاع في اللغة[4] مص الثدي لاستخراج اللبن منه، سواء أكان ثدي آدمية أو غيرها، وهو من باب تعب في لغة نجد، ومن باب ضرب في لغة تهامة، وأهل مكة يتكلمون بها، وفي لغة ثالثة من باب فتح، والمصدر منه رضاع ورضاعة، بفتح الراء، والأم مرضع ومرضعة، وقال الفراء وجماعة: إن قصد حقيقة الوصف بالإرضاع فمرضع بغير هاء، وإن قصد مجاز الوصف، بمعنى أنها محل الإرضاع، فيما كان أو سيكون فبها، وعليه قوله تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت) (الحج: من الآية2).

وفي اصطلاح الفقهاء: مص الطفل الرضيع اللبن من ثدي آدمية في مدة معينة بشروط مخصوصة.

وقد ألحق الفقهاء بالمص دخول اللبن إلى جوف الطفل بأي طريقة كان، كما اختلفوا في بعض شروط الرضاع المحرَّم، كما سوف يأتي.

وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن المحرمات بالرضاع أصناف ثمانية، هي مجموع ما يحرم بالنسب والمصاهرة، وذلك حسب التفصيل الآتي:

1- الأصول من الرضاع، فيحرم على الراضع مرضعته وهي أمه رضاعاً، وكذلك جدته (أم أمه رضاعاً وأم أبيه رضاعاً.....)، كما يحرم على الرضيعة أبوها رضاعاً (وهو زوج المرضعة الشرعي عند الإرضاع) وجدها أبو أبيها، وأبو أمها رضاعاً. ...).

2- الفروع من الرضاع، فيحرم على المرضعة من أرضعته، لأنه ابنها رضاعا،ً وكذلك فروع هذا الرضيع وإن نزلوا، كما يحرم على الرجل ابنته رضاعاً، (وهي من أرضعتها زوجته) وكذلك فروع هذا الرضيع وإن نزلوا......

3- فروع أبويه من الرضاع، وهم إخوته وأخواته رضاعاً(أولاد من أرضعته، وأولاد زوجها) وأولادهم وإن نزلوا.

4- الدرجة الأولى من فروع جديه وجدتيه رضاعاً، وهم أعمامه وأخواله وعماته وخالاته من الرضاع، أما من دونهم، فلا يحرمون بالرضاع، لأنهم لا يحرمون بالنسب.

5- أصول زوجته رضاعاً: كأمها رضاعاً، وجداتها من جهة أبيها أو أمها رضاعاً وإن علون، سواء دخل بها أو لا، كالنسب.

6- فروع زوجته رضاعاً: كبناتها وبنات أبنائها من الرضاع وفروعهم، هذا إذا دخل بزوجته، وإلا فلا يحرمن عليه، كالنسب، وهذا إذا كانت زوجته أرضعتهن قبل الزواج منه، فإن أرضعتهن وهي زوجة له، فهن فروعه فضلاً عن أنهن فروع زوجته، والحرمة بينه وبينهن قائمة في الحالتين.

7- زوجات أصوله من الرضاع، كزوجة أبيه رضاعاً، وزوجة جده رضاعاً، سواء أكان الجد من جهة الأب رضاعاً أو من جهة الأم رضاعاً،.... وسواء دخل بزوجته أم لا، كالنسب.

8- زوجات فروعه، كزوجة ابنه رضاعاً، وزوجة ابن ابنته رضاعاً، وإن نزل، سواء دخل بزوجته أو لا، كالنسب.

هذا ما ذهب إليه الجمهور، وخالف الظاهرية والجعفرية وابن تيمية وابن قيم الجوزية، وقالوا لا يثبت بالرضاع التحريم إلا في الأصناف الأربعة الأولى فقط.

الأدلــــة:
======
استدل الفقهاء للتحريم بالرضاع أصلاً، بقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23)، فقد أشار القرآن الكريم بالأم إلى القرببات على عمود النسب، وبالأخت إلى القريبات بالحواشي، وقد أوضحت وبينت السنة الشريفة ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عدة في ذلك، منها:

1- ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِن الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَب) رواه الترمذيِ.

2- ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي عَمُّكِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَقَالَ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ) رواه البخاري.

3- ما رواه قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: (قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ) رواه البخاري.

4- قوله صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رواه البخاري ومسلم.

واستدل الظاهرية ومن تبعهم على عدم التحريم بالرضاع ما يحرم بالمصاهرة بالأدلة الآتية:

1- بأن الله تعالى ذكر في آية المحرمات ثلاثة أنواع، هن: المحرمات بالنسب، ثم المحرمات بالرضاع، وقد ربط بينهما، ثم ذكر المحرمات بالمصاهرة، ولم يشر بعد للرضاعة، فقال جل شأنه: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماًً) (النساء:23) والمصاهرة لا تنصرف إلا إلى ما كان النسب سببها، ولو كانت الرضاعة تثبت مصاهرة لعقب التحريم بالمصاهرة بها أو أشار إليها بعدها[5]، ثم أن السكوت في معرض البيان بيان.

2- بأن قياسها على النسب ممتنع، لما يجري من الخلاف بين المصاهرة والنسب في أحكام كثيرة مما يجعل قياسها عليها غير سديد.

3- بأنها حكم اجتهادي اختلف فيه الصحابة، فلم يثبت فيه التحريم بدليل قوي، فكان داخلاً تحت إطلاق الآية الكريمة: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(النساء: من الآية24).

والراجح عندي مذهب الجمهور، بل هو الصحيح وحده في نظري، ذلك أن الأمر ليس قياساً للمصاهرة على النسب، ولكنه إعمال منطوق السنة، فإن السنة المتقدمة أقامت الرضاع مقام النسب بإطلاق، فكان على ذلك زوج البنت رضاعاً مثل زوج البنت نسبا بنص الحديث الشريف، فكان محرماً مثله بالنص، وليس بالقياس، وبذلك يتهاوى دليل الظاهرية ومن تبعهم إن جاز عده دليلاً، وهو في نظري شبهة بعيدة جداً لا محل لها من الاعتبار أصلاً، وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين أشار إشارات خفية إلى استساغته مثل العلامة أبي زهرة.

هذا وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري في الفقرة الأولى من المادة /35/ منه على ما يلي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إلا ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه)، وقد ذهب بعض شراح هذا القانون إلى القول تعليقاً على ذلك ما نصه: (لا مجال للرجوع لمذهب أبي حنيفة النعمان، لأن النص صريح في تحديد حرمة الرضاع بالنسب، لأن الإحالة إلى المذهب الحنفي وفق المادة /305/ تقتصر في رأينا على حالة سكوت القانون، أما حين يختار القانون أحد رأيين: رأي يقول: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ورأى آخر يقول يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة، فلا محل للرجوع للمذهب الحنفي، وإن كان الرأي الثاني أكثر شيوعاً وبه أخذت المذاهب الأربعة، إذ لا مجال لتغليب رأي الأكثرية هنا، بل الذي نراه أن القانون في مثل هذه الحالة وغيرها حيث يختار أحد رأيين فلا مجال للرجوع للمذهب الحنفي لسد نقصه، لأنه رفض الأخذ بما سكت عنه، وكثيراً ما أخذ القانون بغير المذاهب الأربعة، وعلى هذا فالذي نراه تفسيراً للنص القانوني: أن الحرمة هنا قاصرة على تحريم الرضاع بالنسب دون المصاهرة) [6].

والذي أراه أن القانون لم يرد بنصه السابق النزوع إلى قول الظاهرية ومن تبعهم، وإنما أراد الأخذ بنص الحديث الشريف الذي فهم منه الفقهاء دخول المصاهرة في منطوقة حكماً كما أشرت، وعلى هذا فلا مجال لتفسير القانون بغير تبنيه لمذهب الجمهور في أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة، ثم إن الشارح الفاضل المتقدم قد نص في كتابه نفسه فقال: (الحق أن حرمة المصاهرة بالرضاع لم يرد فيها نص في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإن الفقهاء أجمعوا على حرمتها عن طريق الإجماع)، والإجماع كما يعلم الجميع دليل قاطع لا تجوز مخالفته، فكيف يجوز تفسير القانون بما لا يجوز اللجوء إليه، هذا على الرغم من فساد التفسير أصلاً في نظري.


آ - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

ب - وتثبت حرمات المصاهرة بالرضاع.

المادة /17/ يشترط في التحريم بالرضاع أن يكون في الحولين الأولين، وأن يبلغ خمس رضعات متيقنات مشبعات.

شروط الرضاع المحرِّم:
=============
يشترط في الرضاع ليثبت به التحريم شروط عدة، بعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها بالمرضع، وبعضها باللبن، وقد اتفق الفقهاء في بعض هذه الشروط، واختلفوا في بعضها الآخر، على الوجه الآتي:

1- شروط المرضع:
===========
يشترط في المرضع ليكون لبنها محرِّماً شروط كثيرة، هي:

أ - أن تكون آدمية أنثى:

وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء من غير خلاف أعلمه، فلبن البهيمة ولبن الجنيّة لا يحرم بإجماعهم، وكذلك لبن الرجل، أما لبن الخنثى المشكل:

فقد ذهب المالكية في الظاهر من مذهبهم إلى أنه يحرم احتياطاً.

وذهب الحنبلية إلى أنه لا يحرم، لأن الأصل الحل، فلا يرتفع بالشك،

أما الشافعية فقد ذهبوا إلى التوقف فيه إلى أن يتبين أمره، فإن مات ولم يظهر حاله لم يُحَرِّم.

ب- أن تكون حيَّة:

فلو كانت ميتة ورضع منها صبي، لم يحرِّم ذلك عند الشافعية والجعفرية، ثم إنهم يشترطون الحياة المستقرة، فلو كانت حياة المذبوح، فهي ميتة في الحكم.

وذهب الجمهور من الفقهاء، إلى أن الحيّة والميتة سواء في التحريم، ما دام الرضيع قد رضع لبناً، فلو شك في أنه لبن، فكذلك احتياطاً، بخلاف ما لو شك في وجود اللبن في ثديها، فإنه يمنع التحريم، لأن الرضاع لا يسمى كذلك ما لم يعلم منه وصول اللبن إلى الجوف، والشك ينافي العلم بذلك، فينتفي الرضاع معه، وفي قول للشافعية: إن لبن الميتة يحرم أيضاً كمذهب الجمهور.

ج- أن تكون من أهل الحمل:

وذلك بأن تبلغ تسع سنين، إذ الحمل لا يتصور ممّن لم تبلغ ذلك، واللبن لا يتصور نزوله ممّن لم تبلغ سن الحمل.

وقد ذهب إلى اشتراط ذلك الحنفية والشافعية، أما المالكية فلم يشترطوا شيئاً من ذلك مطلقاً، وذهب الحنبلية في قول غير مصحّح إلى أبعد من اشتراط أهليتها للحمل، فقالوا: يشترط أن يكون اللبن ناشئاً من حمل فعلاً، فلو كانت يائسة أو عجوزاً ولم يكن لبنها ناشئاً من حمل سابق، فإن الرضاع منها لا يحرم، إلا أن الأصح عندهم أنه يحرم ولو كانت بكراً، موافقين في ذلك باقي الأئمة.

د- أن تكون ثيّباً:
========
فلو كانت بكراً لم يحرم إرضاعها عند الحنبلية، والشافعية في رواية غير مصححة، والصحيح التحريم.

وذهب الجمهور إلى أنه يحرِّم ما دام لها لبن، فإن كان شيئاً أصفر لم يحرِّم، لأنه ليس لبنا، بخلاف الثيِّب، فإنه لو كان الخارج منها ماء أصفر فإنه يحرم، لأنه لبن تغير لونه، بدليل الاستصحاب.

وذهب الجعفرية إلى أن اللبن لا يحرم ما لم يكن من نكاح صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة، فلو درّ لبن المرأة لا عن سبب، أو كان عن زنا، فإنه لا ينشر الحرمة.

شروط الرضيع:
ويشترط في الرضيع شرطان وهما:
====================
1- أن يكون حياً: وذلك لأن الميت فاقد الأهلية مطلقاً، حتى أهلية الوجوب، فلا تتعلق به الأحكام، وذلك بإجماع الفقهاء دون خلاف.

2- أن يكون في سن الرضاع:

وقد اختلف الفقهاء في تقديرها على أقوال:

فذهب الجمهور إلى أنها سنتان، وذلك لقوله تعالىSadوَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (الأحقاف: من الآية15)، فإذا أنزلنا منها ستة أشهر، هي أدنى مدة الحمل بالإجماع، بقي سنتان للرضاعة.

وذهب أبو حنيفة إلى أن التحريم يمتد إلى سنتين ونصف، وذلك لأن قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (الأحقاف: من الآية15)، يحتمل أن يكون لكلَّ من الحمل والفصال ذلك، وقد زال الاحتمال عن الحمل بقول عائشة رضي الله عنها: (لا يبقى الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل)، فبقي الرضاع على الاحتمال، ثم إن الطفل قد يحتاج للتحول عن اللبن إلى الطعام إلى ستة أشهر.

وذهب زفر إلى أن مدة الرضاع المحرِّم ثلاث سنين، فإن فترة التحول عن اللبن إلى الطعام قد تستغرق سنة، وقال الكمال بن الهمام تعليقاً على ذلك: (وذلك حسن، لأن السنة تضم الفصول الأربعة) [7].

وروي عن مالك أن التحريم يمتد إلى أن يصبح عمر الولد سنتين وشهرين، ذلك أن الشهرين قد يحتاج إليهما غالباً للتحول عن اللبن إلى الطعام، إلا أنه اشترط أن لا يكون الولد قد فصل عن اللبن بالفطام واستغنى عنه بالطعام، فإن فطم تماماً ثم رضع، فإنه لا يحرِّم ولو كان دون السنتين، فقد نصّ على ذلك في مختصر خليل فقال: (محرِّم إن حصل في الحولين أو بزيادة شهرين، إلا أن يستغني ولو فيهما)، وقد علّق عليه الدردير فقال: (استغناء بيَّناً، بحيث لا يغنيه اللبن عن الطعام لو عاد إليه، هذا هو المراد، وسواء كان الاستغناء فيهما بمدة قريبة أو بعيدة، خلافاً لمن قال ببقاء التحريم إلى تمامها) [8].

وقد روي عن بعض الفقهاء أن التحريم يمتد إلى خمس عشرة سنة، ونقل عن بعضهم إلى أربعين سنة) [9].

وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه يحرم في الصغر والكبر جميعاً، واحتجت بظاهر قوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: من الآية23) من غير فصل بين حال الصغر وحال الكبر.

وبما روي عن عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا فِي بَيْتِنَا وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ قَالَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ قَالَ فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ قَالَ فَمَا هُوَ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ فَحَدِّثْهُ عَنِّي أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ) رواه مسلم، وقد علمت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث الشريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى روي عنها أنها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنهما وبنات أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه أن يرضعنه، فدلّ عملها بالحديث الشريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير منسوخ.

لكنه يجاب عن حديث سالم بوجهين:

آ - أنه منسوخ، وأن عائشة رضي الله عنها لم تعلم بنسخه، هذا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على رجوعها، فإنه روي عنها أنها قالت: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم)، وروي أنها كانت تأمر بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق – رضي الله عنهم – أن ترضع الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالاً، على أن عملها معارض بعمل سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهنّ رضي الله عنهن كنّ لا يرين أن يدخل عليهنّ بتلك الرضاعة أحد من الرجال، والمعارض لا يكون حجة.

ب - إنه خاص بسالم، فلا يتعداه إلى غيره.

وبذلك يتحقق الإجماع على عدم التحريم بعد ثلاث سنين، على أن الجمهور يخصّون التحريم بسنتين فقط كما تقدم.

شروط اللبن:
=======
ويشترط في اللبن ليكون محرِّماً شروط عدة، هي:

أ- أن يكون مائعاً:

بحيث يصح أن يقال فيه إن الصبي قد رضعه، وهذا مذهب الحنفية، وذهب الجمهور وفيهم الشافعية والمالكية في الأظهر، والحنبلية، إلى أنه يحرِّم سائلاً كان أو غير سائل، كأن صنع منه جبن أو قشدة فأكله الطفل، فإنه يحرم، لأن المعنى هو التغذي به، وهو حاصل بهذا، كما هو حاصل باللبن السائل.

واحتج الحنفية بأن المحرِّم هو الرضاع كما ورد في النص، وأكل الجبن والقشد ليس برضاع عرفاً ولا شرعاً ولا لغة، فلا يحرِّم.

ولكنني أرى في هذا ما رآه الجمهور، لأن العبرة بالمعنى، وهو متحقق بذلك أيضا، إذ المحرم من الرضاع هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، وهو قائم في ذلك.

ب- أن لا يكون مغلوباً:

فلو خلط لبن المرأة بطعام أو شراب أو دواء، فإن كان اللبن غالباً أو مساوياً حرَّم، وإن كان مغلوباً بحيث لم يظهر شيء من صفاته، لم يحرم عند الجمهور، سواء شرب الولد المخلوط كله أو جزءاً منه فقط، لأن المغلوب في حكم المعدوم.

وذهب الشافعية في الأظهر إلى أن المخلوط يحرم ولو كان اللبن فيه مغلوباً، هذا إذا شربه كله، أو ترك جزءاً أقل من اللبن، لأنه عندئذ يعلم يقيناً وصول شيء من اللبن إلى الجوف، فإن بقي أكثر من اللبن، لم يحرم في الأصح، لعدم التيقن بوصول جزء منه إلى الجوف.

وأنا أرجح الأخذ بقول الشافعية، وذلك لأن اللبن ما دام وصل إلى الجوف سواء كان مغلوباً أو غالباً فإنه قد حصل به إنشاز العظم وإنبات اللحم، وما الفرق بين لبن خلط بماء حتى أصبح مغلوباً به، ثم أوجر به الطفل كله، وبين إيجاره اللبن ثم إتباعه بماء لو خلط به اللبن قبل الإيجار كان مغلوباً به؟ والجمهور في المسألة الثانية على التحريم، فكذلك الأولى في نظري.

وذهب الحنفية إلى أن المخلوط بجامد لا يحرم ولو كان اللبن غالباً، لأنه لا يسمى رضاعاً، وهذا قول أبي حنيفة، وذهب الصاحبان إلى التحريم به ما لم يطبخ على النار، وكذلك المخلوط بمائع مسّته النار، فهو كالمطبوخ، لا يحرم أيضاً ولو كان غالباً، فإذا خلط بمائع دون أن تمسّه النار، كأن يخلط بلبن شاة مثلاً، فإن كان غالباً أو مساوياً حرم، وإلا فلا، والغلبة تكون بظهور الصفات وخفائها، لا بالحجم والوزن، كما قد يتبادر إلى الذهن.

فإذا خلط لبن المرأة بلبن امرأة أخرى، حرم عليهما مطلقاً، سواء كان لبنهما متساوياً أو لا، هذا إذا شربه كله، فإذا ترك جزءاً منه يساوي أو يزيد على المغلوب من لبنيهما، فإنه يحرم على ذات اللبن الغالب فقط، لعدم التيقن بوصول شيء من لبن ذات اللبن المغلوب إلى جوفه، في الأصح، وذهب إلى هذا الشافعية، وكذلك الحنفية والمالكية في المفتي به عندهم، وفي قول ثان لهم: إن ذات اللبن المغلوب لا تثبت حرمتها من الرضيع مطلقاً، وهو مرجوح عندهم.

هذا ويشترط المالكية في اللبن المحرم أن يكون أبيض، سواء كانت المرضع ثيباً أو بكراً، فإن كان ماء أصفر أو أحمر، لم يحرم، لأنه ليس لبنا ولو خرج من الثدي، ولا يضر التغير البسيط، سواء في اللون أو الريح، ما دام يغلب عليه صفات اللبن.

وذهب الحنفية إلى أن المرضع إن كانت بكراً يشترط أن يكون لبنها أبيض لا أصفر أو أحمر، فإنه قيح أو دم، أما الثّيب، فإنه يعتبر لبناً، بدليل الاستصحاب، ما لم يخرج عن صفات اللبن بالكلية.

ج- أن يكون وصوله إلى الطفل يقيناً:

فلو كان مشكوكاً فيه لم يحرم لدى الجمهور، خلافاً للمالكية، فإنهم يحرمون به احتياطا، لأن الأصل عدم الوصول إلا بدليل، فلو شك في وصوله، بأن رئي وهو يمتص الثدي، وغلب على الظن أن لا لبن بالمرأة، فإنه لا يحرم، وكذلك إن كان بها لبن وتحقق من عدم وصوله إلى جوفه، فإنه لا يحرم أيضاً، ويساويه في الحكم ما لو شك في أصل الرضاع، أرضع أم لا؟ وكذلك ما لو شك في عدد الرضعات ولم يتيقن كونها خمساً أو عشراً عند من يشترط العدد.

ويستوي الحال في وصول اللبن إلى الجوف أن يكون عن طريق الفم، سواء كان بالتقام الثدي (وهو ما يسمى بالرضاع) أو عن طرق الصب في حلقه (وهو ما يسمى بالوجور) أو وصوله عن طريق الأنف (وهو ما يسمى بالسعوط)، وهذا عند جمهور الفقهاء، باستثناء الجعفرية والظاهرية، وهو رواية ثانية للحنبلية، فإنهم لا يرون التحريم إلا عن طريق التقام الثدي فقط، ولذلك لا يحرم عندهم اللبن المخلوط أو المطبوخ، سواء كان غالباً أو مغلوبا،ً إذا وصل إلى الجوف عن طريق الوجور أو السعوط.

وأما اللبن الواصل إلى الجوف عن طريق الحقنة في القُبل أو الدُبُر، أو بواسطة التقطير في الأذن أو العين، فإنه لا يحرم، لأنه لا يسمى رضاعاً، ثم إنه لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، وهذا عند الجمهور.

وذهب محمد من الحنفية إلى أن اللبن إذا وصل إلى الجوف بواسطة الحقنة الشرجية فإنه يحرم، وعلى ذلك المالكية، بشرط أن يكون ذلك غذاء في الأصح، فإن لم يكن ذلك غذاء لم يحرم.

وذهب الشافعية، إلى أن الوصول إلى الجوف أو الدماغ محرم، بشرط أن يكون الوصول من منفذ مفتوح غير الدُبُر والقُبل في الأظهر، فلو وصل من العين لم يحرم، لأنه مسام وليس منفذاً مفتوحا، أما الجروح المفتوحة على الجوف أو الدماغ، كالآمة والجائفة، فإن الوصول إلى الجوف أو الدماغ عن طريقها محرم، وكذلك التقطير في الأذن إن علم الوصول منها إلى الجوف، فإذا لم يعلم ذلك لم يحرم.

د- أن يكون خمس رضعات مشبعات:

نص على ذلك الشافعية، والحنبلية في الراجح، والظاهرية، فما دون ذلك غير محرِّم عندهم، واشترطوا أن يكون ذلك في خمسة أوقات منفصلة عرفاً.

وذهب الحنفية والمالكية، إلى أن قليل الرضاع وكثيرة في التحريم سواء، فالمصّة الواحدة تكفي لنشر الحرمة.

وذهب الجعفرية إلى أن القدر المحرم هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، أو إرضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة، بشرط أن لا يفصل بين الرضعات في الأحوال الثلاث برضاع امرأة أخرى، وأن يكون اللبن لفحل واحد، وفي قول: يثبت التحريم بعشر رضعات متوالية، وهو غير المشهور في مذهبهم.

واستدلّ الشافعية والحنبلية والظاهرية لمذهبهم، بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قَالَت: (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ) رواه مسلم، أي يتلى حكمهنّ أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه.

هذا وقد روي عن الشافعية القول بالاكتفاء بالرضعة الواحدة، كما روي عنهم القول بأن ثلاث رضعات يحرمن، لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلا الرَّضْعَتَانِ أَوْ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ) رواه مسلم وابن ماجه، فإنه يفهم منه التحريم بما زاد على الرضعتين، لكن القول الأول هو المذهب.

ولم يشترط الشافعية اتفاق صفات الرضعات، بل لو أوجر مرة، وأسعط مرة، وأرضع مرة، وأطعم مما صنع منه مرتين، ثبت التحريم، وهو مذهب الحنبلية.

وحدُّ الرضعة عند الشافعية يعلم بالعرف، لأن اللغة والشرع لم يضبطا ذلك، فيرجع فيه إلى العرف، والعرف يقضي عندهم بأن الطفل إذا قطع الرضاعة بنفسه للتحول إلى الثدي الآخر أو للهو وعاد في الحال، فإن ذلك يكون رضعة واحدة، فإذا قطع إعراضاً ثم عاد تعدد، وكذلك إذا قطعته المرضعة لشغل لها، لكنها إن عادت في الحال كان ذلك واحدة، وإن تأخرت تعدد في الأصح.

وذهب الحنبلية إلى أن الرضاع يتعدد بمجرد القطع لو كان من المرضعة لشغلها، وكذلك من الرضيع نفسه للانتقال من ثدي إلى آخر، أو للتنفس، فإنه بذلك يتعدد ولا يعد واحدة في الأصح، فالرضعة عندهم ما تواصل فيها النهل والشرب، فإن قطع لأي سبب كان تعدّد خلافاً للشافعية.

واستدل الحنفية والمالكية لمذهبهم بالآية الكريمة: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَب) رواه البخاريِ، فإن الرضاع جاء فيهما مطلقاً من التقييد، والمطلق يبقى على إطلاقه حتى يظهر دليل التقييد، ولم يثبت عندهم ما يقيد الإطلاق المذكور.

وقد صح من رواية البخاري أن رجلا تزوج امرأة، فجاءت أمة سوداء فذكرت أنها أرضعتهما، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم زوج المرأة أن يدعها دون أن يسأل عن عدد الرضعات، ولو كان التحريم منوطاً بقدر معين وعدد معين لتحري الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل أن يأمر بالمتاركة.

وقد أجابوا عن الحديث الشريف: (لا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَان) رواه مسلم، بقولهم: إن الحديث يعني أن المصّ نفسه لا يحرّم إذا لم يحصل بسببه نزول اللبن إلى جوف الطفل، وليس المقصود بالمصّة الرضعة.

أما الجعفرية فحدُّ الرضعة عندهم ما يروى به الصبي، وقد استدلوا لمذهبهم بأن الأصل عدم التحريم، وما ذكروه مجمع عليه أنه يحرم، وما قاله المخالف ليس عليه دليل، ثم بما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) رواه البخاري، يعني ما سدّ الجوعة، ثم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْم) رواه أحمد ومالك، وبقول عائشة رضي الله عنها: (كان مما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن....) فهو نص في العشر، وأما قولها: (ثم نسخن بخمس معلومات) فقولها هي، ولا خلاف في أنه لا يقبل قول الراوي أنه ينسخ كذا بكذا، إلا أن يبين ما نسخ، لينظر فيه، أهو نسخ أو لا.

الترجيـح:
=====
وإني بعد ما تقدم أرى أن المرجَّح هو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، لأنه مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين، ولأن علّة التحريم التي أجمع عليها الفقهاء هي: إنبات اللحم وإنشاز العظم الذي يجعل الرضيع بمثابة الجزء من المرضِع، ولا شك أن هذا قد يكون بمّصة واحدة، كما أنه لا يتوقف على أن تكون الرضعات خمساً أو عشراً أو خمس عشرة رضعة، فقد يتحقق إنبات الحم وإنشاز العظم برضعة واحدة.

ومعنى هذا أن شبهة البعضية الحاصلة بنشوز العظم وإنبات اللحم، وهي علّة التحريم، أمر خفي وغير منضبط، ومن المقرر عند الأصوليين أن علة الحكم إذا لم تكن ظاهرة منضبطة ربط الحكم بما هو مظنّة لتلك العلة مما هو ظاهر منضبط، وهو هنا مطلق الرضاع الصادق بمصّة واحدة، فقد يكون لها دخل في تكوين جسم الرضيع.

طرق إثبات الرضاع:
===========
يثبت الرضاع لدى الفقهاء بالإقرار وبالبيِّنة، ولكلٍّ من ذلك شروط خاصة به.

آ- الإقرار:
=====
الإقرار بالرضاع المحرم إما أن يكون قبل العقد، وإما أن يكون بعده، وهو إما أن يكون من الزوج، أو من الزوجة، أو من أبويهما، أو من المرضع، أو من غير مَن ذُكر.

فالإقرار إن كان قبل العقد، وكان من الزوج، كأن قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي، أو غير ذلك ممّن يحرم عليه مناكحتها، لم يجز له الزواج منها مطلقاً، وكل عقد له عليها باطل أو فاسد، لأن الإقرار حجة قاطعة قاصرة على النفس، وهذا بإجماع الفقهاء، وكذلك الحكم لو كان الإقرار من قبل الزوجة، للسبب نفسه، وهو قول جمهور الفقهاء، خلافاً للحنفية، ثم إن صَدَقا في إقرارهما حرم عليهما الزواج ديانة وقضاء، وإن كذبا فيه حرم قضاء لا ديانة.

وأما إذا كان الإقرار من قبل الأبوين، أو المرضع، أو غيرهم، فإنه يأخذ حكم الشهادة، وسيأتي تفصيلاً، هذا إذا لم يطمئن له قلبهما، فإن اطمأن له قلب الزوج أو الزوجة حرم تناكحهما ديانة لا قضاء، ما لم يظهر منهما ما يفيد الاطمئنان، فإن صدر ذلك صريحاً منهما، كان ذلك بمثابة الإقرار، وامتنع النكاح بينهما ديانة وقضاء كما تقدم.

و ذهب الحنفية إلى أن إقرار المرأة لا عبرة به، سواء كذَّبت نفسها بعد ذلك أو لا، فقد ذكر في الدرّ المختار قوله[10]: (وإن أقرّت المرأة بذلك ثم أكذبت نفسها وقالت أخطأت وتزوّجها جاز، كما لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها، وإن أصرّت عليه، لأن الحرمة ليست إليها، وقالوا: وبه يفتى في جميع الوجوه)، وعلّق ابن عابدين على ذلك بقوله: (قوله في جميع الوجوه، أي سواء أقرت قبل العقد أولاً، وسواء أصرّت عليه أولا، بخلاف الرجل، فإن إصراره مثبت للحرمة كما علمت).

واستدل الحنفية لعدم اعتبار إقرارها بالحرمة قبل النكاح، بأن الحرمة ليست لها، أي إن الشَّارع لم يجعلها لها، فلم يعتبر إقرارها بها، وأما إقرارها بعد النكاح، فلاتهامها بالتخلّص من الزواج، لأنها لا سبيل لها إلى الطلاق، بخلاف الزوج، فإنه يملك التخلّص منها بالطلاق، فلا تهمة.

هذا ويفهم مما في البحر عن الخانية: أن إصرارها قبل العقد مانع من تزوجها به، ونحوه في الذخيرة، لكن المذهب على خلافه.

فإذا رجع المقرّ عن إقراره، وقال: وهمت، هل يصدق في رجوعه هذا؟

ذهب الحنفية إلى أنه يصدق في رجوعه، ما لم يؤكد إقراره بقوله هو صحيح، أو حق، أو يُشهد على ذلك، أو يجدده بعد العقد، فإن أكده الرجل بما ذكر وأمثاله، لم يصح رجوعه، ولم يقبل منه ذلك، وإنما صحّ رجوعه عن الإقرار قبل التأكيد، لأن الرضاع مما يثبت بالسماع، وذلك مما يشتبه على الكثيرين، فقد يكون المقرّ سمعه من إنسان ثم سمع من غيره ما يخالفه واطمأن إلى كذب الأول، بخلافه بعد التأكيد، فإن التأكيد يفيد القطع والاستقصاء.

هذا إذا كان المقرّ هو الرجل، أما المرأة، فلا عبرة بإقرارها من الأصل كما تقدم.

وقد نصّ على ذلك صاحب الدرّ المختار بقوله: (لو قال لزوجته هذه رضيعتي، ثم رجع عن قوله صدق، لأن الرضاع مما يخفى، فلا يمنع التناقض فيه، ولو ثبت عليه بأن قال بعده: هو حق كما قلت ونحوه، هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها.

وذهب الشافعية والحنبلية إلى عدم جواز الرجوع عن الإقرار، فقد ذكر في مغني المحتاج، فقال: ولو رجع المقرّ لم يقبل رجوعه، إذ إن التحريم يثبت بالإقرار، فلا يرتفع بالرجوع عنه، لتعلّق حق الغير به، كما في الإقرار بالمال.

هذا إذا كان الإقرار قبل العقد، فإن كان بعده وكان من الزوج، فإنه يقبل، كما في الإقرار قبل العقد، وإذا ثبت الرضاع انفسخ العقد عند الشافعية والحنبلية، واستوجب الفسخ عند المالكية والحنفية لفساده.

وإن كان من الزوجة، فإنه ينظر: إن صدقها الزوج، فإنه يثبت الرضاع ويفسد وينفسخ النكاح، أو يستحق الفسخ (حسب الخلاف المتقدم) فإن كذّبها فالعقد صحيح، وذلك لاتهامها بالتخلّص من الزوجية، وليس لها طريق إلا هذا، بخلاف الزوج، فإنه لا تهمة في جانبه لتمكنه من التخلّص من الزوجية بالطلاق، بخلافها، وذلك عند الجمهور.

وعند الشافعية في ذلك روايتان:
==================
الأولى أنه لا يقبل قولها إذا كذّبها الزوج وقد زوِّجت منه برضاها، فإن لم يكن برضاها صدقت بيمينها، ويعللون ذلك بأن ما تدّعيه محتمل إذ ذاك ولم يسبق منها ما ينقضه، فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح، ويفسرون الرضا هنا بأن لا يكون زوّجها وليّ مجبر لجنون أو بكارة، أو أذنت مطلقاً ولم تعين الزوج، هذا إذا لم تمكّنه من نفسها مختارة، فإن مكّنته مختارة اعتبر ذلك رضاً منها في جميع الأحوال.

والرواية والثانية أنه يصدق الزوج بيمينه في إنكار ما أقرّت به، لاستدامة النكاح الجاري على الصحة ظاهراً.

هذا ويشترط في صحة الإقرار لدى الجميع أن يكون ممكناً، وذلك بأن لا يكذبه الظاهر، فلو قال فلانة بنتي من الرضاعة وهي أكبر منه، لم يقبل منه ذلك لاستحالته. والإقرار معه لغو.

والإقرار لا يثبت لدى القاضي إلا بشهادة رجلين عند الشافعية إذا أنكره المقرّ.

وذهب الحنفية والحنبلية إلى أنه يكفي في إثباته ما يكفي في إثبات سائر الأموال، من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، أما المالكية فذهبوا إلى ثبوت الإقرار بكل ما يثبت به الرضاع من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فقط.

2- البيّنــة:
====\\\
البيّنة المعتبرة في إثبات الحقوق في الشريعة الإسلامية هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وذلك لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة: من الآية282)، والبينة حجة قاطعة متعدية.

واختلف الفقهاء في قبول الشاهد واليمين على المذاهب، كما أنهم اختلفوا في بعض الدعاوى الخاصة في قبول شهادة النساء وحدهنّ، أو شهادتهّن مع الرجال، أو عدم قبول شهادتهنّ مطلقاً فيها.

ففي الدعاوى الجنائية كادوا يتفقون على عدم قبول شهادة النساء، سواء وحدهنّ أو مع الرجل، فلا يقبل في الحدود والقصاص إلا شهادة رجلين فقط، وفي حدّ الزنا خاصة أربعة رجال.

أما في استهلال الصبي وثبوت البكارة والحيض والعيب في المرأة وما إلى ذلك، فقد اختلفوا في حجيّة شهادة المرأة وحدها، فمنهم من اكتفى بذلك، لأن هذه الأمور لا يطّلع عليها الرجال غالباً، فتعذر إثباتها بغير النساء، وذهب آخرون إلى اشتراط الرجال مع النساء طبقاً للآية السابقة، من عدم التفريق بين دعوى ودعوى.

ثم إن الذين قالوا بصحة قول المرأة وشهادتها في هذه الأمور، اختلفوا في عدد النساء اللواتي يثبت بشهادتهنّ الحق فيها.

فذهب جماعة إلى اشتراط أربع نسوة، وذهب آخرون إلى اشتراط امرأتين فقط، كما ذهب البعض على الاكتفاء بشهادة امرأة واحدة.

ثم إن منهم من اشترط العدالة، ومنهم من لم يشترطها.

والآن ونحن نبحث في الرضاع وطرق إثباته، علينا أن نحدد نوع البيّنة التي بها يثبت الرضاع وشروطها.

فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:

ذهب الحنفية إلى اشتراط الشهادة الكاملة التي نصّت عليها الآية الكريمة، وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، لأن الأصل في الشهادة أن تكون كذلك، ولا صارف عن الأصل، سواء كانت الشهادة قبل العقد أو بعده، وسواء أكانت برضاع قديم أو برضاع طارئ على العقد.

وفي قول عند الحنفية: إذا شهد به عدل واحد قبل العقد لا يجوز النكاح، وإن بعده وهما كبيران فالأحوط التنزه، ويعللون لذلك بأن الشك في الأول وقع في الجواز، وفي الثاني وقع في البطلان، والدفع أهون من الرفع[11]، ولكن المذهب على القول الأول.

وذهب المالكية[12] إلى أنه يثبت برجلين عدلين، ولو لم يفش منهما ذلك قبل العقد، فإن لم يكونا عدلين اشترط الفشو، والرجل مع المرأتين كالرجلين، ويثبت كذلك بشهادة رجل وامرأة، وبشهادة امرأتين فقط إن فشا منهم ذلك في الصورتين الأخيرتين قبل العقد، لا إن لم يفش ذلك منهما قبله، فإنه لا يثبت.

وهنا هل تشترط عدالة الرجل والمرأة أو المرأتين مع الفشو؟ في المذهب روايتان، والأظهر عدم اشتراط ذلك، هذا إذا كانت البينّة بعد العقد، فإن كانت قبله، فإنه يقبل فيها قول أبوي الزوجين الصغيرين دون فشو أو عدالة، وكذلك والد أحدهما فقط دون والدته، بخلاف الزوجين الكبيرين، فإنه لا عبرة بقول أبويهما ما لم يبلغا حدّ الشهادة المعتبرة بشروطها.

وإذا قال والد أحد الزوجين الصغيرين: رضع ابني مع فلانة، أو بنتي مع فلان، ثم رجع وأراد النكاح بعد ذلك، لا يقبل منه بعد ذلك الرجوع، فإن حصل العقد بالفعل فسخ، بخلاف قول أم أحدهما: (أرضعته أو أرضعتها مع ابني) مثلاً، واستمرت على إقرارها أو رجعت عنه، فالتنزه مستحب لا واجب، وليست كالأب ولو كانت وصية، لكن المعتمد في المذهب أنه إن فشا منها ذلك قبل إرادة النكاح وجب التنزه وقُبل قولها[13].

وأما الشافعية، فقد اشترطوا في البينّة أن تكون بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما ثبت أيضاً بشهادة أربع نسوة.

وأما ثبوتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فهو جريٌ على قواعد الإثبات العامة بالبينّة، طبقاً للآية الكريمة السابقة، وأما ثبوتها بأربع نسوة دون أن يكون معهّن رجل، فذلك لأن الرضاع مما لا يطّلع عليه الرجال عادة، لحرمة النظر إلى الثدي، فاكتفى فيه بشهادة النساء فقط للضرورة، وإنما اشترطوا أن يكون أربع نسوة، لأن كل امرأتين بمثابة رجل في الشهادة، فكنّ بذلك أربع نسوة بمثابة رجلين، وهو حدّ الشهادة.

وعلى هذا القول عطاء وقتادة[14].

هذا إذا كان الرضاع بالمصّ من الثدي، فإن كان بالسعوط أو الوجور، لم يكتف فيه بالنساء المتمحضات فقط، ولو كنّ مئة امرأة، لإمكان إطلاع الرجال عليه عادة، حيث لا حرمة في ذلك، فلا ضرورة إلى الاكتفاء بالنساء المتمحضات، ولكن تقبل شهادتهنّ في أن لبن الإناء الذي أوجر به الصبي هو لبن فلانة، لأن الرجال لا يّطلعون على الحلب غالباً[15].

وأما الشهادة على الإقرار بالرضاع، فشرطها رجلان فقط، لاطلاع الرجال عليه غالباً، ولا يقبل غير ذلك فيها، وتقدم ذلك في الإقرار بالرضاع.

وذهب الحنبلية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة امرأة واحدة إذا كانت مَرضِيّة، وبهذا قال طاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذؤيب وسعيد بن عبد العزيز.

وعن أحمد بن حنبل رواية أخرى تنصُّ على عدم قبول شهادة ما دون امرأتين، وهو قول الحكم، وذلك لأن الرجال أكمل من النساء، ولا يقبل في شهادتهم إلا رجلان، فالنساء أولى.

وهناك رواية ثالثة عن أحمد بن حنبل، أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة، وتستحلف مع شهادتها، وهو قول ابن عباس وإسحاق.

ومما يستدل به لقول أحمد في قبول شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مرضية، هو أن الرضاع لا يطّلع عليه غالباً الرجال، لحرمة النظر إلى الثدي، فاكتفي بشهادة النساء وحدهنّ ضرورة، ثم إن الضرورة تقضي بقبول شهادة المرأة الواحدة، لأن الرضاع يكون في انعزال عن الناس غالباً، فإن الكثيرات يأبين الإرضاع أمام غيرهنّ ولو من النساء، لكثرة حيائهنّ، مما قد يتعذر معه إشهاد أكثر من واحدة، فاكتفي بالواحدة ضرورة.

هذا في الشهادة على الرضاع، أما الشهادة على الإقرار، فلا يكتفى فيها بغير رجلين، أو رجل وامرأتين، لأنه مما يطلّع عليه الرجال عادة، فلم تقبل فيه شهادة النساء المتمحضات، اعتباراً بإثبات النكاح[16].

الترجيــح:
======
بعد استعراض ما تقدم من الآراء والمذاهب، أرى أن ما ذهب إليه الحنفية من قولهم بعدم الاكتفاء بأقل من رجل وامرأتين، سواء في إثبات الرضاع أو إثبات الإقرار به من أحدهما أوجه دليلاً، ذلك أنه حدّ الشهادة التي نصّت عليها الآية الكريمة، ولا دليل يصرف عنها إلى غيرها، كما أنه لا ضرورة للاكتفاء بشهادة النساء وحدهنّ، سواء كنّ واحدة أو أكثر، وذلك لأن المحارم ينظرون عادة إلى الثدي من محارهم وقت الإرضاع، وهو غير محرم عليهم ما لم يكن بشهوة، والشهوة منتفية غالباً هنا، فلا ضرورة إلى الاكتفاء بالنساء فقط، إذ هو عدول عن النص، ولا يلجأ إليه إلا بدليل أو ضرورة، ولم يتوفر شيء من ذلك، ثم لأن غالبية النساء قد جرت عادتهنّ على التسامح في الكذب في هذه المواطن، تحقيقا للمصلحة في زعمهن، فكان الاقتصار عليهنّ في الشهادة هنا طريقاً لتغيير الحق.


والآن: هل تقبل شهادة المرضعة نفسها إذا توفرت لها شروط الشهادة الأخرى، بحيث يثبت الرضاع لو شهدت المرضعة مع امرأة أخرى ورجل، أو شهدت مع ثلاث نساء أخريات، أو شهدت وحدها وكانت مرضية، أو شهد معها امرأة أخرى فقط وكان قد فشا منهما ذلك قبل العقد - حسب اختلاف الفقهاء في حدّ الشهادة-؟

نص الشافعية على أنها تقبل شهادتها إذا لم تطلب أجرة الرضاع، فإن طلبت أجرة الرضاع لم تقبل للتهمة، وكذلك إذا ذكرت فعل نفسها، فقالت: أرضعتها، فإنها لا تقبل في قول، كما لو شهدت بولادتها، والأصح قبولها، لأنها لا تجلب لها نفعا، ولا تدفع ضررا، إذ ثبوت المحرمية بها، وجواز الخلوة، والمسافرة، لا نظر له، فلا ترد بمثله الشهادة[17].

وذهب الحنفية إلى أن المرضعة كغيرها، إذا استكمل معها وبها نصاب الشهادة قبلت، أشار إلى ذلك ابن عابدين نقلاً عن الفتاوى الهندية، فقال ما نصه: (قوله وعدلتين، أي ولو إحداهما المرضعة، ولا يضرّ كون شهادتها على فعل نفسها، لأنه لا تهمة في ذلك، كشهادة القاسم والوزان والكيال على رب الدّين، حيث كان حاضراً، بحر، قلت: وفي شرح الوهبانية عن النتف من أنه لا تقبل شهادة المرضعة عند أبي حنيفة وأصحابه، فالظاهر أن المراد إذا كانت وحدها، احترازاً عن قول مالك، وإن أوهم نظم الوهابية خلاف ذلك فتأمل) [18].

أما الحنبلية فيستوي عندهم كون الشاهدة هي مرضعة أو غيرها، ما دامت مرضيَّة، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه من أنه قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلاً وأهله: إن كانت مرضيَّة استحلفت وفارق امرأته، وقال إن كانت كاذبة لم يحلّ الحول حتى يبيض ثدياها. يعني يصيبها فيهما برص عقوبة على كذبها، وقد علّق ابن قدامة على ذلك فقال: (هذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدي إليه رأي، فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفا) [19].

ثم أيشترط في الشهادة التفصيل وبيان كيفية الإرضاع وعدد الرضعات وسن الرضيع؟ أم يكفي مطلق الرضاع فقط دون ذكر لذلك؟

ذهب الشافعية والحنبلية[20] إلى وجوب البيان والتفصيل، فقد نصّ في المنهاج فقال: (والأصح لا يكفي < بينهما رضاع محرم > بل يجب ذكر وقت وعدد ووصول اللبن إلى جوفه، ويعرف ذلك بمشاهدة حلب وإيجار وازدراد، أو قرائن، كالتقام الثدي، ومصِّه، وحركة حلقه بتجرع وازدراد بعد علمه بأنها لبون) [21].

وفي قول آخر غير الأصح عند الشافعية: يكفي أن يقول الشاهد: (بينهما رضاع محرم).

ونصّ الحنبلية على أنه إذا شهد فقال: أشهد أن هذه أرضعت هذا، فالظاهر أنه يكفي في ثبوت أصل الرضاع، لأن المرأة التي قالت قد أرضعتكما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بقولها، هذا ولم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم منها بياناً[22].

والآن أيعتبر النكول حجة في إثبات الرضاع، بأن ادَّعت المرأة الرضاع المحرِّم بعد العقد فأنكره الزوج، فوجهت إليه اليمين فنكل، أو يقضى بنكوله في إثبات الرضاع؟

ذهب الشافعية[23] إلى القضاء بالنكول هنا، لأن النكول إقرار عندهم، والإقرار حجة يثبت بها الرضاع.

وذهب الحنفية[24] إلى أنه إذا قامت بينّة ناقصة على الرضاع، والزوج منكر له، جاز للزوجة أن توجه اليمين عليه، فإن نكل قضى بفسخ النكاح، بناءً على نكوله، وهو واضح على مذهب الصاحبين الذين يريان النكول إقرارا، وكذلك على مذهب الإمام أبي حنيفة الذي يراه بذلاً، لأن ذلك مما يجري فيه البذل أيضاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
تابع:المحرمات في الزواج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع:المحرمات في الزواج--المحرمات على التوقيت:
» المحرمات في الزواج
» تابع تابع -3- موضوع: تابع ]الفقه الاسلامى/فقه الجنيايات فى الاسلام2 حد القذف
» [حكم الزواج بعد علاقة محرمة دون الزنا
» تابع -3- موضوع: تابع ]الفقه الاسلامى/المسقاة وجزء من الشهادة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: