الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تابع الأداب الشرعية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

تابع الأداب الشرعية Empty
مُساهمةموضوع: تابع الأداب الشرعية   تابع الأداب الشرعية I_icon_minitimeالإثنين فبراير 25, 2013 6:16 pm

[[center][color=black]size=24]تابع الأداب الشرعية
=============
أقرأ عليه جزءا وقد وضع رأسه بين ركبتيه فرفع رأسه وقال : كأني بهم إذا مت يقولون : مات البغوي ولا يقولون : مات جبل العلم ، ثم وضع رأسه بين ركبتيه واستند فلما فرغت من قراءة الجزء قلت : كم قرأت عليك ؟ فلم يجبني فحركته فإذا به قد مات رحمه الله .

(4/162)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل في المفاضلة بين العزلة والمخالطة واختلف الناس في الأفضل من الخلطة والعزلة على مذهبين وعن الإمام أحمد رحمه الله عنه في ذلك روايتان : قال : في رواية أبي الصقر وقد سأله عنها إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزلها الرجل حيث شاء فأما ما لم يكن فتنة ، فالأمصار خير .
قال أحمد : ثنا حجاج ثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال الأعمش : هو ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم } كلهم ثقات رواه الترمذي عن ابن المثنى عن ابن أبي عدي عن شعبة وقال : قال ابن أبي عدي : كان شعبة يرى أنه ابن عمر .
وقال الحسن بن محمد بن الحارث : قلت : لأبي عبد الله : التخلي أعجب إليك ؟ فقال التخلي على علم وقال : يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم } ثم قال أبو عبد الله : رواية شعبة عن الأعمش ثم قال : { من يصبر على أذاهم } .
وقال إسحاق بن إبراهيم : في الأدب من مسائله عن أحمد قال : قال أبو سنان : { وجاءه رجلان فقال : تفرقا فإنكما إذا كنتما جميعا تحدثتما ، وإذا كنتما وحدانا ذكرتما الله تعالى } قال أبو عبد الله : رواه وكيع عن أبي سنان .
قال القاضي أبو الحسين : إنه نقل من الجزء الثالث من الأدب تأليف المروذي قال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : كفى بالعزلة علما ، وإنما الفقيه

(4/163)


--------------------------------------------------------------------------------

الذي يخشى الله .
وهي اختيار أبي عبد الله بن بطة .
وقال أبو الفرج بن الجوزي : وقد كان أكثر السلف يؤثرون العزلة على الخلطة وقال أيضا : إن من قدر على نفع الناس بماله أو بدنه لقضاء حوائجهم مع القيام بحدود الشرع إنه أفضل من العزلة إن كان لا يشتغل في عزلته إلا بنوافل الصلاة والأعمال البدنية ، وإن كان ممن انفتح له طريق عمل بالقلب بدوام ذكر أو فكر فذلك الذي لا يعدل به ألبتة .
وقال أيضا : ليس في الدنيا أطيب من تنزه العالم بالعلم فهو أنيسه وجليسه ، وقد قنع بما يسلم به دينه من المباحات الحاصلة لا عن تكلف ولا عن تضييع دين ، وارتدى بالعزلة عن الذل للدنيا وأهلها ، والتحف بالقناعة باليسير إذا لم يقدر على الكثير فيسلم دينه ودنياه ، واشتغاله بالعلم يدله على الفضائل ويفرجه في البساتين ، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة ، ولكن لا يصح هذا إلا للعالم ، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط .
وقال أيضا : فإذا عرفت فوائد العزلة وغوائلها تحققت أن الحكم عليها مطلقا خطأ ، بل ينبغي أن ينظر إلى الشخص وحاله وإلى الخلط وحاله وإلى الباعث على مخالطته وإلى الفائت بسبب مخالطته من الفوائد ، ويقاس الفائت بالحاصل فعند ذلك يتبين الحق فقد قال الشافعي رضي الله عنه : الانقباض عن الناس مكسبة العداوة ، والانبساط لهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين القبض والبسط ، ومن ذكر سوى هذا فهو قاصر ، وإنما هو إخبار عن حاله فلا يجوز أن

(4/164)


--------------------------------------------------------------------------------

يحكم بها على غيره المخالف له في الحال انتهى كلامه .
وقال أبو زكريا النواوي رحمه الله مذهب الشافعي وأكثر العلماء على أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ، وقطع به في موضع آخر عن الإمام أحمد ، وقد صنف الخطابي رحمه الله كتابا في العزلة ، وفيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه قال : الخطابي يريد خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك ، وليس هذا من باب النفاق ، ولكنه من باب المداراة وقد قال : صلى الله عليه وسلم { مداراة الناس صدقة } وعن الحسن قال كانوا يقولون : المداراة نصف العقل ، وأنا أقول : هي العقل كله .
وعن محمد بن الحنفية قال : ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله فرجا أو قال مخرجا وأنشد المتنبي : ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد والخبر المرفوع الذي ذكره الخطابي سبق وما يتعلق به في أوائل الكتاب قبل فصول التوبة ورواه ابن حبان في صحيحه عن جماعة عن المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا فذكره ، وهو حديث حسن وقال ابن حبان : والمدراة التي تكون صدقة المداري .
هو تخلق الإنسان بالأشياء المستحسنة مع من يدفع إلى عشرته ما لم يشبها معصية الله .
والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة ، وقد يشوبه ما يكره الله تعالى .
وقال أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ في آخر جزء

(4/165)


--------------------------------------------------------------------------------

جمعه في فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم : ثنا يحيى بن صاعد ثنا محمد بن أحمد بن يزيد المدني ثنا هارون بن يحيى الحاطبي ثنا عثمان بن عثمان بن خالد بن الزبير عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال : { التودد نصف الدين } هارون بن يحيى وعثمان لم أجد لهما ترجمة ، وذكر ابن عبد البر قول رسول الله : صلى الله عليه وسلم { مداراة الناس صدقة } وقوله : عليه السلام { أمرني ربي بمداراة الناس ونهاني عن مداجاتهم } .
وقوله : عليه السلام { رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس } قال عمر : رضي الله عنه إن مما يصفي لك ود أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه وأن توسع له في المجلس قال بعض الحكماء : رأس المداراة ترك المماراة ، وفي الحديث المرفوع { إذا أحب الله عبده ألقى عليه محبة الناس } .
أخذه الشاعر : وإذا أحب الله يوما عبده ألقى عليه محبة في الناس وذكر ابن عبد البر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا أنبئكم بشراركم قالوا : بلى يا رسول الله قال : من لا يقبل عثرة ، ولا يقبل معذرة ، ألا أنبئكم بشر من ذلكم قالوا : بلى يا رسول الله قال : من يبغض الناس ويبغضونه } .
وروي أن داود عليه السلام جلس كئيبا خاليا فأوحى الله إليه يا داود ما لي أراك خاليا قال : هجرت الناس فيك قال : أفلا أدلك على شيء تبلغ به رضائي ؟ خالق الناس بأخلاقهم واحتجر الإيمان فيما بيني وبينك قال أكثم بن صيفي : من شدد نفر ،

(4/166)


--------------------------------------------------------------------------------

ومن تراخى تألف ، والسرور في التغافل قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شرط الصحبة إقالة العثرة ، ومسامحة العشرة ، والمواساة في العسرة قيل للعتابي : إنك تلقى الناس كلهم بالبشر قال : دفع ضغينة بأيسر مؤنة ، واكتساب إخوان بأيسر مبذول قال محمود الوراق : أخو البشر محمود على كل حالة ولم يعدم البغضاء من كان عابسا ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أر مثل الجود للعرض حارسا وقال آخر : وكم من أخ لا تحتمل منه علة قطعت ولم يمكنك منه بديل ومن لم يرد إلا خليلا مهذبا فليس له في العالمين خليل وقال آخر : وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت راجع هذا مأخوذ من الحديث وروي مرفوعا وموقوفا وهو في الترمذي { أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما } قال أبو العتاهية : قل لمن يعجب من حسن رجوعي ومقالي رب صد بعد ود وهوى بعد تقالي قد رأينا ذا كثيرا جاريا بين الرجال قالوا : لا خير في الناس ولا بد من الناس ، وسبق ما يتعلق بهذا بعد فصول الأمر بالمعروف فيما للمسلم على المسلم وفي أوائل الكتاب بعد فصول التوبة ويأتي أيضا في آخر الكتاب ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { وسئل أي الناس خير قال رجل يجاهد في سبيل الله ، ثم مؤمن في شعب من الشعاب يتقي ربه ويدع الناس من شره } .
وقال عمر رضي الله عنه : الطمع فقر

(4/167)


--------------------------------------------------------------------------------

واليأس غنى ، والعزلة راحة من جليس السوء ، وقرين الصدق خير من الوحدة .
وقال أبو الدرداء : رضي الله عنه نعم صومعة الرجل بيته يصون دينه وعرضه ، وإياكم والأسواق فإنها تلغي وتلهي وقال مكحول إن كان في الجماعة فضل فإن في العزلة سلامة وقال عمر رضي الله عنه خالطوا الناس في معايشكم وزائلوهم بأعمالكم .
وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه وهم اليوم شوك لا ورق فيه ، يقال : إن في الإنجيل فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام كن وسطا وامش جانبا وقال بعضهم : يا حبذا الوحدة من أنيس إذا خشيت من أذى الجليس وقال سفيان : ما وجدت من يغفر لي ذنبا ولا يستر علي زلة فرأيت في الهرب من الناس سلامة .
وقيل : للفضيل بن عياض دلني على رجل أجلس إليه قال : تلك ضالة لا توجد وقال بعضهم : لا تعرفن أحدا فلست بواجد أحدا أضر عليك ممن تعرف أما نظيرك فهو حاسد نعمة أو دون ذاك فذو سؤال ملحف أو فوق ذلك حال دون لقائه بواب سوء واليفاع المشرف وللشافعي أو لمنصور الفقيه .
وقيل : إنه تمثيل به : ليت السباع لنا كانت مجاورة وليتنا لا نرى ممن نرى أحدا إن السباع لتهدا في مرابضها والناس ليس بهاد شرهم أبدا فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها تعش سليما إذا ما كنت منفردا وقال أبو العتاهية : يا رب إن الناس لا ينصفونني وإن أنا لم أنصفهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه وإن جئت أبغي شيئهم منعوني وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وإن طرقتني نكبة

(4/168)


--------------------------------------------------------------------------------

فكهوا بها وإن صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي أن يحن إليهم وأحجب عنهم ناظري وجفوني وقال آخر : قد كنت عبدا والهوى مالكي فصرت حرا والهوى خادمي وصرت بالوحدة مستأنسا من شر أولاد بني آدم ما في اختلاطي بهم خير ولا ذو الجهل بالأشياء كالعالم يا عاذلي في تركهم جاهلا عذري منقوشا على خاتمي وكان على خاتمه منقوش { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } وذكر ابن عبد البر : وأنشد الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي راوي البخاري يتوشح لنفسه : كان في الاجتماع للناس نور فمضى النور وادلهم الظلام فسد الناس والزمان جميعا فعلى الناس والزمان السلام وقال ابن عقيل في الفنون بعد أن ذكر قوله تعالى : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } قال : وكان ذلك ممتنعا من جهة الخلقة والصورة ، وعدما من جهة المنطق والمعرفة ، فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق ، وإذا كان كذلك فاعلم أنك إنما تعاشر البهائم فخذ حذرك قال : ولذلك رأى الحكماء أن السلامة من آفات السباع الضارية أمكن من السلامة من شر الناس انتهى كلامه وقد قيل : لقاء الناس ليس يفيد شيئا سوى الهذيان من قيل وقال فأقلل من لقاء الناس إلا لكسب معيشة وصلاح حال وقيل أيضا : والله لو كانت الدنيا بأجمعها تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف وهي متاع يستحيل غدا .

(4/169)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( في العناية بحفظ الزمان واتقاء إضاعته فيما لا فائدة فيه من الزيارات وغيرها ) .
قال ابن الجوزي رحمه الله رأيت العادات قد غلبت على الناس في تضييع الزمان فهم يتزاورون فلا ينفكون عن كلام لا ينفع وغيبة ، وأقله ضياع الزمان ، وقد كان القدماء يحذرون من ذلك قال الفضيل : أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة ودخلوا على رجل من السلف فقالوا لعلنا شغلناك فقال : أصدقكم كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم ، وجاء عابد إلى سري السقطي فرأى عنده جماعة فقال صرت مناخ البطالين ، ثم مضى ولم يجلس ، ومتى لان المزور طمع فيه الزائر فأطال الجلوس فلم يسلم من أذى .
وقد كان جماعة قد قعدوا عند معروف وأطالوا فقال : إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها فمتى تريدون القيام ؟ وممن كان يحفظ اللحظات عامر بن عبد الله القيسي قال له رجل : أكلمك فقال أمسك الشمس وكان داود الطائي يستف الفتيت ويقول بين سف الفتيت وأكل الخبز : قراءة خمسين آية .
وأوصى بعض السلف أصحابه فقال : إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ، ومتى اجتمعتم تحدثتم .
واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة فكم يضيع للآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ، وهذه الأيام مثل المزرعة ، وكأنه قد قيل : للإنسان كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألفا ، هل ترى يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى ؟ والذي يعين على اغتنام الزمان الانفراد والعزلة مهما أمكن والاختصار على السلام أو حاجة

(4/170)


--------------------------------------------------------------------------------

مهمة لمن يلقى ، وقلة الأكل فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل ، ومن نظر في سير السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته .

(4/171)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( التفقه بالتوسع في المعارف قبل طلب السيادة والمناصب ) .
عن عمر قال : تفقهوا قبل أن تسودوا قال الخطابي : يريد من لم يخدم العلم في صغره استحيا أن يخدمه بعد كبر السن وإدراك السؤدد قال : وبلغني عن سفيان الثوري قال : من ترأس في حداثته كان أدنى عقوبته أن يفوته حظ كبير من العلم .
وعن أبي حنيفة قال : من طلب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي .
وقيل : للمبرد لم صار أبو العباس يعني ثعلب أحفظ منك للغريب والشعر ؟ قال : لأني ترأست وأنا حدث ، وترأس وهو شيخ .
وسبق ذلك في الفصول المتعلقة بالعلم بالقرب من ثلث الكتاب ذكرته هنا لأجل العزلة والترؤس بها .

(4/172)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( انقباض العلماء المتقين من إتيان الأمراء والسلاطين ) .
كان الإمام أحمد رحمه الله لا يأتي الخلفاء ولا الولاة والأمراء ويمتنع من الكتابة إليهم ، وينهى أصحابه عن ذلك مطلقا نقله عنه جماعة ، وكلامه فيه مشهور وقال مهنا : سألت أحمد عن إبراهيم بن الهروي فقال : رجل وسخ ، فقلت ما قولك إنه وسخ قال : من يتبع الولاة والقضاة فهو وسخ وكان هذا رأي جماعة من السلف ، وكلامه في ذلك مشهور منهم سويد بن غفلة وطاوس والنخعي وأبو حازم الأعرج والثوري والفضيل بن عياض وابن المبارك وداود الطائي وعبد الله بن إدريس وبشر بن الحارث الحافي وغيرهم .
وقد سبق قوله عليه الصلاة والسلام { من أتى أبواب السلطان افتتن } ، وهو محمول على من أتاه لطلب الدنيا ، لا سيما إن كان ظالما جائرا ، أو على من اعتاد ذلك ولزمه فإنه يخاف عليه الافتتان والعجب بدليل قوله في اللفظ الآخر { ومن لزم السلطان افتتن } .
وخالفهم في ذلك جماعة من السلف منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى والزهري والأوزاعي وغيرهم .
ومن العجب أن أبا جعفر العقيلي ذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى في كتابه في الضعفاء ولم يذكر فيه إلا قول إبراهيم النخعي كان صاحب أمراء ، وعن أحمد أيضا معنى قول هؤلاء .
وروى الخلال عنه أنه سئل عن الأخبار التي جاءت في أبواب هؤلاء السلاطين إذا كان للرجل مظلمة فلم ير أن هذا داخل في ذلك إذا كان مظلوما فذكر له تعظيمهم فكأنه هاب ذلك .
وقد قال في رواية أبي طالب وسأله عن رجل من

(4/173)


--------------------------------------------------------------------------------

أهل السنة يسلم على السلطان ويقضي حوائجه : يسلم عليه قال : نعم لعله يخافه ، يداريه وقال محمد بن أبي حرب : سألت أبا عبد الله عن الرسل من أهل السنة يأتيه السلطان وصاحب البريد قال : يمكنه معاندة السلطان قلت : ربما بعثه إليه في الحاجة من الخراج أو في رجل في السجن قال : هذا يكون مظلوما فيفرج عنه .
وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : سمعت أبا يوسف القاضي يقول : خمسة تجب على الناس مداراتهم الملك المسلط والقاضي المتأول والمريض والمرأة والعالم ليقتبس من علمه .
فاستحسنت ذلك .
وقال أبو الفرج بن الجوزي : ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين عن السلاطين ، محترزين عن مخالطتهم قال حذيفة : رضي الله عنه إياكم ومواقف الفتن قيل : وما هي ؟ قال : أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول : ما ليس فيه .
وقال سعيد بن المسيب : إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحذروا منه فإنه لص وقال بعض السلف : إنك لن تصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينك أفضل منه ، انتهى كلامه .
وهذا على سبيل الورع وقد سبق عن بعضهم فعل ذلك .
والظاهر كراهته إن خيف منه الوقوع في محظور ، وعدمها إن أمن ذلك فإن عري عن المفسدة واقترنت به مصلحة من تخويفه لهم ووعظه إياهم وقضاء حاجته كان مستحبا وعلى هذه الأحوال ينزل كلام السلف وأفعالهم رضي الله عنهم وهذا معنى كلام ابن البنا من أصحابنا ذكره ابن عبد القوي في باب

(4/174)


--------------------------------------------------------------------------------

صلاة التطوع فإنه قال : إنما المذكور بالذم من خالطهم فسعى بمسلم أو أقرأ وساعد على منكر ، فيجب حمل أحاديث التغليظ فيه على ما ذكرنا جمعا بين الأدلة .
وأما السلطان العادل فالدخول عليه ومساعدته على عدله من أجل القرب فقد كان عروة بن الزبير وابن شهاب وطبقتهما من خيار العلماء يصحبون عمر بن عبد العزيز وكان الشعبي وقبيصة بن ذؤيب والحسن وأبو الزناد ومالك والأوزاعي والشافعي وغيرهم يدخلون على السلطان وعلى كل حال فالسلامة الانقطاع عنهم كما اختاره أحمد وكثير من العلماء .
قال ابن البنا : لا يغتر من هو داخل في العبادة بما ورد في التغليظ على العلماء بما يراه من فعلهم الذي ربما خفي عليه وجه حله وتأويله فيترك مجالسة العلماء ويهجرهم فيفضي به حاله إلى استمرار جهله ، ولعله يفضي إلى أن لا تصح عبادته لعارض لا يعلمه ، فإذا بدا لك من عالم زلة فاسأله عن حكم ما فعل كذا فإن كان له عذر أبداه فتخلصت من إثم غيبته أو خطر الاقتداء به ، وإن كان مخطئا عرف الحق على نفسه وعرف مغزى كلامك وأنك تنكر عليه وبهذه الطرائق أدب الله تعالى عبده داود عليه الصلاة والسلام في النعجة انتهى كلامه .
وذكر ابن الجوزي في موضع آخر أنه لا يجوز الدخول على الأمراء والعمال والظلمة واستدل بالخبر والأثر والمعنى قال : إلا بعذرين : أحدهما إلزام من جهتهم يخاف الخلاف فيه الأذى الثاني : أن يدخل ليرفع ظلما عن مسلم فيجوز بشرط أن لا يكذب ولا يثني ولا يدع

(4/175)


--------------------------------------------------------------------------------

نصيحة يتوقع لها قبولا انتهى كلامه .
وينبغي أن يجوز ذلك في موضع يكون فيه كف ظلم عظيم ؛ لأنه يجوز سلوك أدنى المفسدتين والتزامها بكف أعلاهما ورفعها .
قال ابن الجوزي فإن دخل عليه السلطان زائرا فجواب السلام لا بد منه كذا قال ، وقد تقدم الكلام في هجر المبتدع والمجاهر بالمعاصي قال : وأما القيام والإكرام فلا تحرم مقابلة له على إكرامه فإنه بإكرام العلم والدين مستحق الحمد ، كما أنه بالظلم مستحق للذم إلى أن قال : ثم يجب عليه أن ينصحه ويعرفه تحريم ما يفعله مما لا يدري أنه محرم ، فأما إعلامه بتحريم الظلم وشرب الخمر فلا فائدة فيه ، بل عليه أن يخوفه من ركوب المعاصي مهما ظن أن التخويف يؤثر في قلبه ، وعليه أن يرشده إلى المصالح ، ومتى عرف طريقا للشرع يحصل به غرض الظالم عرفه إياه .
( الحال الثالث ) أن يعتزل عنهم فلا يراهم ولا يرونه والسلامة في ذلك ثم ينبغي أن يعتقد بغضهم على ظلمهم فلا يحب بقاءهم ولا يثني عليهم ولا يستخبر عن أحوالهم ويتقرب إلى المتصلين بهم ولا يتأسف على ما يفوته بسبب مفارقتهم كما قال بعضهم : إنما بيني وبين الملوك يوم واحد : إما يوم مضى فلا يجدون لذته ، وأنا وإياهم في غد على وجل ، وإنما هو اليوم فما عسى أن يكون في اليوم .
وقال الشيخ تقي الدين : العدل تحصيل منفعته ودفع مضرته ، وعند الاجتماع يقدم أرجحهما لتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما .
وقال

(4/176)


--------------------------------------------------------------------------------

في موضع آخر بعد أن ذكر ما رواه أحمد عن ميمون بن مهران قال : ثلاثة لا تبلون نفسك بهم : لا تدخلن على ذي سلطان وإن قلت : آمره بطاعة الله ، ولا تخلون بامرأة وإن قلت : أعلمها كتاب الله ، ولا تصغين بسمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه .
قال الشيخ تقي الدين : فالاجتماع بالسلطان من جنس الإمارة والولاية ، وفعل ذلك لأمره ونهيه بمنزلة الولاية بنية العدل وإقامة الحق ، واستماع كلام المبتدع للرد عليه من جنس الجهاد ، وأما الخلوة بالمرأة الأجنبية فمحرم فهذا كله من جنس واحد ، وهو دخول الإنسان بنفسه من غير حاجة فيما يوجب عليه أمورا أو يحرم عليه أمورا لا سيما إن كانت تلك الأمور مما جرت العادة بترك واجبها وفعل محظورها .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال : { فمن سمع به فلينأ عنه فإن الرجل يأتيه وهو يعلم أنه الدجال فلا يزال به ما يراه من الشبهات حتى يفتنه ذلك } .
ومن هذا الباب مما يذكر عن طوائف من السلف من امتناعهم ومنعهم من استماع كلام المبتدعة خشية الفتنة عليهم وعلى غيرهم ، وأما من نهى عن ذلك للهجر أو للعقوبة على فعله فذلك نوع آخر إلى أن قال : فهذه الأمور العدل فيه أن لا يطلب العبد أن يبتلى بها ، وإذا ابتلي بها فليتق الله وليصبر ، والاستعداد لها أن تصيبه من غير طلب الابتلاء بها ، فهذه المحن والفتن إذا لم يطلبها المرء ولم يتعرض لها بل ابتلي بها ابتداء أعانه الله تعالى عليها بحسب حال

(4/177)


--------------------------------------------------------------------------------

ذلك العبد عنده ؛ لأنه لم يكن منه في طلبها فعل ولا قصد حتى يكون ذلك ذنبا يعاقب عليه ، ولا كان منه كبر واحتيال مثل دعوى قوة أو ظن كفاية بنفسه حتى يخذل بترك توكله ويوكل إلى نفسه فإن العبد يؤتى من ترك ما أمر به .
وسواء كان مراده بها محرما أو مباحا أو مستحبا ، وإرادته بها المحرم زيادة ذنب ، وإن أراد بها المستحب فقد فعل ما لم يؤمر به .
وهذا مما يذم عليه كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود مرفوعا { ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأنصار يستنون بسنته ويهتدون بهديه ثم إنه يخلف من بعده خلوف يقولون : ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون } .
والتعرض للفتنة هو من الذنوب ، فالمؤمن الصادق لا يفعل إلا ما أمر به فإن ذلك هو عبادة ولا يستعين إلا بالله ، فإذا أوجب هو بنفسه أو حرم هو بنفسه خرج عن الأول ، فإن وثق بنفسه خرج عن الثاني ، فإذا أذنب بذلك فقد يتوب بعد الذنب فيعينه حينئذ ، وقد يكون له حسنات راجحة يستحق بها الإعانة ، وقد يتداركه الله برحمته فيسلم أو يخفف عليه والتوبة بفعل المأمور وترك المحظور في كل حال بحبسه ليست ترك ما دخل فيه فإن ذلك قد لا يمكنه إلا بذنوب هي أعظم من ذنوبه مع مقامه فتدبر هذا .
والمبتلى من غير تعرض قد يفرط بترك المأمور وفعل المحظور حتى يخذل ولا يعان فيؤتى من ذنوبه لا من نفس ما ابتلي به ، كما قال تعالى : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } الآية وهذا كثير أكثر

(4/178)


--------------------------------------------------------------------------------

من الذي قبله ، فأما المؤمنون الذين لم يكن منهم تفريط ولا عدوان فإذا ابتلوا أعينوا قال : وقد تبين أن التعرض للفتن بالإيجاب والتحريم بالعهود والنذور وطلب الولاية وتمني لقاء العدو ونحو ذلك هو من الذنوب .
انتهى كلامه .
وعن داود الطائي رحمه الله وقيل : له أرأيت من يدخل على هؤلاء فيأمرهم وينهاهم قال : أخاف عليه السوط قيل : إنه يقوى قال : أخاف عليه السيف قيل : إنه يقوى قال أخاف عليه الداء الدفين العجب .
وعن سفيان الثوري رحمه الله قال : إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص ، وإن لاذ بالأغنياء فمراء ، وإياك أن تخدع فيقال : لعلك ترد عن مظلمة أو تدفع عن مظلوم ، فإن هذه خدعة من إبليس اتخذها فجاز القراء سلما .
وقال الخلال : أنبأنا أبو نعيم الهمداني سمعت عبد الله بن أحمد بن شبويه سمعت أبي قال : قدمت بغداد على أن أدخل على الخليفة فآمره وأنهاه فدخلت على أحمد بن حنبل فاستشرته في ذلك قال : أخاف عليك أن لا تقوم بذلك قلت : له فقد عرضت نفسي على الضرب والقتل وقد قبلت ذلك قال : فقال : لي استشر في هذا بشرا وأخبرني بما يقول لك فأتيت بشرا ، فأخبرته بذلك فقال : لا أرى لك ، أخاف أن تخونك نفسك قلت : فإني أصبر على ذلك قال : لا أرى لك ذلك قلت : لم ؟ قال : إني أخاف عليك أن يقدم عليك بقتل فتكون سبب دخوله إلى النار قال : فأتيت أحمد فأخبرته فقال : ما أحسن ما قال لك ، قال : وأخبرني أحمد بن أبي هارون أن مثنى الأنباري حدثهم أنه قال

(4/179)


--------------------------------------------------------------------------------

لأبي عبد الله : ما تقول في السلطان إن أرسل إلي يسألني عن العمال أخبر بما فيهم قال : تداري السلطان قلت : فالحديث الذي جاء { كلمة حق عند إمام جائر } فقدم هذا وكان عنده أن هذا أفضل .
وقال المروذي : سمعت إسحاق بن إبراهيم ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد الله ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره وينهاه وقال له : إنه يقبل مثل هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر فيأمره وينهاه ، فقال له : أبو عبد الله تحتج علي بإسحاق فأنا غير راض بفعله ، ما له في رؤيتي خير ، ولا لي في رؤيته خير ، يجب علي إذا رأيته أن آمره وأنهاه ، الدنو منهم فتنة ، والجلوس معهم فتنة ، نحن متباعدون منهم ما أرانا نسلم فكيف لو قربنا منهم ؟ قال المروذي وسمعت إسماعيل ابن أخت ابن المبارك يناظر أبا عبد الله ويكلمه في الدخول على الخليفة ، فقال له أبو عبد الله : قد قال خالك يعني ابن المبارك : لا تأتهم ، فإن أتيتهم فاصدقهم وأنا أخاف أن لا أصدقهم .
وقال في الفنون أكثر من يخالط السلطان لشدة حرصهم على تنفيق نفوسهم عليه بإظهار الفضائل وتدقيق المذاهب ، في درك المباغي والمطالب يبلغون مبلغا يغفلون به عن الصواب ؛ لأن السلاطين دأبهم الاستشعار ، والخوف من دواهي الأعداء فإذا أحسوا من إنسان تنغرا ولمحا تحرزوا منه بعاجل أحوالهم ، والتحرز نوع إقصاء فإنه لا قربة لمن لا تؤمن مكايده وعنهم يفتعلون الدواهي لما عساه يلم بجانبهم ، فإن التغافل أصلح لمخالطتهم من التجالد وإظهار

(4/180)


--------------------------------------------------------------------------------

اللمح ، فإن للسلطان كنزا لا يجب ظهوره إلى كل أحد ويخاف من تكشف أحواله الدخول عليه من باب الخبرة به ، والأولى في الحكمة أن لا ينكشف الإنسان بخلق في محبوبه ولا مكروهه فيدخل عليه الخوف منه .
وقال ابن عبد البر : في كتاب بهجة المجالس يقال : شر الأمراء أبعدهم من العلماء وشر العلماء أقربهم من الأمراء .
وقال ابن الجوزي في كتاب السر المصون : أما السلاطين فإياك إياك ومعاشرتهم فإنها تفسدك أو تفسدهم وتفسد من يقتدي بك ، وسلامتك من مخالطتهم أبعد من العيوق ، وأقل الأحوال في ذلك أن تميل نفسك إلى حب الدنيا قال المأمون : لو كنت عاميا ما خالطت السلاطين ، ومتى اضطررت إلى مخالطتهم فبالأدب والصمت وكتم الأسرار وحفظ الهيبة ، ولا يسألون عن شيء مهما أمكن .
وقد سأل الرشيد الأصمعي عن مسألة فقال على الخبير سقطت قال له الربيع : أسقط الله أضراسك أبهذا تخاطب أمير المؤمنين ؟ وقال الشعبي : دخلت على عبد الملك فصادفته في سرار مع شخص فوقفت ساعة لا يرفع إلي طرفه ، فقلت : يا أمير المؤمنين عامر الشعبي ، فقال لم نأذن لك حتى عرفنا اسمك فقلت : نقدة من أمير المؤمنين ، فلما أقبل على الناس رأيت رجلا في الناس ذا هيبة ورواء ولم أعرفه فقلت : يا أمير المؤمنين من هذا ؟ فقال الخلفاء : تسأل ولا تسأل هذا الأخطل الشاعر فقلت في نفسي هذه أخرى قال : وخضنا في الحديث فمر له شيء لم أعرفه فقلت : اكتبنيه يا أمير المؤمنين ، فقال الخلفاء : تستكتب .
فقلت : هذه ثالثة ،

(4/181)


--------------------------------------------------------------------------------

وذهبت لأقوم فأشار إلي بالقعود فقعدت حتى خف من كان عنده .
ثم دعا بالطعام فقدمت إليه المائدة فرأيت عليها صحفا فيها مخ وكان من عادته أن يقدم إليه المخ قبل كل شيء ، فقلت : هذا يا أمير المؤمنين كما قال الله تعالى { وجفان كالجواب وقدور راسيات } ، فقال : يا شعبي مازحت من لم يمازحك ، فقلت : هذه رابعة ، فلما فرغ من الطعام وقعد في مجلسه واندفعنا في الحديث وذهبت لأتكلم فما ابتدأت بشيء من الحديث إلا استله مني فحدث الناس وربما زاد فيه على ما عندي ولا أنشده شعرا إلا فعل مثل ذلك ، فغمني وانكسر بالي .
فما زلنا على ذلك بقية نهارنا ، فلما كان آخر وقت التفت إلي .
وقال لي يا شعبي قد والله تبينت الكراهة في وجهك لما فعلت وتدري أي شيء حملني على ذلك قلت : لا يا أمير المؤمنين قال : لئلا تقول : إن فاز هؤلاء بالملك لقد فزنا نحن بالعلم ، فأردت أن أعرفك أنا فزنا بالملك وشاركناك فيما أنت فيه ، ثم أمر لي بمال فقمت من عنده وقد زللت أربع زلات وقال : حدث بعضهم المأمون فقال : اسمع أيها الأمير فقال المأمون : أخرجوه .
فليس هذا من سمار الملوك وحدثه الحسن اللؤلؤي وهو خليفة فنام فقال له : يا أمير المؤمنين ففتح عينيه وقال : يا غلام خذ بيده فليس هذا من سمار الملوك وإنما يصلح أن يفتي في محرم صاد ظبيا .
وقال ابن المعتز : أشقى الناس بالسلطان صاحبه ، كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقا قال الشاعر : إن الملوك بلاء حيثما حلوا فلا يكن لك في

(4/182)


--------------------------------------------------------------------------------

أفنائهم ظل وما تريد بقوم إن هم سخطوا جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا وإن مدحتهم ظنوك تخدعهم واستثقلوك كما يستثقل الكل فاستغن بالله عن أبوابهم أبدا إن الوقوف على أبوابهم ذل ويقال : لا تغترر بالأمير ، إذا غشك الوزير ، ومنهم من قال لا تثق بالأمير ، إذا خانك الوزير .
جلس معاوية يأخذ البيعة على الناس بالبراء من علي .
فقال رجل : يا أمير المؤمنين إنا نطيع أحياءكم ولا نبرأ من أمواتكم فالتفت معاوية إلى المغيرة بن شعبة فقال : يا رجل فاستوص به خيرا .
وكان يقال : إذا نزلت من الولي بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام الخنا والملق ، ولا تكثرن له الدعاء في كل كلمة فإن ذلك يشبه الوحشة .
وعظمه وقرره في الناس .
قال الفرزدق : قل لمبصر والمرء في دولة السلطان ؛ أعمى مادام يدعى أميرا فإذا زالت الولاية عنه واستوى بالرجال كان بصيرا كان يقال : ثلاثة من عازهم رجعت عزته ذلا ، السلطان والعالم والوالد وقال عبد الملك بن مروان : في أثناء كلام له أربعة لا يستحيا من خدمتهم السلطان والوالد والضيف والدابة ، وذكر ابن عبد البر في مكان آخر ولم يعز إلى أحد خمسة لا يستحي من خدمتهم السلطان والوالد والعالم والضعيف والدابة .
وقال بعضهم : قالوا تقرب من السلطان قلت لهم يعيذني الله من قرب السلاطين إن قلت دنيا فلا دنيا لممتحن أو قلت دينا فلا دين لمفتون ومن الأمثال في صحبة السلطان : السلطان كالنار إن باعدتها بطل نفعها ، وإن قاربتها عظم ضررها صاحب السلطان كراكب

(4/183)


--------------------------------------------------------------------------------

الأسد يهابه الناس ، وهو لمركبه أهيب ، أجرأ الناس على الأسد أكثرهم له رؤية ، إذا قال السلطان لعماله هاتوا فقد قال خذوا من خدم السلطان خدمته الإخوان ثلاثة لا أمان لهم : السلطان والبحر والزمان ، مثل أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه فكان أبعدهم من المرتقى أقربهم إلى التلف وقال عبد الله بن عباس : قال لي أبي إني أرى أمير المؤمنين يعني عمر رضي الله عنه يدنيك ويقربك فاحفظ عني ثلاثا : إياك أن يجرب عليك كذبة ، وإياك أن تغتاب عنده أحدا ، وإياك أن تفشي له سرا .
ثم قال : يا عبد الله ثلاث وأي ثلاث ، فقال له رجل : يا ابن عباس كل واحدة خير من ألف قال : بل كل واحدة خير من عشرة آلاف .

(4/184)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( ينبغي للعالم التوسط في كل شؤونه للتأسي به ) .
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : وينبغي للعالم أن يتوسط في ملبسه ونفقته وليكن إلى التقلل أميل فإن الناس ينظرون إليه ، وينبغي له الاحتراز مما يقتدى به فيه فإنه متى ترخص في الدخول على السلاطين وجمع الحطام فاقتدى به غيره كان الإثم عليه وربما سلم هو في دخوله فلم يفقهوا كيفية سلامته ، وكلام ابن البنا : في الفصل قبله يقتضي أنه لا إثم عليه وأنشد : إذا قنعت بميسور من القوت أصبحت في الناس حرا غير ممقوت يا قوت نفسي إذا ما در خلفك لي فلست آسى على در وياقوت وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال { ما عال من اقتصد } رواه أحمد وقال أبو الوفاء بن عقيل في الفنون يا علماء ما نقنع منكم بما أنتم عليه من زي تصاريفكم ، فإن طبيبا به مثل مرضي فضيق علي الأغذية ولا يحتمي مشكوك في صدقه عندي ، فالحظوا حال من أنتم من ورثته كيف غفر له .
ثم قام حتى تورمت قدماه يا سباع يا قطاع الطريق لا ترون إلا على مطارح الجيف : نبيكم صلى الله عليه وسلم قنع من المرأة بإشارتها إلى السماء وأنتم تشككون الناس في العقائد ، انفتح بكلامكم البثق العظيم وهو كلام الدهرية والملحدة .

(4/185)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( في المفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر ) .
هل الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر أم العكس ؟ فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد ، وذكر القاضي أبو الحسين أن أصحهما أن الفقير الصابر أفضل وقال : اختارها أبو إسحاق بن شاقلا والوالد السعيد وقال الشيخ تقي الدين : والصواب في قوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .
فإن استويا في الفتوى استويا في الدرجة كذا قال وقال الحاكم في تاريخه عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم الزاهد أبو عباس العابد كان من الأبدال ، توفي في المحرم سنة أربع وثمانين وثلثمائة ، سمعت الأستاذ " أبو الوليد " يقول لو أن التابعين والسلف رأوا عبيد الله الزاهد لفرحوا به سمعت محمد بن جعفر المزكى سمعت أبا علي الثقفي يقول : عبيد الله الزاهد من المجتهدين قال الحاكم : قلت لعبيد الله قد اختلف الناس في الفقر والغنى أيهما أفضل ؟ قال : ليس لواحد منهما فضل إنما يتفاضل الناس بإيمانهم ثم قال عبيد الله : كلمني أبو الوليد في فضل الغني .
واحتج علي بقول النبي صلى الله عليه وسلم { أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني } قلت : يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم { أفضل الصدقة جهد المقل } قال عبيد الله : والدليل على ما ذكرت أن الناس يتفاضلون بإيمانهم قوله صلى الله عليه وسلم لحارثة : { إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك قال : عزفت نفسي عن الدنيا } .
جعل اختيار الفقر على الغنى حقيقة الإيمان وهو غريب ضعيف انتهى

(4/186)


--------------------------------------------------------------------------------

كلامه .
قال ابن الجوزي : وأما التفضيل بين الغني والفقير فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير ، ولكن لا بد من تفضيل فنقول إنما يتصور الشك والخلاف في فقير صابر ليس بحريص بالإضافة إلى غني شاكر ينفق ماله في الخيرات ، أو فقير حريص مع غني حريص ، فلا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني الحريص ، فإن كان الغني متمتعا بالمال في المباحات ، فالفقير القنوع أفضل منه ، وكشف الغطاء في هذا إنما يراد لغيره ولا يراد لعينه ، ينبغي أن يضاف إلى مقصوده إذ به يظهر فضله ، والدنيا ليست محذورة لعينها بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى ، والفقر ليس مطلوبا لعينه لكن ؛ لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى وعدم التشاغل عنه .
وكم من غني لا يشغله الغنى عن الله تعالى كسليمان عليه السلام وكذلك عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وكم من فقير شغله فقره عن المقصود وصرفه عن حب الله تعالى والأنس به ، وإنما الشاغل له حب الدنيا إذ لا يجتمع معه حب الله تعالى ، فإن المحب لشيء مشغول به ، سواء كان في فراقه أو في وصاله ، بل قد يكون شغله في فراقه أكثر .
والدنيا مشوقة الغافلين فالمحروم منها مشغول بطلبها ، والقادر عليها مشغول بحفظها ، والتمتع بها ، وإن أخذت الأمر باعتبار الأكثر ، فالفقير عن الخطر أبعد ؛ لأن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ، ومن العصمة أن لا تجد ، ولما كان ذلك في الآدميين إلا القليل منهم جاء الشرع بذم الغنى وفضل الفقر ، وذكر كلاما

(4/187)


--------------------------------------------------------------------------------

كثيرا .
قال القرطبي : ذهب قوم إلى تفضيل الغني ؛ لأن الغني مقتدر والفقير عاجز والقدرة أفضل من العجز قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة ، وذهب آخرون إلى تفضيل الفقير ؛ لأن الفقير تارك والغني ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة .
وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الأمرين بأن يخرج من حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين قال الماوردي : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال ، وأن خيار الأمور أوساطها .
قال ابن هبيرة الوزير الحنبلي : ولو لم يكن في الفقر إلا أنه باب رضاء الله ولو لم يكن في الغنى إلا أنه باب سخط الله ؛ لأن الإنسان إذا رأى الفقير رضي عن الله في تقديره ، وإذا رأى الغني تسخط بما هو عليه ، وذلك يكفي في فضل الفقير على الغني .

(4/188)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل ( في تحريم لبس الحرير على الرجال بلا ضرورة ) في اللباس يحرم على كل رجل حر وعبد استعمال ثوب وعمامة وتكة وسراويل وشرابة من الحرير بلا ضرورة نص عليه الإمام أحمد والظاهر أن المراد بشرابة الحرير المنفصلة كشرابة البريد فأما المتصلة فمباحة كزر حرير ونحوه ، وكلامه في المستوعب يقتضي هذا فإن قال : إن التقليد بشراريبه يحرم وهو ما أكثره وزنا في وجه قدمه في الرعاية الكبرى ، وقيل : بل ظهورا في ظاهر كلام أحمد قدمه في التلخيص ، وكذلك الملحم وهو ما سداه حرير واللحمة غزل ولبس الحرير وافتراشه والاستناد إليه والاتكاء عليه والتقليد بشراريبه وستر الجدر به في ذلك سواء ذكره في المستوعب وابن تميم والرعاية وغيرهم والبطانة كالظهارة في ذلك .

(4/189)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل الخلاف في استعمال الحرير بغير اللبس ذكر الشيخ موفق الدين رحمه الله في كل كتبه أن لبس الحرير وافتراشه محرم واستدل عليه بالأحاديث الواردة فيه ، وكذلك الشيخ وجيه الدين بن المنجى في الخلاصة قال يحرم استعمال الحرير لباسا وافتراشا قال هذا مع كونه هذب كلام أبي الخطاب رحمه الله وكذا غيرهما من الأصحاب ولم يزيدوا على ذلك .
وظاهر هذا أن ستر الجدر والحيطان به كغيره من الساتر فيه الروايتان المشهورتان ، وإنه لا أثر لكونه حريرا وإن استعمال البقج وأكياس الحرير التي توضع الأثمان أو غيرها فيها ، والبقج التي توضع فيها الثياب واتخاذ مخدة الحرير للزينة وغير ذلك واستعماله من غير جلوس على ذلك والاستناد إليه ولا لبس له ولا تدثر به أن ذلك غير محرم .
وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية والأزجي في النهاية بأنه لا يجوز الاستجمار بما لا ينقى كالحرير الناعم وظاهره القطع بجواز الاستجمار به إذا نقي ؛ لأن المحرم بالنص اللبس ، وهذا ليس بلبس بل استعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال ؛ لأنه أسهل وأخف .
وقوله : صلى الله عليه وسلم عن الذهب والحرير { هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها } لا بد فيه من إضمار وإضمار اللبس أولى عن لفظه في بعض طرقه أنه عليه السلام أباح لباس الحرير والذهب للنساء ، وحرم ذلك على الرجال إسناده ثقات .
وذكر ابن عبد البر في جملة الآثار الصحاح المروية في هذا الباب قال : والمراد بهذا الخطاب لباس الحرير ولباس الذهب

(4/190)


--------------------------------------------------------------------------------

دون الملك وسائر التصرف وبدليل سائر الأحاديث المصرحة باللبس ؛ ولأنه المعهود المعروف في استعمال الشارع ، والتعليل بالسرف والفخر والخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء تعليل بالحكمة وفي جوازه خلاف مشهور على أنه منكسر بلبس الدواب والحرير .
وقال أبو الخطاب : يحرم استعمال الحرير في اللبس والافتراش وغير ذلك وقال في المستوعب ، فأما الإبريسم فاستعماله حرام على الرجال دون النساء أحرارا كانوا أو عبيدا ، وسواء في ذلك لبسه وافتراشه والاستناد إليه والتقليد بشراريبه وجعله تككا في السراويلات وتعليقه ستورا وغير ذلك .
وقال الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية فتمسك أبو حنيفة رحمه الله في اختصاص التحريم باللباس بهذا الحديث يعني قوله صلى الله عليه وسلم { إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة } قال : ولم يقس عليه التوسد والنوم عليه والادثار به والستور المعلقة ؛ لأنها دونه في الاستعمال ثم استدل الشيخ وجيه الدين على التحريم بالأحاديث المشهورة ، وقال : فهذه الأحاديث قد دلت بعمومها وخصوصها على التحريم مطلقا ولم يعين استعمالا مخصوصا فكان على عمومه في جميع أنواعه ، وإنما حرمت ؛ لأنها أنفس مال لأهل الدنيا فلبسها واستعمالها يكسب العجب والفخر والخيلاء ، وفيه كسر قلوب الفقراء والتشبه بالأعاجم وهو منهي عنه ، إلى أن قال : وسواء في الاستعمال بين اللبس والستور المعلقة والتكك في السراويلات والكمراناب ومياثر السروج والشراريب في الشعر لعموم التحريم ؛ ولأنه

(4/191)


--------------------------------------------------------------------------------

نوع استعمال واستخدام فيدخل تحت النهي انتهى كلامه .
وذكر صاحب المختار من الحنفية أن الافتراش ونحوه لا يكره عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يكره انتهى كلامه وإباحة الافتراش ونحوه من مفردات أبي حنيفة .
وذكر الشيخ مجد الدين في شرح الهداية أنه يحرم غير اللبس كافتراشه والاستناد إليه ونحوه واستدل عليه بالأحاديث منها قال : ودخل أبو أمامة رضي الله عنه على خالد بن يزيد فألقى له وسادة فظن أنها حرير فتنحى وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله } .
ورواه الإمام أحمد قال ففهم أبو أمامة دخول الافتراش في عمومه وقال أيضا لا يباح يسير الحرير مفردا كالتكة والشرابة ونحوهما نص عليه خلافا لإسحاق بن راهويه ، وفهم ابن عبد القوي من كلامه هذا العموم فقال : ويدخل في عموم ذلك شرابة الدواة وسلك السبحة كما يفعله جهلة المتعبدة انتهى كلامه .
والتمتع والاستمتاع بالشيء الانتفاع به والمتاع والمتعة لما ينتفع به .
لكن خبر أبي أمامة المذكور من رواية إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الشامي وأبو بكر ضعيف بالاتفاق ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ، وذكر غير واحد من أصحابنا أن الإمام أحمد رضي الله عنه نص على إباحة جعل المصحف في كيس حرير واتخاذه له ولو أبيح جعل غير المصحف فيه واتخاذه له لما خص المصحف بالذكر .
وعلل الآمدي مسألة المصحف بأنه يسير وفي

(4/192)


--------------------------------------------------------------------------------

ذلك تعظيم له وهذا من الآمدي يدل على تحريم الكثير لغير المصحف ، وتعليله صريح في إباحة اليسير المفرد كما هو مذهب إسحاق .
ومسألة كتاب الصداق في الحرير من حرمه يوافق هذا القول ؛ لأن التحريم لو اختص بجنس اللبس لم يحرم ، ومن لم يحرمه قد يوجهه بأنه بسبب المرأة ، والحرير مباح لها فلا يلزم منه موافقة القول الأول ، وقد يقال : يلزم منه الموافقة .
وقد بحث أصحابنا رحمهم الله في مسألة اتخاذ آنية الذهب والفضة ، قالوا : ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها ويفضي إليه غالبا فحرم كالخلوة بالأجنبية واقتناء الخمر ؛ ولأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي قالوا وتحريم الاستعمال عليه علته السرف والخيلاء ، وهي موجودة في الاتخاذ ، وهذا جار بظاهر في مسألتنا .
ومن أصحابنا من ذكر هذا البحث ولم يزد ، ومنهم من ذكره وذكر في حجة المخالف أنه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير ، وفرق بأن ثياب الحرير تباح للنساء وتباح للتجارة فيها .
فقد ظهر مما تقدم أن لأصحابنا في استعمال الحرير في غير جنس اللبس اللغوي وجهين ، وأن في تحريم اتخاذ ما حرم استعماله للزينة ونحوها وجهين ، فأما على رواية إباحة اتخاذ آنية الذهب والفضة ، فهذا أولى ، وإن اختيار الآمدي إباحة يسير الحرير مفردا وقد أطلق بعض أصحابنا إباحة يسير الحرير وظاهره كقول الآمدي ومن أصحابنا من ذكر تحريم اللبس والافتراش

(4/193)


--------------------------------------------------------------------------------

ونحوهما من أنواع اللبس اللغوي وستر الجدر به ولم يزد على ذلك ، وقد عرف من ذلك حكم حركات الحرير والبشخانة والخيمة والاستنجاء بالحرير وما أشبه ذلك .

(4/194)


--------------------------------------------------------------------------------

فصل فإن جلس على شيء طرفه أو وسطه حرير لم يحرم على القول بأن التحريم يختص بجنس اللبس ، وأما على القول الآخر فيحتمل أن لا يحرم اعتبارا بما إذا صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته ؛ لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها ، وإنما اتصلت بمصلاه كذا ههنا .
والقول بأن الجلوس على بعضه استعمال مثله دعوى مجردة ، بل استعمال مثله الجلوس عليه ؛ لأن استعمال العين هو التصرف فيها حسب ما أعدت له وهذه العين لا يجلس على الحرير منها فلا يكون ، مستعملا له ، بل ولم تعد جميعها للجلوس بل بعضها معد للجلوس وبعضها للزينة فكان لكل واحد منها حكم نفسه كما لو انفصلا ومجرد الاتصال ليس بموجب لتساوي حكميهما لكن يجيء في تحريم اتخاذه ما سبق ويفارق الإناء إذا كان بعضه ذهبا أو فضة حيث تقول : يحرم ؛ لأن تحريمها أغلظ وأش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
تابع الأداب الشرعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع الأداب الشرعية
» تابع الأداب الشرعية
» تابع الأداب الشرعية-4-
» الأداب الشرعية اداب المسجد التقدم في المسجد وقت السحر .
» الفرق بين التقية الشرعية والتقية الشيعية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم العقيدة-
انتقل الى: