الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين (2) في الحقبة الصليبية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين (2) في الحقبة الصليبية Empty
مُساهمةموضوع: القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين (2) في الحقبة الصليبية   القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين (2) في الحقبة الصليبية I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 06, 2013 10:12 pm



د.محمد عمارة
كان الضعف قد أصاب القوى الثلاث التي تقاسمت حكم الشرق الإسلامي: العباسيين، والفاطميين، والسلاجقة، فانتهز الغرب الفرصة ليعيد سيطرته على الشرق، ويعيد إمبراطوريته تلك التي أقامها الإسكندر الأكبر (356 - 324ق.م) قبل الميلاد، والتي أزاحتها فتوحات الإسلام! وفي مدينة «كليرمونت» بجنوب فرنسا، تكرس الحلف الغربي، الذي قاده البابا الذهبي «أربان الثاني» (1088 - 1099م) والذي موّلته المدن التجارية الإيطالية، الطامعة في السيطرة على طرق التجارة الدولية العابرة للشرق الإسلامي، وكانت القوة الضاربة لهذه الموجة الغازية هم فرسان الإقطاع الأوروبيون، الذين حدد لهم البابا مهمة الغزوة الصليبية، عندما خاطبهم في «كليرمونت» سنة 1095م: «أنتم فرسان أقوياء، ولكنكم تتناطحون وتتنابذون فيما بينكم، ولكن تعالوا وحاربوا الكفار (المسلمين)، يا من تنابذتم اتحدوا، فإن كنتم لصوصاً كونوا الآن جنوداً، تقدموا إلى بيت المقدس، انتزعوا تلك الأرض الطاهرة، واحفظوها لأنفسكم، فهي تدر سمناً وعسلاً؟! «إنكم إذا انتصرتم على عدوكم ورثتم ممالك الشرق»؟! وهكذا، رغم «البابوية»، وأعلام الصليب، والتهييج الديني، والحديث عن مهد المسيح.. فإن كلمات البابا أفصحت عن مقاصد «الغزوة - الصفقة!»: وراثة ممالك الشرق، التي تدر سمناً وعسلاً!! وعلى تناقضات أمراء الإقطاع، بتوجيه قواهم لتدمير «المسلمين - الكفار»! فبدأ في العام 489هـ/ 1096م أولى حملات الغزوة الصليبية التي دامت قرنين من الزمان، والتي أصبح قتل المسلمين فيها، ونهب بلادهم، واحتلال أوطانهم، وإقامة الإمارات والممالك اللاتينية في فلسطين وما حولها.. أصبح كل ذلك «مهنة ووظيفة» لأمراء الإقطاع الأوروبيين.. وبعبارة المؤرخ المسيحي «مكسيموس مونروند» - صاحب «حرب الصليب» - «فإن الكثير من الأشراف والعظماء صاروا يعتبرون الحروب بمنزلة مهنة صناعية لاحتشاد (جمع) الأموال الغنية، بل إن التعطش نحو أخذ الغنائم وحده كان يجذب الجيش إلى المحاربة»؟! إمارات صليبية ومع مطلع القرن الحادي عشر الميلادي، كانت الإمارات الصليبية التي أقامها الغزاة في المشرق العربي قد قطعت الوحدة الأرضية لعالم الإسلام، ففي شمال العراق وسورية قامت إمارتا «الرها» و«أنطاكية»، وبعد اقتحام القدس قامت «مملكة أورشليم»، التي وصلت حدودها إلى خليج العقبة؟! عازلة مصر والمغرب والأندلس عن مشرق وطن العروبة وعالم الإسلام! ولقد كان احتلال القدس نموذجاً لممارسات «اللصوص الذين صاروا جنوداً»، فلقد حاصرها سبعون ألفاً، وكانت الحامية المدافعة عنها ألف جندي مصري، فسقطت بيد الصليبيين بعد صمود دام ثمانية وثلاثين يوماً. ويحكي «مكسيموس مونروند» كيف «انعقد ديوان المشورة العسكرية الصليبي في ذات المكان الذي فيه مُخلصنا - غفر لصالبيه - فقرر أن يُمات (يُقتل) كل مسلم باق داخل المدينة المقدسة»! واستمرت المجزرة أسبوعاً كاملاً، ومن هرب في البيوت والأقبية قبضوا عليه، وقذفوا به من أعالي البيوت والبروج في النار!! أما الذين احتموا بجامع عمر بن الخطاب، فلقد غدت دماؤهم سيلاً «علا إلى حد الركب، بل إلى حد لجم الخيل»، كما يقول «مكسيموس».. وفي الرسالة التي بعثوا بها إلى البابا، يبشرونه بما صنعوا، قالوا مفاخرين: «إذا أردت أن تعرف ما يجري لأعدائنا فثق أنه في معبد سليمان «جامع عمر» كانت خيولنا تغوص إلى ركابها في بحر دماء الشرقيين»!! هيمنة اقتصادية وبعد مرحلة تثبيت الكيانات الصليبية المزروعة في الأرض المغتصبة، بدأت مرحلة الهيمنة الاقتصادية على المنطقة بأسرها، بالسيطرة على التجارة وطرقها، وبفرض الإتاوات، بل والجزية على الإمارات والدول الإسلامية! وبعد عزل مصر عن المشرق، بدأت محاولات غزوها والسيطرة عليها، ولقد استعانوا على ذلك بضعف النظام الفاطمي الحاكم، والذي عزلته مذهبيته «الإسماعيلية - الباطنية» عن جمهور الأمة «السُّنِّي»، وبصراعات جنودها ذوي الأصول المتعددة والغريبة، وبصراعات وزرائها «شاور» (564هـ/ 1169م) و«ضرغام» (559هـ/ 1164م)! حتى لقد أقامت حامية صليبية على أبواب القاهرة، ومعها مفاتيح أبواب أسوارها؟! وصالَحَ الوزير «شاور» الصليبيين على جزية مقدارها مليون دينار!! وكتب «غليوم الصوري» مصوراً سيطرة الصليبيين على اقتصاديات الشرق يومئذ، فقال: «كانت خزائن مصر تحت تصرفنا، وسلطنة أورشليم كانت آمنة من جهة البر المصري، ومسلك البحر كان حراً، كما أن موانئ أقاليم مصر كلها كانت مفتوحة لقبول مراكبنا، وتجارها كانوا ينقلون إلى موانئ بلادنا غلات أراضيها، وهذه المتاجر كانت كلية الفوائد لنا، وكانت الجزية والخراجات توفَّى لنا بانتظام»! روح المقاومة لكن التحدي، الذي اقتطع الأرض، ومزق وحدة الوطن، ونهب الثروة، وسيطر على الاقتصاد.. قد استنفر روح المقاومة في الأمة؛ فبدأت «دول الفروسية الإسلامية» تواجه إمارات فرسان الإقطاع الصليبيين - «الدولة الزنكية» التي قادها عماد الدين زنكي (565هـ/ 1170م) في «الموصل» - والتي حررت شمال العراق وسورية، وأزالت «مملكة الرها» (539هـ/ 1145م) أي بعد نحو نصف قرن من بداية الحملة الصليبية، ثم انتقلت بعاصمتها في عهد نور الدين محمود (511 - 569هـ/ 1118 - 1174م) إلى مدينة «حلب» لتزيد الضغط على الكيانات الصليبية، ولتبدأ صفحة من الصراع «الحربي - والسياسي» بين الفريقين على مصر!! فنور الدين يريد الالتحام بها، ليُحْكِمْ وإياها من الجنوب طوق الحصار حول الكيان الصليبي؛ لزيادة الضغط عليه من الشمال والشرق والغرب والجنوب، تاركاً أمامه موانئ الشاطئ الشامي للبحر المتوسط، ليرحل عنها كما جاء منها، والصليبيون يريدون مصر، لمنع طاقاتها عن أن تصب في الصراع ضدهم، وتظل عازلاً عن مدد المغرب والأندلس وللحيلولة دون نجاح إستراتيجية نور الدين! وعبر سنوات (559 - 564هـ/ 1163 - 1168م) تكررت المواجهات بين جيوش الفريقين على أرض مصر، لكنها حسمت في المرة الثالثة لصالح جيش نور الدين الذي قاده أسد الدين شيركوه، الذي تولى وزارة مصر للخليفة الفاطمي العاضد (544 - 563هـ/ 1149 - 1171م)، وعندما توفي أسد الدين خلفه في القيادة والوزارة ابن أخيه الناصر صلاح الدين الأيوبي (532 - 589هـ/ 1137 - 1193م) في 25 جمادى الآخرة عام 564هـ، ليفتح بذلك صفحة جديدة ومجيدة في تاريخ هذا الصراع، بل وفي سفر التاريخ بإطلاق! إعلام الأمة كان «الشعر» في ذلك التاريخ، هو أداة الأمة للتعبير عن «ثقافتها» و«إعلامها»! وعندما تحققت وحدة مصر والمشرق، عبر الشعر عن دور هذا الإنجاز في تحقيق إستراتيجية تحرير فلسطين، والتي كانت القدس رمزها المقدس.. فـ«العماد الكاتب» وهو يهنئ أسد الدين شيركوه بانتصاره في مصر، يذكره أن هذا الفتح هو سبيل تحرير القدس: فتحتَ مصر، وأرجو أن تصير بها مسيراً فتح بيت القدس عن كثب وعندما يهنئ نور الدين محمود يذكره بأن شروط تحرير القدس - وهي وحدة مصر والشام - قد تحقق: أغزُ الفرنج، فهذا وقت غزوهم وحطّم جموعهم بالذابل الحطم وطهر القدس من رجس الصليب وثب على البغاث وثوب الأجدل القطم فملك مصر وملك الشام قد نظما في عقد عز من الإسلام منتظم أما الشاعر ابن عساكر علي بن الحسن هبة الله، فإنه يعلن أنه لا عذر عن تأخير المعركة بعد توحيد الطوق وإحكامه حول كيانات الصليبيين، فيقول لنورالدين: ولست تُعْذَر في ترك الجهاد وقد أصبحت تملك من مصر إلى حلب وصاحب الموصل الفيحاء ممتثل لما تريد فبادر فجأة النوب! لكن الأجل لم يمهل نور الدين ليحقق هذه الإستراتيجية التي تحدث عنها الشعراء، وبعد وفاته وجد صلاح الدين الأيوبي نفسه أمام «المهام العملية» اللازمة لتحقيق هذه الإستراتيجية في «أرض الواقع» وليس فقط في شعر الشعراء! طاقات مصر كانت طاقات مصر وإمكاناتها - وهي هائلة - قد جُمدت وعزلت وزبلت في حقبة الضعف الفاطمي التي امتدت نحو قرن من الزمان، وكان على صلاح الدين الأيوبي إحياء وتوظيف هذه الإمكانات للانتصار في الصراع ضد الصليبيين.. فبعد أن طوى صفحة الخلافة الفاطمية، وأعاد مصر إلى الولاء للخلافة العباسية، خاض معركة كبرى وطويلة على الجبهة الفكرية والثقافية، ليحل الفكر السُّني محل المذهبية «الإسماعيلية والباطنية».. فبدأ بإقامة «المدارس السنية»: «الناصرية»، و«القمحية» و«القطبية» و«السيوفية»... إلخ، والتي بُني منها في عهده ست مدارس، كانت كل منها مؤسسة ضخمة وجامعة، حتى ليصنف الرحالة ابن جبير (540 - 614هـ/ 1145 - 1217م) بناء إحداها «الناصرية» فيقول: «إنها مدرسة لم يعمر بهذه البلاد مثلها، لا أوسع مساحة، ولا أحفل بناء، يخيل من يتطوف عليها أنها بلد مستقل بذاته، وبإزائها الحمام، إلى غير ذلك من مرافقها...»! ويحكى عن سخاء صلاح الدين في الإنفاق عليها وقوله للقائم على عمارتها: «زد احتفالاً وتألقاً، وعلينا القيام بمؤنة ذلك كله»، ولقد ملأ الفكر السُّني لهذه المدارس - التي كانت تدرس مذاهب السُّنة الأربعة - الفراغ الفكري الذي كان يملؤه المذهب «الإسماعيلي الباطني»، فحل «الانتماء الفكري بين «الأمة» و«الدولة» محل «القطبية والانفصام»، الأمر الذي مثّل إحياءً وازدهاراً للطاقات المصرية في هذا الميدان، ولقد بلغ من التزام صلاح الدين وتشدده في هذا الأمر، الحد الذي أغلق فيه الأزهر - ذا المناهج الشيعية - خمس سنوات، حتى تغيرت مناهجه إلى الفكرية السُّنية.. ومع «الدولة» والعلم والفكر والتعليم تحول القضاء إلى المذاهب السُّنية أيضاً. اقتصاد الحرب وعلى الجبهة الاقتصادية، حل «الإقطاع الحربي»، في استثمار الأرض الزراعية محل نظام «الالتزام»، وهو الذي يمكن أن نسميه، بلغة عصرنا «اقتصاد الحرب والمعركة»، وبلغة الفقه الإسلامي: «النظام الشبيه بوقف الأرض على الجهاد في سبيل الله»! فقسمت أرض مصر إلى ثلاث وعشرين منطقة ووحدة اقتصادية، أصبحت إقطاعات مخصصة للإنفاق على فرق وأمراء الأجناد، فتم الاستنفار للطاقات الاقتصادية، كما تم الإحياء على الجبهة الفكرية، وتحقيق الولاء والانتماء بين المحكومين والحكام. وفي التمهيد للمعارك الفاصلة، بإحكام الطوق حول الكيانات الصليبية المزروعة قسراً في وطن الأمة، بدأ صلاح الدين أولى غزواته ضد الحاميات الصليبية في «حصن الكرك»، جنوبي فلسطين، لتوسيع وتأمين الطريق الذي يربط مصر بالمشرق، إحكاماً لطوق الحصار حول الكيانات الصليبية، وفي سبيل تحقيق ذلك قاد صلاح الدين أربع غزوات في الأعوام 568، و579، و580، و583هـ. تحالف بين الأمراء ولإعادة الوحدة إلى الجبهة الشرقية، التي أصابها التفكك بموت نور الدين الشهيد، عقد صلاح الدين تحالفاً بين أمراء «الموصل»، «حلب»، أو «الجزيرة»، و«أربيل»، و«كيفا»، و«ماردين»، و«قونية»، و«أرمينيا»، وشارك معهم في هذا التحالف الذي نص على ألا يحارب بعضهم بعضاً، ولم يتردد في استخدام القوة ضد من خرج على هذا الاتفاق ، كما صنع مع أمير «حلب» 579هـ/ 1187م. وتحصيناً للجبهة العامة، المكرسة كل طاقاتها وإمكاناتها وجميع ثغورها لتحقيق إستراتيجية التحرير، بلغ صلاح الدين حد التشدد ضد كل الفكريات والفلسفات والأيديولوجيات المخالفة للسُّنة - عقيدة الأغلبية وأيديولوجيتها - فقضى على دعاة «الإسماعيلية الباطنية»، وأمر ابنه - حاكم حلب - بإعدام فيلسوف «الغنوصية - الإشراقية» السهروردي المقتول (549 - 587هـ/ 1154 - 1190م) لما أثاره في مناظراته مع الفقهاء من بلبلة فكرية كانت تخلط الأوراق بين الحضارات والثقافات، فتضع «زرادشت»، و«أفلاطون»، مع نبي الإسلام!! وتخلط «محاورات أفلاطون» مع «بلومي الكلماني» «بالقرآن الكريم»، الأمر الذي يميع الجبهة الفكرية باعتماد منهاج «الأشباه والنظائر»، في وقت يحتاج فيه الصراع مع «الآخر» إلى اعتماد منهاج «الفروق»، للتميز عن الآخر، ولملء الوجدان بالكراهة له، كشرط من شروط «التعبئة» و«الانتصار»! المعركة الكبرى وعبر هذه الإنجازات السياسية والفكرية والاقتصادية والعسكرية، قاد صلاح الدين الأيوبي جيشه، ذلك الذي أقام مع قادته وجنوده علاقة أبوية حميمة، إلى المعركة الكبرى، التي غيرت اتجاه الخط البياني للصراع مع الصليبيين - معركة حطين - في 22 ربيع الثاني عام 583هـ أول يوليو سنة 1187م، أي بعد تسعين عاماً من بدء اجتياح الصليبيين لديار الإسلام! وعلى أرض «حطين» حشد الصليبيون ثلاثة وستين ألفاً من الفرسان والمشاة، وأدرك الفريقان أنها المعركة المصيرية بلغة عصرنا وبلغة «ابن شداد» (613 - 684هـ/ 1217 - 1285م) مؤرخ ذلك العصر: فلقد «علمت كل طائفة أن المكسورة منها مدحورة الجنس معدومة النفس»! فحطين هي بوابة القدس التي هي رمز كل الصراع! وانضمت إلى حرارة صيف يوليو حرارة النيران التي أشعلها جيش صلاح الدين في الحشائش القريبة من الحشد الصليبي، وأيضاً الحرارة المتولدة من حدة الصراع وتلاحم المتقاتلين، حتى ليتحدث «مكسيموس مونروند» عن «النبال المتطايرة في الهواء، تطير مثل طيران العصافير، محرقة بحراراتها! وماء السيوف «أي الدماء» جامد في وسط المعركة، يغطي الأرض كمياه المطر»!! هزيمة الصليبيين وعندما سقطت خيمة الملك الصليبي «جاي لوزنجان»، مؤذنة بهزيمة جيشه، ترجَّل صلاح الدين من على ظهر جواده، وسجد، وقبّل الأرض شكراً لله على هذا الانتصار، الذي فتح له الطريق إلى القدس الشريف! وفي وصف هذا الذي حدث يوم حطين، يقول المؤرخ «أبوشامة» (599 - 665هـ/ 1202 - 1267م): «إن من شاهد القتلى - الفرنج - قال: ما هناك أسير! ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل! ومنذ استولى الفرنج على ساحل الشام ما شفي للمسلمين كيوم حطين»!! وبعد جولات حرر فيها صلاح الدين العشرات من القرى والمدن والقلاع والحصون، تقدم جيشه فحاصر القدس الشريف، فهي رمز كل الصراع، وبها يذكر الشعر - إعلام العصر - عند كل انتصار، وعقب كل معركة، حتى ليقول «العماد الكاتب» لصلاح الدين، عقب انتصاره في «غزة»: غزوا عقر دار المشركين بغزة جهاراً وطرف الشرك خزيان مطرق وهيَّجْت للبيت المقدس لوعة يطول بها منه إليك التشوق هو البيت إن تفتحه، والله فاعل فما بعده باب من الشام مغلق! نعم، كانت القدس هي «الرمز» و«المقصد» و«المفتاح»!! وفي يوم الأحد 20 سبتمبر 1187م، بدأ حصار صلاح الدين لأسوار المدينة المقدسة، وعسكر في ذات المكان الذي اقتحمها منه الصليبيون سنة 1099م! وأخذ يضيق عليها الخناق حتى يجبر حاميتها الصليبية البالغة ستين ألفاً على التسليم صلحاً كي لا تتعرض مقدسات المدينة للدمار، وكان الصليبيون، في المفاوضات إبان هذا الحصار، يهددون بمعركة يائسة يدمرون فيها هذه المقدسات، فقالوا لصلاح الدين: «إننا إذا يئسنا من النجاة من سيوف جندك فإننا: - سنهدم المعبد، والقصر الملوكي، وننقض حجارتها حتى الأساسيات. - وسنحرق الأمتعة والنفائس والكنوز والأموال الموجودة في خزائن المدينة. - وسنهدم جامع عمر، والصخرة المقدسة، اللذين هما موضوع ديانتك. - وسنقتل ما لدينا من أسرى المسلمين المحبوسين في سجون المدينة منذ سنوات، عددهم خمسة آلاف أسير. - وسنذبح نساءنا وأولادنا بأيدينا حتى لا يقعوا في أسر المسلمين. - وبعد أن تصير المدينة كياناً من الرديم، ومدفناً واسعاً، سنخرج للقتال قتال اليأس من الحياة، الذي لا أمل لديه في النجاة.. فامنحنا الأمان، نسلمك المدينة، دون أن يمسسها أحد من الطرفين بسوء. فاستجاب صلاح الدين، ومنحهم الأمان، فخرج الغزاة اللاتين من المدينة بما يملكون، وبقي فيها أبناؤها من المسلمين ومن النصارى الشرقيين. تحرير القدس وتحررت القدس في ذكرى إسراء الرسول [ من مكة إليها في 27 رجب 587هـ/ أكتوبر 1187م دون إراقة قطرة دم واحدة، وهي التي سبحت فيها خيول الصليبيين بدماء المسلمين، بمسجد عمر، قبل تسعين عاماً!! وبعد فتح القدس لم يبق كما قال الشاعر: «باب من الشام مغلق»! لكن أوروبا لم تتراجع عن تجييش الجيوش لمحاربة صلاح الدين، حتى لقد فرضت حكوماتها على شعوبها ضريبة قتال سموها «عُشْر صلاح الدين»!! فجاءت جيوش وأساطيل إنجلترا وفرنسا، بل وجاء ملوكهما، واستمر الصراع سنوات، حتى انتهى مرحلياً بالهدنة بين صلاح الدين و«ريتشارد قلب الأسد» (1157 - 1199م) ملك إنجلترا لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر في شعبان سنة 588هـ/ سبتمبر 1192م. وأنفق صلاح الدين أوقات السلم في تعمير ما خربته الحرب، وبناء ما هدمه الصليبيون، فأقام في ميادين العمران العلمي والفكري والتعليمي والاقتصادي ركائز الإحياء التي تنمي روح الانتماء، وترفع عوامل التقدم على درب استكمال التحرير لما بقي في الأسر من حصون وقلاع، وفي إعمار القدس كان صلاح الدين يحمل بنفسه الأحجار مع البنائين! وفاته ثم سار إلى دمشق، وفيها مرض بـ«الحمى الصفراوية»، وتوفي في 26 صفر سنة 589هـ/ مارس سنة 1193م ليدخل لا في «تاريخ» الأمة وحده، بل وفي «ضميرها»، كواحد من أعظم عظماء الإسلام وأبرز أبطال فتوحاته منذ عصر صدر الإسلام وحتى هذا التاريخ.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين (2) في الحقبة الصليبية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين(1)
» القدس امانة في ايدي المسلمين
» قضية القدس هى قضية المسلمين
» اسوار القدس العتيقة
» اللَّهُمَّ أنصر من نصر الدين.. واخذل من خذل الدين.. أجمع كلمة المُسْلِمين.. وكلمة حكام المُسْلِمين.. ووحد صف المُسْلِمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: اللغة العربية [لغة الضاد] :: مقالات حرة-
انتقل الى: