الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
السلام عليكم ورحمة الله وبركته
أهلاً ومرحاً أيها الزائر العزيز في منتدى الداعية جنة الفردوس الإيسلامي
نرجو منك أن تشرفنا بنضمامك معنا في المنتدى
اذا كنت منضم معنا فرجاءً سجل الدخول
تحيات الداعية جنة الفردوس
الداعية جنة الفردوس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الداعية جنة الفردوس
Admin
Admin
الداعية جنة الفردوس


عدد المساهمات : 4517
جوهرة : 13406
تاريخ التسجيل : 03/01/2013

 منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح Empty
مُساهمةموضوع: منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح    منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 28, 2013 11:31 pm


منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
7 ـ اغْتَنِمِ القواعدَ الأصُولا***فمَنْ تَفُتْهُ يُحْرَمِ الوصولا
=======================================================

قوله: (اغتنم) : أي: اطلبها على أنها غنيمة، وعلى أنك أدركتها إدراك المجاهد للغنيمة، وهذا يدل على الحرص على إدراكها من وجه، والحرص على إبقائها من وجه آخر.

قوله: (القواعد الأصولا) : يعني: القواعد الأصولية التي تكون أصلاً، سواء في باب الفقه أو في باب أصول الفقه. والقواعد جمع قاعدة، وهي: ما ينبني عليه غيره، كالأصل للجدار الذي يسمى قاعدته.

(الأصولا) : عطف بيان للقواعد أو نعت، والمعنى: أن القواعد هي الأصول أي: أصول العلم.

لكن قد تجد في هذه المنظومة أشياء ليست من القواعد ولكنها ضوابط، فيقال: الحكم على الأغلب، فغالب ما في هذه المنظومة قواعد، وألحقت بها بعض الضوابط. وهنا يجب أن نعرف الفرق بين القاعدة وبين الضابط:

القاعدة: عبارة عن جملة من القول تشمل أنواعاً من العلم.

والضابط: عبارة عن جملة من القول تشمل أفراداً من العلم.

فالضابط: يكون في مسألة واحدة، لكن يضبط أفرادها، مثل أن تقول: يجري الربا في كل مكيل. هذا ضابط، لأنه إنما يجمع أفراداً في شيء معيّن، لكن القاعدة أن تقول: كل أمين فقوله مقبول في التلف. هذا يشمل أشياء كثيرة من أنواع مختلفة في العلم، فهذا هو الفرق بين القاعدة والضابط، وهنا نقول: اغتنموا قواعد الأصول.

قوله: (فمن تفته يحرم الوصولا) : (تفته) فعل الشرط مجزوم، و (يحرم) جواب الشرط مجزوم أيضاً، لكن حُرِّكَ بالكسر لالتقاء الساكنين. (من تفته) : أي: هذه القواعد والأصول فلم يدركها (يحرم الوصولا) ، أي: يمنع الوصول إلى المقصود، وهو العلم، وهذه قاعدة عند العلماء، يقولون: «من حرم الأصول حرم الوصول» وصدقوا. لذلك ينبغي لنا أن نحرص على معرفة القواعد، وعلى معرفة ما تتضمنه، وأن نتباحث فيها، وأن نسأل من هو أعلم منا حتى نحصل على المقصود منها بنّية وإخلاص وحسن أداء، لأن من تفته الأصول يأخذ العلم مسألة مسألة دون أن يكون له أصل يبني عليه، فيختل علمه ويتبدد فكره، وينسى هذه المسائل، أما الأصل فيبني عليه غيره ويتفرع عليه أشياء كثيرة.

والألف في قوله: (الأصولا) وفي قوله: (الوصولا) للإطلاق، أي: لإطلاق الروي، وهذا مستعمل كثيراً في النظم.

8 ـ وهاكَ مِنْ هذِي الأصولِ جُمَلا***أرجو بها عالِي الجنانِ نُزُلا

قوله: (وهاك من هذي الأصول) : هاك: اسم فعل بمعنى خذ، والفرق بين اسم الفعل والفعل أنه إن تغير بإسناده إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة فهو فعل، وإن لم يتغير فهو اسم فعل، فمثلاً: (هاك) اسم فعل، لأنه لا يتغير إذا خاطبت به الواحد والاثنين والجماعة، وإنما يتغير كاف الخطاب فقط.

صه: اسم فعل، لأنك تخاطب الرجل فتقول: صه، وكذا المرأة، وتخاطب الاثنين فتقول: صه، وكذا الجمع.

وهل يُقال: (صهْ) أو (صهٍ)؟

فيه تفصيل: إن كنت أريد أن يسكت مطلقاً أقول: صهٍ. وإن كنت أريد أن يسكت عن شيء معين أقول: صَهْ.

(هاك) : الخطاب لكل من يقرأ هذه المنظومة.

(من هذي الأصول جملا) : من للتبعيض، يعني: أننا لم نأت بجميع الأصول، وإنما أتينا منها بجمل.

قوله: (جملا) : جمع جملة، والمراد بذلك الشيء الذي تحصل به الكفاية.

قوله: (أرجو بها) : أي: أسأل الله بهذه الأصول أو بهذه الجمل من الأصول (عالي الجنان) أي: العالي منها، وهي الفردوس، ـ أسأل الله أن يجعلنا من أهلها ـ وأصلها (عالي الجنان) لكنها خففت الياء للوزن، ثم حذفت لفظاً لالتقاء الساكنين.

والجنان جمع جَنَّة، وهي في الأصل البستان الكثير الأشجار، كما في قوله تعالى: {{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *}} [الكهف: 32] لكنها إذا أريد بها جزاء المؤمنين المتقين فهي دار الخلد التي أعدها الله تعالى لأوليائه المتقين، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال الله تعالى في القرآن: {{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *}} [السجدة: 17] وقال تعالى في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»[(23)].

(نزلا) : أي: منزلاً أو ضيافة.

وهل يمكن للإنسان أن يرجو شيئاً بدون فعل الأسباب التي توصل إليه؟ الجواب: لا يمكن، لأن الرجاء لا بد له من سبب، ولهذا من رجا شيئاً بدون عمل، فإنه متمنٍ وليس براجٍ.

وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني»[(24)].

وعلى هذا فمن رجا الجنان فليعمل لها، ومن خاف من النار، فليعمل العمل الذي ينجيه من النار. وأما أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأنت معرض غير قائم بأمر الله، ولا منتهٍ عما نهى الله، فهذا ليس بصواب، بل هذا أشبه ما يكون بالاستهزاء، كما أن الرجل لو قال: اللهم ارزقني ولداً ولم يتزوج لعدّ ذلك سفهاً،وهذا من الاعتداء في الدعاء.

9 ـ قواعداً مِنْ قولِ أهلِ العلمِ***وليس لي فيها سِوَى ذا النظمِ

قوله: (قواعداً) : عطف بيان لقوله: (جملا) ، وكلمة «قواعد» ممنوعة من الصرف ولكنها صرفت هنا لأجل النظم ولهذا قال ابن مالك رحمه الله:

ولاضطرارٍ أو تناسبٍ صُرِفْ***ذو المنعِ والمصروف قد لا ينصرف[(25)]

وقال الحريري رحمه الله:

وجائز في صنعة الشعر الصَّلف***أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف[(26)]

ويجوز أن تقول (قواعدُ) يعني: هي قواعدُ على أنها خبر لمبتدأ محذوف.

قوله: (قواعداً من قول أهل العلم) : يعني: أن الناظم تتبع من أقوال أهل العلم ما استطاع، ثم أخذ من هذه الأقوال قواعد ونظمها في هذه الأبيات.

قوله: (وليس لي فيها سوى ذا النظم) : يعني: ما جئت بها من عندي، إنما أتيت بالنظم، والكلام لأهل العلم، فالفضل في هذه القواعد لله عزّ وجل ثم لأهل العلم الذين سبقونا، ودائماً يقولون: كم ترك الأول للآخر؟! وفي هذا يقول الشاعر العربي:

ما أُرانا نقول إلا مُعاراً***أو معاداً من قولنا مكروراً[(27)]

وهذا من الإنصاف أن يعترف الإنسان لأهل الفضل بفضلهم، وأنه استعان بأهل العلم في علومهم.

هذا هو خلاصة المقدمة التي تشتمل على هذه الأبيات التسعة.

* * *

القواعد والأصول

القواعد والأصول هذا عنوان لما سيذكر بعد من القواعد الفقهية والأصولية. وقد مرّ بنا الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية[(28)].

10 ـ الدينُ جاءَ لسعادةِ البَشَرْ***ولانتفاءِ الشرِّ عنهم والضَّرَرْ

هذه القاعدة في الشريعة الإسلامية أنها جاءت لسعادة البشر، ولانتفاء الشر عنهم والضرر في الدنيا والآخرة.

وهذان هما الأمران اللذان تدور عليهما شريعة النبي صلّى الله عليه وسلّم. تحصيل المصالح كاملة أو وافرة، وتقليل المفاسد أو إعدامها، أي: درء المفاسد وجلب المصالح، وهذه هي القاعدة العامة في دين الله عزّ وجل، ودين هذا شأنه جدير بأن يهتم به الإنسان ويعتنقه ويدعو إليه ويؤيده.

لهذا قال الله عزّ وجل في كتابه العظيم: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ *}} [ص: 29] وقال تعالى: {{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}} [يونس: 26] وقال تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *}} [الكهف: 30] وقال عزّ وجل: {{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}} هذا سعادة الدنيا {{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}} [النحل: 97] هذا سعادة الآخرة. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا ضرر ولا ضرار»[(29)] يعني: أنه ليس في دين الإسلام ضرر، وليس فيه أيضاً مضارة، بل هو الدين الكامل الذي بُعِثَ به محمد صلّى الله عليه وسلّم. إذ إنه جاء لسعادة البشر، ولانتفاء الشر عنهم والضرر.

وهذه القاعدة أخذ منها العلماء مسائل كثيرة.

منها: ما زعمه بعض الأصوليين من الأصل الخامس وهو: المصالح المرسلة. والحقيقة أن هذا الأصل لا يخرج عن بقية الأصول، لأن هذه المصالح إن شهد الشرع لها بالصحة، فقد ثبتت بالشرع: الكتاب أو السنّة، وإن لم يشهد لها بالصحة فليست مصالح، وإن زعم قائلوها أنها مصالح.

مثال ذلك: لو قال قائل: نحن إذا جعلنا عيداً لمناسبة المعراج ـ معراج النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ كان في ذلك مصلحة، وهي أن المسلمين يتذكرون هذه المناسبة العظيمة، عروج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء، وفرض الصلوات الخمس عليه، ومكالمته الرب عزّ وجل. فهذه مناسبة عظيمة ينبغي أن يكون لها في حياتنا دور نتذكرها كل سنة، هكذا يقول بناءً على المصالح المرسلة...

فنقول له: ما ادعيت أنه مصلحة فليس بمصلحة، لأننا نعلم أنه لو كان مصلحة لجاء الدين به، فلما لم يجئ به الدين علم أن دعوى أنه مصلحة ما هي إلا وهم وخيال[(30)].

إذاً يُرجع في تحقيق المصالح والمفاسد إلى الشرع، الكتاب والسنّة، لا إلى الذوق، ولا إلى الرأي، ولا إلى الخيال. ونعلم أن ما أمر به فهو مصلحة، وما نهيَ عنه فهو مفسدة. والغاية من ترك المحظورات هي السعادة ولهذا قال:

(جاء لسعادة البشر) اللام للتعليل والسعادة ضد الشقاء، والبشر: الإنسان لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أُرسِلَ إلى الناس كافة.

فهل يخرج من ذلك الجن لأن الجن ليسوا بشراً، بدليل قوله تعالى: {{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}} [الفرقان: 54] والجن لم يخلقوا من الماء وإنما خلقوا من النار؟

فالجواب: أن الجن لم يبعث إليهم رسول على وجه التكليف بالرسالة إليهم، وإنما كانوا يأخذون من بعض الشرائع ما يأخذون، كما يدل على ذلك قوله تعالى عن الجن: {{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}} [الأحقاف: 30] فإن هذا يدل على أنهم كانوا يتعبدون بشريعة موسى، لكن موسى عليه السلام لم يرسل إليهم. والدليل على أنه لم يرسل إليهم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة»[(31)]، والجن ليسوا من قومه.

وكلمة البشر لا تُخْرج الجن بالنسبة لرسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، لأن رسالته جاءت لسعادتهم أيضاً. ولهذا فإن القول الصحيح: أن صالحي الجن يدخلون الجنة. وقد دل على ذلك عدة أدلة منها: قوله تعالى في نساء أهل الجنة: {{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ}} [الرحمن: 56] .

ومنها: عموم قوله تعالى: {{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *}} [الرحمن: 46] مع أن الخطاب في السورة كلها للجن والإنس.

وقد اختلف العلماء في الجن هل منهم رسول أو نبي أو لا؟ فقال بعضهم: إن فيهم ذلك. والأظهر أن الجن ليس فيهم رسول بدليل قوله تعالى: {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}} [الحديد: 26] ، والجن ليسوا من ذرية نوح ولا إبراهيم.

وأما قوله تعالى: {{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}} [الأنعام: 130] فالخطاب للمجموع لا باعتبار الجميع، واستدل بعضهم بقوله تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ}} [يوسف: 109] لأن الجن يسمون رجالاً؛ قال تعالى: {{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}} [الجن: 6] .

ولكن هذا الدليل ليس بواضح، وأصرح ما في المسألة أن الله جعل النبوة في ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام.

وهل تكليف الجن كتكليف الإنس؟

الجواب: قال بعضهم: نعم، لأن رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم لا تختلف، الأمر واحد، والنهي واحد، فما كلف به الجن كالذي كلف به الإنس.

ومنهم من قال: لهم شريعة خاصة تناسب حالهم، لأن الإنس لهم شرائع خاصة تناسب أحوالهم، فالمريض يصلّي قائماً فإن عجز فقاعداً، والفقير لا زكاة عليه، ومن لا يستطيع الوصول إلى مكة لكبر لا حج عليه، ومن لا يستطيع الصوم فلا صوم عليه، وإذا كان الشرع فاوت بين البشر في التكليف لاختلاف أحوالهم، فاختلاف التكليف بين الجن والإنس من باب أولى.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنهم لا يساوون الإنس في الحقيقة، فكذلك لا يساوونهم في التكليف[(32)].

وهذا القول بالنسبة للحكمة والتعليل واضح، ولكنه يصطدم بأن أدلة الكتاب والسنّة عامة، ولا نعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يجتمع بهم كل حين يعلمهم الشرائع الخاصة بهم، فالأسلم أن نقول: الله أعلم، هم مكلفون ولا شك، وملزمون بشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم. أما كيف يؤمرون وينهون فنفوض علم ذلك إلى الله.

إذاً شرع محمد صلّى الله عليه وسلّم جاء لسعادة الجن كما أنه جاء لسعادة البشر، ولا يُستثنى من ذلك أحد. وفي سورة الجن ما يدل على أن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك، وأن منهم المسلمين ومنهم القاسطين.

قوله: (ولانتفاء) يعني وجاء أيضاً لانتفاء (الشر عنهم والضرر) : الشر ضد الخير، والضرر ضد النفع.

هذه قاعدة مستقلة، وهي انتفاء الضرر في الشريعة الإسلامية (الضرر في الشريعة الإسلامية مدفوع ومرفوع).

المدفوع: يكون قبل نزوله.

والمرفوع: يكون بعد نزوله.

فالشرع لا يمكن أن يقرّ ضرراً، بل ينفي الضرر مهما كان. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار»[(33)]. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من ضار ضار الله به»[(34)]. إذاً لا ضرر في الإسلام.

ويتفرّع من هذه القاعدة فروع كثيرة، منها مثلاً:

ـ لو كان لك جار وصار يؤذيك بصوت الأغاني والمزامير والمعازف، أو كان يؤذيك بالطرق، أو كان قرب جدارك شجرة يضرك بسقيها، فهل لك الحق في مطالبته برفع ذلك؟

الجواب: نعم، لك الحق في مطالبته برفع ذلك، لأنه لا ضرر، حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنعنّ جار جاره أن يغرز خشبة» أو قال: «خشبه في جداره»[(35)]. ولهذا نقول: إن الجار لا يجوز أن يتعدى على جاره بأذية ولا بضرر.

ـ ومن انتفاء الشر والضرر ما يكون أدنى من ذلك؛ فإذا أكل الإنسان بصلاً أو ثُوماً فإنه لا يُمَكَّن من دخول المساجد دفعاً لأذيته. وهذه الأذية ربما تحدث ضرراً، كما لو كانت الرائحة الكريهة قوية، فإن الذين يُصلّون سوف تشوش عليهم هذه الرائحة، حتى إن بعض الناس إذا صف إلى جنبه من أكل الثوم أو البصل قطع صلاته، وذهب إلى الجانب الثاني.

إذاً يُمنع من أراد دخول المساجد وفيه رائحة البصل أو الثوم، حتى إنه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا يخرجونه من المسجد إلى البقيع[(36)]، يبعدونه لئلا يتأذّى الناس برائحته.

ـ لو جمعك المكان مع أناس يشربون الدخان، والدخان معروف أنه حرام، ومعروف أنه ضار وخانق لكثير من الناس، وأراد أحدهم أن يشربه في هذا المكان، فإن الشرع ينهاه عن ذلك ويمنعه، ولنا الحق في أن نمنعه ولو بالقوة إذا كنا نستطيع ذلك، إلا إذا كان المكان له فإننا نغادره، لأن في شربه ضرراً دينياً وبدنياً، دينياً لأنه سيوقعنا في معصية، لأن حاضر المعصية كالعاصي، كما قال تعالى: {{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}} [النساء: 140] .

والضرر البدني ظاهر، كثير من الناس ينخنق من الدخان انخناقاً شديداً ويتضرر.

ـ إلقاء ما يؤذي في الطرقات، من شوك أو مسامير أو زجاج أو قشور موز أو غيره حرام حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: لو وضع قشور بطيخ أو موز أو ما أشبه ذلك، ثم عثر به إنسان فتلف فعليه ضمانه، أي: تجب عليه الدِّية كاملة والكفّارة، وإذا عثر به حيوان كالبعير مثلاً وانكسر، فعليه ضمان هذا البعير، لأن الضرر ممنوع شرعاً.

ـ لو أن شخصاً بنى إلى جنبك بيتاً، وجعل له فرجات يكشفن بيتك، فهذا ضرر، لأنه سيمنعك من كمال الاستمتاع بالبيت، لا تستطيع أن تخرج النساء إلى الفناء، ولا يستطيع الإنسان أن يعمل أشياء في بيته، مما لا يحب أن يطّلع عليها الناس، فيمنع من هذه الفرجات إلا أن يجعل حائلاً يمنع من المشارفة (أي: الاطلاع على جاره).

وبناء على ذلك قال العلماء رحمهم الله: يلزمُ الأعلى سُتْرةٌ تمنع مُشَارَفة الأسفل، حتى وإن لم يكن إلى جنبه، ما دام مشرفاً عليه، وحتى لو فرض أن النظام لا يمنع ذلك، فإن الشرع يمنعه.

ولا يحل لأحد أن يستعمل النظام ضد أحد فيما يخالف الشريعة، فكل نظام يخالف الشريعة، فهو نظام باطل. قال الله تعالى: {{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}} [المائدة: 50] .

وكما أن الضرر مرفوع ومدفوع فيما بين الناس، فهو أيضاً مدفوع ومرفوع فيما يتعلق بحق الرب عزّ وجل.

ـ لو أن الإنسان تضرر من استعمال الماء في الطهارة، نقول له: تيمّم، وجوباً وليس رخصة، لأن الضرر ممنوع شرعاً. قال الله تعالى: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}} [النساء: 29] وهذه الآية استدل بها عمرو بن العاص رضي الله عنه حين تيمّم من الجنابة ولم يغتسل، لأن الليلة كانت باردة وخاف على نفسه، واستدل بهذه الآية، وأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك فضحك إقراراً[(37)] له على ذلك.

ـ لو قال قائل: أنا إذا سجدت تضررت لأنني أجريت عملية جراحية في عيني، فماذا نقول له؟

الجواب: نقول له: لا تسجد، يجب أن تومي إيماء، لأن الضرر منتفٍ شرعاً.

هذا أصل من أصول الإسلام؛ أنه جاء لجلب المصالح ودفع المضار، وأنه (جاء لسعادة البشر، ولانتفاء الشر عنهم والضرر) .

ثم فرّع على هذا القول:


======================================================
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eldaaia-gantelfrdous.yoo7.com
 
منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 3- الشرح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 2- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 4- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 5- الشرح
» منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: 6- الشرح
»  منظومة أصول الفقه-الشرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:7- الشرح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الداعية جنة الفردوس :: العلوم الشرعية :: علم الفقه-
انتقل الى: