الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11- Empty
مُساهمةموضوع: أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11-   أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11- I_icon_minitimeالأربعاء مايو 29, 2013 12:11 am


أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11-
[النور: 2] عام؛ يعني أن أي زانٍ يزني، وأي زانية تزني،
==================================================
يجلد مائة جلدة، لكن إذا كانت الزانية أمة فإنها تجلد خمسين جلدة، لقول الله تعالى: {{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}} [النساء: 25] وإذا كان الزاني عبداً فإنه بجلد خمسين جلدة، بالقياس على الأمة.

وهذا القياس لو أبطل دلالة الآية لقلنا هذا قياس فاسد، لكن لم يبطل الآية إنما خصصها بالقياس الجلي على الأمة.

ومثال القياس المخالف للنص فيكون فاسد الاعتبار: إذا قال إنسان: يجوز للمرأة البالغة الحرة أن تزوج نفسها بغير ولي، كما يجوز أن تبيع مالها بغير ولي، لأن الكل تصرف، فالتزوج تصرف في منفعتها، والبيع تصرف في مالها.

والجواب عن هذا القياس أنه قياس باطل لأنه في مقابلة النص؛ فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تُنْكَح الأيِّم حتى تُسْتأمر، ولا تُنْكَح البكر حتى تُسْتأذن» قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «إذنها أن تسكت»[(269)]. فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تزوج المرأة بغير إذن وبغير ولي، لأنه لو كانت تملك أن تزوج نفسها ما احتاج أن يقول: لا تُنْكَح البكر ولا تُنْكَح الأيم، فلا بد من أن يكون لها ولي. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم مصرحاً بذلك: «لا نكاح إلا بولي»[(270)] وعليه فيكون ما قاسوه فاسد الاعتبار، فيسقط.

ومن قاس قياساً مخالفاً للنص فقياسه باطل من وجهين: الوجه الأول: مخالفة النص. والوجه الثاني: أنه لا بد أن يكون بين المقيس والمقيس عليه فرق، من أجله ثبت الفرق بينهما بالكتاب والسنة. ولهذا قال الناظم: (القياس فافهمنه) . فليس هذا تكميلاً للبيت فقط، بل هو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يعتني بالقياس ويفهم هل القياس صحيح أو لا، وهل يصادم النص أو لا يصادمه؟

مسألة: الأصل أنها لا تجزئ عبادة غير المميز، ولا تصح منه، إلا الحج فيستثنى؛ هل يمكن أن يقاس المجنون على غير المميز في صحة الحج؟

والجواب أن نقول: بعض العلماء قاس المجنون على غير المميز، وبعضهم قال: يمتنع القياس؛ لأن غير المميز ليس فاقداً للعقل، بل لم ينشأ عقله بعد، بخلاف المجنون. وفرق بين شخص لم ينشأ فيه العقل والتمييز، وبين شخصٍ فقده، فمنعوا القياس.

والذي يظهر لي أنه لا يصح من المجنون بل لو جن في أثناء الحج فإن حجه يبطل، ما لم يُعْلم أن جنونه مؤقت، يعني مثل إنسان يصيبه الجنون ساعة أو ساعتين أو ثلاثاً، فهذا لا يبطل.

مسألة: هل يقاس على المستثنى من القاعدة؟

والجواب أن نقول: نعم، يقاس بشرط التساوي في العلة. ولهذا العرايا وردت في ثمر النخل وأجازها شيخ الإسلام رحمه الله في العنب، كإنسان عنده زبيب ويريد عنباً جنيّاً[(271)]..

بقي النظر في استصحاب الحال والاستحسان: هل هما من الأدلة أم لا؟

أما استصحاب الحال فمعناه: أن يبقى الشيء على ما كان عليه.

فمثلاً: إذا قال قائل: هل تجب صلاة سادسة؟ قالوا: لا تجب، قال: ما هو الدليل؟ قالوا: الدليل استصحاب الحال وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. هل يحرم هذا النوع من البيع، قالوا: لا، قال: ما هو الدليل؟ قالوا: الدليل استصحاب الحال، لأن الأصل في البيوع الحل.

وهل هذا النوع من الطير حلال؟ قالوا: نعم والدليل على ذلك استصحاب الحال، فنقول: إن استصحاب الحال ليس دليلاً مستقلاً بل هو مقتضى الكتاب والسنة والقياس.

فمثلاً: لا تشرع صلاة سادسة لأن الله تعالى أنكر على الذين يشرعون في دينه ما ليس منه وقال نبيه صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(272)].

ـ رجل باع بيعاً معيناً قلنا هذا البيع حلال، ولا نقول: إن الدليل استصحاب الأصل لأننا عندنا آية من القرآن: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}} [البقرة: 275] ، كذلك هذا الطير حلال لقوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] وهذا مما في الأرض فنحن في غنى عن استصحاب الحال، ولا حاجة إلى أن نجعله دليلاً مستقلاً.

وأما الاستحسان فنقول: ليس دليلاً، لأنه إن كان لا ينافي ما جاءت به الشريعة فإنه ثابت بالدليل الشرعي في قوله تعالى: {{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}} [البقرة: 195] ، وإن كان هذا الاستحسان ينافي الشريعة فليس بحسن وإن ظنه صاحبه حسناً، وبهذا نعرف أننا مستغنون عن الاستحسان.

فلو قال قائل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألزم الناس بأن الطلاق الثلاث تَبِين به المرأة ولا رجعة فيه، مع أنه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة، لكن لما كثر وقوعه من الناس ألزمهم به[(273)]، وهذا هو الاستحسان.

فالجواب: أن هذا ليس استحساناً غير مبنيٍّ على أصل، بل له أصل، وهو القياس: لأن الله سبحانه وتعالى قال: {{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}} [النساء: 160] والناس لما ظلموا في الطلاق الثلاث وصاروا يُطْلِقُونه ويكثرون منه، صار هذا ظلماً، فكان من الحكمة الموافقة للحكمة الإلهية أن يمنعوا من الرجوع، كما منع بنو إسرائيل من بعض الطيبات لظلمهم.

إذاً ليس إمضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه للطلاق الثلاث، والحيلولة بين المرء وزوجته ليس مجرد استحسان رأي، ولكنه مبني على قياس صحيح، فهو لم يخرج عن الأدلة الأربعة التي دل الكتاب والسنة والنظر الصحيح على ثبوتها.

وإذا كان الاستحسان بالرأي لم تأت به الشريعة، فإنه ليس بحسن ولو ظنه صاحبه حسناً. سواء كان ذلك في الأمور العلمية أو في الأمور العملية.

مثاله في الأمور العلمية: ظن أهل التعطيل من الأشعرية والمعتزلة والجهمية أن نفي الصفات عن الله هو الأحسن قالوا: لأن ذلك تنزيه الله عن مماثلة المخلوقين، فعقولنا تستحسن أن نقول: ليس لله وجه، وليس لله عين، وليس لله يد، وليس لله استواء، وليس لله نزول إلى السماء الدنيا، ولا يضحك الله ولا يفرح، ولا يحب ولا يكره، ولا يسخط ولا يبغض، فهم استحسنوا هذا ورأوه عقيدة يجب أن يموت الإنسان عليها.

ولكن يقال: إن هذا الاستحسان ليس بحسن، بل هو قبيح وإن رأوه حسناً.

ومثاله في الأمور العملية: ما ابتدعه الصوفية من الأذكار والتسبيحات والمسابح، وما أشبه ذلك ظناً منهم أن هذا هو الحسن، وأن هذا هو الذي تحصل به العبادة ورقة القلب وما أشبه ذلك.

واستحسانهم هذا لا يجعل هذه الأمور مشروعة.

فالاستحسان إذاً ليس بدليل، لأن الاستحسان إن شهد الشرع بحسن ما استُحسن فهو من الشرع الثابت بالكتاب أو السنّة أو القياس، وإن لم يستحسنه فإنه ليس بحسن وإن ظنه صاحبه حسناً.

فصح أن الأدلة التي تقوم بها الحجة أربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والقياس[(274)].

مسألة: لو قيل: إن حجة الاستحسان ورد بقول ابن مسعود رضي الله عنه: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن»[(275)].

والجواب أن نقول: أولاً: إن هذا الأثر فيه نظر في ثبوته، ثم إن مراد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن المؤمنين لا يمكن أن يستحسنوا ما لم يستحسنه الله وأن المؤمن يُهدى إلى الصراط المستقيم بما أعطاه الله تعالى من النور.

مسألة: قلنا: إن الله تعالى قال: {{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}} [النساء: 160] وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الطلقة الواحدة ثلاثاً، ثلاث طلقات بائنة لا رجعة بعدها. لكن المشرّع في الآية هو الله عزّ وجل، وهنا عمر بن الخطاب ثم إن قياسه هنا خالف نصاً مجمعاً عليه من قبل في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلافة أبي بكر وصدر خلافته رضي الله عنهما. فهل نقول: إن القياس هذا صحيح؟.

الإجابة: تحريم الله عزّ وجل على اليهود هذه الطيبات موافق للحكمة. إذاً من الحكمة أن الناس إذا أذنبوا أن يمنعوا بعض ما أحل الله لهم.

فإن قيل: إن القياس الصحيح لا يكون مصادماً للنص، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل الثلاث طلقات طلقة واحدة، وكذلك أبو بكر رضي الله عنه، وأما عمر رضي الله عنه فجعلها ثلاث طلقات ففيه مصادمة؟

فالجواب: أنه ليست فيه مصادمة، لأن الرجعة حق للإنسان، له أن يراجع، ولولي الأمر أن يمنعه من المراجعة تأديباً، فهي نوع من التعزير، ولهذا لو أن الناس راجعوا في عهد عمر ثم منع الرجعة بعد حصولها كان هذا هو المصادم للنص، أما إذا منعهم أن يرجعوا فهو لم يصادم؛ لأنه منعهم من حق لهم تعزيراً عليهم، لأنهم تعجّلوا في أمر كان لهم فيه أناة.

وتوضيح ذلك: أن الرجل لما قال لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، يريد بذلك أن يتعجّل أمراً جعل الله له فيه أناة، لأنك لو سألته: لماذا فعل ذلك؟ لقال: من أجل أن لا أراجعها فهو لم يقله تأكيداً، بل تأسيساً، يريد أن لا يراجع، وإذا طلق الثلاث تطليقات جميعاً لئلا يراجع، فهذا محادة لله؛ لأن الله تعالى جعل الطلاق طلقة ثم رجعة ثم طلقة ثم رجعة ثم طلقة، وهذا حاد الله فيكون حراماً، ولهذا جاء في الحديث أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قام غضباً وقال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم»[(276)] في الرجل الذي طلق زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة. فعمر رضي الله عنه قال: هم أرادوا أن يتعجّلوا. فنحن نؤدبهم بأن نمنعهم من الرجوع من حق كان لهم.

فإن قيل: هل للعلماء في العصر الحاضر أن يجروا ما أجراه عمر رضي الله عنه أو أن هذا خاص بالخلفاء إذا رأوا تساهلاً في بعض الأمور؟.

الإجابة: إذا كان الناس لا ينتهون بدونه فلا بأس، وقد يقال: إن عمر رضي الله عنه له سنّة متبعة.

مسألة: كيف تسمى الأحكام الشرعية تكليفية ومنها ما لا يكلف به كالتطوع؟.

الإجابة: هي تكليفية بمعنى: أن العبد مأمور بها أو منهي عنها وحتى المستحب هو مكلف به بأن يعتقد أنه مشروع على وجه الاستحباب، والمكروه مكلف به على أن يعتقد بأنه منهي عنه على سبيل الكراهة، وليس معنى تكليفية أن الإنسان يكلف ما لا يطيق لأن الله تعالى قال: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] فأثبت التكليف بالوسع ونفى التكليف بغير الوسع.

51 ـ واحكمْ لكلِّ عاملٍ بنيتِهْ***واسْدُدْ على المحتالِ بابَ حيلتِهْ

قوله: (واحكم لكل عامل) : (واحكم) : فعل أمر، فكل عامل يحكم له بنيته؛ إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

والعمل يشمل القول والفعل بل ويشمل عمل القلب وهو إرادته.

ومن تأثير النية في العمل أنك قد تجد رجلين يصلّيان ساجدين؛ أحدهما يسجد للشمس، والثاني يسجد لخالق الشمس، وصورة العمل واحدة، لكن من يسجد لله فعمله مرضي عند الله، ومن يسجد للشمس فعمله مسخوط عند الله. ولهذا سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»[(277)]. فبين صلّى الله عليه وسلّم أن الرجلين قد يقاتلان جميعاً أحدهما في سبيل الله، والثاني في سبيل الطاغوت.

وكم من طالبين للعلم في مكان واحد، وأمام مدرّس واحد، وبينهما كما بين السماء والأرض؛ باعتبار النية.

فالنية لها تأثير كبير في تصحيح العمل وتكميله، أو إبطاله ونقصانه.

وهذه القاعدة، وهي الحكم على الإنسان بنيته مستفادة من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»[(278)]. وهذا الحديث من أجمع الأحاديث وأعظمها، وعليه مدار أعمال القلوب كلها، ولا يمكن أن يقع فعل من عاقل مختار بدون نية إطلاقاً، وهذه النية عليها مدار الجزاء من ثواب أو عقاب، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإنما لكل امرئ ما نوى».

وينبني على هذه القاعدة مسائل كثيرة، حتى إن بعض العلماء قال: إن هذا الحديث نصف العلم؛ لأن العلم هو العلم بالأحكام، والأحكام إما ظاهرة وإما باطنة، فالباطنة ميزانها حديث عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنيات»؛ والظاهرة ميزانها حديث عائشة رضي الله عنها: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(279)] وهذا صحيح، وهما بمعنى قولنا: إن شرطي العبادة الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالإخلاص يكون بالنية، والمتابعة تكون بالعمل الظاهر. ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الدين كله يدور على هذين الحديثين. بل لو قيل: إن الدين كله ينبني على هذا الحديث «إنما الأعمال بالنيات». لم يكن بعيداً؛ لأنه حتى العمل الظاهر لو كان موافقاً للشريعة في ظاهره ولكنه بدون إخلاص فهو باطل، وإن أردت مزيد كلام على الحديثين فراجع شرح ابن رجب للأربعين النووية.

ثم قوله: (واسدد على المحتال باب حيلته) : يعني أن من أراد التحيل على محارم الله بما يفعل فاسدد عليه باب الحيلة وألغ حيلته، سواء كان ذلك في حق الله أو في حق العباد، وسواء كان ذلك في التحيل على إسقاط واجب، أو التحيل على فعل محرم.

والحيلة: هي التوصل إلى إسقاط الواجب أو فعل المحرم بطرق خفية؛ ظاهرها الإباحة وحقيقتها التحريم.

وذلك أن الإنسان لو أسقط الواجب صراحةً لكان الناس كلهم يلومونه، ولو انتهك المحرم صراحة لكان الناس كلهم يلومونه، لكن يأتي الإنسان بعمل، صورته صورة الإباحة، والمراد به التوصل إلى المحرم.

مثال ذلك في الصلاة: من أكل بصلاً فإنه لا يجوز أن يأتي لصلاة الجماعة، ويمنع من دخول المسجد، ولو دخل المسجد فإنه يخرج منه، كما كان الناس يُخْرَجُون في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم من المسجد من تبينت منه رائحة البصل أو الكراث أو الثوم[(280)]، فيأتي رجلٌ يريد أن يدع الجماعة فيقول: إن تركت الجماعة هكذا بلا سبب فكل الناس سوف يلومونني، ولكنني آكل البصل لأجل أن يكون ذلك مانعاً لي من حضور المسجد، فحينئذٍ نقول: يحرم عليه أكل البصل لكونه أراد بهذا المباح الذي هو أكل البصل حيلة يتوصل بها لإسقاط واجب عليه، وهو صلاة الجماعة؛ ويحرم عليه ـ أيضاً ـ ترك الجماعة، فيكون آثماً بتركها، أما من أكل البصل لأنه اشتهاه أو لحاجة فإنه لا يذهب إلى المسجد، ولا إثم عليه ولا عقوبة؛ لأن الأعمال بالنيات.

ـ مثال آخر في الصيام: رجل أراد أن يجامع زوجته، أو يأكل، أو يشرب في نهار رمضان وعرف أنه لو بقي في بلده لم يتمكن من ذلك ولأنكر عليه الناس، فسافر إلى بلد آخر من أجل أن يتمكن من ذلك. فإن السفر في حقه محرّم، والفطر محرّم؛ لأن هذا السفر حيلة لإسقاط الواجب. فتحرم الوسيلة والغاية، فيحرم السفر ويحرم الإفطار.

ـ مثال آخر في الزكاة: من المعلوم أن من شرط وجوب الزكاة أن يبقى النصاب في ملك الإنسان طوال السنة. لكن هذا الرجل لما قارب انتهاء السنة أراد أن يسقط الزكاة عن نفسه بالحيلة فوهب ماله لولده ومعلوم أن الإنسان إذا وهب الشيء ولو لولده انتقل ملكه إلى الموهوب له، ثم رجع في هبته، لأن الوالد يجوز أن يرجع في هبته التي وهبها لولده، ومراده بذلك إسقاط الزكاة لأنه برجوعه فيما وهب لولده يستأنف حولاً جديداً، فنقول: إن هذه الهبة حرام، لأنها حيلة لإسقاط واجب.

أما لو وهب ماله لولده تودداً إليه أو قياماً بحاجة له، أو ما أشبه ذلك فإنه يؤجر، ولا تجب عليه الزكاة فيما وهبه لولده ولو كان قبل حلول وقتها بيسير.

ـ مثال آخر في الحج: من شروط وجوب الحج أن يكون عند الإنسان مال يستطيع به الحج، فوهب ماله لابنه عند موسم الحج، حتى إذا جاء الحج لم يكن عنده مال يحج به، فهذه الهبة حرام لأنها حيلة لإسقاط واجب.

أمثلة في المعاملات:

ـ مثال في البيع : الربا معلوم للمسلمين أنه حرام، فلو جاء إنسان إلى آخر، وقال: أريد أن تعطيني ألفاً بألف ومائتين إلى سنة، فقال له المطلوب منه: هذا ربا لا يجوز، ثم قال: أنا أبيع عليك هذه السلعة بألف ومائتين إلى سنة، فباعها عليه ونيته أن يشتريها منه نقداً بألف، فباعها عليه بألف ومائتين إلى سنة، ثم رجع واشتراها منه بألف نقداً، فهذه حيلة، حقيقتها أنه أقرضه ألفاً بألف ومائتين إلى سنة، وهذا هو الربا، وهذه المسألة تسمى العِينَة، وفاعلها قد أدرك إثم الربا، وزاد على ذلك بالحيلة على فعل المحرم.

ـ جاء شخص لآخر وقال: أقرضني خمسين ألفاً أريد أن أشتري بها سيارة، فقال: أقرضك خمسين ألفاً على أن توفيني ستين ألفاً، قال: هذا ربا لا يجوز، فقال: إذاً أنا أشتري السيارة وأبيعها عليك، فاشتراها التاجر بخمسين نقداً وباعها عليه بستين مؤجلة، فهذه حيلة؛ لأن التاجر ما اشترى السيارة ولا دار في فكره أن يشتريها، لولا أن هذا جاء إليه وقال: أنا أريد أن تقرضني خمسين ألفاً.

ـ عمرو له مُلْك مشترك بينه وبين زيد، فباع عمرو نصيبه على خالد، فلزيد أن يأخذ هذا النصيب بالشفعة، بأن يأتي لخالد ويقول: أنا مُشَفِّع، فيأخذه قهراً من خالد ويسلم خالداً الثمن الذي اشترى به، وهذا قضى به النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: جابر رضي الله عنه: «قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يقسم»[(281)]. لكن خالداً خاف أن يُشَفِّع زيد، فكتب بأني وقفت الشِّقص ـ أي النصيب ـ الذي اشتريته من عمرو، ومراده بالوقف أن يسقط حق زيد في الشفعة، لأن الوقف لا يمكن أن يؤخذ بالشفعة. فنقول: لا يسقط حق زيد في الشفعة؛ لأن هذا الوقف لا يصح، لأنه حيلة لإسقاط واجب لزيد ـ وهو الشريك ـ لئلا يُشَفِّع.

ـ ومن ذلك أيضاً إذا اشترى شيئاً فإن البائع بالخيار ما دام في مجلسه، فيقوم المشتري فور الشراء، ويفارق المجلس لإسقاط حق البائع في الخيار. فهذا أيضاً حرام، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله، لأن هذا حيلة على إسقاط حق البائع في الخيار. وكذلك لو قام البائع لإسقاط حق المشتري في الخيار، فإنه لا يحل.

ـ مثال في النكاح: رجل طلق زوجته الطلقة الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطأها. وكانت أم أولاده ففقدها وحزن عليها وفكر ماذا يفعل، فقال: أذهب إلى صديقي، وأقول: خذ هذه العشرة آلاف وتزوج هذه المرأة، ولكن أشترط عليك شرطاً: أنك إذا جامعتها تتركها حتى تطهر من الحيضة بعد الجماع، ثم تطلقها، فاتفقا على ذلك فهل تحل للأول بهذا؟ نقول: لا تحل للأول، كما أشار إليه في قوله تعالى: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا}}، أي الثالثة: {{فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}} [البقرة: 230] وتأمل قوله: {{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا}} فإنه يدل على أنه لا بد أن يكون النكاح صحيحاً؛ تكون فيه المعقود عليها زوجة، ويكون المعقود له زوجاً، وهذا لا يصح مع نية التحليل، لأنها تحيل على تحليل ما حرم الله عزّ وجل، لأن هذا النكاح الذي حصل من صديقه لا يراد به مقصود النكاح، إنما يراد به الفراق لتحل للزوج الأول، ففي هذه الحال لا تحل الزوجة للثاني لأن نكاحه باطل ولا للأول لأن نكاح الثاني غير صحيح فلا يترتب عليه حكم.

ـ لو أن الزوج الثاني لم يُشْتَرط عليه لكن رأى أن صديقه حزن على فراق أم أولاده، فذهب إلى أهلها وخطبها منهم وعقدوا كل مراسم الزواج ولما جامعها طلقها، ولم يعلم بذلك أحد، فهل تحل للأول؟ نقول: لا تحل. مع أن النكاح بشهود ورضى وكل ما يلزم لذلك لأن الأعمال بالنيات، ونكاح الثاني ليس نكاح رغبة بل نكاح تحليل، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لعن المحلل والمحلل له[(282)].

ـ ومن الحيل على فعل المحرم في حق الله عزّ وجل ما جرى لأصحاب السبت، فإنه حرم عليهم أن يصطادوا يوم السبت فطال عليهم الأمد، فعمدوا إلى شباك يضعونها يوم الجمعة، فتأتي الحيتان يوم السبت، فتقع في هذه الشباك، فإذا كان يوم الأحد أخذوها؛ أي: أخذوا الحيتان، وقالوا ـ بزعمهم ـ: إننا لم نصِد يوم السبت، فتحيلوا على محارم الله بمثل ذلك، وهذا لا يعفيهم من الإثم، ولهذا قال الله تعالى: {{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ *}} [البقرة: 65] .

وعلى هذا نقول: إن جميع الحيل التي يتوصل بها الإنسان إلى إسقاط واجب أو فعل محرم، فهي باطلة. والدليل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات»[(283)] فكل إنسان يعامل بمقتضى نيته. ولهذا قال:

واحكم لكل عامل بنيته***واسدد على المحتال باب حيلته

فإذا قال قائل: هل كل حيلة ممنوعة؟

فالجواب: ليس كل حيلة ممنوعة، بل الممنوع هو الحيلة على إسقاط واجب أو انتهاك محرم، أما الحيلة التي يسلم بها الإنسان من المحرم فهذه جائزة، ولذا لما جيء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بتمر جيد قال: «أَكُلُّ تمرِ خيبر هكذا؟» قالوا: لا، ولكن نأخذ الصاع من هذا بصاعين والصاعين بثلاثة، قال: «هذا عين الربا، لكن بيعوا الرديء بدراهم، واشتروا بالدراهم جيداً»[(284)].

فهذه حيلة لكنها جائزة؛ لأنها حيلة لتوقي الحرام لا للوقوع في الحرام.

إذاً فالحيل الممنوعة: كل حيلة يتوصل بها الإنسان إلى إسقاط واجب أو فعل محرم.

52 ـ فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ***كما أَتَى في خبرِ الثقاتِ

هذا البيت استدلال لقولنا في البيت السابق: «واحكم لكل عامل بنيته» وهو جزء من حديث اتفق البخاري ومسلم وغيرهما على إخراجه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»[(285)]. يعني ما الأعمال إلا بالنيات؛ ولهذا روى هذا الحديث على هذا الوجه ـ لا عمل إلا بنية ـ لكن أكثر الألفاظ: «إنما الأعمال بالنيات أو بالنية»، يعني أن العمل على حسب النية، إن نوى بذلك الدنيا فهو للدنيا، وإن نوى بذلك الآخرة فهو للآخرة، وهذا هو أحد المعاني لهذه الجملة؛ وبناءً عليه يكون قوله: «وإنما لكل امرئ ما نوى» يعني أن من نوى شيئاً أدركه، فيكون الأول مراداً به نية الفاعل والثاني مراداً به ثواب الفاعل، أو ثمرة هذه النية وما يترتب عليها.

فإذا نويت التقرب إلى الله بصلاتي، كان لي القرب الذي نويته. لأن لكل امرئ ما نوى، وقال بعض العلماء: إن معنى الجملة الأولى أنه لا يمكن أن يقع عمل إلا بنية؛ وعلى هذا نسد على الموسوسين باب الوساوس؛ إذا قال مثلاً: توضأت، ولكن ما نويت نقول: لا يمكن، ليس هناك عمل إلا بنية، إلا شخصاً مكرهاً أو نائماً أو ساهياً أو ما أشبه ذلك. وأما أن يعمل شخصٌ العمل، وهو يقظ مختار، فلا بد أن يكون قد نواه. ولهذا قال بعض العلماء: لو كَلَّفَنَا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، وعليه فيكون معنى الجملة الأولى «إنما الأعمال بالنيات» بناءً على واقع الأمر، وليس على نية الشخص وأنه ما من إنسان يعمل عملاً إلا وقد نواه حتى البيع والشراء.

وتكون الجملة الثانية: «وإنما لكل امرئ ما نوى» جملة مستقلة منفصلة عن الأولى، تفيد بأن الإنسان له ما نواه من عمل، وله ما نواه من ثواب، فإذا نوى مثلاً: صلاة الظهر حصل له صلاة الظهر، إذا نوى الوتر حصل له الوتر وهلم جرا.

فتكون الجملة الأولى باعتبار الواقع، وتكون الثانية باعتبار ما يحصل من العبادة أو من الثواب، يعني لك ما نويت.

وعلى هذا فلو أن إنساناً أتى المسجد ليصلّي الظهر فدخل مع الناس ولم يخطر بباله أنها الظهر أو العصر، لكن دخل على أن هذه الصلاة هي فرض الوقت الذي حان الآن، فهل تصح صلاته؟ نقول: أكثر العلماء على أنها لا تصح لأنه لا بد من التعيين، فلا بد أن ينوي في الظهر أنها الظهر، وفي العصر أنها العصر وهكذا.

لكن بعض العلماء يقول: يكفي أن ينوي فرض الوقت، وهذا لا يخفى ما فيه من السهولة على الخلق، لأن الإنسان قد يغيب عن باله التعيين، لا سيما إذا جاء والإمام راكع، فتجده يسرع من أجل إدراك الركوع، وينسى أن يُعيِّنَ أن هذه صلاة الظهر أو العصر أو غيرهما.

فهذا القول قاله بعض فقهاء الحنابلة وله حظ من النظر وفيه سعة على المسلمين[(286)].

وإنني بهذه المناسبة أود أن أبيّن أن ما ابتلي به كثير من الناس اليوم من الوساوس ـ إنما هو لكثرة الفراغ، وعدم الانشغال، وعدم الجد في العمل ـ فتجد الرجل يتوضأ ويقول: ما نويت، يتوضأ ويقول: ما أكملت المضمضة، أو ما أكملت الاستنشاق، يغتسل ويقول: ما نويت رفع الحدث. يصلِّي فيقول: ما كَبَّرت، ما قرأت الفاتحة، وما أشبه ذلك من الوساوس العظيمة، فيقال: إنه لا أثر لهذه الوساوس لأن أي عمل لا يوجد إلا بنية[(287)].

ويذكر أن رجلاً أتى إلى الشيخ علي بن عقيل رحمه الله أحد فقهاء مذهب الإمام أحمد المعتبرين، فقال له: إني انغمست في نهر دجلة لرفع الجنابة، ثم خرجت وأنا في شك من ذلك، أو كما قال. فقال له الشيخ ابن عقيل: أرى أن لا تصلّي، قال: ولِمَ؟ قال: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق»[(288)]، وما أظن رجلاً عليه جنابة، ينغمس في نهر دجلة، ثم يقول: ما نويت رفع الحدث، أو أنا شككت فيه. وهذا من أبلغ السخرية بهذا الرجل[(289)].

ومن ذلك أن بعض الناس يبتلى بالوساوس في طلاق زوجته فتجده لو فتح كتاباً يقرؤه خُيِّلَ له أنه قال: امرأتي طالق إن فتحت هذا الكتاب، ولو خرج من البيت خُيِّلَ له أنه قال: إن خرجت فامرأتي طالق وما أشبه ذلك، حتى يلجئه الوسواس إلى أن يطلق امرأته حتى يرتاح من هذه الوساوس!

ومن كانت هذه حاله فإنه لا يعتبر له طلاق، حتى لو طلق باللفظ الصريح، إذا كان الحامل له على ذلك الوسواس؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا طلاق في إغلاق»[(290)]، وأي إغلاق أشد من الوسواس الذي يكبت الإنسان ويسيطر على عقله[(291)]؟!

53 ـ ويَحْرُمُ المُضِيُّ فيما فَسَدَا***إلا بحجٍّ واعتمارٍ أَبَدَا

إيقاع العقود الفاسدة أو الشروط الفاسدة حرام لا يجوز؛ لأن الفساد نتيجة التحريم وثمرته، فلا فساد إلا بتحريم. ولهذا نقول: كل فاسد محرّم، وليس كل محرّم فاسداً، ومعنى «فاسد»: أي لا تترتب عليه أحكامه، فمثلاً: الظهار محرّم، والدليل قوله تعالى: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} [المجادلة: 2] لكنه ليس فاسداً، لأنه يترتب عليه أحكامه؛ فلا يحلّ له أن يمسها حتى يكفِّر.

ـ الزنى محرم ويترتب عليه أحكام: منها إقامة الحد، وكذلك على قول كثير من العلماء أن الزانية تعتد ثلاثة قروء، كما تعتد المطلقة والصحيح أن الزانية لا عدة عليها إذا كانت ذات زوج، أما إذا كانت غير متزوجة فعدتها استبراء بمعنى أن تحيض حيضةً واحدةً، وإنما قلنا: إنه ليس على ذات الزوج عدة لئلا تشتبه الأنساب؛ فلزوجها أن يجامعها في الحال وإذا أتت بولد فهو للزوج ـ للفراش ـ وللعاهر (أي: الزاني) الحجر.

ـ الطلاق في الحيض حرام، وعلى رأي جمهور العلماء ليس بفاسد، بل هو نافذ ويصح.

قوله: (فيما فسدا) : ما: اسم موصول عام فكل شيء فاسد فهو حرام؛ فلا يحل المضي فيه سواء طرأ عليه الفساد، أم كان فاسداً من الأصل؛ لأن المضي في الفاسد مضادة لله عزّ وجل، لأن الله تعالى إنما حرم هذا الشيء وأفسده لئلا يرتكبه الناس، والمضي فيه ارتكاب له، وله أمثلة:

في الطهارة:

ـ رجل يتوضأ وفي أثناء الوضوء تبين له أن الماء نجس، فلا يجوز له المضي فيه؛ لأن الطهارة بالماء النجس فاسدة بالاتفاق، والمضي في الفاسد مضادة لله ورسوله صلَّى الله عليه وسلم.

في الصلاة:

ـ رجل يصلّي فأحدث في أثناء الصلاة، فلا يجوز له المضي فيها، لأنها فسدت، والواجب أن ينصرف فإن استمر كان آثماً.

ـ رجل قام يصلّي، ثم ذكر في أثناء الصلاة أنه لم يتوضأ، فصلاته فاسدة، بل لم تنعقد أصلاً، فلا يجوز له أن يتمها، والواجب عليه أن ينصرف، حتى ولو كان إماماً، فإذا قال: أستحيي أن أخرج أمام الناس، فيقولون: إنني أحدثت، فنقول له: لك حيلة، ضع يدك على أنفك لتوهم أنك أرعفت[(292)]، وهذه من التورية الجائزة وهي تورية بالفعل، وإذا انصرف فإنه يقول لواحد منهم: أتم بهم الصلاة؛ فإن لم يفعل فلهم أن يُقَدِّموا أحدهم يتم بهم الصلاة، فإن لم يفعلوا أتموا فرادى.

في الصيام:

ـ امرأة صائمة ثم حاضت في أثناء النهار، فلا يجوز لها أن تمضي في الصوم لفساده بالحيض.

وكذلك لو أن شخصاً صام رمضان، ثم أفطر في أثناء النهار، فإنه يحرم عليه أن يمضي في الصوم تعبداً، لكنه يُلْزَمُ بالإمساك احتراماً للزمن، ما لم يكن فطره مباحاً؛ فإن كان فطره مباحاً فله أن يأكل ويشرب في بقية يومه؛ كرجل احتاج إلى الفطر لإنقاذ معصوم، فأنقذه، ولكنه لم يتمكن من إنقاذه إلا بعد أن شرب، فقد فسد صومه، ولا يمض فيه على أنه صوم، وله أن يأكل بقية يومه، لأنه لم ينتهك حرمة الزمن إلا على وجه مأذون له فيه، ففطره حلال، وإمساكه بقية النهار غير لازم.

في البيع:

ـ تبايع رجلان شيئاً مجهولاً، كبيع الحمل في البطن، وبيع المجهول فاسد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه[(293)]، ثم تبين لهما بعد العقد أن البيع فاسد، فلا يجوز لها أن يمضيا في البيع، بل يجب أن يقطعاه، وأن يعود لكل واحد منهما ماله الذي كان له قبل العقد، لأن هذا البيع فاسد.

ـ لو أن إنساناً عقد عقداً ربوياً، بأن باع درهماً بدرهمين، أو صاعاً من البر بصاعين من البر، فإن هذا عقد فاسد يجب رده، ويحرم أن يمضي فيه، فترد السلعة إلى البائع، ويرد الثمن إلى المشتري.

ودليل ذلك من السنة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أُتي بتمر فوجده جيداً، فقال: «ما هذا؟» قالوا: كنا نشتري الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ردوه»[(294)]. فأمر برده لأن هذا ربا، والربا يجب رده.

وهكذا كل ما مُلِك بعقد فاسد، فإن الواجب رده على صاحبه، وعدم تملكه.

لكن لو قال قائل: رجلان عقدا عقد ربا، فأعطى أحدهما الآخر مائة ألف، على أن يرد إليه مائة وعشرين ألفاً بعد سنة فأخذها، وتصرف فيها، وبعد مضي سنة قال ـ أي الذي أخذ الدراهم ـ للذي أعطاه إياها: هذا عقد ربا، والربا حرام، وقد لعن النبي صلّى الله عليه وسلّم آكله وموكله[(295)]، ولا يمكن أن أُوكِلَكَ ربا، فأدخل في اللعن.

فيقال له: سبحان الله! اليوم تخشى الله، وبالأمس لا تخشى الله؟! ما الذي جعله اليوم ربا لا يجوز المضي فيه، وكان بالأمس عقداً جائزاً؟!

وهنا يقع الإشكال، هل نقول: إن الذي أعطى الدراهم لا يستحق الزيادة، والذي أخذ الدراهم يكون قد تكسَّب بها وانتفع بها مدة عام كامل، ولا نأخذ منه شيئاً؟!

الجواب: لا، إن هذا لا تأتي بمثله الشريعة، ولكن نقول: لباذل الدراهم ليربي فيها: ليس لك إلا رأس مالك، وأما الآخذ فنأخذ منه ما اتفقا معه عليه من الربا ونضعه في بيت المال، أو نتصدق به على الفقراء، أو يصرف فيما ينفع المسلمين.

فنسد على كل واحد منهما باب التحريم، ونعامل كل واحد بنقيض قصده.

في الإجارة:

ـ أَجَّر رجل دكانه لحالق اللحى، نقول: هنا الإجارة فاسدة، فلا يجوز المضي فيها، بل يجب فسخها، ورجوع الدكان إلى صاحبه، ورَدّ ما كان من الأجرة إلى المستأجر، إلا إذا انتفع المستأجر بالدكان مدة، فإنه يؤخذ منه أجرة المثل وتُعْطَى لصاحب الدكان لقاء الانتفاع به، ولا يؤخذ منه القسط من الأجرة المعقود عليها.

مثال: استأجر حالق اللحى هذا الدكان ليحلق اللحى فيه، باثني عشر ألف ريال في السنة، فقلنا: هذا عقد فاسد، وقد مضى ثلاثة أشهر على العقد، فإننا نأخذ الدكان منه، ونعطي صاحب الدكان أجره، لكن لا نعطيه ثلاثة آلاف ريال، بل نعطيه أجرة المثل، فلو كانت أجرة هذا الدكان تساوي أربعة وعشرين ألف ريال في السنة، فإننا نعطيه لثلاثة أشهر ستة آلاف ريال، ولو قلنا: له القسط من الأجرة المتفق عليها، لأعطيناه ثلاثة آلاف ريال.

إذاً له أجرة المثل لأن هذا العقد فاسد، والفاسد لا يجوز لنا أن ننفذه على حسب ما عقد. وإذا فسد يرجع إلى أجرة المثل.

مسألة: كيف يأخذ صاحب الدكان الذي أَجَّره على الحلاق الأجرة على محرم؟

الإجابة: هو محرم لا شك، لكن بناءً على أن الحلاق استفاد المنفعة المحرمة فيؤخذ منه العوض، حتى لا يُجْمَع له بين العِوَض والمُعَوَّض عنه.

لكن هل صاحب الدكان يجب عليه أن يتصدق بالعوض تخلصاً منه أو لا؟

نقول: إذا كان عالماً أن العقد محرم وَجَبَ عليه التخلص منه بالصدقة؛ وإذا لم يكن عالماً فهو معذور، ولا يجب أن يتخلص منه.

في النكاح:

ـ رجل تزوج امرأة ثم بعد العقد عليها تبين أنها أخته من الرضاع، فالعقد هنا فاسد، فيجب عليه أن يفارقها.

إذاً هذه القاعدة قاعدة مهمة جداً: لا يجوز للإنسان أن يمضي في عبادة تبين له أنها فاسدة، ولا في عقد تبين له أنه فاسد. للدليل والتعليل:

أما الدليل: فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(296)]، ومضيه في العمل الفاسد ليس عليه أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقال في البيوع: «من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل»[(297)]، وفي النكاح لما جاءه الرجل الذي قال له إن امرأة قالت: إني قد أرضعتكما له ولزوجته أمره أن يفارقها وقال: «كيف وقد قيل؟!»[(298)].

أما التعليل: فلأن المضي في شيء فاسد يتقرب به إلى الله نوع من الاستهزاء، لأن هذا الفاسد لا يرضاه الله، فهل يكون من التعظيم أن تقدم لله ما لا يرضاه لتتقرب به إليه؟! بل هذا من الاستهزاء. أرأيت لو أن شخصاً من الناس نزل ضيفاً عليك وأنت تعرف أنه لا يشتهي هذا الطعام الفلاني فقدمته له وهو لا يأكله ولا يرضاه فإن هذا يعد إهانة واستهزاءً.

ولأن المضي فيما فسد محادة لله عزّ وجل ومضادة لحكمه؛ فإن الله تعالى لم يحرمه إلا لئلا يقع من الناس فإذا صححناه كان ذلك من المحادة لله ورسوله.

ثم استثنى المؤلف بقوله: (إلا بحج واعتمار أبدا) :

يعني: أنه لا يحرم المضي في فاسد الحج والعمرة، بل يجب المضي فيه.

وقوله: (أبدا) هنا بمعنى الفريضة والنافلة، أو يقال هذا من باب التأكيد.

واعلم أن الحج والعمرة لهما خصائص فيما يتعلق بالنية، وغير النية. فمن ذلك:

أنه يجوز للإنسان أن يغير النية في الحج من إفراد إلى قِرَان بشرطه، ومن قِرَان وإفراد إلى تمتع بشرطه.

ومن ذلك: أنه يجوز أن ينوي نسكاً مجهولاً، فيقول: أحرمت بما أحرم به فلان؛ ولو كان لا يدري بما أحرم.

ومن ذلك: أن النفل فيهما كالفريضة يجب إتمامه.

ومن ذلك أيضاً: أن الفاسد منهما يجب المضي فيه والقضاء، فيلزمه القضاء تصحيحاً لما فسد، ويلزمه المضي لأن الحج والعمرة يقعان لازمين.

والفاسد من الحج هو الذي جامع فيه قبل التحلل الأول.

مثال ذلك: رجل جامع زوجته ليلة مزدلفة؛ ومعلوم أنه في ليلة المزدلفة لم يكن حلَّ التحلل الأول، فيكون حجه فاسداً، ولكن يلزمه أن يكمله، ويمضي فيه، فإذا كان العام القادم قضاه، لأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا بأن الإنسان إذا جامع زوجته قبل التحلل الأول لزمه أن يتمم النسك، ثم يقضيه من العام القادم[(299)].

وكذا الجماع في العمرة يفسدها إذا وقع قبل التحلل منها، فلو أن معتمراً طاف، ثم ذهب إلى بيته مع أهله، وجامع أهله قبل أن يسعى فعمرته فاسدة، يلزمه أن يكملها بالسعي، والحلق أو التقصير، ثم يأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرم منه في عمرته الأولى، لأنه أفسد العمرة.

مسألة: من فسد حجه ثم مضى فيه، فهل عليه القضاء في العام القادم؟ وما الحكمة من مضيه في حجه مع فساده؟

الإجابة: إذا أفسد حجه فعليه أن يمضي في فاسده، ويكمله استناداً إلى ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم، وتعزيراً له وعقوبة، لأن الحج أمره عظيم، فلو تساهل الناس فيه ـ مع كونه لا يأتي إلا بمشقة في الغالب، لأنه يحتاج إلى سفر، وإلى تعب وعناء ـ لتلاعبَ الناس في ذلك. فالحكمة من وجوب المضي فيه أنه من باب التعزير.

وأما وجوب القضاء فلأنه حين أحرم فرض على نفسه هذا النسك، لقوله تعالى: {{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}} [البقرة: 197] ولقوله تعالى: {{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}} [الحج: 29] .

فألزمناه بأن يقضي الحج والعمرة، حتى وإن كانا نفلاً، لأنه هو الذي أفسده وما فسد لا يقع صحيحاً وإنما ألزمناه بالمضي فيه تعزيراً له، كما سبق.

ولذلك لو أن الإنسان أحرم بالحج، ثم حصره عن إتمامه ـ عدو، أو غير عدو على القول الراجح، فإنه يتحلل، ولا يلزمه الحج في العام القادم، إلا إذا كان الحج الذي حُصر فيه هو الفريضة، فإنه يلزمه أن يقضي الفريضة. ولهذا لما حُصر النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديبية لم يُلْزِم كلَّ مَنْ أحرم وحُصِرَ معه أن يقضي العمرة، وتسميتها عمرة القضاء[(300)]، يعني العمرة الثانية التي أتوا بها في العام الثاني من باب المقاضاة، وليست من باب القضاء الذي هو قضاء العبادة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-11-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 2- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: