الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10- Empty
مُساهمةموضوع: أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10-   أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10- I_icon_minitimeالأربعاء مايو 29, 2013 12:07 am


[b]
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10-
49 ـ وحجةُ التكليفِ خُذْهَا أربعَهْ***قرآنُنَا وسُنَّةٌ مُثَبَّتَهْ

50 ـ من بعدها إجماعُ هذِي الأُمَّهْ***والرابعُ القياسُ فَافْهَمَنَّهْ

قوله: (وحجة التكليف) : الحجة والدليل والبرهان والسلطان كلها بمعنى واحد؛ يعني بذلك الدليل، ولهذا يقال: هل لك حجة في ذلك، هل لك دليل في ذلك؟

وقوله: (حجة التكليف) يعني الأدلة التي يحصل بها تكليف العباد، وتثبت بها الأحكام العقدية والعملية (خذها أربعهْ) وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وهذه هي أدلة التكليف التي يكلف بها العبد فما ثبت بهذه الأدلة فإنه يعمل به وما لا فلا.

الأول: (قرآننا) : يعني القرآن الكريم الذي هو كلام الله عزّ وجل فهو حجة بإجماع المسلمين. والدليل على أن القرآن حجة كل القرآن يدل على ذلك قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}} [يونس: 57] {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}} [النساء: 170] {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِيناً *}} [النساء: 174] {{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *}} [النساء: 105] . ولكنه حجة على من بلغه وفهمه. قال تعالى: {{لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}} [الأنعام: 19] أما من بلغه ولم يفهمه فإنه قد لا يكون قامت عليه الحجة، لقول الله تعالى: {{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ *}{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ *}} [الشعراء: 198 ـ 199] لأنهم لا يفهمونه ولا يعرفونه، ولهذا قال عزّ وجل: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}} [إبراهيم: 4] ، والقرآن الكريم أصل الأصول، فما دل عليه منطوقاً أو مفهوماً أو إشارة فإنه يجب الأخذ به؛ أي يجب اعتباره دليلاً.

ثم إن هذا الفعل الذي دل عليه الكتاب قد يكون واجباً، وقد يكون مندوباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون مباحاً.

والناظر في القرآن يحتاج إلى شيء واحد فقط، وهو دلالة القرآن على الحكم؛ هل هو دالٌّ على هذا الشيء، أو ليس بدالٍّ عليه. فمثلاً قوله تعالى: {{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}} [البقرة: 228] بعض العلماء يقول: القروء هي الأطهار، وبعضهم يقول: هي الحِيَض. فنحتاج إلى دليل يدل على أحدهما.

والمطلقة ثلاثاً: هل تحتاج إلى ثلاث حيض، أو يكفي حيضة واحدة؟ فينظر هل دل القرآن على هذا أو على هذا؟

وإذا كانت المرأة حاملاً بولدين، ووضعت الولد الأول، وهي في عدة، فهل تنقضي العدة؟ هل دل القرآن على هذا أو لا؟ والأمثلة على هذا كثيرة.

ولا يحتاج الناظر في القرآن أن ينظر في السند، لأنه متواتر، تلقاه الأصاغر عن الأكابر، فمن أنكر منه شيئاً كأن يقول إن قوله تعالى: {{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}} [البقرة: 281] ليس من القرآن مثلاً فإنه كافر، ومن زعم أن القرآن قد حذف منه شيء فإنه كافر، لأنه مكذّب لقول الله تعالى: {{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}} [الحجر: 9] ، ومكذب لإجماع الأمة المعصومة، فإن الأمة المعصومة أجمعت على أن ما بين دفتي المصحف هو القرآن الذي نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم ليس فيه زيادة ولا نقص. اللهم إلا ما اختلفت فيه القراءات، فقد يكون في بعض القراءات إسقاط حرف عطف أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يضر.

فالناظر في القرآن قد كُفِيَ الثبوت، لأنه متواتر، ولكن يبقى النظر في الدلالة.

الثاني: (وسُنَّة مُثَبَّتة) : (سنة) يعني: سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي إما قوله أو فعله أو إقراره. وكل هذا سنّة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم معصوم أن يُقِرَّ أحداً على الخطأ، أو يقره الله على خطأ.

(مُثَبَّتة) يعني: يثبتها أهل العلم بالنقل، فخرج بذلك ما لم يكن مثبتاً كالأحاديث الضعيفة والموضوعة، فإنها ليست بحجة، فالناظر في السنة يحتاج إلى نظرين:

1 ـ النظر السابق: بأن ينظر هل ثبتت أو لا؟ لأن السنة قسمان: متواتر وآحاد.

والآحاد: إما صحيح أو حسن أو ضعيف، ومنه الموضوع لكن الموضوع ليس من السنة أصلاً، فليس بحجة، ولا يجوز نسبته إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولا يجوز نقله وتداوله؛ لأنه مكذوب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، إلا لمن أراد أن يبيّن أنه موضوع حتى لا يغتر الناس به.

وأما الضعيف فقد اختلف العلماء رحمهم الله في نقل الضعيف وروايته، فمنهم من أجازه مطلقاً، لكن هذا لا أظن أحداً يثبت قدمه على القول به.

ومنهم من منعه مطلقاً، وقال: إن الضعيف لا تجوز نسبته إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأنه ضعيف. وإذا كنا نتحرى فى النقل عن واحد من البشر، فالتحري في النقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من باب أولى.

ومنهم من أجاز رواية الضعيف بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن لا يكون الضعف شديداً.

والشرط الثاني: أن لا يعتقد صحة نسبته إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.

والشرط الثالث: أن يكون في أصل ثابت، بمعنى: أنه لا يثبت به أصلُ حكمٍ من الأحكام، ولكنه يُذكر على سبيل الترغيب فيما هو مطلوب، أو الترهيب مما هو منهي عنه، بمعنى: أنه إذا ورد الحديث الضعيف في فضيلة أمرٍ ثابتٍ، ومأمورٍ به فلا بأس من ذكره، لأنه إن صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد حصل ما رتب على الفعل من الثواب، وإن لم يصح كان فيه تنشيط للنفس على العمل المطلوب. وكذلك يقال في الترهيب، فإنه لا بأس بذكر الأحاديث الضعيفة بشرط أن يكون أصل هذا المعنى الذي ورد به الحديث ثابتاً؛ مثل أن يرد حديث ضعيف في آثام الزنى والربا وما أشبه ذلك، ولكن لا بد من ملاحظة الشرطين الآخرين، وهما أن لا يكون الضعف شديداً، فإن كان الضعف شديداً فإنه لا تجوز روايته ولا نقله إلا مقروناً ببيان ضعفه. وأن لا يعتقد صحة ثبوته عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.

وبناءً على هذا الشرط أرى أنه لا ينبغي إطلاقاً أن يذكر الحديث الضعيف عند العامة، سواء كان في فضائل الأعمال أو غيره؛ لأن العامي لا يميز بين كونه يعتقد أنه صحيح إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لا، إذ إن ما قيل في المحراب فهو صواب عند العامة، فليت إخواننا الوعّاظ عدلوا عن ذكر الأحاديث الضعيفة في الوعظ إلى ذكر الأحاديث الصحيحة، وكفى بها واعظاً.

وأما المتواتر من السنة فيحتاج أن نثبت أنه متواتر بتتبع الروايات.

2 ـ النظر اللاحق: وهو النظر في الدلالة.

فصار على الناظر في السنة تعب أشد من الناظر في القرآن، لأنه يحتاج إلى نظرين:

أولاً: في الثبوت، وهذا أمر مهم.

ثانياً: في الدلالة.

وهل يُكتفَى في الثبوت بتصحيح بعض العلماء؟

الجواب: ينظر فيه، لأن بعض حفاظ الحديث يتساهل في التصحيح، وبعضهم يشدد في التصحيح وبعضهم وسط.

ثم يحتاج العالم بالإسناد إلى فقه الحديث أيضاً؛ لأنه ربما ينظر إلى ظاهر الإسناد فيحكم بالصحة، مع أن المتن شاذ أو منكر. ولهذا نجد أن المستدِل بالسنة في الواقع يحتاج إلى جهد كبير حتى تثبت أولاً، ثم تثبت الدلالة ثانياً، ومن ثَمَّ قيل: (وسنة مثبتة) يعني ثَـبَّـتَها أهل العلم.

والدليل على أن السنة حجة قول الله تبارك وتعالى {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}} [النساء: 59] ولو لم تكن حجة لم يكن للأمر بطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فائدة، وقوله تعالى: {{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}} [الأعراف: 158] ، وقوله تعالى: {{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}} [الحشر: 7] وإذا كنا مأمورين بأن نأخذ ما آتانا من فيء ومال، فما آتانا من حكم وتشريع من باب أولى. وقوله تعالى: {{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً}} [الأحزاب: 36] {{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}} [الجن: 23] وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا أُلْفِيَنَّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه»[(258)] والنصوص في هذا معروفة مشهورة[(259)].

قوله: (من بعدها إجماع هذي الأمة) .

الثالث: الإجماع.

قوله: (من بعدها) يعني: بعد حجة الكتاب والسنةِ الإجماعُ.

والإجماع في اللغة: الاتفاق والعزم، أما كونه بمعنى الاتفاق فهذا أمر معروف، تقول: أجمع الناس على كذا، أي: اتفقوا عليه.

وأما كونه بمعنى العزم فذكروا له مثل قوله تبارك وتعالى: {{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}} [يونس: 71] أي: اعزموه ولا تفترقوا فيه.

أما الإجماع المصطلح عليه فهو: اتفاق مجتهدي الأمة على حكم شرعي بعد وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلم.

فقولنا: اتفاق مجتهدي الأمة، خرج به المقلدون؛ فإن المقلد ليس من المجتهدين، فلا يعتبر قوله في الخلاف والإجماع، لأن المقلد حقيقته أنه نسخة من كتاب أو قول، مُكَرِّر مَنْ يُقلده وليس مستقلاً بنفسه، وبهذا يتبيّن أنه ينبغي لنا أن نحرر أنفسنا من التقليد الأعمى والتعصب الأهوج الذي يسلكه بعض الناس، وأن نحاول الوصول إلى معرفة الحق من أصوله، الكتاب والسنة.

وقولنا: مجتهدي هذه الأمة، احترازاً من مجتهدي غير هذه الأمة، فإن قولهم: ليس بحجة، ولا يعتبر قولهم إطلاقاً في مسائل الشرع.

وقولنا: بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، خرج به ما لو اتفقوا على حكم في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن ما كان في حياته صلّى الله عليه وسلّم يعتبر من سنته، سواء علم به أم لم يعلم به، لأنه على تقدير أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم به، فإن الله تعالى قد علمه، فإذا أَقَرَّه الله تعالى ولم ينكره دل ذلك على أنه حق.

وقوله: (من بعدها) : أي من بعد هذه الحجة، إشارة إلى أن الإجماع لا بد أن يكون مبنياً على كتاب أو سنة؛ لأن الأمة لا يمكن أن تجمع على ما لا دليل فيه. فمستند الإجماع هو الكتاب والسنة، أما إجماع بلا كتاب ولا سنة فهذا مستحيل.

فإن قال قائل: إذا قلت بهذا لم يكن للإجماع فائدة، لأن الدليل حصل بالكتاب والسنة.

فيقال: بل فيه فائدة عظيمة:

أولاً: لأن الناظر قد لا يطّلع على الكتاب والسنة فيكتفي بالإجماع، كما يوجد في الإفصاح لابن هبيرة والإجماع لابن المنذر وغيرهما، يقول: أجمعوا على كذا، أجمعوا على كذا ولا يذكر الدليل، فنقول: نحن لا نستطيع أن نبحث عن الدليل، فيكفينا أن نعلم أنهم أجمعوا.

ثانياً: أننا نستفيد أنه لا نزاع في دلالة الكتاب والسنة على خلاف ما أجمعوا عليه، لأنه لو كان هناك خلاف في دلالة الكتاب والسنة ما أجمعوا عليه.

مسألة: ذكرنا أن مستند الإجماع الكتاب والسنّة وقد أجمع العلماء على أن الماء إذا تغيّر بنجاسة فهو نجس، فما مستندهم لهذه المسألة؟

والجواب أن نقول: ليس بلازم أن يكون مستند الإجماع من الكتاب والسنّة جميعاً، بل يكفي أحدهما، والمستند في هذه المسألة القرآن. قال الله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}} [المائدة: 3] استدل الإمام أحمد رحمه الله بهذه الآية على نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة، قال: لأن الميتة حرام، فإذا تغير الشيء بالحرام واختلط به صار حراماً، ضرورة أنه لا يمكن ترك الحرام إلا باجتناب الحلال، فلهذا كان حراماً، وإذا كان حراماً ـ والميتة نجسة بنص القرآن ـ صار الماء نجساً، فيؤخذ هذا الحكم إذاً استنباطاً من القرآن.

وقد نوزع في إمكان الإجماع ونوزع في كونه حجة.

أما النزاع في إمكانه فأنكر بعض العلماء أن يوجد إجماع، يقول: من يعرف أن عالماً في أقصى الشرق موافق لعالم في أقصى الغرب، لا سيّما وفي الزمن الأول المواصلات والاتصالات صعبة جداً؟ فما الذي يدرينا أن أحداً من العلماء لم يخالف؟ وكون الإنسان لا يعلم مخالفاً لا يعني أن الناس أجمعوا على ذلك، ولهذا قال الإمام أحمد: من ادَّعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا[(260)].

والذين ينكرون وجود الإجماع مرادهم أنه لا يوجد، فضلاً عن أن يكون دليلاً.

ولكن الصحيح أن الإجماع ثابت، أما في الأمور المعلومة بالضرورة من الدين فهذا أمر واضح، فالعلماء مجمعون على وجوب الصلاة وتحريم الخمر والزنى وما أشبه ذلك؛ لأن هذه الأحكام ثبتت بالنص. أما الأمور الأخرى فالصحيح أنه يمكن فيها الإجماع، لكن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «العقيدة الواسطية»: الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، يعني بذلك: القرون المفضَّلة الصحابة والتابعين وتابعيهم يعني ثلاث طبقات، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة[(261)]، واتسعت في أقطار الأرض وكثرت الأهواء والفتن؛ فزمن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان يمكن أن يعرف فيه الإجماع.

ونحن نذكر هنا قاعدة مفيدة وهي: أن ما جاء به الكتاب والسنة ولم يذكر عن الصحابة خلافه، فهم مجمعون عليه.

فمثلاً إذا قال قائل: أجمع الصحابة على أن قوله تعالى: {{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *}} [طه: 5] يعني علا على العرش وقال إنسان: هاتوا لي كلمة واحدة عن أبي بكر وعمر وعثمان أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أنهم يقولون: استوى بمعنى علا.

فالجواب: إذا كان القرآن باللغة العربية، واستوى على العرش يعني علا عليه، ولم يأت عمن يفقه اللغة العربية ما يخالف هذا، دل ذلك على إجماعهم.

ولا يمكن أن نقرر إجماع الصحابة على إجراء النصوص على ظاهرها إلا بهذه الطريقة؛ أن نقول: القرآن باللغة العربية، وقد مر على الصحابة وقرؤوه، وما لم يرد عنهم خلاف في مدلوله فهم على ما دل عليه ظاهره.

إذاً الإجماع ممكن لكن في الصدر الأول من عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم.

والدليل على أن الإجماع حجة، قول الله تبارك وتعالى: {{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}} [النساء: 115] حيث قال: {{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}}، وإذا أجمع المؤمنون على شيء فهذا سبيلهم، فإذا اتَّبع غيره فهو ضال يوليه ما تولى.

وقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}} [النساء: 59] ، مفهومه أنه إن لم نتنازع فقولنا حجة بنفسه لا يحتاج إلى استدلال، وهو دليل على الإجماع.

أما التعليل: فإن هذه الأمة معصومة فقد جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث سنده حسن: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»[(262)].

ويشهد لهذا المعنى وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة قوله تعالى: {{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}} ـ يعني عدلاً خياراً ـ {{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}} [البقرة: 143] . وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مرت جنازة فأثنوا عليها خيراً، قال: «وجبت». ومرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: «وجبت»، فقالوا: يا رسول الله ما وجبت؟ فقال: «أما الأول فوجبت له الجنة وأما الثاني فوجبت له النار»، ثم قال: «أنتم شهداء الله في أرضه»[(263)].

فهذه الأدلة تدل على أن الإجماع حجة.

مسألة: هل من الممكن أن يكون هناك إجماع في هذا الزمان؟ وكيف يكون ذلك؟

والجواب أن نقول: الإجماع لا يكون في هذا الزمان إذا كان هناك خلاف سابق، لأنه لا إجماع مع وجود خلاف سابق، فإذا اختلفت الأمة على قولين، ثم أجمع المتأخرون على أحد القولين، فإن ذلك لا يعد إجماعاً؛ لأن الأقوال لا تموت بموت قائليها، وعلى هذا فلا يتصور ورود هذا السؤال لعدم إمكانه.

مسألة: من نعتد به في نقل الإجماع؟

والجواب أن نقول: لا بد أن يكون الإنسان ممن عرف بالاطلاع وسعة العلم، لأنه في بعض الأحيان ينقل الإجماع وليس في المسألة إجماع، بل أحياناً ينقل الإجماع، والإجماع على خلافه. ومن ذلك: نقل بعضهم أن من طلق زوجته ثلاثاً في كلمة واحدة أو في مجلس واحد فإنها تبين منه. وقال آخرون: ينبغي أن يكون الإجماع على ضد ذلك، لأنه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم[(264)]، وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فالإجماع القديم على أن الثلاث واحدة. وذكر ابن القيم رحمه الله في «الصواعق المرسلة» أكثر من عشرين مسألة نُقل فيها الإجماع وليس فيها إجماع[(265)]، ولذا يجب أن نتحرى، كفعل بعض العلماء رحمهم الله يتحرز ويقول: لا نعلم فيه خلافاً، فإذا قال ذلك سلم من العُهْدَة.

والظاهر أن من أدق الناس وأوثقهم في نقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قوله: (والرابع القياس فافهمنه) : يعني الرابع من الأدلة القياس، والقياس في اللغة: مصدر قاس يقيس؛ إذا مثَّل شيئاً بشيء، أو ألحق شيئاً بشيء.

أما في اصطلاح الأصوليين: فيقولون: القياس إلحاق فرعٍ بأصلٍ في حكمٍ لعلةٍ جامعة.

فهذه أربعة أشياء وهي أركان القياس:

الأول: فرع، وهذا هو المقيس.

الثاني: أصل، وهذا هو المقيس عليه.

الثالث: حكم، وهذا محل القياس.

الرابع: علة جامعة، وهذا الوصفُ الجامع بين الفرع والأصل.

فيستفاد من هذا التعريف أنه لا بد للقياس من أركان أربعة، وأن الأمور التعبدية ليس فيها قياس.

فمثلاً: صلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة العصر أربع ركعات. وما أشبه ذلك هذه ليس فيها قياس.

كون لحم الإبل ينقض الوضوء، ـ على القول بأنه تعبدي ـ لا يقاس عليه لحم السباع مثلاً، لأن هذا تعبدي.

فكل شيء لا نعقل علته فإنه لا يمكن فيه القياس؛ لأن من شرط القياس العلم بالعلة التي تجمع بين الأصل والفرع في الحكم. وإذا كنا لا نعلم العلة، فكيف نلحق الفرع بالأصل؟

واختلف العلماء رحمهم الله في كون القياس من الأدلة. ومع ذلك، فإن العلماء الذين يقولون: إنه ليس من الأدلة استعملوه، ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه.

والدليل على أن القياس حجة: الكتاب والسنة والنظر الصحيح.

أما الكتاب، فقول الله تعالى: {{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}} [الشورى: 17] والميزان هو ما توزن به الأشياء.

وكذلك فإن جميع الآيات التي ضربها الله مثلاً تعتبر دليلاً على القياس لأن تمثيلَ حالٍ بحال، أو فردٍ بفرد يعني قياسه عليه وقد جعلها الله تعالى حجة. والمقصود بذلك أن يعتبر الناس بالمثل، فيقيسون عليه ما شابهه، وهذا هو عين القياس.

ثم إن الله تعالى مَثَّل إمكان إحياء الموتى بعد أن كانوا رميماً، بإحياء الأرض بعد أن كانت هامدة، قال الله تعالى: {{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *}} [فصلت: 39] وقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *}} [الحج: 5] وقال الله تبارك وتعالى: {{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِي الأَلْبَابِ}} [يوسف: 111] ولا يمكن أن يكون في قصصهم عبرة إلا أن نقيس ما ماثل أحوالهم على أحوالهم، وقال الله تبارك وتعالى: {{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا *}} [محمد: 10] . وقال تعالى: {{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}} [الروم: 27] . وقال تعالى: {{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ *}} [ق: 15] . وهذا قياس المعاد على المبدأ، وهو قياس جلي واضح، لأن القادر على البدء لا يعجز عن الإعادة، إذ إن البدء أصعب، والإعادة أهون.

ولهذا قال الله تعالى في آخر سورة يس: {{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ *قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ *}} [يس: 78 ـ 79] وهذه كلها أدلة عقلية؛ فالذي أنشأها أول مرة ليس بعاجز عن إحيائها. وهذا هو الدليل الأول.

الدليل الثاني: {{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}} فإذا كان عليماً بكل خلق، فإنه قادر على كل خلق، لأنه لا يعجز عن الخلق إلا من هو جاهل كيف يخلق، ولكنه سبحانه وتعالى {{بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}}.

الدليل الثالث: {{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ *}} [يس: 80] وهذا كانوا يستعملونه في الأزمان السابقة؛ هناك شجر معين يقدح فيه بالزند، أو بالمرو أو ما أشبه ذلك، فيشتعل ناراً، أو يضرب بعضه ببعض فيشتعل ناراً. هذا الشجر الأخضر بعيد من النار، لأنه رطب والنار يابسة، والرطب يلزم من رطوبته البرودة، والنار حارة. فبينهما تناقض وتضاد، ومع ذلك يكون هذا من هذا، فالذي هو قادر على أن يخرج النار الحارة اليابسة من هذا الشجر الأخضر البارد قادر على إعادة الخلق، وقوله: {{فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}} هذا تحقيق للواقع.

الدليل الرابع: {{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}} [يس: 81] الذي خلق السماوات والأرض وهي أكبر من خلق الناس كما قال تعالى: {{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *}} [غافر: 57] ولهذا قال: {{بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ}} هذا كالتأكيد لقوله فيما سبق: {{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}} [يس: 79] .

الدليل الخامس: {{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [يس: 82] والذي هذا أمره أن يقول للشيء: كن فيكون، إذا قال لهذه العظام الرميم: كوني أجساماً، فإنها تكون، {{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا}} و«شيئاً» نكرة في سياق الشرط فتعم {{أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}}.

الدليل السادس: {{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}} [يس: 83] أي تنزيهاً له عن العجز، وهو بيده ملكوت كل شيء، فمن بيده ملكوت كل شيء وهو منزه عن كل عيب ونقص، لا يعجز أن يعيد الخلق.

الدليل السابع: {{}} [يس: 83] يعني: لو كان الخلق يموتون ثم لا يرجعون إلى الله، لكان هذا منافياً للحكمة. فإذا كان لا بد من الرجوع إلى الله، فلا بد من الإحياء.

فهذه الأدلة السبعة من سورة يس دلَّلَ اللهُ بها على إمكان إحياء الله الموتى. وهذا من باب القياس الجلي.

أما السنة فأدلتها أيضاً كثيرة:

منها: قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود ـ وهو وامرأته ليسا أسودين، وهذا تعريض بزنى زوجته. وقيل: إنه أراد أن يعرف وجه كون لون الابن مخالفاً للونهما، وهذا أقرب لما فيه من إحسان الظن بالصحابة. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «ما ألوانها؟»، قال: ألوانها حُمْر، قال: «هل فيها من أورق؟ ـ يعني بين السواد والبياض ـ» قال: نعم، قال: «من أين أتاها؟» قال: لعله نزعه عرق، قال: «ابنك هذا لعله نزعه عرق»[(266)]. وهذا قياس واضح اطمأن له الأعرابي؛ حيث قاس النبي صلّى الله عليه وسلّم وجود ولد أسود بين أبوين لونهما يخالف لونه، على وجود الجمل الأورق بين إبل حُمْر؛ لأن القادر على هذا قادر على هذا.

ومنها: قصة المرأة التي سألت أن أمها نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: «نعم»، ثم قال لها: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته»، قالت: نعم، قال: «اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء»[(267)].

ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وفي بُضْع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: «نعم، أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»[(268)].

أما النظر الصحيح لاعتبار القياس دليلاً، فهو أن هذه الشريعة مبنية على الحكمة، وعلى ما تقتضيه العقول، لأنها نزلت من لدن حكيم خبير، ولأن الله تعالى دائماً يحث على التفكر والتدبر، ولأن الله تعالى دائماً يَنْعَى على الكافرين أَنهم لا يعقلون؛ قال الله تعالى: {{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}} [البقرة: 171] وقال تعالى: {{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *}} [البقرة: 44] . فإذا كانت الشريعة مبنية على الحكمة، وعلى ما تقتضيه العقول السليمة، فمن المعلوم أن القياس من الحكمة ومما تقتضيه العقول السليمة؛ لأن القياس جمع بين المتماثلين وتفريق بين المختلفين. فإذا كان كذلك كان هذا مقتضى العقل وما اقتضته العقول السليمة فإن الشريعة الإسلامية لا تنافيه بل تؤيده.

فإن قال قائل: إذا أثبتم القياس دليلاً لزم من هذا أن تجعلوا للعقل مجالاً في تشريع الأحكام. فالجواب عن ذلك أن يقال: إن العقل في باب القياس ليس مستقلاً بدليل أن الكتاب والسنة قد دلا عليه، فالعقل ليس مستقلاً في إثبات كون القياس دليلاً شرعياً، بل العقل مثبت لما يثبته الشرع خلافاً لمن أنكروا القياس وقالوا: إن هذا إدخال شيء في شريعة الله لم يشرعه الله، ثم إنه من قال: إن العقل ليس بدليل؟ العقل الذي لا يخالف الشرع يعتبر دليلاً، فإن الله يحيل دائماً على العقل. وما الأمثال التي يذكرها الله عزّ وجل إلا إعمال للعقل واعتبار به.

ولكن لا بد للقياس من أن يكون صحيحاً، أما إذا كان باطلاً فإنه لا يعتبر. ونحن كلامنا في القياس الصحيح الذي تتحقق فيه علة الأصل في الفرع، أما ما لا توجد فيه علة الأصل، فإنه ليس بقياس صحيح.

ولهذا رد الله عزّ وجل قياس الشيطان حيث أُمِر بالسجود لآدم فقال: {{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}} [الأعراف: 12] وقياس الشيطان هنا أن لا يسجد خير لمن هو أدنى منه، لكن هذا قياس باطل لأنه في معارضة النص. وأبطل الله قياس من قالوا: إنما البيع مثل الربا فقال الله تعالى: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}} [البقرة: 275] .

فالمراد بالقياس الذي هو حجة القياس الصحيح.

فإن قال قائل: ما ميزان الصحة في القياس؟ قلنا: أن لا يعارض الكتاب والسنة بحيث يبطل ما دل عليه الكتاب والسنة.

وأما تخصيص عموم النص بالقياس فإن هذا ثابت، وليس من معارضة القياس للكتاب والسنة. فمثلاً: قوله تعالى: {{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}} [النور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ::شرح..-10-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 2- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: