الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13- Empty
مُساهمةموضوع: أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13-   أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13- I_icon_minitimeالأربعاء مايو 29, 2013 12:18 am



أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13-
59 ـ ويُضْمَنُ المثلِيُّ بالمثلِ ومَا***ليس بمثليِّ بما قد قُوِّمَا
====================================================

عني إذا أردت أن تُضَمِّنَ شخصاً فضمنه: المثلى بمثله، والمتقوَّم بقيمته وكونه يضمن المثلى بالمثل لأنه أقرب إلى العدل، لقوله تعالى: {{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}} [البقرة: 194] .

ومن أمثلة ذلك:

ـ من أتلف صاعاً من البر الطيب وجب عليه أن يضمنه بصاع من البر الطيب.

ـ ومن أتلف صاعاً من الرز الطيب يضمن صاعاً من الرز الطيب.

لكن ما هو المثلى؟

المثلى على المذهب: هو كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة[(315)].

فخرج بقولنا: (كل مكيل أو موزون): ما ليس بمكيل ولا موزون كالثياب والحيوان وما أشبه ذلك.

وخرج بقولنا: (يصح السلم فيه): ما لا يصح السلم فيه من المكيلات والموزونات، والذي لا يصح السلم فيه من المكيلات والموزونات مثل: المكيل المُخَلَّط، فبعض الناس يخلط طعاماً بعضه ببعض، كعدس برز. فالعدس مكيل والرز مكيل، فإذا خلطا جميعاً لم يصح السلم فيه، وذلك لأنه لا يمكن ضبط كل واحد منهما، قد يكون الخلط ثلثين، أو نصفاً، وقد يكون أكثر أو أقل، فلما كان لا يصح السلم فيه لم يكن مثلياً.

وخرج بقولنا: (وليس فيه صناعة مباحة): ما كان فيه صناعة مباحة كالحلي مثلاً؛ فمع أنه مصنوع من موزون ـ من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو ما أشبه ذلك ـ إلا أنه ليس بمثلي لأن فيه صناعةً مباحة.

أما إذا كانت الصناعة محرمة كرجل اصطنع آلة لهو من حديد، فالصناعة محرمة ولا عبرة بها. فيُضمن كأنه حديد لم يصنع، فيدخل في قولنا مكيل أو موزون يصح السلم فيه.

واستدل المذهب على هذا الضابط للمثلى بأن هذا هو الذي يمكن فيه المماثلة. ولكن يقال: يمكن المماثلة في غير هذا، ثم إنه لعل الصنعة فيما سبق لم تتقدم إلى هذا الحد، فتختلف لأنها صنعة يد.

وهذا التعريف للمثلي لا شك أنه يضيقه تماماً، ويجعل المثلى نادراً. والصحيح أن المثلى ماله مماثل، إما مطابق تماماً وإما مقارب، سواء كان مصنوعاً أم غير مصنوع، وسواء كان مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما، وسواء يصح فيه السلم أو لا يصح، فهذا هو المثلى، ويضمن بمثله كما قال الناظم.

وأما المتقوَّم فهو فيما لا يمكن أن يوجد له مثيل، ويضمن بالقيمة بما يساوي وقت الإتلاف لأنه إذا تعذر الأصل رجعنا إلى البدل.

وعلى هذا القول الراجح يضمن الإناء بإناء، والثوب المصنوع بثوب، والحيوان بحيوان. ولا يخرج عن المثلى إلا أشياء قليلة.

ويدل لذلك قصة أم المؤمنين رضي الله عنها، حين كسرت الصحفة فأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم صحفتها ودفعها للتي أرسلت الصحفة وقال: «طعام بطعام وإناء بإناء»[(316)].

ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يستقرض البعير ويرد بعيراً، فقد استقرض بكراً ورد رباعياً خياراً[(317)].

وأما التعليل على هذا فإن ضمانه بمثله تماماً، أو بمقارب له؛ أقرب إلى العدل من ضمانه بالقيمة لأن القيمة لا تماثله، ثم إن القيمة تقتضي المعاوضة؛ لأنها من غير الجنس، فلا يجبر المضمون له على شيء يعتبر كالمعاوضة، لأن من شرط البيع الرضى.

ـ وهذا مثال يتبين به صحة ما رجحناه: الفناجين على المذهب ليست مثلية لأنها ليست مكيلة ولا موزونة، وأيضاً فيها صناعة مباحة، وعلى القول الراجح هي مثلية. وأيهما أقرب إلى المماثلة صاع من بر بصاع من بر، أو فنجان بفنجان من نفس الصنعة؟

لا شك أن فنجان بفنجان أقرب إلى المماثلة، حتى إن الإنسان لا يميز بين هذا الفنجان وهذا.

أما إذا أتلف إنسان شاة حاملاً فإنه يضمنها بما تساويه من القيمة، لأن المماثلة تتعذر هنا، لجهالة ما في بطنها.

مسألة: كيف يجيب المذهب عن حديث: «إناء بإناء»؟

الإجابة: ليس عندهم جواب، اللهم إلا أن يقولوا: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قَدَّر أن هذا الإناء يقارب ذاك في القيمة، وأن النقود عندهم قليلة فكان رجوعه لذلك من باب الضرورة.

مسألة: إذا كانت الزوجة مُفَرِّطة في بيتها وأراد زوجها أن يؤدبها بأن تضمن ما تتلفه من البيت من أثاث أو أوانٍ فهل له ذلك؟

الإجابة: إذا قيده بشيء نعرف أنها مفرطة فلا بأس، أما امرأة عاقلة تطبخ الطعام طبخاً جيداً، لكن فاتها يوم من الأيام فأحرق الطعام أو سقطت جمرة على الفراش كيف تضمن هذه؟!

مسألة: إذا أتلف شيئاً قديماً له مثل في السوق لكن المثل في السوق جديد؟

الإجابة: الظاهر والله أعلم أن نقول لصاحب الشيء المتلَفِ: لك الخيار إن شئت ضمناه شيئاً جديداً وتدفع الفرق، وإن شئت قَوَّمْنا هذا بالقيمة، فيضمن بالقيمة. إلا إذا كان يمكن أن نجد شيئاً مستعملاً كاستعماله فإنه يأتي به بدل المتلَف.

60 ـ فكلُّ ما يحصلُ مما قدْ أُذِنْ***فليس مضموناً وعكسُهُ ضُمِنْ

هذه قاعدة وهي كالتعليل لما سبق، كل ما يحصل من المأذون فليس بمضمون، سواء أُذِنَ به شرعاً أو أُذِنَ به من المالك، وكل ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون.

وهذه قاعدة معروفة عند العلماء (ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون).

وذكروا لذلك أمثلة كثيرة.

منها: سراية الجناية مضمونة، وسراية القود غير مضمونة.

يعني: إنسان جنى على شخص وقطع إصبعه، ثم سرت الجناية إلى النفس ومات الذي قطعت إصبعه، فإن الجاني يضمنه كله لا الإصبع فقط، أو يقتل إذا تمت شروط القصاص.

وأما سراية القود، يعني: القصاص فغير مضمونة فهذا الذي قَطع الإصبع قطعنا إصبعه قصاصاً، لتمام شروط القصاص. ثم إنَّ القطع سرى إلى النفس ومات المقطوع، فإنه لا يُضْمَن؛ لأن قطع إصبعه مأذون فيه شرعاً، بخلاف قطع إصبع المجني عليه فإنه غير مأذون فيه.

ومنها: رجم الزاني المحصن فإنه لا ضمان فيه، لأنه بإذن الله عزّ وجل.

ومنها العارية: إذا تلفت عند المستعير من غير تعدٍ ولا تفريط فإنها لا تضمن على القول الراجح، فيد المستعير يد أمينة. لأن صاحبها أذن فيها؛ وسَلَّط المستعير على مُلكه باختياره.

وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عارية مؤداة»[(318)]، فمعناه: إن بقيت أعطيتك إياها وإلا فلا.

ومنها: تصرف الوكيل على وجه لا تعدي فيه ولا تفريط فإنها لا تضمن.

إذاً، كل ما يحصل مما أذن فيه فليس بمضمون، وكل ما يحصل مما لم يؤذن فيه فهو مضمون، وهذه القاعدة لها أربع صور:

الأولى: ما أذن فيه الشارع والمالك كقطع عضو قصاصاً من مملوك أذن سيده بالقصاص منه فهذا لا ضمان فيه.

الثانية: ما لم يأذن به الشارع ولا المالك كقتل المحرم صيداً مملوكاً بلا إذن مالك ففيه الإثم والضمان فيضمن لمالكه بالمثل أو بالقيمة إن تعذر ويضمن بالجزاء في حق الله تعالى.

الثالثة: ما أذن فيه الشارع دون المالك كإتلاف آلات اللهو فلا ضمان فيه ولا إثم لأن إذن مالكه غير معتبر لتحريم إبقائه عليه.

الرابعة: ما أذن المالك دون الشارع مثل أن يأذن لشخص بقتل نفسه أو قطع عضو منه أو إحراق ماله فالإذن هنا غير معتبر فلا يبيح للمأذون له فعله، فإن فعل فلا ضمان عليه للآذن لكن عليه الضمان لحق الله فيضمن ما يلزمه بهذه الجناية ويصرف إلى بيت المال لكن إن أراد الإمام أن يقتص منه فيما يوجب القصاص فله ذلك فيما يظهر إلا أن يكون الجاني جاهلاً غريراً يظن أن إذن المجني عليه يبيح ذلك فيمتنع القصاص لقوة الشبهة.

61 ـ وما على المحسنِ مِنْ سبيلِ***وعكسُهُ الظالمُ فاسمعْ قِيْلِي

هذه أيضاً قاعدة مأخوذة من القرآن الكريم، قال الله تبارك وتعالى: {{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}} [التوبة: 91] فكل محسن فإنه لا سبيل عليه، والظالم هو الذي عليه السبيل لقوله تعالى: {{فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}} [البقرة: 193] وقال تعالى: {{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}} [الشورى: 42] .

قوله: (وما على المحسن من سبيل) : يعني ليس عليه طريق يلام به، أو يضمن به، لأنه محسن.

دليل ذلك: قوله تعالى: {{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}} [التوبة: 91] ، فلو فعل الإنسان شيئاً من الإحسان وتلف به شيء فلا ضمان عليه.

مثال هذا:

ـ رجل وضع أحجاراً في السوق من أجل أن يمشي الناس عليها، لئلا يقعوا في الدحض ـ أي: الزلق ـ ويسقطوا، لكن حصل من الناس من عثر بهذه الأحجار وأصيب فإن واضع الأحجار لا يضمن لأنه محسن، والله تعالى يقول: {{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}} [التوبة: 91] .

ـ رجل آخر حفر بئراً إلى جانب الطريق، من أجل أن يشرب الناس منه فسقط فيه إنسان فإن الحافر لا يضمن، لأنه محسن.

ـ رجل أعطى شخصاً وديعة يحفظها له ثم تلفت الوديعة بغير تعد منه ولا تفريط، فإنه لا ضمان على المودَع لأنه محسن.

قوله: (وعكسه الظالم فاسمع قيلي) : الظالم: هو المعتدي، فإنه يضمن لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس لعرق ظالم حق»[(319)].

ومثال هذا:

ـ رجل قال: هذا الطريق الذي يمشي به فلان لأضعن فيه أحجاراً لعله يعثر بها، فيصاب، فحصل الأمر بأن خرج وعثر بها فأصيب، فإنه يضمن لأنه ظالم.

ـ رجل آخر حفر بئراً في وسط الطريق فسقط الناس بها، فإنه يضمن حتى وإن أراد أن يشرب الناس منها، لأنه غير محسن، فليس من الإحسان أن تحفر البئر ـ ولو للمسلمين ـ في طريقهم، لكن أَبْعدها عن الطريق.

ـ الغاصب إذا غصب من شخص شيئاً ثم تلف هذا الشيء، أو حصل فيه نقص فإن الغاصب يضمنه لأنه ظالم.

قوله: (فاسمع قيلي) (قيلي) بمعنى قولي، قال الله تعالى: {{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}} [النساء: 122] وهذا تكملة للبيت، ولكن فيه فائدة وهي أنه ينبغي للإنسان أن يسمع ما يقال من العلم النافع.

62 ـ ثم العقودُ إنْ تكنْ معاوضَهْ***فَحَرِّرَنْهَا ودَعِ المخَاطَرَهْ

63 ـ وإنْ تكنْ تَبَرُّعاً أو تَوْثِقَهْ***فأمرُها أخفُّ فادْرِ التفرِقَهْ

والتفرقة هي قوله:

64 ـ لأنَّ ذِي إنْ حَصَلَتْ فَمَغْنَمُ***وَإِنْ تَفُتْ فليسَ فيها مَغْرمُ

هذه القاعدة في اشتراط العلم وانتفاء الغرر في العقود فالعقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

معاوضة، وتبرع، وتوثقة.

قوله: (ثم العقود إن تكن معاوضة) .

1 ـ عقود المعاوضة : كالبيع والإجارة، وما أشبه ذلك، مما يقصد به المشاحة والتكسب وما أشبه هذا، فهذه معاوضة، لا يرضى أحد المتعاقدين إلا بعوض، فلا بد أن تحررها، ولهذا قال: (فحررنها) : وهذا معنى قولنا في كتاب البيع: يشترط أن يكون المبيع معلوماً، والثمن معلوماً وأن يتم فيه الشروط المعروفة؛ لأن البيع عقد معاوضة، فحررها بحيث لا يبق فيها أي جهل.

والتحرير يكون بالعلم وبالقدرة على التسليم.

قوله: (ودع المخاطرة) : أي لا تعقد عقد غرر فتحصل فيه المخاطرة، لأنك إذا لم تحررها صار فيها مخاطرة، والمخاطرة من الميسر. وقد قال الله تعالى: {{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}} [المائدة: 90] ، بل يجب أن يكون كل من العوضين معلوماً مقدوراً عليه.

وثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه «نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر»[(320)]، «ونهى أيضاً عن بيع الحمل في البطن»[(321)]، «ونهى عن بيع حبل الحبلة» كل هذا لأنها غرر وجهالة، وقال في السلم: «من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»[(322)].

وإنما كان هذا لازماً ـ أي تحرير العقد ـ لأن كل واحد من المتعاقدين يريد حقه كاملاً، فإذا كانت هناك مخاطرة صار أحدهما: غانماً، والثاني: غارماً، فانقلبت المعاوضة إلى رهان وميسر وهذا حرام، هذا من حيث الدليل.

وأما التعليل: فلأن بيع المجهول يؤدي إلى النزاع، والنزاع يؤدي إلى الكراهة والعداوة والبغضاء ويشغل القلوب ويصدها عن ذكر الله، فكان من حكمة الشرع النهي عن بيع الغرر.

ـ من ذلك بيع العبد الآبق، لا يجوز، لأنه غير مقدور على تسليمه، حتى لو وصف بأدق الأوصاف، فإنه لا يصح البيع، فإن علمنا أن العبد الآبق محبوس في محل معين مقدور على تسليمه جاز البيع.

ـ ومثل ذلك أيضاً: بيع الطير في الهواء، لا يصح؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، حتى لو كان من عادته أن يرجع إلى مأواه، فلا يصح بيعه لأنه قد يرجع وقد لا يرجع.

ـ ومن المخاطرة في البيع: أن يبيعه شيئاً ضائعاً، إما شاة ضالة أو بعيراً، وإما عيناً أخرى ضائعة فإن بيع ذلك حرام؛ لأنه غرر، قد يحصل عليه المشتري وقد لا يحصل، ثم إن الغالب أنه يباع بأقل من ثمنه حاضراً، فإذا كان المُشْتَرَى يساوي حاضراً مائة فإنه لن يباع بالمائة إذا كان غائباً، فيكون مثلاً بثمانين أو بخمسين، حينئذٍ إن وُجِدَ صار المشتري غانماً، وإن لم يوجد صار غارماً. وعكسه البائع: متى كان المشتري غانماً فالبائع غارم، ومتى كان البائع غانماً فالمشتري غارم، وهذا غرر ونوع من الميسر.

ـ ومن الغرر بيع ما في بطون البهائم، وإن شئت فقل: بيع ما في بطون الحوامل، فيشمل الحامل من الإماء، فإن بيع حملها حرام، لأنه مجهول لا يُدْرَى أذكر هو أم أنثى؟ أواحد هو أم متعدد؟ فإذا قٌدِّرَ أنه عُلِمَ ذلك بسبب تقدم الطب فإنه يبقى الجهل: أيخرج حياً أم ميتاً؟ فيكون داخلاً في الغرر، فلا يصح العقد عليه.

ـ ومن بيع الغرر: بيع الثمار على رؤوس الشجر قبل صلاحها، وكذلك الزروع، ولهذا نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الثمر على رؤوس النخل وقال: «حتى يبدو صلاحها»[(323)] وسئل عن الصلاح فقال: «تحمر أو تصفر»[(324)] وكذلك في العنب: لا يصح بيعه حتى يَتَمَوَّه[(325)] حلواً، لأنه قبل ذلك، أي قبل بدو الصلاح في ثمر النخل، والتموه حلواً في العنب عرضة للفساد، فيكون فيه غرر ومخاطرة.

ومن ذلك النهي عن بيع الحب في سنبله حتى يشتد أي: حتى يصلب ويقوى ويكون حباً.

وبناء على ذلك لا يصح البيع إذا كان الثمن مجهولاً للطرفين، لما في ذلك من الغرر، ولأن المشتري قد يقدر ثمناً، ويكون الثمن الذي يريده البائع أكثر بكثير، والبائع قد يقدر ثمناً، ويكون الثمن الذي بذله المشتري أقل بكثير.

وأما البيع بما ينقطع به السعر، يعني: أن يقول المشتري للبائع: إذا انقطع السعر فهي عليَّ بما ينقطع به السعر، كما يقول عوامنا: أخذتها بما تقف عليه بالمزايدة.

فقد اختلف العلماء رحمهم الله فيه.

فمن العلماء من قال: إن هذا لا يجوز، لأنه غير معلوم للبائع ولا للمشتري، ولأن المشتري قد يكون تقديره الثمن أقل بكثير مما انقطع به السعر، وكذلك البائع ربما يكون الثمن في تقديره أكثر بكثير مما انقطع به السعر.

ومن العلماء من أجاز ذلك، وقال: إن النهي عن بيع الغرر، إنما كان خوف الغبن، وما ينقطع به السعر ليس به غبن، لأن ما ينقطع به السعر هو قيمة الشيء بين الناس، وحينئذٍ فلا غبن.

ولكن القول بأنه لا يجوز أقرب إلى الصواب، لأن ما ينقطع به السعر قد يتولاه شخص ذو حاجة، فيرفع السعر في المزايدة حتى يصل إلى حد لم يخطر ببال المشتري، وقد يكون الحضور للمزايدة قليلين، فينقص الثمن إلى حدٍّ ما كان يقدره البائع؛ وحينئذٍ يحصل الندم.

وعمل الناس اليوم على القول الثاني، وهو القول بالجواز.

مسألة: لو قال البائع: أبيعه عليك بثمنه عند الناس، يعني: كما يبيعون فما الحكم؟

الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنه جائز، ومنهم من قال: إنه ليس بجائز.

وهذا النوع أقرب إلى الجواز مما في المسألة التي قبلها، لأن القيمة المعتبرة بين أوساط الناس لا يندم عليها أحد، حيث إن البائع لن يبيع بأزيد مما يبيع به الناس، وكذلك المشتري.

وعلى هذا، فإذا قال الرجل للتاجر: أرسل لي صندوق شاي، أو كيس رز، ولم يذكر الثمن فإن ذلك لا بأس به، ويقيده عليه بما هو سعره عند الناس.

والعمل على هذا في عرف الناس، لا سيما إذا كان البائع رجلاً معتبراً في البيع يثق به الناس.

والخلاصة: أن كل بيع يتضمن الغرر فغير صحيح، وكذلك يقال في الإجارة، لأن الإجارة عقد معاوضة، فالمستأجر يملك منافع العين التي استأجرها، والمُؤَجِّر يؤجره إياها ويملك الأجرة. وعلى هذا فلا بد من تحريرها بأن تكون الأجرة التي تدفع معلومة، والنفع الذي استؤجرت العين لأجله معلوماً، ولا بد أن تكون العين المستأجرة معلومة حتى لا يقع المتعاقدان في الغرر الذي يشبه الميسر.

فإذا قال قائل: ألستم تجيزون الجعالة؟ وهي عقد على شيء مجهول، مثل أن يقول: من رد لقطتي فله كذا وكذا، ومن رد ضالتي فله كذا وكذا، ومن المعلوم أنه قد يردها في زمن قريب، أو في زمن بعيد، من مكان قريب أو من مكان بعيد، وأنتم تقولون: هذا جائز!

الجواب: نعم، نقول ذلك، لأن عقد الجعالة هو من مشروط على عمل، متى حصل فذاك العوض، ولهذا كانت الجعالة من العقود الجائزة[(326)]، ويدل لهذا قول الله تعالى: {{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}} [يوسف: 72] ؛ لأنه قد يأتي به من مكان قريب، وفي مدة وجيزة، وقد يأتي به من مكان بعيد، وفي مدة طويلة.

وفي قوله: (دع المخاطرة) : إشارة إلى سبب التحرير فيها، لكي تتبين واضحة، من أجل أن لا يكون هناك مخاطرة، والمخاطرة هي الميسر.

وبهذا نعرف أن عقود التأمين على السلع محرمة، لأنها تتضمن مخاطرة، فإذا أمَّن الإنسان على سيارته مثلاً، صار يدفع كل سنة خمسمائة ريال، أو أربعمائة ريال، وهنا تكمن المخاطرة، لأنه إن مرت السنة دون أن يحصل حادث صارت الشركة غانمة، وصاحب التأمين غارماً، وإن حصل في المُؤَمَّن عليه ضرر أكثر مما دفعه صاحب التأمين، صارت الشركة غارمة وصاحب التأمين غانماً فيحصل بذلك غرر وجهالة، لأن كلاً منهما إما غانم وإما غارم.

مسألة: كثير من العُمَّال إذا أردت الاتفاق معه يقول: الذي تدفعه مقبول عندي، فما حكم ذلك؟

والجواب أن نقول: هذا لا يصح، لأن الأجرة مجهولة، فالعامل إنما عمل عند صاحب العمل بالأجرة بلا شك، ولهذا لو أنه انتهى من العمل وأعطاه صاحب العمل شيئاً، فقال: زدني. وقع بينهما الخلاف، وقد يأبى العامل أن يأخذ ما قدره صاحب العمل، ويتركه معه ويذهب، فيندم صاحب العمل، فيطلب الحصول على هذا العامل، ويسأل عنه لعله يجده فيعطيه حقه. فلذلك نقول: لا يجوز لهما الاتفاق على العمل إلا أن يحددا الأجرة، إلا إذا كان العمل مما عُرِفَتْ أجرتُه بين الناس، فهذا شيء يُعْمَلُ فيه بالعرف.

مسألة: إذا اتفق صاحب العمل والعامل على أجرة في مدة محددة، وقبل انقضاء المدة رفض العامل العمل، وطلب حقه فهل يعطاه؟

والجواب أن نقول: لا يعطاه، لأنه إذا استؤجر على عمل لزمه إكماله، فإن لم يكمله فلا أجرة له، إلا إذا كان هناك عذر قاهر لا طاقة للعامل به، فحينئذٍ يُعطى من الأجرة بقدر ما عمل.

مسألة: اتفق رجل مع عامل على تصليح جهاز من الأجهزة، ولم يتفقا على الأجرة، وعندما أراد إعطاءه المبلغ، ثمانية دنانير وهو العرف، طلب ضعف هذا المبلغ، وهو مبلغ كبير بالنسبة لعمله، وقد رفض أخذ مبلغ ثمانية دنانير وذهب، فماذا على صاحب الجهاز؟

والجواب أن نقول: ليس عليه شيء، ما دامت هذه أجرة العادة، ولم يكن بينهما عقد، فتقدر الأجرة بالعرف، ولكن إن أيس منه، تصدق بها بالنية عنه، وإن لم ييأس من رجوعه انتظر حتى يرجع.

مسألة: رجل استأجر داراً للسكن وأراد أن يبني فيها مخزناً، فما حكم ذلك؟

الإجابة: المستأجِر لا يملك أن يزيد ولا ينقص في الدار المستأجَرة إلا بموافقة صاحب الدار. وإذا فعل المستأجِر شيئاً من ذلك بلا علم المؤجر، فله أن يلزمه بالهدم، ويضمنه كل ما ترتب على البناء من فساد الأرض وما أشبه ذلك.

مسألة: ما حكم أخذ فوائد المال من البنوك الربوية؟ وهل أتركه لهم، أم آخذه وأتلفه، أم أتصدق به؟

الإجابة: يقول الله عزّ وجل: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *}} [البقرة: 278 ـ 279] فلا يحل للإنسان أن يأخذ الربا، لأن الله قال: {{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}} وقال: {{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ}}. وأعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم في خطبته عام حجة الوداع وهو واقف بعرفة أعلن أن ربا الجاهلية موضوع، قال: «وأول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله»[(327)] وعلى هذا فلا يحل للإنسان أن يأخذ الربا، لا من البنوك ولا من غيرها، وما أفتى به بعض الناس استحساناً بأنك تأخذ الربا وتتصدق به تخلصاً منه، فهذا استحسان في مقابلة النص، فهو مردود على صاحبه، ولو كانت هذه الطريق حسنة محبوبة إلى الله لأرشد الله عباده إليها، ولقال: اتقوا الله وخذوا ما بقي من الربا وتصدقوا به، لكنه قال: {{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}} ليقطع طمع الإنسان وتعلق نفسه به نهائياً.

وأي فائدة من أن يلطخ الإنسان صحيفة عمله بقاذورة الربا، ثم يذهب يغسلها ويتخلص منها؟ أي فائدة من هذا؟! وهل هذا إلا لغو، وعبث محض؟!

فإن قال قائل: هذا الربا إذا تركته للبنك فقد يستعين به على محرم؟

قلنا: أصل هذا الربا ليس كسب مالِك، مالُك ربما كان قد خسر حين تعامل به البنك، وربما يكون مالك كسب أضعاف أضعاف ما أعطاك من الربا، وربما خسر مالك كل الخسارة، فليس هذا كسب مالك حتى تقول: أنا لا أريد أن أمكنهم من مالي فيعبثوا به وإنما هو من مال البنك.

وبعض الناس يدعي أنه لو ترك هذه الزيادة في البنك لذهب يعطيها الكنائس، أو يسلح بها أعداء المسلمين؟ فنقول: أولاً: هذا غير مؤكد، قد يكون هذا، وقد ينتفع بها البنك لمصالحه الخاصة.

ثانياً: لو تأكدنا من ذلك، فهل أنا أعطيته شيئاً من مالي يعين به الأعداء على المسلمين أو يعين به الكنائس؟ أبداً، ما أعطيته، لأن هذه الزيادة لم تدخل في مالي أصلاً، وليست هي ربح مالي.

وعلى كل حال فالاستحسان في مقابلة النص ليس مقبولاً، والواجب اتباع النص {{اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *}} [البقرة: 278 ـ 279] .

مسألة: الملح من الأصناف التي يدخل فيها الربا، فما حكم من أخذ من الدكان ملحاً ثم قال: اجعله ديناً علي؟

الإجابة: لا بأس بذلك، لأن النقدين مع بقية الأصناف ليس بينهما ربا، ولهذا كان من عبارات الفقهاء رحمهم الله: يجري ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ليس أحدهما نقداً[(328)]. يعني: أن النقد لا يجري الربا بينه وبين بقية الأصناف.

ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة ووجدهم يُسْلِفُون في الثمار السنة والسنتين فلم يمنعهم[(329)]، مع أن المشتري نَقَدَ أهل البستان، وقبضه للثمار يتأخر.

2 ـ عقود التبرع:

قوله: (وإن تكن تبرعاً) : يعني وإن تكن العقود عقود تبرع كالصدقة والهبة والعطية والوصية إلى آخره (فأمرها أخف) .

والهبة: هي التبرع بمال بلا عوض، فإن قصد بها ثواب الآخرة فصدقة، وإن قصد بها التودد فهي هدية، وإن قصد بها مجرد الإعطاء فهي هبة.

ثم إن كانت الهبة أو الصدقة أو الهدية في مرض الموت المَخُوف فإنها تُجْعَل من الثلث، بمعنى أن ما زاد على الثلث يكون أمره موكولاً إلى الورثة، إن شاؤوا أجازوه، وإن شاؤوا منعوه، لأن المريض مرض الموت المخوف قد تعلق حق الورثة بماله، فليس له أن يتبرع بما زاد على الثلث إلا بعد إجازتهم.

(إن تكن تبرعاً) : مثل أن يهب الإنسان عبده الآبق لشخص، فيقول: قبلت. فهنا تصح الهبة لأنه إن حصل هذا العبد الآبق فهذا مغنم، وإن لم يحصل فليس فيه مغرم فهو سالم فلا ضرر عليه في الحالين، وبهذا خرج عن الميسر. ثم إنه إذا لم يحصل على العبد لم تحصل بينهما عداوة وبغضاء، لأن الموهوب له يعرف أن الواهب تفضل عليه، وليس له حق أن يطالبه بشيء.

3 ـ عقود التوثقة:

قوله: (أو توثقة) : وعقود التوثقة أضيق من عقود التبرع، لكنها أخف من عقود المعاوضة.

مثاله: الرهن، إذا قال مثلاً: رهنتك هذا البيت، والمرتهن لا يدري ما في البيت من حُجَرٍ وفُرُشٍ وغيرها، فهنا نقول: يصح الرهن، وذلك لأن الدائن لا يضيع حقه، إن حصلت فمغنم، وإن لم تحصل فليس فيها مغرم، لأن حقه سيبقى، بمعنى أن الرهن إذا كان على ما في نفس المرتهن فهذا هو المطلوب، وإن كان دونه فالمقصود توثيقه للمال.

نعم، لو فرض أن الراهن خدعه، وقال: هذا البيت فيه كذا وفيه كذا، مما ليس فيه، فهذا حرام، وللمرتهن الخيار بين إبقاء الرهن بحاله وبين الفسخ، ثم إذا فسخ فإن كان الرهن مشروطاً في البيع، فله فسخ البيع، وإن لم يكن مشروطاً فليس له فسخه.

ـ لو قال: أنا رهنتك إحدى هاتين السيارتين، فإنه يصح؛ لأن أي واحدة منهما سيكون له فيها فائدة، ولذلك لا يجب تحرير عقود التبرعات وعقود التوثقة كما تحرر عقود المعاوضة؛ فيجوز أن يرهن ما لا يجوز بيعه، كالثمرة قبل بدو صلاحها، لأنه لو قُدِّر أنه لم تحصل الثمرة فالدين باقٍ.

ـ امرأة تزوجها رجل بدون أن يُحَرِّر المهر، لا جنساً ولا قدراً، فإن العقد يصح، ويفرض لها في هذه الحال مهر المثل، لأن هذا ليس عقد معاوضة. يصح ـ أيضاً ـ أن تخالع الزوج بما في يدها من دراهم، لأنه ليس المقصود المعاوضة، ولكن المقصود أن تتخلص من هذا الزوج بهذا العوض.

ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: يصح أن يخالعها على ما في يدها من دراهم، أو على ما في بيتها من متاع، وإن كان لا يدري ما هو[(330)].

قوله: (فادر التفرقة) : أي: اِعْلَمْها واِفْهَمْها، التفرقة أي: بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات والتوثقات، والتفرقة هي أن عقود المعاوضات مبناها على المشاحة والمطالبة بالحق كاملاً. بخلاف عقود التبرعات والتوثقات ولهذا قال:

لأن ذي إن حصلت فمغنم***وإن تفت فليس فيها مغرم

قوله: (لأن ذي) : المشار إليه القريب، ومن القواعد المقررة: أن الضمير أو الإشارة يعودان إلى أقرب مذكور، فيكون مراده بقوله: (ذي) أي: عقود التبرعات والتوثقة، فعقود التبرعات إن حصلت فمغنم، وإن لم تحصل فليس فيها مغرم ولذلك يسامح فيها بالجهل، وكذلك عقود التوثقة لأن الحق باقٍ فإن حصلت التوثقة فهذا زيادة فضل وإن لم تحصل لم يضره شيء، وهذا هو الفرق الذي طلب الناظم ملاحظته بقوله: (فادر التفرقة) وفي هذا إشارة إلى مثل هذه العقود التي يكون فيها الأمر دائراً بين الغنم والسلامة خارجة عن الميسر لأن الميسر عقد دائر بين الغرم والغنم.

مسألة: ما حكم من وهب شيئاً لمصلحة يريدها من الموهوب له، ثم فاتت مصلحته فندم وأراد أن يرجع في الهبة؟

الإجابة: هذا يحصل، كما لو وهبت المرأة شيئاً لزوجها، حتى لا يتزوج عليها، فتبذل له مالاً بنية ألاَّ يتزوج عليها، فإذا تزوج فإنه يجب عليه أن يرد عليها ما أخذ. لأننا نعلم أنها إنما وهبته لغرض لم يتحقق، وكذلك لو قيل له: إن فلاناً أصابته فاقة، فأعطاه من أجل هذه الفاقة ثم تبين أنها لم تكن، فإنه يرد عليه صدقته.

مسألة: أخذ رجل من آخر عسلاً ليبيعه له، فقال له صاحب العسل: قيمة الكيلو منه ثلاثمائة ريال، وإذا بعتَه بزيادة عن ذلك فلك الزيادة. فأصبح يبيع الكيلو بثلاثمائة وخمسين ريالاً ما حكم هذا البيع وماذا عليه؟

والجواب أن نقول: إذا وَكَّلَه في بيع شيء ـ عسل، أو طعام، أو غير ذلك ـ وقال له: بعه بكذا وما زاد فلك، فلا بأس به، لكن بشرط أن يكون البائع الذي وَكَّلَه عالماً بسعر السوق، لأن الإنسان قد تكون عنده السلعة قد ملّ منها، وتعب منها، فيوكل شخصاً في بيعها، فإذا قال له: خذ هذه السلعة بعها بمائة، وما زاد فهو لك، وعرف الوكيل أن هذا الرجل ليس عنده علم بالأسعار فعليه أن يبين له، فيقول: يا فلان السلعة تساوي مائتين، فإذا قال صاحب السلعة: وإن يكن الأمر كذلك، بعها بمائة فما زاد فلك، فحينئذٍ يبيعها بما تساوي في السوق، ولو بلغت ثلاثمائة أو أربعمائة، ويرد إلى مالكها المائة التي اشترطها لنفسه.

مسألة: حصل حادث بين سيارتين، فقدمت شركة التأمين للرجل الذي وقع عليه الحادث اختيارين، إما أن تصلح له السيارة، وإما أن تعطيه مبلغاً، فاختار المبلغ، علماً بأن تصليح السيارة أقل من المبلغ المعطى له من شركة التأمين، فماذا يفعل بالمبلغ المتبقي، هل يصرفه على نفسه، أو في المصالح العامة؟

والجواب أن نقول: نحن لا نقر التأمين على السيارات والأملاك وما أشبه ذلك، بل نرى أنه من الميسر المحرم، لأنه عقد يجعل المتعاقدين بين غانم وغارم، وهذا هو حقيقة الميسر، لكن إذا وقع من غير شركة التأمين، مثل أن يصطلح المعتدي والمعتدى عليه على عوض لإصلاح السيارة مثلاً، فتصلح السيارة بأقل، فهل يلزم صاحب السيارة أن يرد ما زاد على المعتدي؟

هذا فيه تفصيل: إذا قال: خذ هذا أصلح به السيارة، فإنه يلزمه إذا زاد ما أعطاه على ما أصلح به السيارة أن يرد الزائد، وإن كانت المسألة مصالحة، حيث إن هذا الذي حصل كان بعدوانه، فإنه لا يلزم الذي أخذه أن يرده. ونظير ذلك قول الفقهاء رحمهم الله: لو أعطى شخص شخصاً مالاً، ليحج به فزاد، فإن كان قال له: خذ هذا المال حج به، فالزيادة للحاج. وإن قال: خذ هذا المال حج منه، فالزيادة ترجع إلى المحجوج عنه[(331)].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-13-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:7- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: