الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

 أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14- Empty
مُساهمةموضوع: أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14-    أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14- I_icon_minitimeالأربعاء مايو 29, 2013 12:22 am


أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14-
65 ـ وكلُّ ما أَتَى ولم يُحَدَّدِ***بالشرعِ كالحرزِ فبالعرفِ احْدُدِ
================================================

هذه من القواعد المهمة؛ وهي أن ما جاء في الكتاب والسنّة مطلقاً بغير تحديد بزمن أو مكان أو عدد أو صفة، فإنه يرجع في تحديده إلى العرف، لأن المطلق يحمل على ما يتعارفه المخاطبون بينهم.

وليعلم أن الألفاظ إذا أطلقت فلا تخلو من إحدى حالات ثلاث:

1 ـ إما أن يكون النص قد بَيَّن أن المرجع في ذلك إلى العرف، فهنا نرجع للعرف.

2 ـ وإما أن يكون النص قد بَيَّن أن المرجع في ذلك إلى الشرع، فهنا نرجع إلى الشرع.

3 ـ وإما أن لا نعلم هذا ولا هذا، فيرجع إلى العرف.

بيان ذلك:

1 ـ ما أحيل فيه على العرف مثل: جميع حقوق الزوجة يرجع فيها إلى العرف بنص الشرع، قال تعالى: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 228] ، {{وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 233] {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] ؛ فهذا واضح أنه أحيل فيه على العرف فيؤخذ به.

2 ـ ما أحيل فيه على الشرع: فيرجع فيه إلى الشرع وَيُلْغَى العرف.

مثال هذا: لو كان من عادة الناس أن الإنسان إذا باع عبده واشترط أن الولاء له وافقوا على ذلك، فهنا لا نرجع إلى العرف بل: هذا مرجعه إلى الشرع. ولهذا أبطل النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الشرط وقال: «قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق»[(332)].

ومثل ذلك: المواريث، فالزوجة لها نصيب، والأم لها نصيب، والأب له نصيب، وهذا محدد بالشرع.

3 ـ ما لم يقيد بالشرع ولا بالعرف: فهذا يرجع فيه إلى العرف.

مثاله: الحِرْز في السرقة، ذكر العلماء رحمهم الله أن يد السارق لا تقطع إلا إذا سرق من حرز[(333)]. والحرز هو كل ما تحفظ به الأموال، وهو يختلف باختلاف السلطان والمكان والزمان وأنواع المال، وغير ذلك، فحرز الذهب والفضة ليس كحرز المواشي، فالذهب والفضة يحرزان بالصناديق المغلقة وراء الأبواب، والغنم بالحظائر، وَفَرَّقَ بينهما العرف.

ـ رجل أعطاك دراهم على أنها وديعة، فذهبت إلى حظيرة الغنم فألقيت الدراهم في مكان الغنم، وجاء السارق فسرقها، فإنك تضمن؛ لأن هذا ليس بحرز. لكن لو وضعتها في صندوق، وأغلقت عليها، ثم جاء السارق وكسر الصندوق وأخذها، فلا ضمان عليك لأن هذا حرز في العادة.

ـ كذلك السفر، جاء مطلقاً في القرآن والسنة ولم يحدد؛ قال الله تعالى: {{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ}} [النساء: 101] . فأطلق الضرب ولم يحدده لا بزمان ولا بمسافة، فيرجع فيه إلى العرف، وما ورد عن بعض السلف، من أنه مِنْ مكانِ كذا وكذا سفرُ قصرٍ، يعني وما دونه فليس سفرَ قصرٍ، فإنما هو من باب المثال لِمَا كان سفراً في عرفهم، ولهذا لم يحدد النبي صلّى الله عليه وسلّم زمناً ولا مسافة في سفر القصر، بل قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج ثلاثة أميال صلى ركعتين)[(334)].

فيرجع في ذلك إلى العرف، فما سماه الناس سفراً فهو سفر، وما ليس سفراً في عرف الناس فليس بسفر.

وكذلك الإقامة أثناء السفر في بلد أو مكان بَرِّي، لم يحددها الشرع بأيام معلومة، أو أشهر معلومة، أو سنوات معلومة، ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقيم إقامات متعددة مختلفة، ويقصر فيها الصلاة، فقد أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وذلك في غزوة الفتح، وأقام في مكة في آخر سفر سافره في حجة الوداع، عشرة أيام كما ثبت ذلك في صحيح البخاري[(335)] رحمه الله (لما سئل أنس بن مالك رضي الله عنه: كم أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم) لأنه قدم في يوم الأحد، الرابع من شهر ذي الحجة، وسافر من مكة في صبيحة اليوم الرابع عشر، فهذه عشرة أيام يقصر فيها الصلاة، ولم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم: مَنْ أقام كذا لزمه القصر، ومن أقام دون ذلك لم يقصر، فدل ذلك على أنه ما دام الإنسان لم يَعُدْ إلى بلده، فهو مسافر.

ـ ومن ذلك أيضاً الخفان، وردت السنة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مسح على الخفين»[(336)] ولم يشترط النبي صلّى الله عليه وسلّم في الخفين شرطاً معيناً، إلا أنه لبسهما طاهرتين، وأن مسحهما في مدة معينة، ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، فإذاً نقول: يمسح على كل ما يسمى خفاً عرفاً، وهذا هو القول الراجح، وأننا لا نشترط شروطاً في جواز مسح الخفين لم تثبت في الكتاب ولا في السنة، لأننا إذا شرطنا شروطاً ضيقنا نطاق المسح، وليس لأحد تضييق ما وَسَّعه الله.

ومن أمثلة ما أحيل فيه على العرف: النفقة، يقول الله عزّ وجل: {{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}} [الطلاق: 7] وأطلق الإنفاق، فيرجع في ذلك للعرف، فما تعارف عليه الناس من نفقة الغني وجب على الزوج الغني، وما تعارفوا عليه من نفقة الفقير وجب عليه.

ـ كذلك المعاشرة: قال الله عزّ وجل: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] ولم يحدد شيئاً معيناً، بل جعل ذلك إلى العرف.

وهذه قاعدة نافعة تنفع في أبواب كثيرة في الفقه: أن كل شيء أتى في النص، من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولم يحدد، فإنه يرجع فيه إلى العرف.

وما سبق من الحالات الثلاث إنما هو في باب المعاملات، وأما في باب العبادات فَعَرفنا من قبل أنه لا يمكن أن يعمل الإنسان عبادة إلا بإذن الشارع.

وقوله: (فبالعرف) : اقترن الخبر بالفاء لأن المبتدأ (كل) مُضَمَّن معنى الشرط من حيث العموم.

66 ـ من ذاك صِيغاتُ العقودِ مُطلقَا***ونحوُها في قولِ مَنْ قد حَقَّقَا

قوله: (من ذاك) : أي مما أطلقه الشرع ولم يحدده ويرجع فيه إلى العرف، (صيغات) : جمع صيغة وهي الألفاظ ونحوها مما يدل على العقد إيجاباً أو قبولاً. (وصيغات) : مبتدأ مؤخر و (من ذاك) : خبر مقدم، (العقود) : جمع عقد ويراد به عقود المعاملات كالبيع والإجارة والرهن والوقف والعارية والوديعة وغير ذلك.

وقوله: (مطلقا) : يعني لا يستثنى شيء من العقود، فيرجع إلى العرف في كل عقد.

ومن ذلك على القول الراجح عقد النكاح، فإن عقد النكاح ينعقد بأي لفظ دل عليه، أما على المذهب فإنه: لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج: أنكحتك أو زوجتك، أو بلفظ: (أعتقتك وجعلت عتقك صداقك) إذا تزوج أمته[(337)]. وتعليلهم: أن هذا هو اللفظ الذي ورد به القرآن والسنة؛ قال تعالى: {{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}} [البقرة: 234] هذا تزويج، والنكاح في قوله تعالى: {{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}} [النساء: 3] .

ولكن القول الراجح أنه داخل في العموم؛ أي أنه ينعقد بما دل عليه.

ودليل هذا:

أولاً: أنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه زَوَّجَ بغير لفظ التزويج؛ فقد جاء في بعض روايات البخاري[(338)] في الذي زوجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم المرأة الواهبة نفسها أنه قال: «مَلَّكْتُكَها بما معك من القرآن». وجاء أيضاً في تزوجه صفية أنه قال لها: «أعتقتك وجعلت عتقك صداقك»[(339)].فدل هذا على أن النكاح ينعقد بما دل عليه.

مثاله: إذا قال رجل: جوزتك بنتي قال: قبلت. ودخل عليها، فالمذهب أن النكاح غير صحيح، وإذا جامعها فهو جماع شبهة، ويجب أن يفرق بينهما، ثم يعقد من جديد، لكن على القول الراجح يصح العقد، لأن جوزتك عند العامة مثل زوجتك ولا إشكال.

ـ لو قال: ملكتك بنتي، على المذهب لا يصح، وعلى القول الراجح يصح، ولو قال: أعطيتك بنتي فعلى المذهب لا يصح، وعلى القول الراجح: فيه تفصيل؛ فإن كان عند الخطبة فليس عقداً عند كل الناس، وإن كان عند العقد وكان من المعروف عندهم أن قول وليّ المرأة: أعطيتك بنتي. فيقول المتقدم: قبلت، أن هذا عقد، فهو عقد.

وقوله: (ونحوُها) : أي نحو صيغ العقود، مثل الفسوخ والوكالات والإقرار وغيرها، هذه أيضاً يرجع فيها إلى ما تقتضيه الصيغة عرفاً سواء كانت قولية أم فعلية، وليس لها لفظ مقيد. وله أمثلة:

ـ خالع رجل زوجته ـ والخلع أن يفارقها بعوض ـ فقال: خالعتك على مائة درهم، فهذا صحيح.

ـ قال: فاديتك على مائة درهم، فهذا صحيح، لأن هذا أيضاً جاء به القرآن {{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}} [البقرة: 229] .

ـ فارقتك على مائة درهم، فهذا صحيح.

ـ طلقتك على مائة درهم. هذا يصح، لكن هل يكون طلاقاً أو يكون فسخاً؟

فيه خلاف بين العلماء، منهم من يقول: هذا طلاق على عوض، ومنهم من يقول: هو فسخ، ولو كان بلفظ الطلاق وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: كل فراق يدخله العوض فهو فسخ[(340)].

وفائدة قولهم: فسخ، أنه لا ينقص به عدد الطلاق، فلو قُدِّر أن هذا آخر فراق لها يعني أنه قد فارقها قبل ذلك مرتين، فإن قلنا: إنه طلاق بانت منه بينونة كبرى، وإذا قلنا: إنه فسخ بانت منه بينونة صغرى، أي له أن يتزوجها بعقد جديد.

ولكل من القولين دليل، لكن ظاهر حديث ثابت بن قيس رضي الله عنه، أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال له: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»[(341)] ظاهر هذا إذا كان محفوظاً، أن الخلع إذا ورد بلفظ الطلاق فهو طلاق.

ـ لو قال رجل لامرأته: خليتكِ. فالمذهب أنه ليس بطلاق بل هو كناية[(342)]. والقول الثاني: أنه طلاق، لأن هذا صريح عند كثير من الناس: خليتها أي: فارقتها؛ فما دل على الفراق بأي لفظ كان فهو طلاق، بناء على هذه القاعدة، أن كل شيء لم يحدده الشرع فيرجع فيه إلى العرف.

قوله: (في قول من قد حققا) : أي: في قول العلماء المحققين أنه لا فرق بين عقد وعقد، ولا فرق بين عقد وفسخ في ذلك. ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قال: إن جميع العقود تنعقد بما تعارفه الناس[(343)]. وهو عالم محقق قوي الفهم، قوي الدين ولهذا تجد غالب اختياراته موافقة للدليل الصحيح وإني أوصي طالب العلم بالحرص على كتبه وكتب تلميذه ابن القيم رحمهما الله فإن فيهما خيراً كثيراً يعطيان الإنسان ملكة قوية للترجيح بين الأقوال.

مسألة: لو حدد السلف ما أطلقه الشرع، فهل يعتبر محدداً لعرفنا؟ وما الحكم لو اضطربت الأعراف في بلد واحد؟

والجواب أن نقول: لو أن السلف رحمهم الله عينوا ما أطلقه الشرع، فإن ذلك لا يتعين، ما دام يختلف في الأعراف والأزمان والأماكن، لأن المُتَّبع هو النص، لكن: إذا كان تعيين السلف تفسيراً لمبهم فإنه يرجع إليه، لا سيما تفسير الصحابة رضي الله عنهم وأهل الفقه منهم.

وإذا اختلفت الأعراف اتبع في كل مكان ما كان عرفاً فيه، واتبع في كل زمان ما كان عرفاً فيه[(344)].

67 ـ واجعلْ كلفظٍ كلَّ عُرْفٍ مُطَّرِدْ***فشرطُنَا العرفيُّ كاللفظِيْ يَرِدْ

هذه أيضاً من القواعد؛ وهي أن الأعراف المطردة كالألفاظ المنطوقة؛ فإذا جرت العادة بشيء معين، فإنه يكون كالمشروط.

مثاله: استأجر رجل بيتاً للسكن، فإذا به يربط فيه الحمير والبغال والإبل وقال: أنا استأجرت البيت وملكت منافعه، فلي أن أنتفع به بأي وجه من الوجوه، نقول له: ليس لك ذلك ولا يجوز لأنه خلاف المعتاد والعقد المطلق يحمل على العرف المعتاد لأن الشرط العرفي المطرد كالشرط اللفظي، له حكمه فيكون معتبراً.

ـ ومن ذلك الهدايا تهدى لإنسان؛ فما جرت العادة أن مثله يعتبر هدية، يكون هدية.

ـ إنسان مستعد للبيع للناس، فجاء رجل ووضع متاعه في دكان هذا الرجل المستعد للبيع، هل يكون هذا توكيلاً له في البيع؟ نقول: نعم، يكون توكيلاً، لأن هذا هو العرف.

ـ إنسان دفع ثوبه إلى غَسَّال، فلما جاء في آخر النهار ذهب إلى الغَسَّال وأعطاه ثوبه نظيفاً، فأخذه ثم انصرف ولم يعطه الأجرة، فقال الغسال: أين الأجرة؟ قال: ما اشترطت علي؟

نقول: لابد أن يعطيه الأجرة، لأن هذا عرف مطرد، وهذا الرجل قد أَعَدَّ نفسه لهذا العمل.

ـ رجل يمشي بسيارته في الطريق، فأشار إليه رجل فوقف له وركب معه إلى المدينة التي يريد، فلما وصل قال السائق: أعطني الأجرة. قال الراكب: ما شرطت علي. فهل تلزمه الأجرة أو لا؟

الجواب: إن كان السائق صاحب سيارة أجرة، فيلزم الراكب بالأجرة، لأن هذا هو العرف، وإن كان لم يُعِدَّ نفسه لذلك، فليس له الحق عليه، ولو كان يريد الأجرة لاشترط عليه وقال: أَذْهَبُ بك بكذا.

ـ رجل استأجر آخر ليعلمه القرآن فاتفقا على ساعتين في اليوم ولم يعيناها، فجاءه الساعة الثانية ليلاً وقال: أُعَلِّمُك الآن، فإنه لا يقبل منه، لأنه لم يجر العرف بذلك، بل إما في النهار أو أول الليل.

فهذه من القواعد النافعة: أن العرف المطرد كالشرط.

مسألة: المكاتب العقارية بعضها يعتبر أصحابها مجرد الدلالة على العين المُؤْجَرة إلزاماً للزبون بالعقد. فما حكم ذلك؟

الإجابة: إن كان هذا هو العرف فيعمل به.

68 ـ وشرطُ عقدٍ كونُه من مالكِ***وكلُّ ذي ولايةٍ كالمالكِ

قوله: (وشرط عقد كونه من مالك) : أي مالك لهذا العقد، وهذا يشمل كل عقد، سواء كان عقد بيع أو إجارة أو رهن أو وقف أو وديعة أو عارية، فجميع العقود يشترط أن تكون من مالك.

ومن عقد عقداً لا يملكه فعقده باطل لا يصح.

دليل ذلك قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ...} [النساء: 29] . وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: «لا تبع ما ليس عندك»[(345)]. فهذا يدل على أن الإنسان لا يتصرف بشيء ليس له ولا يملكه.

ولأن الله تعالى قال: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}} [البقرة: 282] وسياق الآية يدل على أنه لا بد أن يكون هذا العقد بين مالكين.

وأما التعليل؛ فلأنه لو جاز العقد من غير المالك لأدى ذلك إلى النزاع والفوضى، وصار كل إنسان يريد أن يبيع ملك غيره يبيعه بدون ولاية عليه، وهذا لا تأتى به الشريعة ولا ترضاه، لما يحصل فيه من فساد القلوب، وتفرق الأمة.

ومن أمثلة ذلك:

ـ ما لو باع الإنسان ما لا يملك، فالبيع غير صحيح حتى لو تم الإيجاب والقبول وعلم الثمن والمبيع وحصل التقابض، لأنه ليس مالكاً.

ـ وكذلك لو رهن لدين عليه وهو غير مالك للمرهون، لم يصح الرهن.

ـ وكذلك لو تبرع به صدقة على الفقير، أو هدية لمن يطلب مودته، أو غير ذلك، فإن هذا التبرع غير صحيح لأنه ليس من مالكٍ.

ـ وكذلك لو باع حراً فإن البيع لا يصح، حتى لو كان ابنه أو أباه أو أخاه، لأنه ليس مالكاً له، إذ إن الحر لا يُمْلك.

ـ كذلك لو زوج ابنة غيره لم يصح العقد، لأنه لا يملك ذلك.

وقس على هذا بقية العقود بجميع أنواعها.

وظاهر كلام الناظم أنه إذا وقع من غير المالك، فإنه لا يصح وإن أجازه المالك، وهذا ما يعرف عندهم بتصرف الفضولي. والمسألة فيها تفصيل، فإن تَصَرُّفَ الفضولي منه ما أذن به الشرع، ومنه ما دعت إليه الضرورة، ومنه ما لم يأذن به الشرع ولم تدع إليه الضرورة، ولكن حسب ثقة الإنسان المتصرف بالنسبة للمالك، تَصَرَّف.

1 ـ فأما ما أذن به الشرع، مثل: اللُّقَطَة إذا تم عليها الحول ولم يُعثر على صاحبها، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن باستنفاقها، فإن جاء صاحبها يوماً من الدهر، وجب على اللاقط أن يضمنها له، لكن لا يضمنها على ما وجدها، بل يضمنها على أدنى صفة كانت عليها عند الإذن بالإنفاق[(346)].

2 ـ أما ما دعت الحاجة والضرورة إليه: مثل إنسان وجد لقطة، وكانت لو بقيت إلى الحول لفسدت، كالبطيخ والفواكه وما أشبهها، فهنا له أن يتصرف فيها، مع أنها لم تدخل في ملكه بعد، لكن هذا دعت إليه الضرورة.

ومنها ما لو مات إنسان في بَرٍّ، وكان معه مال لا يمكن حمله إلى البلد، فرأى الحاضرون أن يبيعوه ويحملوا ثمنه إلى البلد، فهذا تصرف من غير مالك، ولا موصَىً إليه، لكنه للضرورة. والأمثلة على هذا كثيرة.

3 ـ ما لم تدع الضرورة إليه ولم يأذن به الشرع: مثل أن يعرف رجل أن صاحب هذه السيارة يريد أن يبيعها، فجاء إنسان ليشتريها، وأعطى فيها ثمناً كثيراً يعتبر غبطة، فباعها ذلك الرجل بدون توكيل من مالكها ولا إذن. فهذا تصرف فضولي، لم يأذن به الشرع ولم تدع الحاجة إليه ولكنه غبطة ومصلحة لصاحب السلعة، فهل نقول: بصحة هذا البيع لأنه مصلحة لصاحب السلعة؟ أو نقول: لا يصح البيع لأن البائع ليس بمالك ولا مأذون له شرعاً؟ نقول: ظاهر كلام الناظم أن البيع لا يصح، وهذا هو المذهب[(347)].

ولكن الصحيح أنه إذا أذن المالك فإنه يكون نافذاً وصحيحاً، وذلك لأن منع الإنسان بيع ما لا يملك إنما هو لحق المالك؛ فإذا أذن فيه فقد أسقط حقه.

وربما يدل على هذا حديث أبي هريرة[(348)] رضي الله عنه حين استحفظه النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصدقة وجاء الشيطان يأخذ منها، فأعطاه أبو هريرة بدون إذن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجازه.

وحينئذٍ يكون هذا القسم قد دل عليه الأثر بالقياس، ودل عليه النظر بالتعليل.

وهل يدخل في هذا عقد النكاح؛ بمعنى أن رجلاً كان يعلم أن صاحبه يطلب امرأة يريد أن يتزوجها، وأنه يخطب من الناس، فجلس مع شخص وخطب منه ابنته لهذا الرجل الذي يبحث عن امرأة ليتزوجها، وقال: لا بأس أنا أزوجها إياه، فخاف أن ينقلب الولي ويرجع عن وعده، فقال: إذاً نعقد الآن، فعقد عقداً تام الشروط، ثم إن الذي كان يخطب، علم بذلك، وأجاز العقد فهل يصح أم لا؟ نقول: على كلام الناظم لا يصح لأنه ليس له ولاية ولا وكالة، والقول الصحيح أنه يصح إذا أذن وأجاز، لأن ذلك عقد كغيره من العقود، وربما يكون هذا الذي يطلب امرأة، ربما يعطي صاحبه جائزة، أن وجد له امرأة بدون كلفة وبدون مشقة.

فالقاعدة إذاً: أن كل العقود، سواء كانت عقود تبرعات أو معاوضات أو توثيقات أو أنكحة أو غيرها، لا بد أن تكون من مالك ويستثنى منها تصرف الفضولي، إذا كان للضرورة، أو أذن به الشرع، أو أذن به من عُقِدَ له على القول الصحيح.

قوله: (وكل ذي ولاية كالمالك) : هذه القاعدة الثانية في البيت: كل من له ولاية بالوضع أو بالشرع فإنه كالمالك، أي عقده نافذ، ودليل هذه القاعدة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في النكاح: «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»[(349)] وقوله تعالى: {{وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}}[(350)] [النساء: 5] . والأولياء ثلاثة أنواع:

الأول: من ولايته ثابتة بالشرع، لكنها ولاية عامة كالحاكم، يعني القاضي، فإن له ولاية عامة أثبتها له الشرع، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ في النكاح ـ: «فإن اشتجروا ـ يعني أولياء المرأة ـ فالسلطان ولي من لا ولي له» وهذا تصرفه صحيح، وولايته ثابتة بأصل الشرع.

الثاني: من ولايته ثابتة بأصل الشرع لكنها ولاية خاصة كولي القُصَّر وولي اليتيم، الذي يجب عليه أن يتصرف بمال اليتيم بما هو الأصلح لقوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} [الأنعام: 152] .

الثالث: من ولايته ثابتة بإذن من المالك، وهو ـ أيضاً ـ ثلاثة أنواع:

1 ـ الوكيل: وهو من أذن له بالتصرف في الحياة، كما وكل النبي صلّى الله عليه وسلّم عروة بن الجعد رضي الله عنه أن يشتري له أضحيته بدينار، فاشترى بالدينار شاتين، فباع واحدة بدينار ورجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بشاة ودينار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم بارك له في بيعه»[(351)] فكان لا يبيع شيئاً إلا ربح فيه حتى التراب، بدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم فهنا تصرف لكن بإذن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

2 ـ الوصي: وهو من أذن له بالتصرف بعد الموت.

3 ـ الناظر: وهو من أذن له بالتصرف في الأوقاف، كما فعل عمر رضي الله عنه حين أوقف نصيبه من خيبر بمشورة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: (تليه حفصة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم ما عاشت ومن بعدها ذوو الرأي من أهلها ـ أي من آل عمر ـ)[(352)].

أمثلة:

مثال الوكيل: أن تقول لشخص: يا فلان وكلتك أن تشتري لي كذا وكذا، فهذا وكيل.

مثال الوصي: إنسان يوصي بثلث ماله في أعمال البر ويجعل التصرف إلى فلان بن فلان، فهذا الذي يتصرف يسمى وصياً، لأنه أذن له بالتصرف بعد الموت.

وبهذا نعرف تسامح بعض الكُتَّاب الذين يكتبون الوصايا، تجده يقول: أوصى فلان بكذا وكذا والوكيل فلان، وهذا غلط وتساهل، بل نقول: الصواب، والوصي فلان.

فإذا قال قائل: هل هناك فرق بين الوكيل والوصي؟

قلنا: نعم، الإنسان إذا وُكِّل فمات المُوَكِّل، انفسخت الوكالة، كما لو قال لشخص: وكلتك في بيع بيتي، ثم مات الموكل قبل بيع البيت، انفسخت الوكالة، لأن ملك البيت انتقل إلى الورثة، وهم قد لا يرضون بهذا الوكيل. لكن الوصية إذا قال: أوصيت إلى فلان بن فلان بكذا وكذا، فإنها لا تبطل بالموت، لأنه من المعلوم أن الوصي لا يتصرف إلا بعد الموت.

مثال الناظر: أن يقول القائل: إني وقفت هذا الشيء على طلبة العلم والناظر عليه فلان وقد اصطلح الفقهاء رحمهم الله على أن يسمى ناظراً وإن كان حكمه حكم الوكيل، فإذا تصرف الناظر تصرفاً مأذوناً فيه من قبل المالك أو من قبل الشارع فهو كالمالك. وليعلم أن قولنا: إن المتصرف في الوقف يسمى ناظراً، ينبغي التفطن له، لأننا نرى كثيراً من إخواننا الذين يكتبون الأوقاف، يقول: هذا وقف على كذا وكذا والوكيل عليه فلان، وهذا وإن كان صحيحاً من حيث الجملة، لكن الأولى والأحسن، أن يعبّر بما عبر به الفقهاء والسلف الصالح، فيقول: ـ بدلاً من قولهم: والوكيل فلان بن فلان ـ والناظر عليه: فلان بن فلان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-14-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:7- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: