الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12- Empty
مُساهمةموضوع: أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12-   أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12- I_icon_minitimeالأربعاء مايو 29, 2013 12:14 am



أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12-
54 ـ والنفلَ جوِّزْ قطعَه ما لم يقَعْ***حجاً وعمرةً فقطعُهُ امْتَنَعْ

قوله: (والنفلَ) : على النصب؛ لأن المشغول فعل طلب، وإذا كان المشغول فعل طلب فإنه يترجح النصب.

(جوز قطعه) : أي شرعاً، والدليل على جواز قطع النفل: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم دخل ذات يوم على أهله فقالوا له: إنه أُهدي لنا حَيْسٌ ـ وهو التمر المخلوط بالسمن والدقيق أو الأقط ـ فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً، فأكل منه[(301)]. وهذا صوم نفل فدل ذلك على جواز قطع النفل.

ونوقش هذا الاستدلال بأنه يحتمل أن قوله: «فلقد أصبحت صائماً» أنه كان صائماً عن الطعام، أي أن صومه صوم لغوي وليس صوماً شرعياً.

وأجيب عن ذلك: بأن الصوم إذا أطلق في الشرع فالمراد به الصيام الشرعي؛ لأن حقيقة الكلام تكون بحسب حال الناطق به، فإذا جاء في الشرع فإنه يحمل على المعنى الشرعي، وإذا جاء في كلام أهل اللغة فإنه يحمل على المعنى اللغوي.

ولكن قال العلماء: إنه يكره أن يقطع النفل إلا لغرض صحيح مثل أن ينتقل من مفضول إلى أفضل أو نحو ذلك، وذلك لأن قطعه بدون غرض صحيح فيه شيء من الإعراض عن عبادة الله وطاعة الله، ولولا هذا الحديث لقلنا إن من شرع في النفل وجب عليه إتمامه، لأن شروعه في العبادة يشبه النذر من بعض الوجوه، كأنه دخل فيها ملتزماً أن يقوم بها كاملة.

ومن أمثلة هذه القاعدة في:

ـ الصلاة: رجل دخل يصلي نافلة، وفي أثناء الصلاة قطعها، نقول له: يجوز، لكن يكره إلا لغرض صحيح.

ـ الوضوء: شَرَعَ يتوضأ تجديداً، ثم بدا له أن لا يتم فإنه يجوز، لكن يكره لغير غرض صحيح.

ـ كذلك أراد أن يتوضأ ليقرأ القرآن، وقراءة القرآن يسن لها الوضوء ـ دون مس المصحف فيجب له الوضوء ـ ثم بدا له في أثناء الوضوء أن يعدل عنه، فلا بأس لكن يكره لغير غرض صحيح لما في ذلك من الإعراض عن طاعة الله تعالى بعد التلبس بها.

مسألة: مَنْ قطع النفل لعذر أو لغير عذر، هل يثاب على ما فعله قبل قطعه؟

والجواب أن نقول: إن كان لعذر أثيب، وإن كان لغير عذر فهو محل تردد؛ قد يقال إن قطعه إياه بلا عذر عدول عنه أصلاً، وقد يقال: ما دام فيه رخصة فيثاب على ما فعل، وقد يفرق بين ما يمكن بناء بعضه على بعض وما لا يمكن.

ثم قال: (ما لم يقع حجاً وعمرةً) : فإن وقع حجاً وعمرة والواو هنا بمعنى (أو) يعني حجاً أو عمرة.

(فقطعه امتنع) أي: لا يجوز قطعه.

والدليل قوله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}} [البقرة: 196] ؛ وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج، لأن الحج فُرِضَ بقوله تعالى: {{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}} [آل عمران: 97] ، وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة. وقوله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ}} نزل في السنة السادسة من الهجرة، في صلح الحديبية. وهو أيضاً قضاء الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا بأن يمضي في الحج الفاسد وهو ما جامع قبل التحلل الأول[(302)]، والصحابة أقرب الناس إلى الصواب.

وعلى هذا يكون الحج والعمرة يختصان بوجوب المضي في نفلهما، كما اختُصا بوجوب المضي في فاسدهما، حتى لو قطعه وقال: ما أريد إتمام الحج، فإنه لا ينقطع، ويلزمه الإتمام.

وهذا من العجائب: أن الإنسان ينوي قطع العبادة، ولكن لا تنقطع، فإن استمر قاطعاً للحج، وفاته الحج؛ بمعنى أنه طلع عليه فجر يوم العيد قبل أن يقف بعرفة، أعطي حكم من فاته الحج.

وفي العمرة: إذا نوى قطعها لما رأى الزحام مثلاً وقال: ليس بلازم فرجع إلى بلاده، فإنها لا تنقطع بل يبقى على إحرامه، ولا يأتي أهله، ولا يلبس ثيابه المعتادة ولا يتطيب ولا يأخذ من شعره ولا يصطاد ولا يتزوج، فإن تزوج فالعقد باطل لأن المحرم لا يتزوج، وعليه أن يكمل عمرته على الإحرام الأول لا إحرام جديد، وذلك لأنه لم يتحلّل من عمرته.

ولو قال عند الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فحصل له زحام؛ فإن الزحام ليس بحابس؛ لأن الوقت غير محدد، والزحام إذا كان في هذه الليلة ففي الليلة الثانية يخف، فما دام الحابس يزول في مدة قصيرة لا ضرر على الإنسان فيها، فليس بحابس.

أما لو كان هذا الرجل وقته محدود، ولو احتبس إلى الليلة الثانية تضرر، فهذا إذا حبسه الزحام يتحلل ولا شيء عليه.

والدليل قول الله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}} [البقرة: 196] فلم يجوز الله تعالى قطعهما إلا في حال الإحصار. وعلى هذا فإذا قطعهما الإنسان في غير الإحصار، فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، ومن عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه رد ـ أي مردود على صاحبه ـ فيمتنع عليه قطع الحج والعمرة، إلا إذا كان محصراً ـ يعني ـ إذا عجز عن الإتمام، إما بعدو منعه الوصول إلى البيت، وإما بكسر أو مرض لا يرجى زواله قريباً؛ فإنه يتحلل بذلك.

فإن قال قائل: إذا قطع الرجل الحج ثم قيل له: إن الحج لا ينقطع بنية القطع. فقد قال بعض العلماء: إن عليه دماً، لأنه انتهك حرمة الحج لما نوى قطعه.

ولكن القول الراجح أنه ليس عليه دم، لأن هذه النية ـ وهي نية القطع ـ لم تؤثر فيه شيئاً، إذ إنه لا ينقطع بهذه النية.

وإذا قطع إحرامه بالعمرة أو الحج لغير عذر، ثم عاد بعد سنة فإنه يكمل، يبني على ما سبق، ولا يستأنف من جديد.

مسألة: رجل تمتع بالعمرة إلى الحج؛ وبعد انتهاء العمرة رجع إلى بلده ولم يحج؟

والجواب أن نقول: ليس عليه شيء.

مسألة: ما تقولون في صبي أحرم بالعمرة وألبسناه إزاراً ورداءً وكشفنا رأسه فتضايق الصبي ولبس ثيابه المعتادة؟

الجواب: اختلف العلماء في هذا على قولين. والراجح أنه لا شيء عليه، لأنه غير مكلف؛ قد رفع عنه القلم، فإن أتم فهذا المطلوب، وإن لم يتم فلا شيء عليه.

فإن قال قائل: كيف تقولون لا شيء عليه وأنتم تلزمون البالغ العاقل بإتمام النفل، وهذا الصبي عمرته نفل؟

قلنا: الفرق أن البالغ العاقل من أهل التكليف، وقد ألزم نفسه بإتمام النسك بالدخول فيه؛ وهذا الصبي ليس من أهل التكليف، وهذا فرق واضح.

ونظير هذا من بعض الوجوه: لو أن صبياً قتل خطأً ففي إلزامه بالكفارة خلاف، فمن العلماء من يقول: تلزمه الكفارة؛ لأن وجوب الكفارة في القتل لا يشترط فيه القصد، ولهذا تجب على من قتل خطأً، وهذا الصبي أعلى ما يقال فيه إنه ليس له قصد؛ فتجب عليه الكفارة.

ولكن الصحيح: أنه لا كفارة عليه؛ وذلك لأنه ليس من أهل التكليف، ولو ألزمناه بالكفارة لجعلناه من أهل التكليف، فلو كان صبي يقود السيارة وحصل منه حادث فليس عليه كفارة، لكن عليه الدية لأن هذا من حق العباد. ولذلك لو أن الصبي أكل طعام رجل فإنه يضمن، لأنه حق آدمي ولا يشترط فيه التكليف.

ولو أن صبياً نذر فقال: إن نجحت في الامتحان فللّه عليّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فنجح، فلا يلزمه شيء، لأنه ليس من أهل التكليف أصلاً.



55 ـ والإثمُ والضمانُ يسقطانِ***بالجهلِ والإكراهِ والنسيانِ

(الإثم) يعني: إثم المعصية وهي العقوبة (والضمان) يعني: رد الشيء التالف (يسقطان) أي عن الفاعل (بالجهل والإكراه والنسيان) هذه ثلاثة أشياء تُسقط عن المكلف الإثم والضمان إذا كان حين الفعل متصفاً بها:

1 ـ الجهل: وهو عدم العلم، وينقسم إلى قسمين:

جهل بالحال، وجهل بالحكم، وكلاهما داخل في قول الناظم: (بالجهل) .

ـ فالجهل بالحكم: أن لا يعلم حكم الشرع في هذا الشيء.

ـ والجهل بالحال: أن لا يعلم أن هذا الشيء هو المحرم، أو أن لا يعلم أن هذا الزمن هو زمن التحريم، أو أن هذا المكان مكان التحريم.

مثال ذلك: إذا احتجم الصائم وهو لا يعلم أن الحجامة حرام؛ فصومه صحيح وهذا جهل بالحكم.

ـ وإذا احتجم بعد طلوع الفجر يظن أن الفجر لم يطلع فصومه صحيح، وهذا جهل بالحال، لأنه لم يعلم أن هذا هو الزمان الذي حرمت فيه الحجامة.

ـ وإذا صلى ثم تبين أنه صلَّى في مقبرة فتصح صلاته. وهذا جهل بالحال باعتبار المكان.

ـ إذا أكل طعاماً وهو صائم يظن أنه مما أحله الله للصائم فإنه صومه يصح وهذا جهل بالحال؛ لأنه يعلم أن أكل الطعام حرام لكن لم يعلم أن هذا الطعام المعين هو الحرام.

ـ رجل جامع في ليلة مزدلفة وهو حاج، جاهلاً. يقول: إني سمعت الحديث «الحج عرفة»[(303)] وأنا قد وقفت في عرفة، وظننت أنه انتهى كل شيء، فهنا قال بعض العلماء: أنه يفسد نسكه، ويجب عليه المضي فيه، ويجب عليه القضاء، وتجب عليه بدنة. واستدلوا بأن الصحابة قضوا بذلك ولم يستفصلوا[(304)].

لكن يقال: إن الصحابة رضي الله عنهم قضوا بذلك يريدون أن يبينوا حكم من فعل هذا، ثم شروط الإيجاب معروفة من القرآن والسنة. فليس في هذا دليل.

فالحاصل أن الجهل بنوعيه ـ الجهل بالحكم والجهل بالحال ـ يسقط الإثم، والدليل قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] فقال الله: قد فعلت.

وقوله تعالى: {{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}} [الأحزاب: 5] ولقوله تعالى في خصوص الصيد: {{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}} [المائدة: 95] والجاهل لم يتعمد؛ لأنه لو علم لم يفعله.

2 ـ الإكراه: وهو الإلجاء إلى الشيء بحيث يفعله الإنسان غير مختار له، بمعنى أنه يلحقه ضرر لولا فعل هذا الشيء، وعلى هذا فلا بد من إلجاء، ومن ضرر إذا لم يفعل حتى يكون مكرهاً، فإن لم يتضرر فليس هناك إكراه.

مثال ذلك:

ـ لو أن إنساناً أغمي عليه وهو صائم، فصبوا في حلقه ماءً ليصحو، فإنه لا يفطر بذلك لأنه غير مختار، ومن العلماء من قال: إن كان يأذن بذلك عادة فإنه يفطر وإلا فلا.

ـ أَكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة، فإنها لا تفطر بذلك، ولا يفسد صومها، لأنها مكرهة.

ـ أُكْرِه على أن يأكل وهو صائم، وقيل له: إما أن تأكل وإما الحبس، أو حبسنا ولدك، أو أخذنا مالك، أو ضربناك ضرباً مبرحاً، فأكل؛ فإن صومه صحيح لأنه أكل مكرهاً.

أما لو قالت له أمه: يا بني شق عليك الصوم فَأَفْطِر. فَأَفْطَر، وقال: إن أمي أكرهتني على الفطر، فإن هذا ليس بإكراه.

وكذلك لو ألح عليه أبوه أن يطلق زوجته، فطلقها، فهذا ليس بإكراه.

والدليل على سقوط الإثم بالإكراه قوله تبارك وتعالى: {{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}} [النحل: 106] . والشاهد في قوله: {{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}} ووجه الدلالة: أنه إذا كان حكم الكفر، وهو أعظم المعاصي، ساقطاً بالإكراه، فما دونه من باب أولى.

ودليل آخر: قول الله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] ، وهذا ليس في وسعه أن يتخلص، وقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] .

3 ـ النسيان: وهو ذهول القلب عن شيء معلوم من قبل، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الجهل، لأن الجهل عدم العلم، أما هذا فقد علم، لكن ذهل قلبه.

ودليل سقوط الإثم قول الله تبارك وتعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] فقال الله: قد فعلت[(305)].

وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك»[(306)].

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»[(307)].

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»[(308)].

فهذه الثلاثة يسقط بها الإثم، وهل يسقط الضمان؟ يقول الناظم: (والإثم والضمان) : أي: يسقط الضمان أيضاً، فيما إذا كانت المعصية تتضمن الضمان.

مثال ذلك:

ـ رجل رمى صيداً وهو مُحْرِمٌ يظنه من الطيور التي يباح قتلها فقتله، فإنه لا يضمن لأنه جاهل بالحال.

ـ محرم قتل صيداً قبل دخول حدود الحرم، يظن أنه لا يحرم الصيد إلا إذا دخل حدود الحرم، فهذا ليس عليه ضمان، لأنه جاهل بالحال، هو يعلم أن الصيد حرام، وأن هذا الصيد مما يحرم، ولكن يظن أن التحريم لا يثبت إلا إذا دخل الحرم.

ـ محرم قتل صيداً، وهو يعلم أن قتل الصيد حرام، ويعلم أنه الآن حرام عليه، ولكنه نسي، فلا إثم عليه، ولا ضمان، يعني ليس عليه جزاء مثل ما قتل من النعم، فيسقط عنه الإثم والضمان. والدليل قوله تعالى في نفس الصيد: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}} [المائدة: 95]

وبهذا يعرف ضعف قول من يقول من العلماء: إنَّ قتل الصيد في الإحرام أو الحرم، يجب به الضمان، ولو كان الإنسان جاهلاً أو ناسياً. وألحقوا بذلك قص الأظافر وحلق الشعر، قالوا: إنه يجب به الضمان ولو كان جاهلاً أو ناسياً. وألحقوا بذلك الجماع أيضاً فقالوا: يفسد به الحج وتجب به الفدية ولو كان جاهلاً أو ناسياً.

وكل هذه أقوال ضعيفة، والصواب أنه لا بد أن يكون عالماً مختاراً ذاكراً، وأن الجهل والإكراه والنسيان كلها توجب سقوط الإثم والضمان.

ثم استدرك الناظم فقال:

56 ـ إنْ كان ذا في حقِّ مولانا ولا***تُسقطْ ضماناً في حقوقٍ للمَلا

يعني إن كان هذا الفعل الواقع جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً في حق الله فإنه يسقط عن الفاعل الإثم والضمان بواحد من هذه الأمور الثلاثة، لأن الله تعالى هو الذي أسقطها، والحق حقه، حيث قال تعالى: (قد فعلت)[(309)] في قوله: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] . وقال: {{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}} [الأحزاب: 5] ، فالحمد لله على تسهيله وتيسيره.

فإذا قال قائل: هل يستثنى من هذه القاعدة شيء؟

فالجواب: أن النصوص عامة، ولكن يرد على هذا قتل النفس خطأ، ففيه الضمان للآدمي وهذا لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في الكفارة، إلا أنه ينبغي أن لا يشكل ما دام أن الذي رفع الجهل والإكراه والنسيان هو الله، ثم أوجب الكفارة في قتل الخطأ فالحكم لله، فيكون القتل مستثنى من هذه القاعدة.

فإن قال قائل: ما وجه الاستثناء، ونحن نعلم أن الشريعة مبنية على الحكمة، وأنها لا تفرق بين متماثلين إلا لسبب؟

قلنا: الحكمة في ذلك تعظيم الدماء، ولئلا يدَّعي مُدَّعٍ أنّه قتل خطأً وهو متعمد، فلتعظيم الدماء وشدة احترامها، وجبت الكفارة كما وجب الضمان فيها، ولو في حال الخطأ.

أما إن كان الفعل الواقع جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً في حق المخلوق فقد بيّن حكمه بقوله:

(ولا تسقط ضماناً في حقوق للملا) : لم يقل (إثماً) بل قال: لا تسقط (ضماناً في الحقوق للملأ) وأما الإثم فيسقط بالجهل والإكراه والنسيان حتى في حق المخلوق، ولكن بالنسبة للضمان فإنه لا يسقط.

مثال ذلك:

ـ رجل ذبح شاة لشخص ظن أنها شاته، نقول: عليه ضمان الشاة، ولكن لا يأثم، لأنه جاهل.

ـ رجل أعطاه إنسان عنباً وديعة، وقال: أعطه لأهلي، فلما وصل بيته ووضع العنب على أنه سيذهب به إلى بيت صاحبه نسي فأكله، فليس عليه إثم، وعليه الضمان.

ـ رجل أُكْرِه على أن يذبح شاة فلان، فذبحها، فلا إثم عليه، وعليه الضمان؛ لأنه مباشر والقاعدة أنه: إذا اجتمع متسبب ومباشر قدم المباشر، وقال بعض أهل العلم: الضمان عليهما جميعاً، لأن المباشر لا يتمكن من الامتناع، لأنه لو تمكن من الامتناع لم يكن مكرهاً، فيكون الضمان عليهما جميعاً؛ على المُكرِه والمباشر. وهذا أقرب إلى الصواب، لأن المباشَرة هنا مُلْجَأ إليها.

ـ رجل أخذ بشخص صغير الجسم، ثم ضرب به شاة فلان ـ ضرب الشاةَ بالإنسان ـ فماتت الشاة، نقول: الضمان على الضارب، لأن المضروب به مثل الآلة ليس له اختيار.

ـ رجل ألحَّ على إنسان أن يذبح شاة فلان، ولكن لم يكرهه، فنقول: الضمان على الذابح لأن الأول لم يكرهه، حتى وإن كان الذي ألحَّ عليه الأب فالضمان على الذابح لأن هذا ليس بإكراه. وإن أكرهه أبوه على ذبح شاة أخيه لأمه، فعلى الابن الضمان.

وإن قال الأب: اذبح شاة أخيك الذي هو ابني ففيه تفصيل: إن كان الأب تَمَلَّكَهَا أولاً، ثم قال اذبحها فلا ضمان، وإلا ضمن الذابح، وكذلك فيه تفصيل آخر: إن كانت هذه الشاة تتعلق بها حاجة مالكها الذي هو الابن فليس للأب أن يَتَمَلَّكها، وحينئذٍ يكون على الأخ الضمان؛ لأن الأب، حتى وإن صرح بتملكها، فإنه لا يتملكها.

ـ لو أن إنساناً أُكره على قتل إنسان فإنه لا يقتله، حتى لو هُدِّد بالقتل، وقال له المكرِه: إما أن تقتل فلاناً وإلا قتلتك. فإنه لا يجوز أن يقدم على قتل فلان، لأنه لا يجوز لأحد أن يهلك حياً من أجل استبقاء نفسه، فليصبر على القتل ولا يقتل مؤمناً، على أن المهدِّد له بالقتل قد لا يقصد قتله إذا لم يقتل من أكرهه على قتله، ولكنه قال ذلك تهديداً، وليس لديه القدرة على تنفيذه.

والحاصل من البيتين السابقين: أنه إذا وقع الفعل جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً، فإنه لا إثم فيه ولا ضمان فيما يتعلق بحق الله عزّ وجل، لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة والفضل فكان الفاعل معذوراً.

أما في حق المخلوق فإنه لا إثم فيه أيضاً إذا وقع عن جهل أو نسيان أو إكراه ولكن فيه الضمان؛ بأن يضمنه لصاحبه، لأن حق المخلوق مبني على المشاحة، والنصوص في رد المظالم إلى أهلها عامة فلذلك نوفيه حقه كاملاً، حتى وإن كان الفاعل معذوراً، ما لم يبرئه منه. فإن أبرأه منه وهو ممن يصح تبرعه سقط عنه الضمان أيضاً.

57 ـ وكلُّ مُتْلَفٍ فمضمونٌ إذا***لم يكنِ الإتلاف مِنْ دَفْعِ الأَذَى

58 ـ أوْ يكُ مأذوناً به مِنْ مالكِ***أو ربِّنَا ذي الملكِ خيرِ مالكِ

من القواعد الفقهية أن كل متلف فهو مضمون على متلفه، سواء كان ذلك مما يتعلق بحق الله تعالى كالصيد في الحرم، أو حال الإحرام، ولو خارج الحرم. أو كان مما يتعلق بحق الآدميين، لكن يستثنى في حق الله تعالى ما أتلف جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً كما سبق.

والدليل على هذه القاعدة قول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}} [النساء: 29] ؛ وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصحفة التي كسرتها إحدى أمهات المؤمنين قال: «طعام بطعام، وإناء بإناء»[(310)].

ولأن الله تعالى أوجب الدية في القتل الخطأ، وهذا ضمان لا شك. والأدلة على هذه القاعدة كثيرة.

إلا أن هناك ثلاث حالات لا يَضْمَن فيها المُتْلِف:

الحال الأولى: إذا كان الإتلاف بسبب دفع الأذى، أي: لأجل أن يدفع المُتْلِفُ الأذى عن نفسه، فلا ضمان عليه. ومن ذلك:

ـ لو صال على المُحْرِم صيد، فانتهره فلم يرجع، فحذفه بحصاة فلم يرجع، ولم يندفع إلا بقتله، فقتله، فإنه لا يضمن، لأنه قتله لدفع الأذى عن نفسه، ولكن لا يحل له أكله في هذه الحال.

ـ نزلت شعرة في عين رجل مُحْرِم ولم يندفع أذاها إلا بنتفها، فنتفها فإنه لا شيء عليه، وهذا على قول الجمهور أن الشعر لا يجوز إزالته أياً كان الشعر، أما إذا قلنا: إن التحريم خاص بشعر الرأس فلا ترد هذه المسألة.

ـ زجاج سقط على شخص وهو جالس، ولم يتمكن من دفعه إلا بأن نفض هذا الزجاج وتكسر، فإنه لا يضمنه لأن هذا لدفع أذاه.

ـ لو صال إنسان على شخص يريد أخذ ماله، ولم يندفع إلا بالقتل، فله قتله لأنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن رجلاً سأله فيمن صال عليه يريد أخذ ماله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تُعْطِه»، قال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»[(311)].

فأباح النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل من صال على الشخص ليأخذ ماله، ولكن يجب أن تدافعه بالأسهل فالأسهل، فإذا لم يندفع إلا بالقتل فاقتله، وإن خفت أن يبادرك بالقتل، وأنك لو حاولت أن تدفعه بما دون القتل قتلك، فلك أن تبادره بالقتل، ولا ضمان عليك لأنك قتلته لدفع أذاه.

مسألة: من أتلف شيئاً لكونه يؤذيه، ويمكن دفعه بأقل من إتلافه، فعليه الضمان.

مسألة: من أتلف شيئاً لدفع أذاه بإتلافه، والأذى كان من غيره، فعليه الضمان، ومن ذلك:

ـ ما حصل لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حمل إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكان مريضاً، والقمل يتناثر على وجهه من رأسه، قال: ما كنت أَرَى الوجع بلغ بك ما أَرَى. وفي بعض الألفاظ: «لعله آذاك هوام رأسك»؟ قال: نعم. فأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي[(312)]. وهذه الفدية هي المذكورة في قول الله تعالى: {{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}} [البقرة: 196] .

فالأذية هنا ليست من نفس الشعر، وإنما الأذية من الهوام، لكن لا تندفع هذه الأذية إلا بإتلاف الشعر، فيضمنه، ولهذا أوجب الله عليه الفدية، مع أنه أباح له أن يحلق رأسه من أجل الضرورة إلى حلقه. لكن لما لم يكن الأذى من الشعر، بل من غيره، ودفع أذى ذلك الغير بإتلاف الشعر، صار فيه الضمان.

ولهذا من قواعد ابن رجب رحمه الله: من أتلف شيئاً لدفع أذاه لم يضمنه ومن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه[(313)].

ـ لو اضطر المحرم إلى صيد ليأكله، فاصطاده ودفع ضرورته به، فإنه يضمنه بالجزاء، وليس بآثم لأنه مضطر.

الحال الثانية: إذا كان الإتلاف بإذن من المالك أي ممن يملك الإذن بذلك سواء كان مالكاً لعين الشيء، أو وكيلاً أو ولياً أو ما أشبه ذلك. فلو قال لك صاحب الطعام: كُلْ هذا الطعام، أو اذبح بعيري أو شاتي ففعلت، فإنك لا تضمن، لأنه أذن لك، ولو لم يأذن لك لكنت ضامناً.

مسألة: رجل كبير في السن ولديه بعض الأملاك، ثم تسلّم ابنه إدارة هذه الأملاك، وكان ذلك الأب لا يؤدي زكاتها مطلقاً، فهل يجب على الابن إخراج زكاتها دون علمه، لأنه إذا علم فلن يرضى بذلك مطلقاً؟

الإجابة: إذا كانت الوكالة مطلقة بأن يعرف بأنه وكيل عنه في كل شيء، فله أن يخرج الزكاة، أما إذا كانت الوكالة تعني الوكالة في تدبير هذه الأملاك، شراءً وتأجيراً فإنه لا يملك إخراج الزكاة إلا بتوكيل من أبيه.

مسألة: رجل في بعض الأوقات تأتيه ضائقة مالية، ولا يكون أمامه إلا أن يلجأ إلى هذا المال المُوَكَّل فيه، مع النية الصادقة في إرجاعه في أقرب وقت، فهل يحل له ذلك بدون علم صاحبه؟

الإجابة: لا يحل له أن يأخذ من المال المُوَكَّل فيه إلا بعد موافقة الموكِّل، لأنه أمين، والأمين لا يتصرف لمصلحة نفسه.

الحال الثالثة: إذا كان الإتلاف بإذن من الشرع. وهو المراد بقولنا: (أو ربنا ذي الملك) يعني: أو يكن الإتلاف مأذوناً فيه من الله.

وقلنا: (ذي الملك) : أتينا بهذه الصفة، دون أن نقول: أو ربنا الرحمن أو العظيم وما أشبه ذلك، ليتبين أن ما أذن الله به فقد وقع من أهله، لأنه سبحانه وتعالى هو صاحب الملك، فله أن يأذن بما شاء من إتلاف أموالنا.

وقوله: (خير مالك) : يعني أن الله تعالى خير المُلاَّك فلا يأذن إلا بحق كما قال عزّ وجلّ: {{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}} [الحج: 62] فهو جل وعلا حق وكل ما صدر منه فهو حق ومن ذلك أن الله سبحانه وتعالى لن يأذن بإتلاف شيء من أموالنا إلا لما هو خير ومصلحة.

ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أنه يجوز التعزير بالمال، يعني بأن نتلف مال الإنسان لو حصل منه ما يقتضي ذلك، كما يُحَرّق رحل الغال، وكما تتلف آلات اللهو المحرمة وما أشبه ذلك.

ومما أذن الشرع بإتلافه أيضاً الزاني المحصن بالرجم، فإنه لا ضمان فيه لأنه بإذن الله عزّ وجل.

مسألة: رجل وجد آلة لهو يستعملها صاحبها فكسَّرها فلا ضمان عليه؛ لأن تكسيرها مأذون به شرعاً.

هذا من جهة الضمان. أما هل يكسرها إذا رآها مع صاحبها أو لا؟ فهذا فيه تفصيل إن كان للإنسان سلطة وقدرة على تكسيرها بدون مضرة أكبر، وجب عليه أن يكسرها وإن لم يكن له سلطة في ذلك، أو كان يترتب على تكسيرها مفسدة ومضرة أعظم، فإنه لا يكسرها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه»[(314)].

إذاً فكل مُتْلَفٍ فهو مضمون إلا في ثلاث حالات:

1 ـ ما كان لدفع أذاه.

2 ـ ما أذن به المالك. أي: من يملك الإذن بذلك.

3 ـ ما أذن به الشرع.

ثم إذا ثبت الضمان فكيف يكون؟

بيّن الناظم ذلك بقوله:

59 ـ ويُضْمَنُ المثلِيُّ بالمثلِ ومَا***ليس بمثليِّ بما قد قُوِّمَا

يعني إذا أردت أن تُضَمِّنَ شخصاً فضمنه: المثلى بمثله، والمتقوَّم بقيمته وكونه يضمن المثلى بالمثل لأنه أقرب إلى العدل، لقوله تعالى: {{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}} [البقرة: 194] .

ومن أمثلة ذلك:

ـ من أتلف صاعاً من البر الطيب وجب عليه أن يضمنه بصاع من البر الطيب.

ـ ومن أتلف صاعاً من الرز الطيب يضمن صاعاً من الرز الطيب.

لكن ما هو المثلى؟

المثلى على المذهب: هو كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة[(315)].

فخرج بقولنا: (كل مكيل أو موزون): ما ليس بمكيل ولا موزون كالثياب والحيوان وما أشبه ذلك.

وخرج بقولنا: (يصح السلم فيه): ما لا يصح السلم فيه من المكيلات والموزونات، والذي لا يصح السلم فيه من المكيلات والموزونات مثل: المكيل المُخَلَّط، فبعض الناس يخلط طعاماً بعضه ببعض، كعدس برز. فالعدس مكيل والرز مكيل، فإذا خلطا جميعاً لم يصح السلم فيه، وذلك لأنه لا يمكن ضبط كل واحد منهما، قد يكون الخلط ثلثين، أو نصفاً، وقد يكون أكثر أو أقل، فلما كان لا يصح السلم فيه لم يكن مثلياً.

وخرج بقولنا: (وليس فيه صناعة مباحة): ما كان فيه صناعة مباحة كالحلي مثلاً؛ فمع أنه مصنوع من موزون ـ من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو ما أشبه ذلك ـ إلا أنه ليس بمثلي لأن فيه صناعةً مباحة.

أما إذا كانت الصناعة محرمة كرجل اصطنع آلة لهو من حديد، فالصناعة محرمة ولا عبرة بها. فيُضمن كأنه حديد لم يصنع، فيدخل في قولنا مكيل أو موزون يصح السلم فيه.

واستدل المذهب على هذا الضابط للمثلى بأن هذا هو الذي يمكن فيه المماثلة. ولكن يقال: يمكن المماثلة في غير هذا، ثم إنه لعل الصنعة فيما سبق لم تتقدم إلى هذا الحد، فتختلف لأنها صنعة يد.

وهذا التعريف للمثلي لا شك أنه يضيقه تماماً، ويجعل المثلى نادراً. والصحيح أن المثلى ماله مماثل، إما مطابق تماماً وإما مقارب، سواء كان مصنوعاً أم غير مصنوع، وسواء كان مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما، وسواء يصح فيه السلم أو لا يصح، فهذا هو المثلى، ويضمن بمثله كما قال الناظم.

وأما المتقوَّم فهو فيما لا يمكن أن يوجد له مثيل، ويضمن بالقيمة بما يساوي وقت الإتلاف لأنه إذا تعذر الأصل رجعنا إلى البدل.

وعلى هذا القول الراجح يضمن الإناء بإناء، والثوب المصنوع بثوب، والحيوان بحيوان. ولا يخرج عن المثلى إلا أشياء قليلة.

ويدل لذلك قصة أم المؤمنين رضي الله عنها، حين كسرت الصحفة فأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم صحفتها ودفعها للتي أرسلت الصحفة وقال: «طعام بطعام وإناء بإناء»[(316)].

ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يستقرض البعير ويرد بعيراً، فقد استقرض بكراً ورد رباعياً خياراً[(317)].

وأما التعليل على هذا فإن ضمانه بمثله تماماً، أو بمقارب له؛ أقرب إلى العدل من ضمانه بالقيمة لأن القيمة لا تماثله، ثم إن القيمة تقتضي المعاوضة؛ لأنها من غير الجنس، فلا يجبر المضمون له على شيء يعتبر كالمعاوضة، لأن من شرط البيع الرضى.

ـ وهذا مثال يتبين به صحة ما رجحناه: الفناجين على المذهب ليست مثلية لأنها ليست مكيلة ولا موزونة، وأيضاً فيها صناعة مباحة، وعلى القول الراجح هي مثلية. وأيهما أقرب إلى المماثلة صاع من بر بصاع من بر، أو فنجان بفنجان من نفس الصنعة؟

لا شك أن فنجان بفنجان أقرب إلى المماثلة، حتى إن الإنسان لا يميز بين هذا الفنجان وهذا.

أما إذا أتلف إنسان شاة حاملاً فإنه يضمنها بما تساويه من القيمة، لأن المماثلة تتعذر هنا، لجهالة ما في بطنها.

مسألة: كيف يجيب المذهب عن حديث: «إناء بإناء»؟

الإجابة: ليس عندهم جواب، اللهم إلا أن يقولوا: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قَدَّر أن هذا الإناء يقارب ذاك في القيمة، وأن النقود عندهم قليلة فكان رجوعه لذلك من باب الضرورة.

مسألة: إذا كانت الزوجة مُفَرِّطة في بيتها وأراد زوجها أن يؤدبها بأن تضمن ما تتلفه من البيت من أثاث أو أوانٍ فهل له ذلك؟

الإجابة: إذا قيده بشيء نعرف أنها مفرطة فلا بأس، أما امرأة عاقلة تطبخ الطعام طبخاً جيداً، لكن فاتها يوم من الأيام فأحرق الطعام أو سقطت جمرة على الفراش كيف تضمن هذه؟!

مسألة: إذا أتلف شيئاً قديماً له مثل في السوق لكن المثل في السوق جديد؟

الإجابة: الظاهر والله أعلم أن نقول لصاحب الشيء المتلَفِ: لك الخيار إن شئت ضمناه شيئاً جديداً وتدفع الفرق، وإن شئت قَوَّمْنا هذا بالقيمة، فيضمن بالقيمة. إلا إذا كان يمكن أن نجد شيئاً مستعملاً كاستعماله فإنه يأتي به بدل المتلَف.

60 ـ فكلُّ ما يحصلُ مما قدْ أُذِنْ***فليس مضموناً وعكسُهُ ضُمِنْ

هذه قاعدة وهي كالتعليل لما سبق، كل ما يحصل من المأذون فليس بمضمون، سواء أُذِنَ به شرعاً أو أُذِنَ به من المالك، وكل ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون.

وهذه قاعدة معروفة عند العلماء (ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون).

وذكروا لذلك أمثلة كثيرة.

منها: سراية الجناية مضمونة، وسراية القود غير مضمونة.

يعني: إنسان جنى على شخص وقطع إصبعه، ثم سرت الجناية إلى النفس ومات الذي قطعت إصبعه، فإن الجاني يضمنه كله لا الإصبع فقط، أو يقتل إذا تمت شروط القصاص.

وأما سراية القود، يعني: القصاص فغير مضمونة فهذا الذي قَطع الإصبع قطعنا إصبعه قصاصاً، لتمام شروط القصاص. ثم إنَّ القطع سرى إلى النفس ومات المقطوع، فإنه لا يُضْمَن؛ لأن قطع إصبعه مأذون فيه شرعاً، بخلاف قطع إصبع المجني عليه فإنه غير مأذون فيه.

ومنها: رجم الزاني المحصن فإنه لا ضمان فيه، لأنه بإذن الله عزّ وجل.

ومنها العارية: إذا تلفت عند المستعير من غير تعدٍ ولا تفريط فإنها لا تضمن على القول الراجح، فيد المستعير يد أمينة. لأن صاحبها أذن فيها؛ وسَلَّط المستعير على مُلكه باختياره.

وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عارية مؤداة»[(318)]، فمعناه: إن بقيت أعطيتك إياها وإلا فلا.

ومنها: تصرف الوكيل على وجه لا تعدي فيه ولا تفريط فإنها لا تضمن.

إذاً، كل ما يحصل مما أذن فيه فليس بمضمون، وكل ما يحصل مما لم يؤذن فيه فهو مضمون، وهذه القاعدة لها أربع صور:

الأولى: ما أذن فيه الشارع والمالك كقطع عضو قصاصاً من مملوك أذن سيده بالقصاص منه فهذا لا ضمان فيه.

الثانية: ما لم يأذن به الشارع ولا المالك كقتل المحرم صيداً مملوكاً بلا إذن مالك ففيه الإثم والضمان فيضمن لمالكه بالمثل أو بالقيمة إن تعذر ويضمن بالجزاء في حق الله تعالى.

الثالثة: ما أذن فيه الشارع دون المالك كإتلاف آلات اللهو فلا ضمان فيه ولا إثم لأن إذن مالكه غير معتبر لتحريم إبقائه عليه.

الرابعة: ما أذن المالك دون الشارع مثل أن يأذن لشخص بقتل نفسه أو قطع عضو منه أو إحراق ماله فالإذن هنا غير معتبر فلا يبيح للمأذون له فعله، فإن فعل فلا ضمان عليه للآذن لكن عليه الضمان لحق الله فيضمن ما يلزمه بهذه الجناية ويصرف إلى بيت المال لكن إن أراد الإمام أن يقتص منه فيما يوجب القصاص فله ذلك فيما يظهر إلا أن يكون الجاني جاهلاً غريراً يظن أن إذن المجني عليه يبيح ذلك فيمتنع القصاص لقوة الشبهة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-12-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:7- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: